تاريخ الدولة العثمانية (المقدمة)
--------------------------------------------------
التاريخ العثماني لماذا وصل إلينا هكذا ؟
لماذا و متى بدأ تشويه التاريخ العثمانى ؟* مقدمة
--------------------------------------------------------------------
إن علم التاريخ ليس مجرد تسجيل للوقائع والأحداث بصورة مجردة، إنما تتدخل به الانتماءات الأيديولوجية والفكرية لكل كاتب،
ولعل أبرز مثال على هذه التدخلات من الناحية السلبية هو ما فعله المؤرخون بتاريخ الدولة العثمانية.
وقد انقسم كتاب التاريخ العثمانى إلى فريقين بين مهاجمين له و مدافعين عنه :
🔼 الفريق الأول وهو الأغلب لأنه يمثل المستشرقين الغربيين واليهود والقوميين والعلمانيين الحاقدين على الحكم العثماني، ..
وهؤلاء استخدموا أساليب العداء والطعن والتشويه والتشكييك فيما قام به العثمانيون من خدمة لأمة الإسلام،
🔼 أما الفريق الثاني عبَّرَ عن انتمائه للأمة والدولة العثمانية كجزء من الحكومات التي صانت بيضة الإسلام لعهود طويلة.
🔹وهذا الهجوم الروائي المسيئ للدولة العثمانية لم يتولد فقط نتيجة الصراع الإسلامي مع الغرب في العصور الوسطى فقط ؛ بل أعيد توليده بتوسع في مرحلة الصراع المملوكي – العثماني – الصفوي – الصليبي،..
وقد حفلت تلك الروايات بالتوجس والعداء، وعلى هذا كان التصور الغربي والعربي سلبي تجاه الحكم العثماني.
و كان آخر تطور لهذا الهجوم في القرن التاسع عشر عندما راجت فكرة القوميات و الثورات التى نجحت الماسونية فى بذرها فى أوربا أولا ثم فرضها الغرب على العالم ...
فصارت الحركات المحلية و القومية تمارس ذلك الهجوم وتشويه تاريخ و أخبار الإمبراطوريات التى هي ضمن سيطرتها لتدعم انفلاتها و تحررها من السلطات المركزية للإمبراطوريات الكبيرة على رأسها العثمانية و إمبراطورية المجر النمسا و امبراطورية القيصر في روسيا ..
🔹 و لنعد للمرحلة الوسطى وهي مرحلة الصراع المغولى الأوربي مع العثمانيين كان هناك طرف ثالث كان من المتوقع أن ينضم إلى أبناء مذهبه السنة العثمانيين ضد المغول بقيادة تيمورلنك وأيضا كان الصراع العثماني الأوربي على أشده لأن بايزيد لم يكف عن حصار القسطنطينية فأوشكت أن تسقط على يديه 😢
إلا أن حملة التشويه استطاعت أن تعكس الآية ❗
فمنذ أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، حذر شيخ المؤرخين العرب عبد الرحمن بن خلدون - حذر السلطان المملوكي برقوق من عواقب قبول التحالف مع العثمانيين، مرددًا قولته المشهورة:
"لا تخشوا على ملك مصر إلا من أولا عثمان". 😡
وكذلك مؤرخون عرب ومسلمون حملوا نفس التصور.❗
الوحيد الذي خالف ذلك هو المؤرخ ابن تغري بردي المثقف بحسه العالي، إذ دعا الى تحالف عثماني مملوكي ضد المغول بقيادة تيمورلنك، غير أنه في ظل حال الالتباس والتوجس، تم تجاهل رأيه، مما أدى في النهاية الى تحقيق نبوءته، فاجتاح المغول أراضي المماليك والعثمانيين في الشام والأناضول كلها.
و العجيب أن نجاح فكرة التشويه تلك إمتدت حتى جاء دور الصراع الصفوى الرافضى مع الدلة العثمانية فى ذات الوقت الذي كان فيه سليم الأول يقاتل في قلب أوربا و طلب من المماليك مساعدته ضد أوربا و اسماعيل الصفوي فما كان منهم إلا أنهم عقدوا تحالفا مع الشاه اسماعيل الصفوى ضد سليم ياووز الاول ❗
فأدى ذلك لانشغاله عن حروب أوربا و عن اتمام ازالة الدولة الصفوية و سعى لهدم دولتهم فأزالهم من الوجود و فقد العالم الإسلامي طرفا كان من الممكن أن يعدل دفة الصراع مع أعدائه لو أنه اتبع الحق .
