تاريخ العصر المملوكي .. (7)
🔸 عز الدين أيبك و ️قيام دولة المماليك البحرية
------------------------------------------------------------
بعد نجاحها في طرد الصليبيين واستعادة دمياط عملت شجرة الدر على تدعيم مركزها الداخلي لتحتفظ بالسلطة ، فأخذت تتقرب من الخاصة والعامة، وتعمل على إرضائهم بشتى الوسائل ؛ لكن المصريين لم يتقبلوا أن تحكمهم امرأة ، وقد شعرت بهذا الحرج، فحرصت على ألا تبرز إسمها مكشوفا في المناشير . فكانت توقع بأسماء وتعابير تشير إليها مثل "والدة السلطان خليل" طفلها من نجم الدين أيوب ؛ كما حاولت الإنتساب للخلافة العباسية ؛ فجعلت صيغة الدعاء على المنابر : "احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل، المستعصمية - نسبة إلى الخليفة المستعصم العباسي - صاحبة الملك الصالح "
وقد قامت المظاهرات في القاهرة، وحدثت اضطرابات عديدة مناهضة لحكمها، وكان من الطبيعي أن يقف الملوك والأمراء الأيوبيون في بلاد الشام، موقف العداء لهذا لنظام الجديد لانهم يعتبرون أنفسهم ورثة الصالح أيوب بالضرورة .
وخشي المماليك على نظامهم الجديد من منافسة الأيوبيين، واضطربت أوضاعهم، فتنادوا إلى اجتماع يعقد في قلعة الجبل، وقرروا الخروج للتصدي للأيوبيين إلا أنهم أحجموا عن ذلك ؛ واتجهوا نحو خليفة بغداد لإنقاذ حكمهم ، وإضفاء الشرعية عليه لكن خاب أملهم عندما عاب عليهم الخليفة تنصيب امرأة في الحكم، وقال قولته المشهورة : إن كان الرجال قد عدمت عندكم فأخبرونا حتى نسير إليكم رجلا .
ولما وصل جواب الخليفة إلى القاهرة، وجدت شجرة الدر نفسها في موقف حرج، وأدرك المماليك، من جهتهم أيضا ، مدى ما وقعوا فيه من خطأ عندما ولوا عليهم أمرأة ، واقتنعوا بضرورة تغيير رأس السلطة ؛ ورأوا للخروج من هذا المأزق أن تتزوج شجرة الدر من الأمير عز الدين أيبك وتتنازل له عن العرش .
استجابت السلطانة لمطلب الأمراء، فخلعت نفسها من السلطنة في (شهر ربيع الآخر 648 ه / شهر تموز عام 1250م)، وتزوجت الأمير عزالدين أيبك ، وكان قد دام حكمها ثلاثة أشهر .
👌 وباعتلاء عزالدين أيبك عرش السلطنة قامت دولة المماليك البحرية . [☆1]
--------------------------------------------------------------‐-----
🚩 الملك المعز - عز الدين أيبك
( ٦٤٨ - ٦٥٥ ه/ ۱۲٥٠ - ۱۲٥٧م )
تولى عزالدين أيبك عرش مصر بعد تنازل شجرة الدر عن الحكم، وتلقب باللقب السلطاني «المعز أيبك» .
