سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه ... (3)
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً
-------------------------------------------------------------------
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
《 ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نطوف بالبيت ونصلي، حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا، فصلينا وطفنا》 ...(1).
وقال أيضاً :
《كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي ونطوف بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلناهم حتى تركونا نصلي》 ...(2)
وقال صهيب بن سنان :
《 لما أسلم عمر بن الخطاب، ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه》....(3).
👌ولقد صدق في عمر رضي الله عنه قول القائل :
أعني به الفاروق فرّق عنوةً
بالسيف بين الكفر والإيمان
هو أظهر الإسلام بعد خفائه
ومحا الظلام وباح بالكتمان ....(4)
🌹 رضي الله عنك يا عمر 🌹
-------------------------------------------------------------------
أسلم عمر رضي الله عنه في ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة، وهو ابن سبع وعشرين سنة ....(5)،
وكان إسلامه بعد إسلام حمزة رضي الله عنه بثلاثة أيام .😐......(6)،
👌وكان المسلمون يومئذ تسعة وثلاثين 😢
قال عمر رضي الله عنه :
《 لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون رجلاً فكملتهم أربعين، فأظهر الله دينه، وأعز الإسلام، 》
👌وروي أنهم كانوا أربعين أو بضعة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة، ولكن عمر لم يكن يعرفهم كلهم لأن غالب من أسلم كان يخفي إسلامه خوفاً من المشركين، ولا سيما عمر فقد كان عليهم شديداً فذكر أنه أكملهم أربعين ولم يذكر النساء لأنه لا إعزاز بهن لضعفهن ....(7).
------------------------------------------------------------------
🔸 كيف هاجر عمر رضى الله عنه ؟
لما أراد عمر الهجرة إلى المدينة أبى إلا أن تكون علانية 😐
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
《 ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا متخفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته ...(* عنزة: عصا غليظة)
...ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة، واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس ..، (* المعطاطس : أنوف الكفار )
...من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي 》
. قال عليُّ رضي الله عنه :
《فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم، وأرشدهم ومضى لوجهه 》..........(8).
----------------
وكان قدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليها،
وكان معه من لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي، زوج ابنته حفصة، ..
و (*كان معه) ابن عمه سعيد بن زيد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وواقد بن عبد الله التميمي، حليف لهم، وخولى بن أبي خولى، ومالك بن أبي خولى، حليفان لهم من بني عجل وبنو البكير، وإياس وخالد، وعاقل، وعامر، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث،
فنزلوا على رفاعة بن عبد المنذر في بني عمرو بن عوف بقباء .......(9).
يقول البراء بن عازب رضي الله عنه :
أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أبي مكتوم، وكانوا يُقرئون الناس، فقدم بلال، وسعد، وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين نفراً من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،..
ثم قدم النبي (ص) ، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ......(10).
👌وهكذا ظل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خدمة دينه وعقيدته بالأقوال والأفعال لا يخشى في الله لومة لائم وكان رضي الله عنه سنداً ومعيناً لمن أراد الهجرة من مسلمي مكة حتى خرج، ومعه هذا الوفد الكبير من أقاربه وحلفائه، وساعد عمر رضي الله عنه غيره من أصحابه الذين يريدون الهجرة وخشي عليهم من الفتنة والابتلاء في أنفسهم..... (11)،
ونتركه يحدثنا بنفسه عن ذلك حيث قال :
♦[ إتعدت (* تواعدت) لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضب()، من أضاءة() بني غفار، فوق سَرِف(*)، ..
-----------
* التناضب: جمع تنضيب وهو شجر.* أضاءة : على بعد عشرة أميال من مكة.*و سرف : وادي متوسط الطول من أودية مكة.
-----------
وقلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حُبس فليمض صاحباه.
قال : فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التَّناضب، وحُبس عنا هشام، وفُتن فافتتن .....(12)،..
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عيّاش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخوهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة، ورسول الله (ص) بمكة، ...
فكلّماه (* أي كلما عياش) وقالا : إن أمك نذرت أن لا يمسّ رأسها مُشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرقّ لها، ...
فقلت له : عياش، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك، فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظللت .
قال : أبرُّ قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه .
قال : فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما .
قال: فأبى عليُّ إلا أن يخرج معهما،😢
فلما أبى إلا ذلك، قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول(*)، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها....
فخرج عليها معهما ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: يا أخي، والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تُعقبني(*) على ناقتك هذه؟
--------------
* الذلول: أذلها العمل، فصارت سهلة الركوب والانقياد.
تُعقبني: تجعلني أعقبك عليها لركوبها.
-------------
قال : بلى. قال : فأناخ، وأناخ، ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن ......(13).
قال : فكنا نقول : ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم 😢
قال : وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم :
{ قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ(54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ(55) } *الزمر،
قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص ...
قال : فقال هشام : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى(*)، أصَعَّد بها فيه، وأصَوَّبُ، ولا أفهمها حتى قلت : اللهمّ فهِّمنيها،
--------------
*ذو طوى: واد من أودية مكة.
--------------
قال: فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا. قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه، فلحقت برسول الله وهو بالمدينة ]♦ .....(14).
