تاريخ التتار الأول (25) إمبراطورية جنكيز خان

 تاريخ التتار الأول (25)

إمبراطورية جنكيز خان



-----------------------------------
في العام 1231م كانت نهاية الدولة الخوارزمية و مقتل جلال الدين منكبرتي و كان التتار قد استولوا على كل أملاك خوارزم الواسعة الممتدة من حدود منغوليا إلى العراق الفارسي ؛ .
و توغلوا فى أقاليم أسيا الصغرى شمال العراق حتى وصلوا جورجيا و أرمينيا فأحاطوا الخلافة العباسية هم والصليبيون إحاطة السوار بالمعصم وصاروا يهددون قلب العالم الإسلامي .
كانت فرحة الصليبيين غامرة خاصة بعد فشلهم الذريع أمام صلاح الدين و انحصارهم في أجزاء قليلة من الساحل الشامي و مؤخرا هزيمتهم أمام الصالح نجم الدين ايوب الذي انتزع منهم القدس مرة أخري فى العام 1244م..
فأرادو الإستفادة من كل هذا الدمار الذي حل بالعالم اﻹسلامي على يد التتار فقرروا إرسال الحملات الصليبية مجددا ليحظوا بجزء من الوليمة فاتجهوا إلى مصر التى لم يداهمها التتار بعد على أمل احتلالها ثم النفاذ إلى الشام قبل وصول التتار !!!
وفي سنة ( 647هـ - 1249م).مرض الملك الصالح أيوب رحمه الله مرضاً شديداً بمرض السل، وكان قد كبر سنه جداً، مما جعله طريح الفراش في القاهرة،
وفي هذه اﻷثناء أراد ملك فرنسا لويس التاسع أن يستغل فرصة الاجتياح التتري لشرق العالم الإسلامي، فيقوم هو باجتياح العالم الإسلامي من ناحية مصر والشام.
وذكرنا من قبل أنه حاول الاستعانة بخاقان التتار آنذاك كيوك بن أوكيتاي، ولكن فشلت هذه المحاولة، ومع ذلك أصر لويس التاسع على المضي في حملته.
ووقع اختياره على مدينة دمياط المصرية، من أجل أن يبدأ منها الحملة التي يغزو منها مصر والشام، وكانت في ذلك الوقت أهم ميناء في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط،
كان لويس يعدد للحملة منذ العام 1245م وفي 24 جمادى الأولى 646 هـ/25 أغسطس 1248م أبحر لويس التاسع من مرفأ إيجو-مورت (Aigues-Mortes) وفي صحبته زوجته "مرجريت دو بروفنس" (Marguerite de Provence)، وأخويه شارل أنجو و"روبرت دي أرتوا" (Robert d'Artois)، ونبلاء من أقاربه ممن شاركوا في حملات صليبية سابقة،
وتبعته سفن أخرى من نفس المرفأ ومن مرسيليا. كان الأسطول الصليبي ضخماُ ويتكون من نحو 1800 سفينة محملة بنحو 80 ألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وخيولهم .
قامت الحملة بوقفة تعبوية في جزيرة قبرص لتجميع كل السفن والمقاتلين قبل التوجه إلى مصر بناء على نصيحة مستشاري لويس ، حيث انضم إليه عدد كبير من بارونات سوريا وقوات من فرسان المعبد (الداوية) والاسبتارية قدمت من عكا تحت قيادة مقدميها .
وفي قبرص استقبل لويس وفداً من المغول يحمل رسالة ودية من خانهم يعرض فيها مساعدته على لويس.
في مايو عام 1249م ابحر لويس نحو مصر على متن سفينته الملكية "لو مونتجوي" ، وتبعته سفن الحملة من ميناء ليماسول القبرصي.
وبسبب شدة الرياح جنحت إلى عكا وسواحل الشام نحو 700 سفينة تحمل حوالي 2100 فارس صليبي، فتوقف لويس في جزيرة المورة اليونانية حيث انضم إليه قريبه "هيو دو بورجوندي" (Hugh de Burgundy)الذي شارك من قبل في حملات صليية آخرى ثم أبحرت السفن إلى مصر .
وأرسل لويس رسالة إلى السلطان الصالح أيوب يطالبه فيها بالاستسلام فرد عليه الصالح برسالة يحذره فيها من مغبة مهاجمته لمصر وينبئه بأن بغيه سيصرعه.