🔹أما بالنسبة لآراء الكتاب الأوروبيين من الحكم العثماني، فقد كانت محكومة بمواقف بلادهم من التقدم العثماني في أوروبا، خصوصًا بعد أن سقطت عاصمة الدولة البيزنطية (القسطنطينية) بيدهم، وحولها العثمانيون إلى عاصمة للإسلام (إسلام بول)،
فتأثرت نفوس الأوربيين بنزعة الحقد ضد العثمانيين، خاصة الرهبان والبابوات وزعماء الإقطاع الذين أخذوا يغذون الشارع الأوروبي بالأحقاد والدسائس ضد المسلمين في خطاباتهم وكتابتهم، ووصفوهم بالبرابرة والكفرة والوحوش والرعاة.
سيما بعد أن حاول العثمانيون السير لضم روما الى حظيرة الدولة الإسلامية، وأرادوا بلوغ ديار الأندلس لإنقاذ المسلمين فيها، وعاشت أوروبا في خوف وفزع وهلع ولم تهدأ قلوبهم إلا بوفاة السلطان محمد الفاتح.
🔹 ومع بداية عصر النهضة في أوروبا، لم يستطع وجدان المجتمع الأوروبي أن يتخلص من تلك الرواسب الموروثة تجاه العالم الإسلامي بشكل عام وتجاه الدولة العثمانية بشكل خاص.
ولذلك اندفعت قواتهم العسكرية المدعومة بحضارته المادية للانتقام من المسلمين، واستحواذ خيراتهم بدوافع دينية واقتصادية وسياسية وثقافية، وساندهم كتابهم ومؤرخوهم، للطعن والتشويه في الاسلام وتاريخه، فكان نصيب الدولة العثمانية من هذه الهجمة الشرسة كبيرًا.
كما تأثر كثير من مؤرخين العرب بالاتجاهات الأوروبية المادية، ولذلك أسندوا كل ماهو مضيء في تاريخ بلادهم إلى بداية الاحتكاك بهذه الحضارة البعيدة كل البعد عن المنهج الرباني، واعتبروا بداية تاريخهم الحديث من وصول الحملة الفرنسية على مصر والشام وما أنجزته من تحطيم جدار العزلة بين الشرق والغرب. 😡❗
واحتضنت القوى الأوروبية الاتجاه المناهض للخلافة الإسلامية، وقامت بدعم المفكرين في مصر والشام إلى تأصيل الإطار القومي وتعميقه من أمثال البستاني واليازجي وجرجي زيدان وأديب إسحاق وسليم نقاش وفرح انطوان وشبلي شميل وسلامة موسى وهنري كورييل وهليل شفارتز وغيرهم، وكان أغلب هؤلاء من حملة التيار التغريبي المسيء لتاريخ الأمة الإسلامية وحضارتها.😡
🔹 وقد شارك بعض المؤرخين السلفيين 😢 في المشرق العربي في الهجوم على الدولة العثمانية مدفوعين إلى ذلك بالرصيد العدائي الذي خلّفه دور الخلافة العثمانية ضد الدعوة السلفية (الوهابية)في عديد من مراحلها !!!
بسبب مؤامرات الدول الغربية الاستعمارية التي دفعت السلاطين العثمانيين للصدام بالقوة الإسلامية في نجد قلب الدعوة السلفية،...
وكذلك لمساندة الخلافة للاتجاه الصوفي، فضلًا عن أن دولة الخلافة في سنواتها الأخيرة سيطر عليها دعاة الطورانية التركية ( جمعية التحاد و الترقي و حزب تركيا الفتاه ) الذين ابتعدوا بها عن الالتزام بالمنهج الإسلامي الذي تميزت به الدولة العثمانية لفترات طويلة، وشجع كافة المسلمين للارتباط بها وتأييدها والوقوف معها.
🔹 وأما المؤرخون الماركسيون فقد شنوا حربًا لاهوادة فيها على الدولة العثمانية، واعتبروا فترة حكمها تكريسًا لسيادة النظام الإقطاعي الذي هيمن على تاريخ العصور الوسطى السابقة،
وأن العثمانيين لم يُحدثوا أي تطور في وسائل أو قوى الإنتاج، وأن التاريخ الحديث يبدأ بظهور الطبقة البورجوازية ثم الرأسمالية التي أسهمت في إحداث تغيير في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في بداية القرن التاسع عشر،❗
والتقوا في ذلك مع المؤرخين الأوربيين من أصحاب الاتجاه الليبرالي وكذلك مع أصحاب المنظور القومي، ممن نادوا بنزعات محلية مدعومة من الماسونية العالمية كأصحاب مشروع وحدة وادي النيل بين مصر والسودان، ودعاة الاتجاهات المحدودة كأتباع الفرعونية في مصر، والآشورية في العراق، والفينيقية في الشام..الخ.
