تاريخ الدولة العباسية (7)
-----------‐------‐--------------------------‐---------------
خلافة أبي العباس السفاح و أحداثها الدامية
-----------‐------‐--------------------------‐--------------
🔹️️ ملخص ما سبق :
في يوم الجمعة (۱۳ ربيع الأول ١٣٢ ه) أعلن رسميا قيام الدولة العباسية و صلى أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي ؛ بالناس وفي خطبته قال جملته الشهيرة : { فاستعدوا فأنا السفاح الهائج، والثائر المبير. } .. 👌 وبسبب هذه الجملة الأخيرة لقب بالسفاح .
وفي ١١جمادى الآخرة (سنة ۱۳۲ ه) إنهزم مروان بن محمد في آخر معاركه مع العباسيين فهرب الى حران ثم قنسرين وعبد الله بن على عم السفاح يتبعه ؛ ثم مضى منها إلى حمص، ثم أتي دمشق ثم مر بالأردن وفلسطين ومضى حتى أتى الفسطاط ومنه خرج إلى بوصير وهي قرية من مركز الواسطى بني سويف بمصر .
ووجه السفاح صالح بن علي في ملاحقة مروان فسار صالح على ساحل البحر والسفن حذاء له ، حتى وصل إلى مصر و سار حتى أتي بوصير وهناك قتل مروان بن محمد لثلاث بقين من ذي الحجة (سنة ۱۳۲ ه) وبقتله انتهت دولة بني أمية من المشرق وتوطدت دعائم الدولة .
سير أبو سلمة الخلال ؛ جيش الحسن بن قحطبة ثم سار أبو جعفر أخو السفاح إلى ابن هبيرة الذي طلب الصلح بعد مقتل مروان فجعل له أمانا وكتب به کتابا رضيه ابن هبيرة ثم أنفذه إلى أبي جعفر فأنفذه إلى السفاح فأمر بإمضائه ؛..
وكان السفاح لا يقطع أمرا دون أبي مسلم فكتب أبو مسلم إلى السفاح يقول له : إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد لا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة .
ولما خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر فدخل عليه وحادثه ساعة وبعد أيام أمر أبو جعفر بقتل ابن هبيرة ومداد الأمان لم يجف وقتل معه عدة من وجوه أصحابه وبقتل ابن هبيرة انطفأ مصباح الدولة الأموية . وورث العباسيون أرض دولتهم الشاسعة التي لم يتعبوا في فتحها ..
قامت هذه الدولة باسم الدين ؛ والسلاح الذي استعمل فيها للتأثير في العقول هو إعادة الأمر لآل محمد و انتزاعه من آل مروان وكان ذلك السلاح يصل إلى شغاف القلوب فيثيرها من مكمنها ؛ واختار القوم لغرس دعوتهم بلادا كانت من قبل مهدا للتشيع وحب آل البيت وهي الكوفة و خراسان ..
وكان من الوصايا التي بنيت عليها سياسة الدعوة العباسية:
(إن قدرت ألا تبقي بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل).
( واقتل كل من شككت فيه ) ؛..
ووجد الفرس أن هذه فرصة يستردون بها شيئا مما كان لهم من العظمة ويذلون العرب الذين سطوا عليهم ، فرأوا أنهم بمساعدتهم لهذه الدولة الجديدة يكونون أصحاب الكلمة المسموعة فيها والسلطان النافذ.
واستعان القوم بالوقيعة بين عرب خراسان وتأجيج ما كان بينهم من خلاف العصبية .
ويقول الشيخ محمد الخضري استعمل في الوصول إلى إحياء الدولة العباسية عسف شديد جدا، وقد أحصى من قتله أبو مسلم صبرا فكان ستمائة ألف.
ولم يكن القوم يأنفون من الغدر بمن ائتمنهم وهذا على خلاف ما كانت عليه العرب ... واستحقوا بذلك ما حلاهم به ابن طباطبا في كتابه قال : اعلم أن الدولة العباسية كانت دولة ذات خداع ودهاء وغدر وكان قسم التحيل والمخادعة فيها أوفر من قسم القوة والشدة .