كان أيبك أحد المماليك الصالحية، لكنه لم يكن من طائفة المماليك البحرية، ولا أكبرهم سنا أو أقدمهم خدمة أو أقواهم نفوذا، لكنه اشتهر بین المماليك بدين وكرم وجودة رأي (*1)
ترقي في خدمة السلطان الصالح أيوب حتى أصبح من الأمراء، وتولى وظيفة الجاشنكير في البلاط السلطاني . (*2)
ويبدو أن دافع الأمراء المماليك لاختياره من بينهم، يعود إلى وجود عدة أمراء أقوياء مثل أقطاي وبيبرس وقلاوون، وكان هؤلاء يخشون بعضهم بعضا، بالإضافة إلى ذلك يعتبر أيبك من أواسط الأمراء مكانة وليس من أعيانهم، حتى إذا بدا أن مصلحتهم تقتضي عزله، استطاعوا ذلك في يسر لضعف شأنه وضآلة نفوذه (*3) ☆ سهيل طقوش
{ والواقع أن هذه القفزة لأيبك كانت حالة إستثنائية عن عرف التدرج لدى المماليك جعلت بعض المؤرخين مثل أبي المحاسن ابن تغري بردي - في كلامه السابق - ، يتهم أيبك بضعف النفوذ والشوكة ، وان الأمراء لم ينتخبوه الا لكي يتمكنوا من عزله متى شاءوا ..
غير أن الحوادث دلت على أن أيبك رجل يمتاز بصفات
السياسة والحزم والشجاعة ، ولم يكن ضعيف الشخصية كما يصوره بعض المؤرخين ، ويبدو أن أبا المحاسن نفسه قد شعر بالخطأ الذي وقع فيه حينما وصف أيبك بالضعف في كتابه النجوم الزاهرة ، اذ أنه عاد واستدرك ذلك في كتابه الآخر : « المنهل الصافي »، فمدح أيبك فيه ، ووصفه بالديانة والصيانة والعقل والسياسة ، وأنه انقذ دولة المماليك من خطر محقق (*4). } ☆ أحمد العبادي
تولى المعز أيبك السلطنة المملوكية البحرية ليجد نفسه أمام أربعة أخطار جسيمة، ثلاثة أخطار داخلية ، وخطر خارجي.
تمثل الخطر الداخلي الأول، بالانتفاضة الشعبية ضد الحكم المملوكي بشكل عام، وتمثل الثاني بمؤامرات بعض زعماء المماليك ضد حكم أيبك، في حين تمثل الثالث بالخطر الذي شكلته شجرة الدر، بينما تمثل الخطر الخارجي بإصرار
الأيوبيين على الزحف نحو مصر لاستخلاصها من أيدي المماليك. فكيف واجه المعز أيبك هذه الأخطار؟ ☆طقوش
---------------
🔹أولا ️الخطر الأيوبي والصليبي
كان الخطر الأيوبي ممثلا في الأمراء الأيوبيين بالشام وعلى رأسهم الملك الناصر یوسف صاحب حلب ودمشق ؛ وحاول أيبك هدم هذه المعارضة الأيوبية باقامة أمير من ذرية بني أيوب الى جانبه ، واستقر الرأي على تولية المدعو الأشرف موسی (*5) ، وهو طفل في نحو السادسة ، ليكون شريكا لأيبك في السلطنة ، فصار يخطب باسمهما على منابر مصر وأعمالها ، وضربت لهما السكة على الدنانير والدراهم .(*6)
ولكن هذه الحيلة لم تدخل على الأيوبيين لأنهم يعلمون تماما أن الأشرف موسى لم يكن له غير الاسم ، على حين كانت الأمور جميعها بيد أيبك (*7).
عندئذ أعلن أيبك ان البلاد تحت سلطة الخلافة العباسية صاحبة السلطان القديم عليها ، وأنه نائب الخليفة المستعصم بها (*8) .
وبهذه الحيلة الثانية حاول أيبك هدم المقاومة الأيوبية ، غير أنه لم يكتف بذلك ؛ ولأنه يعلم أن الناصر يوسف لن يرجع عن عزمه بسهولة ، فأخذ يستعد لمحاربته .
