تاريخ الدولة العثمانية (4)
-------------------------------------------------
تحدثنا في عجالة فى الفقرة السابقة عن إسم وأصل والد أرطغرل و عن علاء الدين كيقباد و الآن نواصل حديثنا عن أرطغرل رغم أن التاريخ لم يسجل لنا الكثير عن تفاصيل حياته حيث تقول الويكيبيديا :
"على الرغم من ثبوت وجود أرطغرل تاريخياً عن طريق العملات التي سكّها ابنه عثمان الأول، والتي تحدد اسم والده بأرطغرل، إلا أنه لا يوجد أي شيء آخر معروف على وجه اليقين بخصوص حياته أو أنشطته."
(*ليندنر ، رودي (1983). البدو والعثمانيون في القرون الوسطى الأناضول مطبعة جامعة إنديانا. صفحة 21. كفدار جمال : بناء الدولة العثمانية. صفحة 60 ، 122.)
----------------------
🔹 مولد أرطغرل
ولد أرطغرل عام (1191م) تقريبًا في مدينة خلاط وكانت في طرف بحيرة وان ....(*1) تقع على الساحل الشمالي الغربي منها ...(*2)
نشأ أرطغرل في كنف والده ووالدته وهو ثالث أبنائهم، وتميز بصفات قيادية تختلف عن إخوانه، مثل: الإصرار والشجاعة والإقدام، وهي التي ميزته عن إخوانه. (*3)
-------------------------
🔹 زواج أرطغرل
تزوج أرطغرل من السلطانة حليمة عام (1227م)، وأقرب الروايات أن حليمة والدها هو السلطان غياث الدين مسعود بن كيكاوس السلجوقي(*4)
وكان للسلطانة حليمة شأن وتأثير كبير في تاريخ قبيلة القايى، وتأسيس الدولة العثمانية، ودعم زوجها الغازي أرطغرل عندما تسيد القبيلة، وهي التي ترعرت ونشأت في قصور السلاجقة من السلالة السلجوقية، ثم انتقلت إلى خيمة السيادة في قبيلة «القايى» بجانب الأم «هايماه»، وبصحبة زوجها أرطغرل ووالده.
وتأسست مؤسسة باجيان روم في عهد أرطغرل كما يذكر المؤرخ عاشق باشا في كتابه الحوليات العثمانية، وهي عبارة عن مؤسسة نسائية تعتبر رافدًا مساعدًا للدولة، وأصبحت فيما بعد عدد المنتسبات للمنظمة تجاوز المئة ألف، وفي رواية أخرى الثلاثين ألف منتسبة. ...(*5)
🔹البحث عن وطن
كانت قبيلة القايى تستوطن في بلاد ماهان قرب بلخ، فلما ظهر جنكيزخان، وأخرج منها السلطان علاء الدين خوارزمشاه، وتفرق أهلها. ترك والد أرطغرل البلاد مع من تركها من الملوك وغيرها، وقصد بلاد الروم، وكان قد سمع بدولة السلاجقة وعظم شوكتهم، وكثرة غزوهم إلى الكفار، وتبعه في ذلك خلق كثير.
ثم قصدوا صوب حلب من ناحية البستان أو الأبلستين والمقصود أنهم اتجهوا نحو الجنوب الغربي، وبسبب الخلافات والصراعات داخل الدول الإسلامية وتغلغل الصليبيين في أجهزة الدولة، عاد مع قبيلته. (*6)
وأثناء عودتهم من ماردين التي تبعد 200 كيلو متر من خلاط- وقيل من حلب- وكان يترأسها الملك المنصور ناصر الدين ارتق أرسلان الملك السادس طلب منهما الدفاع عنها من جيوش المغول، وأثناء عبورهم نهر الفرات قرب قلعة جابر غرق بحصانه، وتوفي تقريبًا في أواخر عام (1229) ميلادي.