حكمت دولة الخلافة العباسية قرابة ٥٢٤ عاما : (۱۳۲ ه - ٦٥٦ ه/ ٧٥٠م - ١٢٥٨ م)، وابتدأت بأبي العباس السفاح وانتهت بوفاة المستعصم، حيث زالت على أيدي المغول
اصطلح المؤرخون علی تقسیم تاریخ دولة الخلافة العباسية إلى أربعة عصور وهي :
▪︎ العصر الأول :
عصر القوة والازدهار (۱۳۲ه - ۲۳۲ ه/ ۷٥٠م - ۸٤٧ م)
▪︎ العصر الثاني :
عصر النفوذ التركي (۲۳۲ ه - ۳۳٤ ه/ ۸٤٧م - ٩٤٦م)
▪︎العصر الثالث :
عصر النفوذ البويهي (۳۳٤ ه - ٤٤٧ ه/ ٩٤٦م - ۱٠٥٥ م)
▪︎ العصر الرابع :
عصر النفوذ السلجوقي (٤٤٧ ه - ٦٥٦ ه/ ۱۰٥٥م - ۱۲٥٨م) (*1 ;*3)
-------------------------‐--‐------------------‐---------‐----------
يقول السير وليم موير :
" إن الدولة الاسلامية امتازت في عهد الخلفاء الراشدين و الأمويين بتماسك أجزائها و متانة وحدتها ولكنها لم تكن كذلك
في عهد العباسيين إذ لم تعترف اسبانيا(الأندلس) بسلطانها ولم تقر لها بسيادة. وكانت سلطتها في شمال أفريقيا إسمية أكثر منها فعلية .
وأما في المشرق فقد كانت سلطتها قوية فيه ، ولكن تناثرت أجزاؤها بعد عصر المعتصم ، وظهر فيها حكام وأسر جديدة ، وكان لكل منها تاريخ قائم بذاته منفصل عن غيره ، ومع ذلك قد ظلت الدولة العباسية دولة الخلافة الاسلامية من بدء قيامها إلى سقوطها " (*4)
🔸️ عصر "أبو العباس عبد الله السفاح"
(132- 136ھ) / (749 - 754م)
هو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علی بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ؛ وأمه ريطة بنت عبید الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي .
ولد سنة( 104 ه) بالحميمة وهي القرية التي كان أبوه وجده نازلین بها، وكان أبوه قد عهد بأمر الدعوة لابنه إبراهيم ولما أحس إبراهيم باقتراب منيته عهد لأخيه أبي العباس وأمره أن يسير بأعمامه وأهل بيته إلى الكوفة ..
بويع بالخلافة يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول (سنة 132 ه/30 أكتوبر سنة 749م) ولم يزل خليفةإلى أن توفي بمدينة الأنبار يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة (سنة 136 ه/ 9 يونية سنة 754 م) فتكون خلافته أربع سنوات وتسعة أشهر من لدن بويع إلى أن مات .
وكان يعاصره في مملكة الروم الشرقية بالقسطنطينية قسطنطين الخامس (741 - 770م) الإمبراطور البيزنطي .
إبتدأ ملك أبي العباس بالكوفة ومنها انتقل إلى الحيرة ثم إلى الأنبار ولم يكن بنو العباس يثقون بأهل الكوفة، لأنهم كانوا يتشبعون لآل أبي طالب ؛ ( وفي ضاحية من ضواحي الأنبار بني مدينة جديدة وسماها الهاشمية )
لم تكن هزيمة مروان وقتله منتهی متاعب العباسيين فإنه كان لا يزال في الأمة العربية قواد ضلعهم مع بني أمية، ولا يزال عندهم شئ من القوة فكانوا يثورون إما خوفا على أنفسهم من بني العباس الذين أظهروا قسوة شديدة في معاملة مغلوبيهم وإما طمعا في إعادة تلك الدولة العربية التي كان لهم منها نصيب وافر .
فقضي أبو العباس أكثر حياته في إخماد تلك الثورات التي كانت كثيرة ولا سيما بالشام والجزيرة والتغلب على يزيد بن هبيرة الذي كان أمير العراق لمروان بن محمد وتخمن مدينة واسط بعد غلبة العباسيين على الكوفة وما معها .
وقد كانت حياته مفعمة بحوادث القسوة التي لم يشهد التاريخ مثلها مع بقايا بني أمية ومع غيرهم من أولياء الدولة الذين كان لهم الأثر المحمود في إحيائها .