أما الملك الناصر يوسف ، فإنه رأي لكي يضمن النجاح لحملته على مصر ، ان يضم الى جانبه الملك لويس التاسع المقيم في عكا منذ إطلاق سراحه من محبسه في المنصورة ، وعرض عليه مقابل ذلك تسليمه بیت المقدس الذي كان تحت امرة الأيوبيين في ذلك الوقت (منذ حرره الصالح نجم الدين أيوب)
وعلم أيبك بأنباء هذه المفاوضات ، فأرسل إلى الملك لويس تهديدا بقتل أسرى الصليبيين المقيمين بمصر إن قام بأي عمل عدائي ضده . وفي الوقت نفسه أبدى له استعداده لتعديل معاهدة دمياط ، والتنازل له عن نصف الفدية المقررة ، إن تحالف معه ضد الناصر يوسف .
غير أن الملك لويس التاسع فضل أن يقف بين الفريقين موقف الحياد ، وان يستغل نزاعهما لصالحه .
ولما يئس الناصر يوسف من مساعدة لويس التاسع ، زحف بجيوشه نحو مصر ، وسارع أيبك للقائه ، ولكنه خشى في الوقت نفسه أن يقوم الصليبيون بهجوم مفاجيء على مصر ، فأمر بهدم مدينة دمياط هدفهم المفضل دائما ..
فوقع الهدم في أسوارها يوم الاثنين ١٨ شعبان سنة ٦٤٨ ه ( اواخر سنة ۱۲٥٠ م) حتى خربت كلها ولم يبق منها سوى الجامع وأخصاص من القش على شاطىء النيل يسكنها جماعة الصيادين من وضعفاء الناس وسموها المنشية (*9)
واستمرت دمياط على هذه الحال حتى عمرها السلطان بيبرس البندقداري من جديد سنة (۱۲۷۱ م)
ثم التقى المماليك بالأيوبيين في معركة عامة عند بلدة العباسية بين مدينتي بلبيس والصالحية ، في ٣ فبراير سنة ( ۱۲٥١ م)، انتصر فيها الملك الناصر أول الأمر ، ولكن فرقة من مماليكه ، وهم العزيزية (*10) ، خذلوه وانضموا إلى المماليك البحرية لعلة الجنسية على قول المراجع المعاصرة (*11)
ففر الناصر ومن معه من أبناء البيت الايوبي إلى الشام منهزمين ، بعد أن فقدوا عددا كبيرا من القتلى والأسرى . وقرر أيبك أن يواصل زحفه نحو الشام للقضاء على مراكز المقاومة الأيوبية ، ولكي يضمن النجاح لمشروعه ، حاول أن يضم لويس التاسع الى جانبه ، ووعده بیت المقدس بمجرد استيلائه عليه من الملك الناصر يوسف الأيوبي .
وفضل لويس التاسع ، بعد أن رأى انتصار الجانب المصري ان يستجيب لعروض أيبك ويترك سياسة الحياد .
وفي أوائل مایو سنة (۱۲٥٢ م) اتفق أيبك ولويس التاسع على القيام بحملة مشتركة لطرد الناصر يوسف من الشام . وكانت الخطة المتفق عليها هی أن يستولي لويس التاسع على يافا ، بينما يحتل أيبك غزة ، ومن هناك يتم الاتصال بين الجيشين في منتصف مايو سنة( ۱۲٥٢م) للقيام بهجوم عام مشترك على ولايات الأيوبيين (*12).
وتنفيذا لهذه الخطة، إحتل الملك لويس مدينة يافا دون مقاومة ، بينما تقدم المماليك بقيادة أقطای نحو غزة ، غير أن الملك الناصر يوسف ، الذي علم بأخبار هذا التحالف ، سبقهم الى احتلالها بقوة حربية كبيرة ، فاستطاع بهذا العمل الجريء أن يحول دون اتصال المماليك بحلفائهم الصليبيين ، ويفسد عليهم خطتهم المشتركة .