وفي فجر السبت 22 صفر 647 هـ/5 يونيو 1249 نزل جنود وفرسان الحملة على بر دمياط .
كانت القوات الصليبية تضم نحو 50,000 مقاتل وفارس ، وضربت للويس خيمة حمراء كبيرة على الشط ، فنشب قتال شديد بين المسلمين والصليبيين انتهى بتراجع المسلمين .
وفي المساء بعد أن ظن أتابك الجيش فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ أن الصالح أيوب قد توفى انسحب من دمياط وخلفه سكانها والعربان الذين كان الصالح أيوب قد وكلهم بالدفاع عن المدينة ،
فدخلها الصليبيون بسهولة بدون مقاومة وأستولوا عليها بكل ما كان فيها من سلاح ومؤونة، وحصنوا أسوارها .
و حول الصليبيون جامع المدينة إلى كاتدرائية ونصبوا عليها أسقفاً، وصارت دمياط مدينة صليبية وعاصمة لمملكة ماوراء البحار (أوتريميه) .
أعلن النفير العام في مصر وهرولت عامة الناس إلى المنصورة لأجل الجهاد ضد الغزاة، وأرسلت الشواني بالمحاربين والسلاح إلى جبهة القتال .
وقامت حرب عصابات ضد الجيش الصليبي المتحصن خلف الأسوار والخنادق، وراح المجاهدون يشنون هجمات على معسكراته ويأسرون مقاتليه وينقلونهم إلى القاهرة .
ويروي المؤرخ الصليبي "جوانفيل" (Joinville) الذي رافق الحملة، أن المسلمون كانوا يتسللون أثناء الليل إلي المعسكر الصليبي ويقتلون الجنود وهم نيام ويهربون برؤوسهم .
في 24 أكتوبر، وصل إلى دمياط من فرنسا "ألفونس دى بواتي" (Alphonse de Poitiers) الشقيق الثالث للملك لويس ومعه إمدادات وقوات إضافية،
فتشجع الصليبيون وقرروا التحرك إلى الأسكندرية أو القاهرة. واختار لويس القاهرة بنصيحة من أخيه "روبرت دو ارتوا" الذي قال له : "إذا أردت قتل الأفعى فاضربها على رأسها" أى توجه إلى القاهرة !!
في 20 نوفمبر 1249م، بعد نحو ستة أشهر من احتلال دمياط ، خرج الصليبيون من دمياط ومعهم سفنهم توازيهم في النيل،
وبعد بضعة معارك مع المسلمين وصلوا في 21 ديسمبر إلى ضفة بحر أشموم (يعرف اليوم بالبحر الصغير)، فأصبحت مياه بحر أشموم تفصل بينهم وبين المسلمين فأقاموا معسكرهم وأحاطوه بالأسوار والخنادق ونصبوا المجانيق، ووقفت سفنهم بإزائهم في بحر النيل،
ووقفت شواني(سفن) المسلمين بإزاء المنصورة. حاول الصليبيون بناء جسر ليعبروا عليه إلى ضفة المسلمين، ولكن المسلمون أمطروهم بالقذائف النارية وافسدوا خطتهم بكافة الوسائل .
في تلك الأثناء توفى السلطان الصالح أيوب في 15 شعبان 647 هـ/23 نوفمبر 1249م فأصبحت مصر بلا سلطان، فأخفت أرملته شجر الدر خبر وفاته وأرسلت مقدم المماليك البحرية فارس الدين أقطاي الجمدار إلى حصن كيفا بتركيا لاستدعاء ابنه توران شاه لقيادة البلاد .
بطريقة أو بآخرى علم الصليبيون أن السلطان الصالح أيوب قد توفى فتشجعوا. وفي 8 فبراير 1250م دل بعض نصارى مصر الصليبيين على مخائض في بحر أشموم 😐❗
فتمكنت فرقة يقودها أخو الملك "روبرت دى أرتوا " سوياٌ مع فرسان المعبد (الداوية)، وفرقة إنجليزية يقودها "وليم أوف ساليزبري" (William of Salisbury) من العبور بخيولهم وأسلحتهم إلى ضفة المسلمين .
فوجئ المسلمون بهجوم صليبي كاسح على معسكرهم في "جديلة" على نحو ثلاثة كيلومترات من مدينة المنصورة.