لقد غلبت على الدراسات المذكورة طابع الحقد الأعمى، بعيدة كل البعد عن الموضوعية، ❗
🔹 وأدى ذلك الى ظهور رد فعل إسلامي للرد على الاتهامات والشبهات التي وجهت للدولة العثمانية،
ولعل من أهمها تلك الكتابة المستفيضة التي قام بها الدكتور عبد العزيز الشناوي في ثلاث مجلدات ضخمة تحت عنوان "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها".
ومن الجهود المشكورة في هذا الميدان ما قام به الباحث المتخصص في تاريخ الدولة العثمانية الأستاذ محمد حرب الذي كتب للأمة الإسلامية كتبا قيمة مثل :
"العثمانيون في التاريخ والحضارة"
"السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم" "السلطان عبد الحميد آخر السلاطين العثمانيين الكبار".
ومن الأعمال القيمة في تاريخ الدولة العثمانية ماقدمه الدكتور موفق بني المرجة كرسالة علمية لنيل درجة الماجستير تحت عنوان
"صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد"
واستطاع هذا الكتاب أن يبين كثيرًا من الحقائق المدعومة بالوثائق والحجج الدامغة، وغير ذلك من الكتاب المعاصرين.
وقد اعتمد مؤرخون منصفون على إعادة كتابة التاريخ العثماني، ومنهم كتاب أتراك وعرب وغربيون، على المخطوطات والوثائق، وعلى سجلات المحاكم الشرعية، وحجج الأوقاف والدفاتر المالية، وسجلات المواني، وسجلات الروزنامة، والعقود التجارية المحفوظة كلها.
ولجميع تلك المصادر التاريخية أهمية قصوى فهي تسجل التاريخ العربي اليومي تحت الحكم العثماني. وفضلًا عن ذلك تم الاعتماد على وثائق الأرشيف العثماني بإسطنبول، الذي احتوى على آلاف الوثائق الخاصة بالولايات العثمانية الشرقية والغربية.
وعلى هذا، فقد وصف مؤرخون عرب معاصرون القراءات المتعددة للتاريخ العثماني بأوصاف منصفة وحيادية، فقد قال الباحث المصري محمد عفيفي:
👌 "إن صورة الدولة العثمانية تتغير من فترة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، فصورتهم في مصر تختلف عن صورتهم في الشام".😐
وكذلك الباحث السوري صقر أبو فخر إذ قال :
👌 "ليست الدولة العثمانية شريرة، بل كانت دولة عظيمة بلا ريب. ولم ينظر إليها العرب أنها دولة استعمارية، بل اعتبروها دولتهم، وكانوا يسمّون أبناءهم بأسماء مثل "تركي" و"تركية" و"دولت" وغيرها....
لكنها مثل أي دولة عظيمة أخرى، مرّت بأطوار من الصعود والهبوط، أو التقدّم والانحطاط، أو التشدّد واللين، أو العدل والاستبداد. لذلك، تخضع دراسة التاريخ العثماني لتلك المتناقضات". 👍
في نهاية المطاف يمكننا القول:
نجحت الدراسات التاريخية الحديثة في إزالـة الغـبـار عـن حـقـيـقـة الـواقـع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للدولة العثمانية، مما ساهم في إعادة النظر، بل ودحض فكرة تخلف الشعوب والأمم الخاضعة للحكم العثماني.
وغالبية الكتاب ترى أن العثمانيين حكموا المنطقة العربية أربعة قرون، فيها سنوات نهضة وسنوات انتكاسة.
وشارك في الدولة العثمانية أجناس متعددة ولغات مختلفة بما فيها العرب الذين شاركوا في الحضارة والسياسة في تلك الفترة. كما أن الصورة القاتمة التي رسمها بعض المؤرخين للحقبة العثمانية خاطئة.
فالدولة العثمانية تميزت بالتسامح الديني والثقافي، وكانت الملاذ الآمن والبلد الحضاري لكل الفارين من الاضطهاد الديني والقهر السياسي في أوروبا والممالك الأخرى في العالم آنذاك.
--------------------------------------------------------------------
تعتبر هذه الفقرة تمهيدا لموضوع : (تاريخ الدولة العثمانية )
#تاريخ_الدولة_العثمانية_جواهر [0]
إرسال تعليق