البسوس و المهلهل (9)
قصة أدبية تاريخية
-------------------------------------------------
🔸 ورفع الحارث سيفه عاليا
يريد أن يهوي به على رأس المهلهل فاعترضه الفند بن سهل شاهرا سيفه لقد ضمنتك أن تطلقه ! وهو الآن في حماي .
فأغمد الحارث بن عباد سيفه قائلا أنا أولى بالوفاء منك لكن لن أطلقه حتى يدلنى على من هو كفؤ له فأقتله بدم ولدى بجير .
وجدها المهلهل فرصة للتخلص من امرئ القيس بن إبان الذي يؤلب تغلب عليه ويثنيهم عن القتال؛
فقال أرأيت ذلك الفارس الفحل المقنع ذا العمامة الحمراء ؟ إنه أمرؤ القيس بن إبان .
فأطلقه الحارث وانطلق في فرسان يطلبون امرأ القيس حتى نازلوه فنازلهم فقتلوه .
🔹ولما أقبل الليل كان المهلهل طليقا يسير كاسف البال يتتبع آثار قومه الذين فروا هاربين نحو الشمال ! فكان كلما مر بشعب من الشعاب رأي جماعة يحملون صريعا أو يعينون جريحا على المشي يسعون فى آثار قومهم بعد تلك الوقعة الطاحنة ؛
ولم يخل بيت من البكاء والنواح ؛ وقد بلغ بهم السير حتى شارفوا أرض العراق ..
--------------------
🔹 سار المهلهل واجما فى ذلك الليل البهيم الذي لف الصحراء بردائه الأسود الثقيل ؛ ومرت به صور حياته كلها سراعا كالغريق !
لقد قاد قومه زمنا طويلا إلى النصر وكاد أن يبلغ مرتبة أخيه كليب من السيادة و الملك !
لقد مرت به السنون من نصر إلى نصر لكنه لم يرتو أبدا من الدماء وكان القتل والطعن والنصر يزيد ظمأه للدماء ؛ حتى نسي المجد والسلطان و نسي معهما الرحمة و مودة الرحم نسي حتى نفسه !!
كان يسير في تلك الليلة يجرجر رجليه و يفكر فى الطعنات التى مازال يدخرها والضربات التى يعتزم أن يسددها والدماء التى يريد أن يسفكها فلم تزده الهزيمة والخذلان إلا عنفا وقسوة وعطشا للدماء !!
في وسط تلك الوساوس والهواجس نبهته نفسه اللوامة فتعجب كيف تحول إلى شيطان يقود قومه إلى الفناء ! ازدرى تلك الخدعة التى نجا بها من يدي الحارث ! ما كان أحراه أن يربأ بنفسه عن تلك المذمة !
لقد لام نفسه وازدراها !! أنى لبطل تغلب العملاق و سيد وائل أن يشترى حياته بالمذلة والعار !! فانفجر في بكاء شديد 😢
نادى كليبا أخاه !! أي كليب مازلت أنت السيد !! و أنا مازلت صغيرك المدلل لن أصل يوما إلى مجدك و مروءتك 😢
أعاهدك أخي لن أشتري حياتى بذل مرة أخرى .. لأموتن سيدا كما مت !! و لتحلفن العرب بكليب و أخيه !!
مضي المهلهل فى صحبة تلك الهواجس و ذلك الظلام الثقيل من موضع إلى موضع ينظر إلى تلك النجوم التى تسخر منه كما سخرت آلاف السنين من غيره !!
--------------------
🔸 اقترب المهلهل من خيام قومه مترنحا ونادى ابن أخيه الهجرس في حذر !
فعرفت سلمى زوجته صوت أبيها ؛ فخرجا إليه فانتحي بالهجرس جانبا بعيدا ؛ فأخبره ما كان من تغلب بعد الهزيمة ؛
فقد تشاءموا بالمهلهل واحتقروا ما صنع لينجو بنفسه من يد الحارث سيما وشايته له بالشيخ امرئ القيس شريف تغلب ؛ و ما أضاع من فرص للصلح والسيادة بقتل بجير الذي جاء ليرجوه فذبحه ؛ وقد تنادوا بينهم القتل للمهلهل القتل للخائن !!
علم المهلهل أن لا مكان له بعد اليوم فى قومه فأخذ الهجرس وابنته و هموا بالرحيل !!
وأسرع جمهور من شيوخ القبيلة وكهولها ليردوه معتذرين له فلم يطاوعهم وارتحل...
لم يصحبه إلا طائفة ضئيله من قومه وعبيده !!
فمضي يحاول أن يكفكف دموعا ألحت عليه لفراق قومه الذين عاش فيهم سيدا وشهدوا معه غزواته وانتصاراته و لهوه و أمجاده فقد صار منذ اليوم وحيدا يجول في الصحراء يغالب الدهر بلا معين !!
-------------------------------------------------------------------
خرج المهلهل وابن أخيه الهجرس ذلك اليوم ومن صحبهما من تغلب ؛ فما زال يجول بهم في فيافى ووديان العرب مغيرا على كل قبيلة تعن له من بكر فيقتل ويسلب ثم يهرب !
بعد عامين من ذلك اليوم كان المهلهل يسير وحيدا لارفيق له ولا أنيس غير عبديه الذين بقيا معه !
فقد قتل الهجرس بن أخيه في غزوة من غزواته ؛ وبعد أن قتل من كان معه من رفاقه من قومه الذين صحبوه عند رحيلة واحدا بعد الآخر في مصادماته !
🔹إضطر المهلهل إلى تزويج ابنته سلمي رغما عنه لمن هو غير كفء لها ، لما هان أمره في القبائل فأجبروه على ذلك !