👌هذه الحادثة تظهر لنا كيف أعد عمر رضي الله عنه خطة الهجرة له، ولصاحبيه عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، وكان ثلاثتهم كل واحد من قبيلة، وكان مكان اللقاء الذي اتعدوا فيه بعيداً عن مكة وخارج الحرم على طريق المدينة، ...
ولقد تحدد الزمان والمكان بالضبط بحيث إنه إذا تخلف أحدهم فليمض صاحباه ولا ينتظرانه، لأنه قد حبس، وكما توقعوا، فقد حبس هشام بن العاص رضي الله عنه بينما مضى عمر وعياش بهجرتهما ونجحت الخطة كاملة ووصلا المدينة سالمين.......(15)
إلا أن قريشاً صممت على متابعة المهاجرين ولذلك أعدت خطة محكمة قام بتنفيذها أبو جهل، والحارث وهما أخوا عياش من أمه ، الأمر الذي جعل عياشاً يطمئن إليهما، وبخاصة إذا كان الأمر يتعلق بأمه، ...
فاختلق أبو جهل هذه الحيلة لعلمه بمدى شفقة ورحمة عياش بأمه، والذي ظهر جلياً عندما أظهر موافقته على العودة معهم، كما تظهر الحادثة الحس الأمني الرفيع الذي كان يتمتع به عمر رضي الله عنه، حيث صدقت فراسته في أمر الاختطاف.........(16)
كما يظهر ذلك المستوى العظيم من الأخوة التي بناها الإسلام فعمر يضحي بنصف ماله حرصاً على سلامة أخيه، وخوفاً عليه من أن يفتنه المشركون بعد عودته،..
ولكن غلبت عياش عاطفته نحو أمه، وبره بها ولذلك قرر أن يمضي لمكة فيبر قسم أمه ويأتي بماله الذي هناك، ..
وتأبى عليه عفته أن يأخذ نصف مال أخيه عمر رضي الله عنه وماله قائم في مكه لم يمس،.
غير أن أفق عمر رضي الله عنه كان أبعد، فكأنه يرى رأي العين المصير المشؤوم الذي سينزل بعياش لو عاد إلى مكة، وحين عجز عن إقناعه أعطاه ناقته الذلول النجيبة، وحدث لعياش ما توقعه عمر من غدر المشركين ....(17).
وساد في الصف المسلم أن الله تعالى لا يقبل صرفاً ولا عدلاً من هؤلاء الذين فتنوا فافتتنوا وتعايشوا مع المجتمع الجاهلي فنزل قول الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِي ... الآيات}
وما أن نزلت هذه الآيات حتى سارع الفاروق رضي الله عنه فبعث بها إلى أخويه الحميمين عياش وهشام ليجددا محاولاتهما في مغادرة معسكر الكفر.
أي سمو عظيم عند ابن الخطاب رضي الله عنه. لقد حاول مع أخيه عياش، أعطاه نصف ماله على أن لا يغادر المدينة، وأعطاه ناقته ليفر عليها ومع هذا كله، فلم يشمت بأخيه، ولم يتشفَّ منه لأنه خالفه، ورفض نصيحته، وألقى برأيه خلف ظهره،
إنما كان شعور الحب والوفاء لأخيه هو الذي يسيطر عليه، فما أن نزلت الآية حتى سارع ببعثها إلى أخويه من مكة وإلى كل المستضعفين هناك ليقوموا بمحاولات جديدة للانضمام إلى المعسكر الإسلامي ....(18).
هذا وقد نزل عمر بالمدينة، وأصبح وزير صدق لرسول الله ، وآخى النبي (ص) بينه وبين عويم بن ساعدة....(19)،
وقيل بينه وبين عتبان بن مالك...(20)
وقيل بينه وبين معاذ بن عفراء .....(21)
وقد علق ابن عبد الهادي على ذلك وقال:
👌 لا تناقض بين الأحاديث ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين كل أولئك في أوقات متعددة، فإنه ليس بممتنع أن يؤاخي بينه وبين كل أولئك في أوقات متعددة ..........(22).
🍂 رضي الله عن عمر بن الخطاب 🍂
🌹 وصلى الله على محمد و آله و صحبه 🌹
--------------------------------------------------------------------
(1) فضائل الصحابة (1/344) إسناده حسن.
(2) الشيخان أبو بكر وعمر برواية البلاذري ص141 .
(3) الطبقات الكبرى (3/269)، صفة الصفوة (1/274).
(4) نونية القحطاني ص22 .
(5) تاريخ الخلفاء ص137 .
(6؛7) أخبار عمر، الطنطاويان ص22 .
(8) خبر لا بأس به انظر صحيح التوثيق في سيرة الفاروق ص30 .
(9) فتح الباري (7/261) نقلاً عن صحيح التوثيق ص31 .
(10) البخاري رقم 3925 .
(11) صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب ص31 .
(12) الهجرة النبوية المباركة، عبد الرحمن عبد البر ص129 .
(13) السيرة النبوية الصحيحة (1/205).
(14) الهجرة النبوية المباركة ص131 .
(15) التربية القيادية (2/ 159).
(16) السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للصلابي ص512.
(17؛18) التربية القيادية (2/160).
(19) مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي 31 .
(20) الطبقات لابن سعد (3/272).
(21) مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي 31 .
(22) محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (1/184).
☆ فصل الخطاب في سيرة بن الخطاب ص35-28
--------------------------------------------------------------------
تابعونا #سيرةالفاروقعمر_جواهر (3)
إرسال تعليق