تاريخ التتار الأول (4)
------------------------------------------------------------
بداية التحرش و الإحتكاك بالعالم الإسلامي :
كانت أحوال الصليبيين في الشرق بائسة بعد حطين و استرداد بيت المقدس و فشل الحملة الصليبية الثانية و الثالثة لذا فكر الصليبيون فى التعاون مع هذه الدولة الناشئة القوية و استدعائهم للقضاء على المسلمين .
وقد أرسل الصليبيون وفداً رفيع المستوى من أوروبا إلى منغوليا -والمسافة بينهما مسافة تزيد على اثني عشر ألف كيلو متر ذهاباً فقط-؛ ليحفزوا التتار على غزو بلاد المسلمين، وإسقاط الخلافة العباسية، واقتحام بغداد درة العالم الإسلامي في ذلك الوقت،
فقد كان الصليبيون غير قادرين على دخول العالم الإسلامي، فقد كانوا ضعفاء حال خروجهم من معركة حطين ومعركة الأرك، ويريدون أن يدمروا أمة الإسلام،
فنظروا إلى هذه القوة الجديدة الناشئة، فأرسلوا إليها، يعرضون عليها التعاون معها، وعظموا لهم جداً من شأن الخلافة الإسلامية، وذكروا لهم أنهم سيكونون عوناً لهم في بلاد المسلمين، وعيناً لهم هناك،
وبذلك تم إغراء التتار إغراء كاملاً، وحدث ما توقعه الصليبيون، فقد سال لعاب التتار لأملاك الخلافة العباسية، وقرروا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية جداً بثرواتها، والمليئة بالخيرات،
هذا مع عدم توافق التتار مع الصليبيين في أمور كثيرة، حتى إنه دارت بينهم بعد ذلك حروب في أماكن متفرقة من العالم، فقد حارب التتار الصليبيين في كل مكان، ولكنهم عندما يواجهون أمة الإسلام، فإنهم يوحدون صفوفهم لحرب الإسلام والمسلمين.
كان أول ما فكر فيه جنكيز خان لتنفيذ خطته هو الإستيلاء على وسط آسيا أو الرقعة التى تجاور دولته من جهة الغرب و هي إقليم خوارزم أو أملاك الدولة الدولة الخوارزمية المسلمة ليؤمن طريقه إلي بغداد .
فما هي قصة الدولة الخوارزمية و ماذا جري ؟
-------------------------------------------------------------------
نشأة الدولة الخوارزمية وتوسعها :
نشأت الدولة الخوارزمية بين أحضان دولة السلاجقة التي حكمت مناطق واسعة في الشرق الإسلامي،...
أنوشتكين والى خوارزم :
فقد ظهر في عهد السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان مملوك نابه في بلاطه، يسمى "أنوشتكين" نجح في أن يحظى بتقدير السلطان ونيل ثقته، فجعله واليًا على إقليم خوارزم، وظل على ولايته حتى وفاته سنة (490هـ = 1097م).
قطب الدين محمد(خوارزم شاه ) بن أنوشتكين :
لما مات أنوشتكين خلفه ابنه قطب الدين محمد، وكان على مقدرة وكفاية مثل أبيه، فظل يحكم باسم الدولة السلجوقية ثلاثين عامًا (490هـ = 521هـ)، نجح في أثنائها في تثبيت سلطانه، ومد نفوذه، وتأسيس دولته وعُرف باسم خوارزم شاه، أي أمير خوارزم، والتصق به اللقب وعُرف به.
أتسز بن قطب الدين محمد خوارزم :
وبعد وفاة محمد خوارزم سنة (522هـ =1128 م) خلفه ابنه "أتسز" بموافقة السلطان السلجوقي سنجر، وكان أتسز واليًا طموحًا مد بصره فرأى دولة السلاجقة توشك على الانهيار، فتطلع إلى بسط نفوذه على حسابها، واقتطاع أراضيها وإخضاعها لحكمه،
ودخل في حروب مع السلطان سنجر السلجوقي الذي وقف بالمرصاد لطموحات أتسز، ولم يمكنه من تحقيق أطماعه، وأجبره على الاعتراف بتبعيته له، وظل يحكم خوارزم تحت سيادة السلاجقة حتى وفاته في سنة (551هـ = 1156م).
السلطان الخوارزمي علاء الدين تكش :
وفي الوقت الذي بدأ الضعف يدب في أوصال الدولة السلجوقية كانت الدولة الخوارزمية تزداد قوة وشبابًا، حتى تمكنت من إزاحة دولة السلاجقة والاستيلاء على ما كان تحت يديها من بلاد،
وكان السلطان "تكش" بطل هذه المرحلة، وتعد فترة حكمه التي امتدت أكثر من ربع قرن (568-596هـ = 1173 -1200م) العصر الذهبي للدولة الخوارزمية.
السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد :
ولما توفي علاء الدين تكش سنة (596هـ =1200م) خلفه ابنه علاء الدين محمد، وكان كأبيه طموحًا يتطلع إلى توسيع دولته وبسط نفوذها، فدخل في حروب مع جيرانه، فاستولى على معظم إقليم خراسان، وقضى على دولة الخطا سنة (606هـ = 1209م)،
-----------------------------------------------------------------
* الخطا مجموعة من القبائل التى نزحت من شمال الصين بعد انهيار دولتها هناك سنة (519 هـ = 1125م)،
وقداستقرت هذه القبائل في غرب إقليم التركستان إبان العصر السلجوقى، وكونت دولة عُرفت باسم الخطا أوالقراخطائيين، وعملت على توسيع مملكتها الجديدة شرقًا وغربًا؛
حيث امتدت حدودها من صحراء جوبي إلى نهر سيحون، ومن هضبة التبت إلى سيبيريا.
وكانت هذه القبائل لاتكفُّ عن الإغارة على البلاد الإسلامية؛ حيث كانت الخطا تدين بالبوذية فاشتبك جيشها مع السلطان السلجوقى سنجر في معركة قطوان في سمرقند حاليًا سنة (536 هـ = 1141م)،
وقد انتهت هذه المعركة بانتصار الخطا و هلاك جيش السلطان سنجر ؛ وبذلك قامت دولة الخطا في بلاد ما وراء النهر، واستمر الخطا في حكمها لمدة (89) سنة ودفع لهم الخوارزميون جزية سنوية حتى عهد السلطان علاءالدين محمد خوارزمشاه الذي استطاع القضاء على الخطا سنة (607 هـ = 1210م).
---------------------------------------------------------------------
وقد استولى علاء الدين محمد على بلاد ما وراء النهر، وأخضع لسلطانه مكران وكرمان والأقاليم الواقعة غربي نهر السند، وسيطر على ممتلكات الدولة الغورية في أفغانستان،..
وبلغت بذلك الدولة أقصى اتساعها في عهده، حيث امتدت من حدود العراق العربي غربًا إلى حدود الهند شرقًا، ومن شمال بحر قزوين وبحر آرال شمالاً إلى الخليج العربي والمحيط الهندي جنوبًا.
-----------------------------------------
تزامن ظهور جنكيزخان :
وما كاد يهل عام (602هـ = 1206م) حتى كان جنكيز خان قد أخضع لسلطانه كل بدو صحراء جوبي، واتخذ من مدينة "قراقورم" مقرًا له، ووضع للقبائل الخاضعة لها نظامًا يحكمها وقوانين يحتكمون إليها، سميت بالياسا، وهو دستور اجتماعي وعسكري صارم، أساسه الطاعة العمياء للسلطان.
وبعد أن رسخت أقدام جنكيزخان ووثق من قوته تطلع إلى توسيع رقعة دولته، ومد بصره إلى بلاد الصين، حيث الخصب والنماء، فشن حملات عليها، واستولى على مساحات شاسعة من بلاد الصين وتوج جهوده بالسيطرة على العاصمة بكين سنة (612هـ = 1215م).
الاحتكاك بين الدولتين الخوارزمية والمغولية:
تجاورت الدولتان القويتان الخوارزمية والمغولية، ولم يكن هناك مفر من الصدام بينهما، وكان كل منهما ينتظر الفرصة للانقضاض على الآخر، وحدث ما لم يكن منه بد،
فالتقى السلطان علاء الدين محمد خوارزم وهو في طريقه إلى إحدى الغزوات بفرقة من الجيش المغولي كان يقودها "جوجي بن جنكيزخان"، وعلى الرغم من ضخامة جيش الخوارزميين، فإنه لم يفلح في تحقيق نصر حاسم على تلك الفرقة لمهارتها في القتال وأساليبها المبتكرة في الحرب التي اندهش لها الجيش الخورازمي.
وكان لهذا اللقاء أثر في نفس السلطان الخوارزمي، فاستشعر الخوف من هؤلاء الجيران الجدد، ولم يأمن غدرهم، فبدأ يتابع أخبارهم،..
ولما وصلت إليه أنباء استيلاء جنكيزخان على بكين لم يصدق هذه الأخبار، وأرسل وفدًا إلى بكين للوقوف على جلية الأمر، ومقابلة جنكيزخان، فلما وصل إلى هناك استقبلهم وأحسن وفادتهم وبعث معهم برسالة ودية إلى السلطان الخوارزمي.