أراد أرطغرل -بعد وفاة والده- أن يكمل مسيرته في البحث عن وطن آمن، وهو يحمل روح المخاطرة والمغامرة من أجل مبادئه وأفكاره، بينما إخوانه أرادوا العودة إلى موطنهم الأصلي، يبحثون عن الأمن وعدم إراقة كثير من الدماء (*7)
-------------------------
🔹الأناضول المنشود
الأناضول أو الأناطول: معناها الشرق وتُطلق الآن على الأراضي الواقعة شرق البحر المتوسِّط، وهي جزءٌ من الجمهوريَّة التركيَّة. .. (*8) أي الجزء الآسيوي من تركيا....(*9)
كان لظهور المغول أثر كبير في إزاحة عدد كبير من أتراك آسيا الذين يعيشون في منطقة التركستان وأفغانستان، إلى الغرب، حيث هرب هؤلاء الفلاحين إلى أبعد المناطق غربًا ابتعادًا عن مجرمى المغول، وكان من هذه المناطق الأناضول، فأدى هذا إلى زيادة تتريك الأناضول وأسلمته حيث كان معظم هؤلاء المهجَّرين من الأتراك المسلمين.
وخلال القرن الثالث عشر الميلادي عمت الاضطرابات والفوضى كلا من السلطنة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى ضعف قوتها بعد الحملة الصليبية الرابعة (1204م) عندما استولت على القسطنطينية.
وفي الوقت نفسه فشلت الدولة السلجوقية من فرض النظام على القبائل التركمانية بسبب ما قام به المغول من سلب ونهب؛ إذ كان المغول قد بدءوا في شن غارات بربرية قاسية وخاطفة، وأعدوا الحملات وجيشوا الجيوش، موجهينها إلى آسيا الصغرى مما أدي إلى إضعاف قوة السلاجقة، مما مهد لإزالتها تمامًا.
وفي هذه الأثناء تدفق البدو الرحل والجند المدربون الذين كانوا شغوفين بخوض المعارك لتحقيق الكسب المادي ولفرض العقيدة الصحيحة على العالم المسيحي. ونزحت القبائل التركمانية إلى الأناضول عند حدود بيزنطية بعيدًا عن هجمات المغول، والتي كانت تترأسها عائلاتٌ من قبائل تركمانيةٍ من قبائل الأغوز في الفترة التي كانت فيها دولة السلاجقة تلفظ أنفاسها الأخيرة . ....(*10)
-----------------------------
🔹أرطغرل وانتصار ياسي جمن
سار أرطغرل مع القبيلة التي انضمت معه إلى أرزنجان.. (*11) يريدون التوجه إلى «جنوب الأناضول» عند حدود بيزنطة، فشاهد جيشين مشتبكين، فوقف على مرتفع من الأرض ليتمتع نظره-بهذا المنظر المألوف لدى الرحل من القبائل الحربية،
ولما اَنس الضعف في أحد الجيشين وتحقق انكساره وخذلانه إن لم يمد المساعدة، دبت فيه النخوة الحربية، ونزل هو وفرسانه مسرعين لنجدة أضعف الجيشين ...(*12)
هاجم أرطغرل ومحاربوه الجيش الثاني بقوة وشجاعة عظيمتين حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر، لولا هذا المدد الفجائي، وأعمل فيهم السيف والرمح ضربًا ووخزًا حتى هزمهم شر هزيمة،
ويقال أن أرطغرل وأخيه دوندار بك واجهوا على مقربة من مدينة سيواس (بالتركية: Sivas) معركة للسلاجقة ضد المغول، حيث دعموا السلاجقة مما كان سبباً لفوزهم في المعركة.
والمصدر الوحيد الذي ذكر هذه المعركة هو "محمد نشرى" (Mehmed Neşrî) في كتابه "جيهان نومة" ( تاريخ العالم Kitâb-ı Cihannümâ)،
ولكن وفقا للمؤرخين فإن معركة "المرج الواسع" (ياسّو تشيمين) (بالتركية: Yassı Çemen Muharebesi) الواقعة بين علاء الدين كيقباد الأول سلطان سلاجقة الأناضول وبين الخوارزميين عام 1230م، قد تكون هي المعنية.