في هذا الهجوم المباغت قتل فخر الدين يوسف أتابك الجيش المصري وتشتت أجناد المسلمين وتقهقروا مذعورين إلى المنصورة .
وبعد أن احتل الصليبيون معسكر جديلة تقدموا خلف "روبرت دو أرتوا" نحو المنصورة على أمل القضاء على الجيش المصري برمته .
🔹 معركة المنصورة
أمسك المماليك بزمام الأمور بقيادة فارس الدين أقطاي الجمدار، الذي أصبح القائد العام للجيش المصري وتمكن المماليك من تنظيم القوات المنسحبة، ووافقت شجرة الدر -الحاكم الفعلي للبلاد- على خطة الأمير بيبرس البندقداري باستدراج القوات الصليبية ومحاصرتها في كمين محكم داخل مدينة المنصورة.
وأمر بيبرس بتأهب الجنود والعوام داخل المدينة مع الالتزام بالسكون التام. وأقتحمت القوات الصليبية المنصورة بعد أن ظن فرسانها أنها خاوية من الجنود والسكان، واندفعوا نحو قصر السلطان للاستيلاء عليه، فخرج عليهم بغتة المماليك البحرية والجمدارية وهم يصيحون كالرعد القاصف .
وأخذوهم بالسيوف من كل جانب ومعهم العربان والعوام والفلاحين يرمونهم بالرماح والمقاليع والحجارة، وقد وضع العوام على رؤوسهم طاسات نحاس بيض عوضاً عن خوذ الأجناد وسد المسلمون طرق العودة بالخشب والمتاريس فصعب على الصليبيين الفرار، وراح بعضهم يلقون بأنفسهم في النيل للنجاة فابتلعتهم المياه.
قتل عدد كبير من القوات الصليبيية المهاجمة من فرسان المعبد وفرسان الإسباتريه لم ينج سوى ثلاثة مقاتلين، وفنيت الفرقة الإنجليزية تقريباً عن أخرها واضطر أخو الملك لويس "روبرت دي أرتوا" إلى الاختباء في أحد الدور ثم قتل هو و"وليم أوف ساليزبري" قائد الفرقة الإنجليزية .
أثناء المعركة حاول الفرنج على الضفة المقابلة لبحر أشموم بناء جسر يمكنهم من العبور لمساعدة فرسانهم، ولكن لما وردتهم أنباء سحق الفرسان، عن طريق " بيتر أوف بريتني " الذي فر إليهم بوجه مشجوج من ضربة سيف، وشاهدوا بقايا فرسانهم مدبرين والمسلمين في أعقابهم، أخذوا يلقون بأنفسهم في مياه النيل بغية العودة إلى معسكراتهم وكاد لويس ذاته أن يسقط في الماء .
استمر هجوم المسلمين على الصليبيين طوال اليوم، وظن فارس الدين أقطاي أن لويس قد قتل في المعركة فأمر بشن هجوم كبير على معسكر الصليبيين في فجر اليوم التالي ألحق بهم خسائر فادحة. وأرسل الحمام ببشائر النصر إلى القاهرة ففرح الناس فرحة عارمة وأقيمت الزينات .
🔹وصول توران شاه وهزيمة الصليبيين هزيمة كاسحة في فارسكور
تحصن الصليبيون داخل معسكرهم ثمانية أسابيع آملين في انهيار القيادة المصرية لكن بدلاً من ذلك وصل السلطان الجديد توران شاه إلى المنصورة في 28 فبراير 1250 لقيادة الجيش . وتنفست شجر الدر الصعداء بعد أن تحملت عبء الدفاع عن البلاد، وأعلنت رسمياً نبأ وفاة زوجها الصالح أيوب .
نقل المصريون الشواني( السفن) مفككة على ظهور الجمال وبعد أن ركبوها وضعوها في مياه النيل خلف القوات الصليبية (كما فعل الملك الكامل حجد توران شاه أثناء الحملة الصليبية الخامسة) وبذلك حوصر الصليبيون في مصيدة وهم جوعى ومرضى ويعانون شدة الخوف.
وعرض لويس على المسلمين تسليم مدينة دمياط في في مقابل تسليمه بيت المقدس وأجزاء من ساحل الشام ، ولكن المسلمون رفضوا العرض .و لم يعد أمام لويس التاسع إلا أن يحاول الفرار إلى دمياط لإنقاذ نفسه وجنوده .