واستمرت جيوش المماليك في الصالحية ، وجيوش الأيوبيين في غزة كل منهما تتحفز بالاخرى ، إلى أن أنقذ الموقف أخيرا الخليفة العباسي المستعصم عندما توسط لدى الفريقين ، وتمكن رسوله نجم الدين البادرانی(*13) من عقد صلح بينهما في أبريل سنة( ۱۲٥٣م / ٦٥١ ه ) على ان يكون للمماليك مصر وجنوب فلسطين بما في ذلك غزة وبيت القدس ؛ بينما تظل البلاد الشامية في يد أصحابها من أبناء البيت الأيوبي .
وهكذا فشل لويس التاسع في تحقيق آماله بامتلاك بیت المقدس(مرة أخرى) ، ولم يستطع بعد ذلك البقاء في الشام خصوصا بعد وفاة والدته الملكة بلانش( القشتالية ) التي كانت تحكم فرنسا في غيابه کوصية على العرش ، فاضطر لويس التاسع الي الرجوع الى بلاده سنة ۱۲٥٤ م •
على أنه ينبغي أن نلاحظ هنا أن تدخل الخليفة العباسي في ذلك الوقت ، لم يكن هدفه ايقاف التغلغل الصليبي في شئون الشرق العربي فحسب ، بل كان غرضه أيضا توحيد الجهود لتكوين جبهة اسلامية أمام خطر جديد أشد من الخطر الصليبي ، وهو الخطر المغولي الذي كانت جحافله قد اجتاحت الحدود الاسلامية الشرقية بقيادة جنكيزخان وقضت على الدولة الخوارزمية التي كانت بمثابة الترس المانع الحامي لجميع الدول الإسلامية في غرب آسيا والشرق الأدنى من هجمات المغول وغيرهم من الآسيويين .
وهكذا انتهت العقبة الأولى في تأسيس الدولة المملوكية
الناشئة وهي النزاع بين المماليك وملوك البيت الايوبي .
☆ أحمد م العبادي
-------------------------------‐------------------------------------
🔹ثانيا️ ثورة العرب ضد حكم المماليك( ٦٥١ ه/ ۱٢٥٣ م )
الواقع أن العرب من سكان مصر، الذين استوطنوا هذا البلد منذ الفتح الإسلامي، قد تحولوا تدريجيا إلى مزارعين مستقرين ، خاصة في أقاليم الصعيد والشرقية، وأطلق عليهم العرب المزارعة .(*14)
ويبدو أن هؤلاء العرب احتقروا المماليك، ورفضوا أن يخضعوا لحكمهم بسبب أصلهم غير الحر ، واعتبروا أنهم أحق بالملك منهم، وقد اتخذ رفضهم شكل ثورة مسلحة تزعمها الشريف حصن الدين بن ثعلب . (*15)
{ من المعروف أن القبائل العربية التي استوطنت مصر بعد الفتح الإسلامي ، وأخذت تتحول تدريجيا الى شعب زراعی ، وأطلق عليهم اسم العرب المزارعة . وكان هؤلاء العرب يقومون بفلاحة الأرض على مقربة من القرى القديمة الآهلة
بالفلاحين من أهالي البلاد ، ...
غير أنه يلاحظ أن هؤلاء العرب کانوا يتمتعون بمركز اجتماعی اعلى مرتبة من الفلاحين بسبب المساعدات الحربية التي كانوا يؤدونها للدولة في وقت الحرب ولا سيما إبان الحروب الصليبية ...
وكان مشايخ العرب تقع عليهم تبعة حفظ النظام في القرى والارياف ، كذلك كانت مساهمتهم في الانتاج الزراعي ودفع الخراج كبيرة نسبيا؛ وكان تعسف امراء المماليك في تحديد أثمان المنتجات الزراعية واحتكارها والتلاعب في أسعارها أحيانا ، من الأسباب التي دفعت بهؤلاء المزارعين العرب الى القيام بثورات متعددة طوال العصر المملوکی } . ☆ العبادي
والواضح أن أسباب الثورة تعود إلى دافعين رئيسيين:
دافع سياسي و آخر إقتصادي ؛ ويلاحظ أن ثورة العرب هدفت إلى القضاء على حكم المماليك وإعادة مصر إلى حظيرة الحكم العربي الحر .