سلّم السلطان علاء الدين إلى أرطغرل منطقة عند جبل قره جه طاغ (بالتركية: Karacadağ) (الواقعة بالقرب من أنقرة حالياً) في عام 1230م، حيث عاش فيها أرطغرل مع قبيلته.(*13)
وبعد مضي فترة من الزمن في سفوح جبل قره جه طاغ (Karacadağ) في شرق الأناضول، أرسل أرطغرل ابنه صاووجي بك (Savçı Bey) إلى السلطان علاء الدين كيقباد لطلب الاستقرار في منطقة جديدة. ووفقا للمصادر العثمانية، حصل أرطغرل على هذا الإذن، فانتقل واستقر مع قبيلته في محيط سكود، في صقاريا (بالتركية: Sakarya).....(*14)
❗ وتقول الروايات الأخرى وبعد تمام النصر علم أرطغرل أن الله قيضه لنجدة جيش دولة السلاجقة بقيادة السلطان علاء الدين كيقباد الأول في معركة ياسي جمن (yassçiemen) على جيش السلطان جلال الدين منكبرتي خوارزم .
وانكسر الخوارزميون كسرة عظيمة، وقتل منهم خلق كبير، واستؤسر بعض الأمراء والجبابرة المشاهير، وانهزم الكثيرون منهم إلى طرابزون وبلاد الكرج، وسقط نحو ألف وخمسمائة فارس من كهف عالٍ ليلًا وماتوا ..... (*15).
👌إلا أن الراجح أن المعركة كانت بين السلاجقة و المغول ذلك ﻷن الروايات تثبت أن أرطغرل قاتل البيزنطيين في صفوف علاء الدين كيقباد قبل وقوع معركة ياسي جمن بحوالى 8 سنوات ( أي1222م) ولاشك كان تعرف على كيقباد قبل ذلك التاريخ ؛ ولأن منكبرتي لم يكن بهذه القوة بعد أن مزقته حروب التتار وكان في عدد قليل ممن تبقى من جيشه يحاول الاستيلاء على أخلاط عندما هزمه تحالف علاء الدين و الأيوبيين
-------------------------
🔹الجائزة.. وطن
بعد الانتصار الكبير الذي حققه أرطغرل ؛ارتبطت علاقة قوية ما بين السلطان علاء الدين السلجوقي مع أرطغرل، وأصبح الثاني هو وقبيلته تابعًا للدولة السلجوقية في قونيا (*16).
منح السلطان علاء الدين كيقباد السلجوقي منح أرطغرل غازي بك حدوديًا صغيرًا جدًا في سوغوت (بالتركية: Söğüt) عند ولاية بيلهجك، ليتمكن من صيانة الحدود وتوسيعها، وهكذا استوطن أرطغرل بك وعشيرة قابي في القسم الشمالي – الغربي من الأناضول. وقد كان ذلك في عام 1231 على أرجح الأقوال.
وتقدر مساحة هذه الاقطاعية بما بين 1000 إلى 2000 كيلو متر مربع. وبها وُضع حجر أساس الدولة العثمانية التي ستقوم على يد ابنه عثمان غازي ويستمر حكمها 600 سنة تقريبًا.
---------------------
❗تقول الرواية الأخري :
كان أرطغرل غازي على علم بالصراع الواقع بين يوحنا الثالث دوكاس فتاتزيس (John III Doukas Vatatzes) إمبراطور نيقية (أكبر الدويلات التي انشأها البيزنطيون بعد سقوط القسطنطينية في إيدي اللاتين أثناء الحملة الصليبية الرابعة) وعلاء الدين كيقباد الأول سلطان سلاجقة الأناضول، حول منطقة سلطان أويو (بالتركية: Sultan Öyüğü) وإنغوري (بالتركية: Engüri)،
فشارك أرطغرل غازي في القتال الدائر بينهما بين عامي 1222م و1230م بغرض خدمة الجيش السلجوقي وشارك في حصار قلعة قره جه حصار (بالتركية: Karacahisar).
رحّب علاء الدين كيقباد الأول سلطان سلاجقة الأناضول بمشاركة أرطغرل غازي في القتال، وعينه رئيساً للمحاربين المهاجمين.
في عام 1230م، وبسبب نتائج معركة "المرج الواسع" (ياسّو تشيمين) ( Yassı Çemen Muharebesi) بين السلاجقة والخوارزميين، ومعركة "جبل كوسه طاغ" ( Kösedağ Muharebesi) بين السلاجقة والمغول، تم إحلال السلام بين علاء الدين كيقباد الأول سلطان سلاجقة الأناضول ويوحنا الثالث دوكاس فتاتزيس إمبراطور نيقية.