في 5 أبريل 1250، في ظلام الليل، بدأت القوات الصليبية رحلة الهروب إلى دمياط لكن المسلمون عبروا فوق جسر من الصنوبر كان الصليبيون قد أقاموه فوق قناة أشموم ولكنهم من عجلتهم وارتباكهم نسوا أن يدمروه وهم ينسحبون،
وطاردوهم وهم يعملون فيهم السيوف والرماح من كل جانب حتى وصلوا إلى فارسكور، وهناك تم سحقهم بالكامل، ووقع الملك لويس وأمراؤه ونبلاؤه في الأسر في 6 أبريل 1250 .
وهكذا تحققت نبؤة الصالح أيوب بأن بغي لويس التاسع سيصرعه وإلى البلاء سيقلبه. استناداً إلى المصادر الإسلامية قتل في حملة لويس التاسع ما بين 10 آلاف و30 آلف من الجنود الصليبيين .
أسر لويس التاسع في "منية عبد الله" (ميت الخولي عبد الله الآن) ، بعد أن استسلم مع نبلائه للطواشي " جمال الدين محسن الصالحي " ، وأودع مغللاً في بيت القاضي إبراهيم بن لقمان، كاتب الإنشاء، تحت حراسة طواشي يدعى صبيح المعظمي .
كما أسر أخواه "شارل دانجو" و"ألفونس دو بويتي" وعدد كبير من أمرائه ونبلائه وقد سجن معظمهم معه في دار ابن لقمان. أما الجنود العاديون الذين أسروا فقد أقيم لهم معتقل خاص خارج المدينة.
سُمح للويس التاسع بمغادرة مصر مقابل تسليم دمياط للمصريين، والتعهد بعدم العودة إلى مصر مرة أخرى، بالإضافة إلى دفعه دية قدرها 400 ألف دينار تعويضاً عن الأضرار التي ألحقها بمصر.
(دفع نصف المبلغ بعد أن جمعته زوجته في دمياط، ووعد بدفع الباقي بعد وصوله إلى عكا، وهو مالم يفعله بعد أن تهرب من الدفع فيما بعد) .
ويصف المؤرخ الصليبي "ماثيو باريس" (Matthew Paris) (توفي 1258م) مدى الألم الذي شعر به الصليبيون بعد هزيمتهم في مصر بقوله :
"كل الجيش المسيحي تمزق إرباً في مصر، وا أسفاه، كان يتكون من نبلاء فرنسا، وفرسان الداوية والاسبتارية وتيوتون القديسة ماري وفرسان القديس لازاروس".
🔹 كانت الحملة الصليبية السابعة هي آخر الحملات الصليبية الكبيرة على مصر، ولم يتمكن الصليبيون أبداً من إعادة الاستيلاء على بيت المقدس بعدها .
وكان من نتائجها انتهاء العصر الأيوبي وبزوغ نجم المماليك كقوة ضاربة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى أيدهم هزم المغول وتحررت عكا وجيوب الصليبيين على ساحل الشام.