أما من حيث الدافع الاقتصادي، فإن المماليك تعسفوا في تحديد أثمان المنتجات الزراعية، وتلاعبوا بأسعارها، مما انعكس سلبا على أوضاع المزارعين الإقتصادية، وقد أدى ذلك إلى هجرة عدد كبير منهم إلى المدن الكبرى حيث اشتركوا في النزاعات الداخلية التي كانت تدور بين الأمراء المماليك - كما بالغ المماليك في الإستهتار و زيادة الضرائب .(*16)
ويبدو أن الحركة الثورية لم تقتصر على المزارعين العرب وحدهم، بل انتشرت بين العامة الذين التفوا حول الشريف حصن الدين ، ورفض المصريون أن يحكمهم سلطان جرى عليه رق، فكانوا يهاجمون أيبك ويوجهون إليه النقد ويسمعونه ما يكره ، من ذلك قولهم : «لا نريد إلا سلطانا رئيسا مولودا على الفطرة »(*17).
وأقام "الشريف حصن الدين" دولة عربية مستقلة في مصر الوسطى وفي منطقة الشرقية بالوجه البحري قاعدتها «ذروة سريام» أو «ذروة الشريف» نسبة إليه .(*18)
وحتى يقوي سلطة دولته الناشئة، اتصل الشريف بالملك الناصر يوسف ، صاحب الشام، وطلب مساعدته في محاربة المماليك(*19).
لكن الملك الأيوبي الذي كان يجري، آنذاك ، مفاوضات مع أيبك بشأن عقد صلح بينهما، لم يكن بوسعه أن يقدم أية مساعدة .
أثارت هذه الحركة الثورية مخاوف المماليك، فخشوا على مستقبل دولتهم الوليدة مما دفعهم إلى اتباع سياسة العنف والقوة في قمعها ، فأرسل أيبك حملة عسكرية بقيادة أقطاي للقضاء على هذه الثورة، وتمكن من التغلب على المقاومة العربية في بلبيس ، وظل حصن الدين طليقا يحكم مصر الوسطى حتى قبض عليه الظاهر بيبرس عندما تولى الحكم وشنقه (*20) .
كان أيبك قد استعان بالمماليك البحرية في التغلب على ثورة العرب التي واجهته ، فازداد نفوذهم وارتفعت مكانة زعيمهم فارس الدين أقطاي. وكان أيبك يتوجس خيفة من تصاعد نفوذ أقطاي وطائفته البحرية عقب الإنتصارات التي حققتها هذه الطائفة على الصليبيين، والناصر يوسف .
وجاء انتصار أقطاي على العرب ليزيد من مكانته، حتى أضحى وقوع الصدام بينهما حتميا ، وليس مستبعدا أن يكون تكليف هذا الأخير بإخضاع الثورة المشار إليها وسيلة للتخلص منه .
والواقع أن أقطاي عمد بعد انتصاره على العرب إلى إقطاع ثغر الإسكندرية لنفسه، ولم يتمكن أيبك من معارضته، في الوقت الذي اشتط فيه المماليك البحرية في طلب الإقطاعات و المنح ، وراحوا يحيكون المؤامرات لخلع أيبك .
وقد ذكرنا، أن المماليك وافقوا على سلطنة أيبك لاعتقادهم بأنه شخصية ضعيفة، وأنه من الممكن إسقاطه عن الحكم بسهولة، لكن التطورات السياسية أثبتت غير ذلك. فبعد تركزه في الحكم، أخذ يعمل على تقوية مركزه، وتحرك على ثلاثة محاور :
1▪︎ فقد أنشأ لنفسه فرقة من المماليك عرفوا بالمعزية نسبة إلى لقبه الملك المعز.
2▪︎ إنه عین مملوکه قطز نائبا للسلطنة .