بعد فترة وجيزة أعطى علاء الدين كيقباد الأول لأطغرل غازي أو لأجداده، مشتى سكود (مبيت شتوي لقبائل البدو يكون دافئا لهم ولبهائمهم وعادة ما تكون أرض منخفضة)
كما أعطاه منطقة دومانيتش ( Domaniç) كمصيف (مكان مرتفع يكون بارداً أثناء حرارة الصيف ومناسب لتكاثر ماشية البدو)، وفيها دُفنت والدة أرطغرل: هيماه أنّا (Hayma Ana) وابنه سارو باطو صاووجي بك الذي استشهد لاحقا في معركة دومانيتش عام 1287م.
استمر أرطغرل غازي في الإغارة علي ذلك المكان، في حين غادر علاء الدين كيقباد الأول قلعة قره جه حصار ( Karacahisar). ثم تصالح أرطغرل غازي بعد ذلك مع القوات المحلية في تلك المنطقة.
هذه المعلومات الموجودة في كتاب "التاريخ الروحي"، نُقلت بواسطة المُلَّا محمد نشري ( Mevlânâ Mehmed Neşri) المتوفى سنة 1520م، وهو مؤرخ عثماني بارز من التأريخ العثماني المبكر، وقد اعتمد في بعض أجزاء كتابه على أعمال عاشق باشا زاده أحد أوائل أعلام التأريخ العثماني، والذي أقام حينًا من الدهر في مصر وشهد فتح القسطنطينية.(*17)
-------------------
واستطاع أرطغرل بك توسيع أراضيه خلال مدة نصف قرن قضاها كأمير على مقاطعة حدودية، إلى 4800 كيلو متر تقريبًا. وتوفى في 1281م وعمره 90 سنة ودفن في قصبة سوغت التي استولى عليها من البيزنط واتخذها قاعدة له.
وتضم الدولة التي خلفها أرطغرل بك، بالنسبة للتقسيمات الإدارية الحالية، بصورة تقريبية: سوغت وبوزيوك التابعة لولاية بيله جك، اقضية دومانج التابعة لولاية كوتاهية، وناحية يارمجه الواقعة بين نهري بورسك وسقاريا التابعة لولاية اسكيشهر، والقسم الشمالي من اسكيشهر إذا ما تركنا اسكيشهر في الخارج (*18).
وأخيرًا تحقق حُلم أرطغرل، أن يكون له وطن فيعيش آمنًا هو وقبيلته، وهنئيًا لمن هذا حُلمه، فكأن الدنيا بأجمعها بين يديه، وهي سعادة حقيقية لن يشعر بها إلا مَنْ هُدِّد في رزقه وأَمْنه؛ ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»...(*19).
ويبدو أن أرطغرل كان في هذا الوقت قد سكن أطراف الأناضول، وليس كما تُصوره بعض الروايات أنه كان مارًا بها مصادفة، فحدث ما حدث؛ لأن اشتركه في المعركة إلى جانب علاء الدين كيقباد السلجوقي، يدعم وجوده منذ فترة ومعرفته التامة بالسلاجقة ولو كان قادمًا من الشرق في هذا التوقيت كان من المنطقي أن ينضم إلى جلال الدين خوارزم(منكبرتي) الذي كان يعيش في كنفه؛ وليس إلى علاء الدين كيقباد.👍
وإلى ما ذهبنا تشير بعض الروايات، فقد أرسل أرطغرل ابنه ساوجي بك إلى السلطان علاء الدين السلجوقي يلتمس منه مسكنًا له ولقبيلته ومرعى لمواشيهم، فأجاب له الطلب، ثم توفى ساوجي بك وهو عائدٌ إلى أبيه(*20).
وكان هذا قبل المعركة، ويبدو أنه فعل ذلك فور وصوله استئذانًا، وطلبًا للوطن الذي يرغب فيه، ومات ابنه قبل أن يأتي بالموافقة، وكانت مشاركته بعد ذلك مع علاء الدين كيكباد، الذي وضح أنه كان يعرفه وأراد أن يدعمه.