وبدلاً من أن ينصرف السلطان إلى تقوية دولته والقضاء على المغول الذين يهددون دولته أو مسالمتهم، انصرف إلى النزاع مع الخليفة العباسي الناصر لدين الله،
وطمع في أن يكون له الهيمنة على بغداد والخلافة العباسية كما كانت لسلاطين السلاجقة، فحرك جيوشه الجرارة تجاه بغداد، لكن الأمطار الغزيرة والعواصف الشديدة تكفلت بالأمر وتصدت له، فمات عدد كبير من جند الخوارزميين وهلكت خيولهم،
واضطر السلطان إلى العودة إلى بلاده سنة (614هـ = 1217م)، يجر أذيال الخيبة والفشل وكانت هذه أول صدمة قاتلة قابلته منذ أن ولي الحكم في سنة (596هـ = 1199م).
---------------------------------------------------------------------
أسباب الغزو المغولي للخوارزميين :
فكر جنكيز خان في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان، لأن المسافة ضخمة بين الصين والعراق، ولابد من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش المغولية في منطقة متوسطة بين العراق والصين،
كما أن هذه المنطقة التي تعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية، وكانت من حواضر الإسلام المشهورة وكنوزها كثيرة، وأموالها وفيرة، هذا بالإضافة أنه لا يستطيع ـ تكتيكياً ـ أن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة تحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد،
كل هذه العوامل جعلت جنكيز خان يفكر أولاً في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، والتي تعرف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية،
وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية هامة مثل أفغانستان وأوزبكستان والتركمنستان وكازاخستان وطاجكستان وباكستان وأجزاء من إيران،
وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة أورجندة في تركمنستان حالياً،
وكان جنكيز خان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم (علاء الدين محمد بن خوارزم شاه) على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيز خان من أولئك الذين يهتمون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم،
ولكنه كان قد عقد هذا الاتفاق مع ملك خوارزم ليؤمن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرق آسيا، وأما وقد استقرت الأوضاع في منطقة الصين ومنغوليا، فقد حان وقت التوسع غرباً في أملاك الدولة الإسلامية ،
وحتى تكون الحرب مقنعة لكل الطرفين، لابد من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادعاء بأن الاتفاقيات لم تعد سارية،
وقد بحث جنكيز خان عن سبب مناسب . وانتظر حتى جاء ذلك السبب الرئيسي سيأتي الحديث عنه بإذن الله،
ولكن ثمة أسباب خفية كانت هي البواعث لهذا الغزو، من أهمها:
1 ـ الجدب الذي كان يسود أقاليم آسيا الشرقية، حيث كانت حاضرة جنكيز خان (قراقورم) وما ترتب عليه من قحط نشأت عنه حاجتهم الدائمة إلى إلى الكثير من المواد الغذائية اللازمة لحياتهم وحياة دوابهم،
كما كانوا في حاجة ماسة إلى اقتناء ما يقيهم عاديات الطبيعة من ملبوسات وغيرها، وكان لقيام علاء الدين محمد خوارزمشاه بمنع الميرة عنهم من الكسوات والأقوات وغيرها، وسده طرق التجارة في وجوههم، أثره في توجيه أنظارهم إلى الدولة الخوارزمية .
2 ـ حالة اليقظة والنشاط المغولي :كان المغول في هذه الفترة في حالة يقظة ونشاط، يعيشون أمجاد انتصاراتهم السابقة في الصين وغيرها،
وبسبب ذلك، وضعوا لأنفسهم خطة للسيطرة على المناطق المجاورة لهم، وقد سمعوا عن سعة الدولة الخوارزمية التي غدت أملاكها مجاورة لهم، وعن ثراءها الضخم وحضارتها الرائعة يطلعوا إليها .
3 ـ مقتل بعض تجار المغول: وأما السبب المباشر والرئيسي، فإنه مقتل بعض رجال المغول الذي أشعل الحرب؛
فماذا كانت قصتهم و هل كان الأمر مصادفة أو أنه مدبر و مخطط له ؟! اختلف الرواة و تعددت آراؤهم فماذا قالوا و ما هو الرأي الأرجح ؟
---------------------------------------------------------------------
*(المغول) التتار بين الانتشار و الإنكسار ..د. على محمد الصلابي .
* الدولة الخوارزمية د. راغب السرجاني .. موقع قصة الاسلام .
* التتار من البداية إلى عين جالوت .. د.راغب السرجاني
* الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي .
-------------------------------------------------------------------
التاريخ التترى .. أولا إمبراطورية جنكيز خان
جواهر .. تابعونا #تاريخ_التتار_جواهر (4)
إرسال تعليق