3▪︎أنه أخرج المماليك البحرية من ثكناتهم في جزيرة الروضة، وكان قد عزل شريكه الصغير في الحكم الطفل الأشرف موسی وانفرد بالسلطنة، فبدا في صورة السلطان القوي .
ويبدو أن هذه الإنتصارات التي حققها، وتلك الإجراءات الشكلية التي أحاط نفسه بها، لم تحمه من خطر أقطاي، ولم تحد من نفوذه وطموحه، حتى أفاق أيبك أخيرا ليجد نفسه أمام منافس قوي بلغ درجة عالية من السطوة والنفوذ فاقت
سطوة الملك ونفوذه، محاطا بالفرسان المسلحين، وقد اعتدوا بأنفسهم وبقوتهم (21)
وذهب أقطاي بعيدأ حين راح يهاجم أيبك، ويبالغ في تحقيره في مجلسه ولا يسميه إلا أيبكة»، وينتحل لنفسه في مواكبه ومجالسه بعض الشعارات السلطانية، ثم تطلع نحو السلطنة، وسانده أتباعه البحرية لتحقيق أمنيته، فلقبوه بالملك الجواد (*22).
وازداد أقطاي عتوا حين خطب لنفسه إحدى أميرات البيت الأيوبي، وهي ابنة المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة ، فأضحى له سند شرعي في الحكم، ثم طلب من المعز ايبك أن يسكن قلعة الجبل، باعتبار زوجته من بنات الملوك .
عندئذ أدرك أيبك ما يجول في فكر أقطاي، لأن قلعة الجبل كانت في ذلك الوقت المقر الرسمي للحكم وكان معنی طلبه ذلك أنه تطلع نحو السلطنة (*23)
فلم يبق لدى أيبك ، بعد ذلك، أدنى شك في نواياه السلطوية وأضحى التخلص منه ضرورة ملحة، وصمم على قتله. فاستدرجه صباح يوم الاثنين في (۱۱ من شهر شعبان عام ٦٥٢ ه/ ۲۷ من شهر أيلول عام ۱۲٥٤ م) إلى القلعة بحجة استشارته في أمر مهم ... وكان قد اتفق مع مماليكه المعزية على اغتياله .
وفعلا حضر أقطاي إلى قلعة الجبل مع بعض ممالیکه، فما كاد يدخل باب القلعة المؤدي إلى القاعة الكبرى حتى أغلق خلفه، ومنع ممالیکه من الدخول، ثم هاجمه المماليك المعزية، ومنهم الأمير قطز ، وانقضوا عليه وقتلوه بسيوفهم .(*24)
وسرعان ما أشيع خبر مقتل أقطاي في القاهرة، فهرع سبعمائة من ممالیکه لإنقاذه ظنا منهم أنه لم يقتل بعد وأنه ما يزال حيا، وكان من بينهم الأمراء، بيبرس البندقداري وقلاوون الألفي وسنقر الأشقر ، وعسكروا تحت أسوار القلعة.
لكن أيبك ألقى إليهم برأس زعيمهم، فأدركوا عندئذ أنهم أمام رجل قوي وأنه لا مقام لهم في مصر خشية أن يبطش بهم فهرب منهم من استطاع الفرار إلى بلاد الشام، ليحتموا بظل الملوك الأيوبيين مثل الناصر یوسف صاحب حلب ودمشق، والمغيث ملك الكرك، كما التجأ مائة وثلاثون منهم إلى سلطنة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ..(*25)
*وكان يحكم سلطنة سلاجقة الروم في عام ( ٦٥٢ ه) عندما التجا إليها المماليك البحرية ثلاثة أخوة معا هم : عز الدين كيكاوس بن كيخسرو وهو كيكاوس الثاني ؛ وقلج أرسلان بن كيخسرو، و هو قلج أرسلان الرابع، وعلاء الدین کیقباد بن کیخسرو، وهو كيقباد الثاني .