" من الناس من إذا ظفر بخصومه قابلهم بالعفو عن ماضيهم واستصلح بذلك قلوبهم ، ولعمري إن ذلك لمن عزم الأمور، وليس بكون إلا من استشعر من نفسه تمام القدرة ورأی
أن سلطانه إنما يتم إذا ائتلفت القلوب المتنافرة. فأما من خاف عود القوة إلى عدوه المغلوب، أو كان يرى سلطانه لا يكون إلا على فرقة رغبته فإنه يقسو على من ظفر به قسوة تختلف بحسب الأحوال والاستعداد " ... (*2)
أما بنو العباس فقد نسوا في معاملة بني أمية نسوة ربما لم مثلا في الدول التي قامت على اثر دولة أخرى. ...
فعل ذلك السفاح بالعراق ؛ وعبد الله بن علي بالشام ونهر أبي فطرس ؛ وسليمان بن على بالبصرة ؛ وداود بن على بالحجاز . (*4)
{ وقامت الثورات في سورية والجزيرة (الفراتية)، وكان أبن هبيرة لا يزال متحصنا في واسط ، و قد أبي حاكم السند والهند أن يعترف بخلافته ، وهددت الدولة البيزنطية البلدان والثغور الاسلامية ، فشمر أبو العباس عن ساعد الجد، و نهض ببأس شديد يكافح المصاعب و يغالبها حتى تغلب عليها ..
ووطد دعائم ملك أسرته بما استعمله من القسوة وما سفك من الدماء ، وكان موفقا في استخدام عمال وولاة من أعمامه و بنيهم ، وقد أخلصوا له الاخلاص كله ، و نفذوا سياسته
تنفيذا محكما ، وهم بمطاردة الأمويين ومن ناصرهم مطاردة أهلكتهم.و فرقت عصبيتهم، وأراحت العباسين من شر انتفاضهم ،
ولقد كان سفاکا للدماء ، ناکثا للعهود، غادرا ، فأنتقده المؤرخون انتقادا مرا ، وصوروا لنا عصره بأبشع الصور، وأظلم الاوصاف .
ثم عين حكاما من أنصاره وأقاربه لأقاليم الدولة المختلفة ، وقد اشتهر من هؤلاء العمال خمسة رجال كان لهم النفوذ والسلطان الأكبر في تأسيس الدولة ، وهم :
(1) أبو مسلم الخراساني بالمشرق
(۲) أبو جعفر المنصور في الجزيرة وارمينية و العراق
(3) عبد الله بن على بسورية ومصر
(4) داود بن على في الحجاز واليمن
(5) سلیمان بن علي في البصرة وملحقاتها
🔹️ استعمل السفاح هو وأعوانه مع الأمويين من القسوة وسفك الدماء مالم يشهد التاريخ بمثله في دولة تقوم على أنقاض أخری ، فانه أعمل السيف في غير هوادة في الأمويين وأنصارهم ، و نهج على منواله عماله في أنحاء الدولة .
و قد روى الأصبهاني في كتابه الاغاني قال :
" كان أبو العباس جالسا في مجلسه و حوله نفر من بني هاشم
وبني أمية ، فدخل الحاجب فقال يا أمير المؤمنين بالباب رجل حجازی أسود متلثم يستأذن ولا مخبر بإسمه و يحلف ألا يحسر اللثام عن وجهه حتي يراك، قال هذا مولای سدیف ، يدخل ، فدخل فلما نظر إلى أبي العباس وبنو أمية حوله حسر اللثام عن وجه ، وقال شعرا منه :
لا يغرنك ماترى من رجال
إن تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف و ارفع الصوت
حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا
فألتفت اليه سلیمان بن هشام بن عبد الملك ، وقد كان بين الحاضرين وقال قتلتني ياشيخ ، فأمر به السفاح فقتل هو ومن معه "
أما عامله عبد الله بن على، فيقول ابن خلكان أنه أغمد الخناجر فيمن كان بالشام من أسرة خلفاء بني أمية ، ولم يفلت منه أحد إلا من كان رضيعا ، ثم عمد إلى قبور بني أمية في دمشق فنبشها ، وأخرج ما فيها من عظام وأحرقها وذراها في الريح ..
وروى عنه فريق من المؤرخين خبر هذه الحادثة المروعة وهي أنه دخل عليه شبل بن عبد الله مولى بني هاشم الشاعر ، وعنده من بني أمية نحو تسعين رجلا ، كان قد دعاهم إلى مأدية بعد أن أمنهم . (*4)
ويروي ابن الأثير عن ذلك فيقول : فأقبل عليه شبل فقال :
أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس
طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميل من الزمان و ياس
لا تقيلن عبد شمس عثارا واقطعن كل رقلة و غراس
ذلها أظهر التودد منها وبها منكم كحر المواسي
ولقد غاظني وغاظ سوائي قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الله بدار الهوان و الإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيدا وقتيلا بجانب المهراس
والقتيل الذي بحران أضحى ثاويا بين غربة وتناس
فأمر بهم عبد الله فضربوا بالعمد حتى قتلوا ، وبسط عليهم الأنطاع ، فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا .
وأمر عبد الله بن علي بنبش قبور بني أمية بدمشق ، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان ؛ فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاما كأنه الرماد ، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا جمجمته ، وكان لا يوجد في القبر (إلا) العضو بعد العضو ، غير هشام بن عبد الملك فإنه وجد صحيحا لم يبل منه إلا أرنبة أنفه ، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح .
وتتبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم ، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس ، فقتلهم بنهر أبي فطرس ، وكان فيمن قتل : محمد بن عبد الملك بن مروان ، والغمر بن يزيد بن عبد الملك ، وعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، وسعيد بن عبد الملك .
وقيل : .. واستصفى كل شيء لهم من مال ، وغير ذلك ، فلما فرغ منهم قال :
بني أمية قد أفنيت جمعكم
فكيف لي منكم بالأول الماضي
يطيب النفس أن النار تجمعكم
عوضتم من لظاها شر معتاض
منيتم ، لا أقال الله عثرتكم
بليث غاب إلى الأعداء نهاض
إن كان غيظي لفوت منكم فلقد
منيت منكم بما ربي به راض
وقيل : إن سديفا أنشد هذا الشعر للسفاح ، ومعه كانت الحادثة ، وهو الذي قتلهم .
وقتل سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة أيضا جماعة من بني أمية ، عليهم الثياب الموشية المرتفعة ، وأمر بهم فجروا بأرجلهم ، فألقوا على الطريق ، فأكلتهم الكلاب .
فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم ، وتشتت شملهم ، واختفى من قدر على الاختفاء ، وكان ممن اختفى منهم عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة بن أبي سفيان .
قال : وكنت لا آتي مكانا إلا عرفت فيه ، فضاقت علي الأرض ، فقدمت على سليمان بن علي ، وهو لا يعرفني ، فقلت : لفظتني البلاد إليك ، ودلني فضلك عليك ، فإما قتلتني فاسترحت ، وإما رددتني سالما فأمنت .
فقال : ومن أنت ؟ فعرفته نفسي ، فقال : مرحبا بك ، ما حاجتك ؟ فقلت : إن الحرم اللواتي أنت أولى الناس بهن ، وأقربهم إليهن ، قد خفن لخوفنا ، ومن خاف خيف عليه .
قال : فبكى كثيرا ثم قال : يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك .
ثم كتب إلى السفاح : يا أمير المؤمنين إنه قد وفد وافد من بني أمية علينا ، وإنا إنما قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم ، فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف ، والرحم تبل ولا تقتل ، وترفع ولا توضع ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل ، وإن فعل فليجعل كتابا عاما إلى البلدان ، نشكر الله تعالى على نعمه عندنا ، وإحسانه إلينا . فأجابه إلى ما سأل ، فكان هذا أول أمان بني أمية (*5)
" بعد أن بدد شمل سرواتهم قتلا وتشريدة واطمأن من جهتهم بال السفاح، ولكن بعد أن فتح على نفسه وعلى من يخلفه بعده من آل بيته فتحا لا يمكنه رتقه، وهو وجود خلافة أخرى إسلامية بالجنوب الغربي من قارة أوروبا " (*2)
وأما دواد بن على فقتل منهم بمكة والمدينة عددا وافرا، وكان قد حضر إلى مكة ومعه عدد من بني هاشم وعدد من بني أمية فأنشد إبراهيم بن هرمة قصيدة يقول فيها :
فلا عفا الله عن مروان مظلمة
ولا أمية بئس المجلس البادی
كانوا كعاد نامسى الله أهلكهم
بمثل ما أهلك الغاوين من عاد
فلن يكذبني من هاشم أحد
فيما أقول ولو أكثرت تعدادی
فتشمر عن ساعده في قتل الأموين حتى لم يبق أحدا إرضاء لشهوة الانتقام التي تمكنت من قلوب بني العباس ولم تخجلهم تلك الوحشية القاسية .