------------------------
🔹أرطغرل مُربيًا
استقلت عشيرة القايى صغيرة الحجم التي لم تتجاوز 400 خيمة ولم تتجاوز 4000 شخص بما فيهم النساء والرجال بقيادة زعيمها أرطغرل(*21)، فاستطاع وضع الأساس لبناء الوطن، ومهد الطريق للتحول من طور القبيلة إلى الدولة، فوسع مدينة سوغوت من 1000 كم إلى 4800 كم، وكان يقيم فيها أرطغرل في الشتاء؛ لأنها مدينة دافئة.
وتتميز المدينة حاليًا بوجود قبور الكثير من قادة قبيلة القايى، مثل: «أرطغرل وزوجته حليمة وبعض أبنائه وكثير من المحاربين».
ثم فتح أرطغرل مدينة دومانيتش (بالتركية: Domaniç) التي صارت مصيفًا للقبيلة؛ لأنها مرتفعة وباردة في الصيف، ويوجد فيها الآن قبر «هايماه» والدة أرطغرل...(*22).
سار أرطغرل في طريق المصلحين، وأراد أن يُعد قبيلته إعدادًا محكمًا، وأن يربيهم على القيم والمثل، ويزرع فيهم الإيمان والعمل الصالح، وينبت فيهم نبتة ستكون وارفة الظلال، كثيرة الأفنان فيما بعد،
فأسس نظامًا اجتماعيًا وهو عبارة عن مؤسسات اجتماعية من الدراويش والمشايخ الذين انضموا لمعسكر قبيلة القايى لأنها الإمارة الوحيدة التي بمنزلة رباط على الحدود البيزنطية(*23).
----------------------
🔹مولد عثمان
في عام (1258م – 656هـــ) عندما اقتحم هولاكو بغداد ودمرها، وأسقط راية المسلمين وتمزق العالم الإسلامي، وأصبحت الأمة في أضعف نقطة تصل إليها، وقتل المسلمين وتشردوا، وفي نفس اليوم ولد عثمان بن أرطغول في مدينة سوغوت، ولم يعلم المغول أو العالم الأوروبي أن هذا المولود سوف يبعث الروح من جديد في الأمة، ويجدد الدين، ويؤسس دولة تتصدى لكل الدول، وتصبح أقوى إمبراطورية في تلك المرحلة(*24).
تميز عثمان بأن جمع مع الصفات القيادية -التي صقلت في ميادين الجهاد والمعارك في جانب والده- العلم والتصوف الروحاني؛ لذا كلف أرطغرل مجموعة من رفاق دربه من المحاربين بتدريب ابنه عثمان على الروح الجهادية، وتعليمه الرماية وركوب الخيل واستعمال السيف، ..
فتربى تربية جهادية، بأن التصق مع الشيخ أده بالي القرماني وهو الشيخ: عماد الدين مصطفي بن إبراهيم، الذي كان منتسبًا للطريقة الوفائية، وكان يلازمه حتى في بعض المرات بأن ينام عنده في التكية التي تعد مكان الدرس. فكان عثمان يحب رجال الدين والمرشدين المعنويين، قام بوظيفة المستشار الديني والإداري للشيخ....(*25).
أوصى « أرطغرل غازي » ابنه عثمان بوصية طويلة قيّمة، يحثه فيها بضرورة الاهتمام بأولياء الله من العلماء (شيخه أده بالي)، وهناك جزء صغير من تلك الوصية مكتوب الآن عند قبر أرطغرل وهو الجزء الذي يحثه فيه على عدم عصيان الشيخ، يقول فيها :
« انظر يا بني ! يمكن أن تؤذيني، ولكن لا تؤذ الشيخ «أده بالي»! فهو النور لعشيرتنا.
ولا يُخطئ ميزانه قدر درهم! كُن ضدي ولا تكن ضده... فإنك لو كنت ضدي سأحزن وأتأذى.. أما لو كنت ضده فإن عينيَّ لن تنظر إليك. وإن نظرتا فلن ترياك. إن كلماتي ليست من أجل الشيخ «أده بالي»، بل هي من أجلك أنت. ولتعتبر مقالتي هذه وصية لك..» .
