سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه ... (5)
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً
------------------------------------------------------------------
كلما طالعنا في سيرة الفاروق رضي الله عنه إنتابنا شعور عجيب !! تكاد قلوبنا تقفز فرحا وسرورا و طربا لما يصنع ؛ بينما تنهمر عيوننا بسيل جارف من الدموع !! لشدة حرص ذلك الرجل على دين الله و لنقاء قلبه و صفاء نفسه ورقة مشاعره رغم شدته و قوة شكيمته في الحق !!
فلا مثيل له عمر !!
رضي الله عنك يا عمر رضي الله عنك يا أمير المؤمنين 😢
------------------------------------------------------------------
🔸 هيبة عمر وخوف الشيطان منه
{ .عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته ..
فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله يضحك . 😐
فقال(*عمر) : أضحك الله سنك يا رسول الله !
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ..
قال عمر : فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ؛
ثم قال عمر : يا عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
فقلن : نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً* قط إلا سلك فجاً آخر } .....(*1)
*فجا : طريقا واسعا
--------------------
🔸 يصلي خلف صحابي ثم يقبض عليه لشكه في قراءته
عن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاريّ أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول :
{ سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤُها على حروف كثيرة، لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أُساوره* في الصلاة،
فانتظرته حتى سلم، فلببته* (بردائه)، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟
قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقلت له : كذبت، فوالله إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك !!
فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت له : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان،
قال : يا هشام اقرَأها. فقرأها القراءة التي سمعته،
فقال رسول الله : هكذا أنزلت،
ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرات القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزلت.
ثم قال رسول الله: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه } ......(*2). * لببته : قيدته
-----------------
🔸 يضرب أبا هريرة لئلا يتكل الناس على بشارة يبلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !!! (خلهم يعملون)
{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
كنا قعوداً حول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعنا أبو بكر وعمر، في نفر .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، وقمنا، فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى أتيت حائطاً* للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد،..
فإذا ربيع (جدول صغير) يدخل في جوف حائط من بئر خارجة فاحتفزت(* تضاممت كالثعلب حتى يسعني) فدخلت على رسول الله فقال : أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله..
قال : ما شأنك؟ قلت: كنت بين ظهرينا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقطع دوننا، ففزعنا، وكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي.
فقال : يا أبا هريرة – وأعطاني نعليه – اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة.
وكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هذان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هذان نعلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة.
فضرب عمر بين ثديَيَّ بيده، فخررت ﻹستي
(*وقع على مقعدته من شدة الضربة )
فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأجهشت بالبكاء...
وركبني(تبعني) عمر وإذا هو على أثري فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : مالك يا أبا هريرة ؟
قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثدييَّ ضربة فخررت لإستي، فقال: ارجع ....
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟
فقال : يا رسول الله، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً به قلبه بَشَّرَهُ بالجنة؟
قال: نعم.
قال( عمر) : فلا تفعل؛ فإني أخاف أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم: فخلِّهِم) ...(*3).
-------------------
🔸 عمر ملهم هذه الأمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر .....(*4)
قال العلماء :
المراد بالمحدث : الملهم. وقيل: من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل: مكلم أي : تكلمه الملائكة بغير نبوة.. بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلماً في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام. وفسره بعضهم بالتفرس ..(*5).
قال ابن حجر :
والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقاً لها ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات ....(*6)
وكون عمر رضي الله عنه اختص بهذه المكرمة العظيمة وانفرد بها دون من سواه من الصحابة لا تدل على أنه أفضل من الصديق رضي الله عنه ....(*7)،
قال ابن القيم : ولا تظن أن تخصيص عمر رضي الله عنه بهذا تفضيل له على أبي بكر الصديق بل هذا من أقوى مناقب الصديق فإنه لكمال مشربه من حوض النبوة وتمام رضاعه من ثدي الرسالة استغنى بذلك عما تلقاه من تحديث أو غيره، ...(*8).
--------------------------------
🔸 لم أر عبقريا ً يفري فريه :
{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب* ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له* ،...
ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن } ....(*9)،
(* قليب : بئر عميقة ؛ والله يغفر له: هذه عبارة ليس فيها تنقيص لأبي بكر وإنما كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم)
ومعنى : استحالت صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر.
وأمّا (العبقري) فهو السيد وقيل: الذي ليس فوقه شيء.
ومعنى (ضرب الناس بعطن) أي أرووا إبلهم ثم آووا إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح.
وهذا المنام الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم مثال واضح لما جرى للصديق وعمر رضي الله عنهما في خلافتيهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما فقد حصل في خلافة الصديق قتال أهل الردة وقطع دابرهم وأشاع الإسلام رغم قصر مدة خلافته فقد كانت سنتين وأشهراً فوضع الله فيها البركة وحصل فيها من النفع الكثير...
ولما توفي الصديق خلفه الفاروق رضي الله عنهما فاتسعت رقعة الإسلام في زمنه وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله فكثر انتفاع الناس في خلافة عمر لطولها فقد مصر الأمصار ودون الدواوين وكثرت الفتوحات والغنائم..
قال القاضي عياض : ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة وقيل: يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعاً لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر وضرب الناس بعطن.
لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ......(*10).
------------------------------------------------------------------
🔸 موقفه يوم قبض الرسول صلى الله عليه وسلم
لما بلغ الناس خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثت ضجة كبيرة ، فقد كان موت الرسول صدمة لكثير من المسلمين خاصة ابن الخطاب،...😢
حدثنا عن ذلك الصحابي الجليل أبو هريرة – رضي الله عنه – حيث قال :
{ لما توفي رسول الله قام عمر بن الخطاب فقال :
إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي، وإن رسول الله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات، ...
والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ...... ...(*11)، ...
وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد – حين بلغه الخبر – وعمر يكلم الناس، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت، عليه بردة حبرة،
فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقبله، ثم قال : بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً،😢
قال : ثم رد البردة على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال :
على رسلك يا عمر، أنصت، فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت، أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر،... 😢
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ؛ إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت....
ثم تلا قول الله تعالى :
《 وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ 》....(آل عمران:144).
قال أبو هريرة : فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت، حتى تلاها أبو بكر يومئذ، 😢
قال : وأخذها الناس عن أبي بكر، فإنما هي في أفواههم، قال: فقال أبو هريرة : قال عمر:
فو الله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله قد مات } ...... .......(*12) 😢
😐 لقد كان عمر شديدا في الحق يحسبه الجاهل فظا غليظا لكن في حقيقته كان أهش الناس و أرقهم قلبا ..
🌹 رضي الله عنك يا ابن الخطاب 🌹
🌹 وصلى الله على محمد و آله و صحبه 🌹
--------------------------------------------------------------------
(*1) البخاري رقم 3683 ، مسلم 2386 .
(*2) أخرجه البخاري (2419)، ومسلم (818)، وأبو داود (1475)، والترمذي (2943)، والنسائي (938) واللفظ له، وأحمد (296)
(*3) مسلم 3/710 - أخرجه مسلم، حديث (31) وانفرد به.
(*4) البخاري رقم 3689 ، مسلم رقم 2398 .
(*5) فتح الباري (7/50)، شرح النووي (15/166).
(*6) فتح الباري (7/51).
(*7) عقيدة أهل السنة والجماعة (1/251).
(*8) مفتاح دار السعادة (1/255).
(*9) مسلم رقم 2393 .
(*10) شرح النووي (15/161-162).
(*11) السيرة النبوية لابن أبي شهبة (2/594).
(*12) البخاري، ك الجنائز، رقم 1242.
-------------------------------------------------------------------
تابعونا #سيرةالفاروقعمر_جواهر (5)
إرسال تعليق