والعجب أن بنى بكر لما علموا هبوا إلى قوم ذلك الذي تزوجها غصبا فقاتلوهم وخلصوها منه و ردوها إلى تغلب او ديارهم ! عسي أن يكف المهلهل عن غاراته إلا أنه لم يفعل !!
----------------
🔸 وفى ذات يوم كان يريد النزول على ماء هجر فمر في أرض ينزل بها جماعة من بكر ، من بنى قيس بن ثعلبة قوم الحارث بن عباد ، ....
فسمع عوف بن مالك بمروره فظن أنه يريد الغارة عليهم ؛ فأرسل إليه كتيبة صغيرة ليأسروه ؛
فمازال يقاتلهم المهلهل ويقتل منهم حتى كاد أن يفنوا لولا ضربة نزف منها أوهنت قواه فحملوه إلى عوف أسيرا .❗
------------------
قضي المهلهل في أسر عوف بن مالك عدة أشهر يرسف في قيوده ، يسلى نفسه برثاء أخيه ، ويتغنى بانتصاراته و بذلك العدد الضخم الذي قتله من قبيلة بكر ثأرا ﻷخيه .
لم يكن أحد يجرؤ أن يدنو من خيمته إلا إمرأة عوف لأنها من بنات أخواله ؛ كانت تلك المرأة جيبة بنت المجلل إمرأة شابة جميلة ؛ تعطف على المهلهل قريبها ، وتوليه العناية فى محبسه ؛
🔹وجاءه رجل ذات يوم باسما ففك قيوده ، فما أوشك أن ينتهي حتى فاجأه المهلهل بضربة على رأسه كادت أن تقتله ؛
فخرج الرجل إلى باب الخيمة قائلا ما الذي حملك على هذا ؟ وأي جزاء تجزينى به ؟!
فنظر إليه المهلهل متكبرا ولم يجب فذهب الرجل مسرعا !
وبقي المهلهل ينظر إلى أثر القيود في جسمه ويتغنى بوصفه...
فدخلت جيبة عليه ثم ربتت على كتفه قائلة في رقة : لم ضربت الرجل الذي فك قيودك ؟
فنظر إليها المهلهل نظرة لينة قائلا : لم يستأذنى في فك قيودى !!
ثم جعل ينظر في أثر القيد في يديه ويتغنى برثاء كليب !!
فقالت جيبة أنا من أرسلته ليفك وثاقك ، وقد جاء اليوم قوم من بنى عمك ( يعنى من بكر ) ليأنسوا بك ؛ فتعال معي إلي مجلسهم .
🔹 فتجهم المهلهل و لمع الشر في عينيه وقال لها : وهل كنت نديما لابن عوف ؟
وأدار المهلهل نظره عنها فخرجت يائسة !
أقبل بن عوف ومعه ضيوفه فوقفوا على باب الخيمة فتقدم شيخ كبير منهم قائلا : أتأذن لى يا ابن الكرام ؟
فنظر إليه المهلهل برهة ثم ابتسم قليلا وقال من ؟! الفند بن سهل ؟
قال نعم أنا ؛ أبيت أن تسعي إلينا فسعينا إليك !
🔹 فاعتدل المهلهل مرتاحا إلى حديث الرجل ونادى الفند من كانوا معه ليدخلوا : لقد أذن المهلهل لنا فتفضلوا !
وتبسط المهلهل في حديثه معهم فجعل يرحب بهم كأنهم ضيوفه !
وجيئ بالشواء والثريد والشراب فأكلوا ودارت الخمر فشرب معهم .
وتحدر السمر وكان القوم يصغون في شوق إلى حديث المهلهل .
🔹 ما لبثت الخمر أن دارت برأسه فتغنى بانتصاراته وجعل ينشد :
شفيت النفس من أبناء بكر
وحكت بركبها ببنى عباد
بضرب تشخص الأبصار منه
وطعن مثل أفواه المزاد
--------
رب خيل : لقيتها لا أبالى
حيث ألقي كماتها مغوارا
إننا معشر : إذا ما غضبنا
ضاقت الأرض نقتفي الآثارا
إن أقمنا أقامت الناس طوعا
أو أردنا الحروب سرنا جهارا
---------------------
🔸عند ذلك لم يطق عوف بن مالك صبرا فنهض فجأة وصرخ قائلا : أيفخر العبد علينا في ديارنا ؟!
ثم خرج وهو يضطرب غيظا وقد وضع يده على مقبض سيفه يخطو سريعا حتى بلغ خيمته ؛ وسار القوم جميعا معه وتركوا المهلهل قائما وحده ينشد ويتغنى ويفخر !!
حاول الضيوف تهدئة عوف دون جدوى ؛ فقال كان أولي لو تركناه فى قيوده ذليلا ، وها أنتم سمعتموه يتغني بسباب قومى ! فوحق مناة ليموتن أشنع ميتة ، لا يذوقن طعاما ولا شرابا حتى يرد زبيب !!
وكان زبيب فحلا من الإبل لا يرد الماء إلا كل عشرة أيام !!
🔹في الليلة التالية كانت جيبة ابنة المجلل تسير في الظلام خلسة وهي خائفة حتى بلغت خيمة المهلهل ونظرت حولها فلم تجد أحدا ؛ فدخلت فجعلت تفك وثاقه وتقطع قيوده فسألها فى دهشة : ماذا تفعلين يا أم عمرو ؟
فهمست إليه قائلة قم فأسرع قبل أن تهلك فقد أقسم عوف ألا تذوق طعاما ولا شرابا حتى يرد زبيب !
-------------------------------------------------------------------
كيف كانت نهاية المهلهل ؟
تابعونا #البسوسوالمهلهلجواهر
إرسال تعليق