(راجع ابن بيبي الذي عاش هذه الأحداث، ص۲٦٣ - ٢٦٨)
☆ م سهيل طقوش
--------------‐-----------------------------------------------------
الهامش لم يستكمل بعد فنرجو عدم النسخ و تعريض صفحاتكم للبلاغات من طرفنا #جواهرالأدبوالتاريخ
--------------‐-----------------------------------------------------
[☆1] انظر د. محمد سهيل طقوش : تاريخ المماليك في مصر
وبلاد الشام ط 1 دار النفائس 1997م ص 39 - 50
[☆2] د. أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك الأولى طبعة دار النهضة ١٩٨٦ القاهرة ، ص ١٢٤-١٢٨
------------‐
(*1) ابن تغري بردي : ج۷، ص٤.
(*2) الجاشنكير: يقوم متولي هذه الوظيفة بذوق الطعام والشراب قبل السلطان خوفا من أن يدس عليه فيه سم أو نحوه، راجع القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا: ج٤ ، ص۲۱ وج ٥ ، ص٤٦٠ .
(*3) ابن تغري بردي: ج۷، ص٤.
(*4)ابن تغري بردي المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي ج1 لوحة ۲ مخطوط بدار الكتب المصرية )
---------
(*5) هو الأشرف موسی بن يوسف بن المسعود بن الكامل ، وكان جده المسعود صاحب اليمن المعروف بأقسیس المتوفي سنة ۱۲۲۸ م، وعاش ابوه في كنف الصالح أیوب حتى توفي عن هذا الطفل الصغير موسی . (المقريزي : السلوك ج۱ ص ۳٦٩)
(*6) ابن ایاس : بدائع الزهور ج١ ص ۹۰، المقريزي : الخطط ج2 ص۲۳۷
(*7) ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ج۷ ص ٦، المقريزي : السلوك ج١ ص ۳۹۹
(*8) ابو الفداء : المختصر في أخبار البشر ج۳ ص۱۹۲ ، المقريزي : السلوك ج۱ ص ۳۷۰
(*9) المقريزي : السلوك ج۱ ص ۰۳۷۲
(۱۹۹ ه ) راجع ( ابن ایاس : المرجع ج۱ ص ۸۷، ۱۱۱)
(*10) العزيزية نسبة الى العزيز محمد والد الناصر يوسف، وقد انتقلوا الى خدمته بعد وفاة ابيه سنة ۱۲۳۹ م.
(*11) ابن واصل : مفرج الكروب ج۲ ص ۳۸۲ - ۳۸۳، المقريزي :
السلوك ج۱ ص ۳۷۳ - ۳۷۰ ، ابو المحاسن : النجوم الزاهرة ج٧ ص ۸
(*12) راجع (251-250 : The Knights Hospitallers P)
(*13) البادراني نسبة إلى قرية بادران بأصبهان .
----------
(*14) العبادي: المرجع السابق، ص ۱۲۸.
(*15) القلقشندي: ج٤، ص۹۸.
(*16) المقريزي: ج۱، ص۳۸۰. ابن تغري بردي : ج۷، ص۲۳.
(*17) ابن تغري بردي: ج۷، ص۱۳.
(*18) ابن فضل الله العمري شهاب الدين : التعريف بالمصطلح الشريف، ص۱۸۸.
(*19) المقريزي: ج۱، ص٣٨٩
(*20) النويري: ج۲۹، ص٤۲۹.
(*21) النويري: ج۲۹، ص ٤٣.
(*22) ابن تغري بردي : ج۷، ص۱۱.
(*23) المقريزي: ج۱، ص ٣٨٩
(*24) المنصوري : ص۳٥. النويري: ج۲۹، ص۹۳۰ - ۳۱.
(*25) المنصوري : المصدر نفسه. المقريزي: ج۱، ص۳۹۳
إرسال تعليق