--------------------------------------------------------------------
🔹 صفات توران شاه في الحكم وقصة مقتله
مع هذا الانتصار المبهر للمسلمين على الصليبيين إلا أن توران شاه لم يكن يناسب تلك الأحداث الساخنة التي تمر بالأمة الإسلامية، فـ توران شاه كان شخصية عابسة متصفاً بسوء الخلق، والجهل بشئون السياسة والحكم،
وقد ركبه الغرور بعد النصر على لويس التاسع ملك فرنسا عن رؤية أفضال ومزايا من حوله، فبدأ يتنكر لزوجة أبيه شجرة الدر، واتهمها بإخفاء أموال أبيه، وطالبها بهذا المال، بل وهددها بشدة، حتى دخلها خوف كبير منه،
ولم يحفظ لها جميل حفظ الملك له بعد موت أبيه، فقد بعثت له من أجل أن يأتي ويستلم مقاليد الحكم في مصر، مع أن الوضع كان في اضطراب شديد جداً، فجاء إلى مصر ووجد الجيش منتصراً بالفعل،
ومع ذلك بدأ يتنكر لها، ولكبار أمراء المماليك أمراء الجيش، وعلى رأسهم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، فلم يحفظ للمماليك جميل الانتصار الرائع الذي حققوه بالمنصورة، ثم في فارسكور، فبدأ يقلل من شأنهم، ويقلص من مسئولياتهم،
وبدأ على الجانب الآخر يعظم من شأن الرجال الذين جاءوا معه من حصن كيفا التركي، وبدا واضحاً للجميع أنه سيقوم بعمليات تغيير واسعة النطاق في السلطة في مصر، وبالذات في الجيش المصري،
وكان كل هذا في غضون الثلاثة الأشهر الأولى له في مصر، وبعد موقعة فارسكور مباشرة، فخافت شجرة الدر على نفسها، وأسرت بذلك إلى المماليك البحرية، وبالذات فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، وقد كان المماليك البحرية يكنون لـشجر الدر كل الاحترام والولاء؛ لأنها زوجة الأستاذ الملك الصالح رحمه الله،
(❗ إن كان الأمر كذلك يادكتور فابن الإستاذ كان أولى بذلك الإحترام و ذلك الوفاء * جواهر )
وعلاقة الأستاذية هذه كانت أقوى من علاقة الأب بابنه أحياناً، وكانت تبقى آثار هذه العلاقة حتى بعد موت السيد الذي اشتراهم أو الملك الذي رباهم، ولما ذكرت شجرة الدر هذه الوساوس إلى المماليك البحرية، وجدت عندهم نفس الوساوس،
فقد خافوا من توران شاه، وتوقعوا أن يقصيهم توران شاه عن الحكم والسلطة، بل وقد يتعرض لهم بالقتل، فأجمعوا على سرعة التخلص من توران شاه وقتله.
والمماليك بصفة عامة، كان عندهم تساهل كبير جداً في الدماء، كانوا يقتلون بالشك، فإذا شكوا في أحد أنه ينوي أن يغدر، فإن ذلك يعتبر عندهم مبرراً كافياً للقتل، وكان هذا التساهل في الدماء عاماً في حياة المماليك، وفي كل فترات دولتهم تقريباً،
وكم من أمرائهم وخصومهم بل ومن عظمائهم من قُتل بسبب الشك في نواياه، وقد يكون هذا راجعاً إلى التربية العسكرية الجافة التي نشأ عليها المماليك، فقد كانت فيهم قسوة نفسية وشدة وعدم تمييز للأمور، وكانوا يحبون حسم كل الأمور بالسيف الذي يحملونه منذ نعومة أظفارهم،
والشيء الذي لا يفهم هو أن هؤلاء المماليك كانوا ينشئون على التربية الدينية والفقهية، ولا أدري أي سند فقهي يعضد قتل رجل ما، حتى ولو غلب على الظن أنه سيقوم بعزل أو احتمال قتل.
المهم أنهم في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والتدبيرات الخفية، لم يكن يستهجن عندهم مطلقاً أمر ذلك القتل، بل إن القاتل أحياناً يفخر أمام الناس بقتله للمقتول، بل وقد يصعد إلى كرسي الحكم وهو مرفوع الرأس لا يشعر بأي تأنيب ضمير، وكأن الدماء التي تسيل هذه ليس لها وزن عند الله سبحانه وتعالى ولا عند الناس.
وليست وساوس المماليك أو غيرهم مبرراً شرعياً كافياً للقتل، بل قد تكون مبرراً شرعياً للعزل أو الاعتراض أو الحبس أو ما إلى ذلك، لكن الوصول إلى حد القتل أمر كبير جداً.
إذاً: اتفقت شجرة الدر مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وغيرهما من المماليك الصالحية البحرية على قتل توران شاه،
وفي صباح يوم 27من المحرم سنة 648هـ كان السلطان توران شاه يتناول طعام الإفطار في خيمته السلطانية فهجم عليه مجموعة من المماليك بعد شكوكهم بنواياه تجاههم، ومنهم بيبرس البندقداري وقلاوون الصالحي وأقطاي الجمدار وضربوه بالسيوف فهرب منهم لكشك خشبي فأحرقوه عليه فهرب منه ورمى نفسه بالنيل، فضربوه بالسهام والنبال فقتل جريحًا غريقًا حريقًا،
وبمقتل توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين الأيوبي رحمه الله انتهى حكم الأيوبيين تماماً من مصر، وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي.
---------------------------------------------------------------------
قيام دولة المماليك

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list