------------------------
🔹انتهاء الرحلة
بعد حياةٍ طويلةٍ من الجهاد والفتوحات كبر أرطغرل فلم تستطع عظامه أن تحمله؛ فقام أبناؤه بمواصلة مسيرة الجهاد وتحمل المسئولية الجهادية، فبرز ابنه عثمان في ميادين الجهاد، وتوفي أرطغرل عام 1284م عن عمرٍ يناهز التسعين(*26).
لم يكن أرطغرل أميرًا مشهورًا، ولا فارسًا أسطوريًا، ولا طمح حتى في الدولة التي كانت في ما بعد، لكنه كان قائدًا شجاعًا حكيمًا، مربيًا في المقام الأول، فهو أولى بمقولة «وِل ديورَانت» في عثمان ابنه: «لم يكن عثمان قائدًا عظيمًا، ولكنه كان مثابرًا صبورًا» .....(*27)
-------------------------------------------------------------------
(*1)بحيرة وان أو أرجيش على ما سماها به المصنفون الأولون، أشهر بحيرات أرمينية، وكان على شطآنها مدينة خلاط وأرجيش ووان ووسطان، وقد وصفها الإصطخري: وطولها عشرون فرسخًا[لسترنج، كي، بلدان الخلافة الشرقية، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1985م، ص218].
(*2) موستراس، س، المعجم الجغرافي للإمبراطورية العثمانية، دار ابن حزم، لبنان، الطبعة الأولى، 2002م، ص32.
(*3) أوزتونا، يلماز، تاريخ الدولة العثمانية، ، ص86.
(*4)
Claude, Pre - Ottoman Turkey,P. 295.
(*5) كوبر لي، محمد فؤاد، قيام الدولة العثمانية، دار الكاتب العربي، 1967م، ص163.
(*6) القرماني، أحمد، تاريخ سلاطين آل عثمان، دار البصائر، الطبعة الأولى، 1985م، ص10.
(*7) المرجع السابق، ص12.
(*8) المعجم الوسيط، 1/28.
(*9) الموسوعة العربية الميسرة، المكتبة العصريَّة، الطبعة الثالثة، 2009، 1/451.
(*10)كولز، بولز، العثمانيون في أوروبا، الهيئة المصرية للكتاب، 1993م، ص26.
(*11)تقع بين بلاد الروم وخلاط.
(*12) تاريخ الدولة العثمانية، ص86.
(*13) الجويني، عطا ملك، تاريخ فتح العالم جهانكشاي، 1985م، ص272
(*14)فاهميتين باسار: إرتور غازي. In: Türkiye Diyanet Vakfı İslâm Ansiklopedisi. Istanbul 1995، S. 314 f.
(*15) المصدر السابق انظر الويكيبيديا .
(*16) ابن العبري، مخطوطة تاريخ الأزمنة، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2007م، ص93.
(*17) شيمشيرغيل، البروفيسور أحمد، سلسلة تاريخ بني عثمان، ص25.
(*18) انظر الويكيبيديا العامة - أرطغرل
(*19) يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/86، 87.
(*20) رواه الترمذي (2346)، وابن ماجه (4141)، وابن حبان (671)، والطبراني: المعجم الأوسط، (1828)، وحسنه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (2317).
(*21) إبراهيم بك حليم: التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية، ص34، 35، أحمد بن يوسف القرماني: أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، 3/6،7.
(*22)
Cambridge Medieval History: IV P654.
(*23) كولز، بولز، العثمانيون في أوروبا، الهيئة المصرية للكتاب، 1993م، ص-25 -26.
(*24) الصلابي، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، ص45.
(*25) تاريخ سلاطين آل عثمان، ص13.
(*26) تاريخ الدولة العلية، ص114.
(*27) وِل ديورَانت، قصة الحضارة، 26/55.
** من كتاب «أرطغرل.. قصة بناء وطن» تأليف أحمد المنزلاوي.نقلا عن موقع قصة الإسلام
---------------------------------------------------------------------
عثمان غازي الأول - الفقرة التالية بإذن الله
تابعونا
#تاريخ_الدولة_العثمانية_جواهر [4]
إرسال تعليق