ومما قيل من الكلام الجيد في رثاء هؤلاء التعساء من بني أمية ما قاله مولاهم عبد الله بن عمر العبلي :
تقول أُمَامةُ لمَّا رأتْ نُشُوزِي عن المَضْجَعِ الأنْفَسِ
وقِلّةَ نومي على مَضْجَعِي لدى هَجْعَةِ الأعْيُنِ النُّعَّسِ
أبِي ما عَرَاكَ فقلتُ الهمومُ عَرَوْنَ أباك فلا تُبْلِسِي
عَرَوْنَ أباكِ فَحَبَّسْنَهُ من الذُّلِّ في شَرِّ ما مَحْبِس
لِفَقْدِ العشيرةِ إذ نالَها سِهامٌ من الحَدَث المُبْئِسِ
رَمَتْهَا المنونُ بلا نُصَّلٍ و لا طائشاتٍ و لا نُكَّسِ
بأَسْهُمِها الخالساتِ النُّفوسَ متى ما اقتضتْ مُهْجةً تَخْلِسِ
فصَرْعاهُمُ في نواحي البِلادِ تُلْقَى بأرضٍ ! و لم تُرْمِسِ
كريمٌ أُصِيب و أثوابُه من العار و الذَّامِ لم تَدْنَسِ
وآخَرُ قد طار خوفَ الرَّدَى وكان الهُمَامَ فلم يُحْسَسِ (*2)
🔹️ ولم تكن الشدة في المعاملة قاصرة على أعدائهم بل نال أولياءهم منها شيء عظيم ، لا ننسى أن من أعظم الرجال أثرا في قيام هذه الدولة أبا سلمة حفص بن سليمان الذي كان
يقال له وزير آل محمد: لما تم الأمر لبني العباس اتهموه بأنه كان يريد تحويل الخلافة عنهم إلى آل علي بن أبي طالب وكانوا يريدون قتله لكنهم أحبوا مشاورة أبي مسلم في ذلك،
فبعث السفاح أخاه أبا جعفر إلى خراسان لمقابلة أبي مسلم واستشارته في ذلك فسار أبو جعفر حتى جاء مرو، وهناك أخبر أبا مسلم خبر أبي سلمة فقال : أكفيكموه ثم انتدب
رجلا وأمره أن ينطلق إلى الكوفة فيقتل أبا سلمة حيث لقيه .
فقدم الرجل الكوفة وتربص لأبی سلمة حتى خرج من عند السفاح وقتله غيلة في طريقه وأشاعوا أن الخوارج قتلوه ثم
قتل بعد ذلك أبو مسلم جميع عماله بفارس هكذا ذهبت حياة هذا الرجل ذي الأثر الصالح في دولتهم من غير تحقيق أمره ولا استماع لحجته بل فعلوا به فعل من لا نظام لهم ولا
دولة .
وفي هذا الوقت اتهم أبو مسلم بتلك التهمة رجلا آخر لا يقل أثرا عن أبي سلمة وهو سليمان بن كثير الذي قال في حقه إبراهيم الإمام (ولا تخالف هذا الشيخ ولا تعصه وإذا
أشكل عليك أمر فاکتف به مني) ..
فأحضره وقال له : أتحفظ قول الإمام لي "من اتهمته فاقتله؟"
قال : نعم
قال : فإني قد اتهمتك ..
فقال : أنشدك الله
قال : لا تناشدني الله وأنت منطو على غش الإمام ..
فأمر به فضرب عنقه !!!
🤔 قتل الرجل بعد استقرار الأمر بمجرد تهمة لم تظهر للناس صحتها ولم تنفعه سابقته ولا حسن أثره !!
وعلى الجملة فإن حياة أبي العباس انقضت كلها في الخلاص من بني أمية والاطمئنان من جهة كل من يرتابون في إخلاصه فسفكت دماء كثيرة وأحدثت قدوة سيئة في نكث العهود واغتيال المخالفين . (*4)
* نستكمل الهامش لاحقا ان شاء الله لشدة التعب الآن
-------------------------‐--‐------------------‐---------‐----------
(*1) انظر الدولة العباسية للشيخ محمد الخضري ص20-28 .
وانظر الدولة العباسي لمحمد سهيل طقوش ص30-32
----------
(*2) الخضري المرجع السابق ص48 - 54
(*3) محمد سهيل المرجع السابق ص37 - 40
(*4) الدولة العباسية حسن خليفة ص32 - 38
(*5) ابن الأثير الكامل ج5 ص430
-------------------------‐--‐------------------‐---------‐----------
إرسال تعليق