العيني "بدر الدين" المؤرخ الشهير
--------------------------------------------------------------------
الشيخ العلامة المحدث و المؤرخ : محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد، أبو محمد، المعروف ببدر الدين العيني الحنفي .
والعيني نسبة إلى مدينة عينتاب التركية وفيها مولده سنة (762 هـ/ 1361م) ؛ و هي جنوب شرق تركيا تعرف الآن "بغازي عينتاب" تبعد عن حلب السورية 96 كم .
وهو جد الأمير شهاب الدين أحمد بن عبد الرحيم بن بدر الدين محمود العيني ؛ صاحب القصر الذي حول إلى مستشفى قصر العيني بالقاهرة .
أقام في حلب ومصر ودمشق والقدس. وولي في القاهرة الحسبة وقضاء الحنفية ونظر السجون، وتقرب من الملك المؤيد شيخ* حتى عد من أخصائه ؛ ولما ولي الملك الأشرف برسباي الحكم ، سامره ولزمه، وكان يكرمه ويقدمه .
ثم صرف عن وظائفه ، وعكف على التدريس والتصنيف إلى أن توفي بالقاهرة.
.........
*الملك "المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الشركسي" سلطان المماليك (1412م – 1421م) ، قدم من الشام إلى القاهرة وعمره 12 عاما، وكان ذكيا جميل الصورة فعينه السلطان فرج بن برقوق في الحرس السلطاني ثم جعله أميرا للحج ثم نائبا للشام.
وعندما تولّى الخليفة العباسي المستعين بالله الحكم بعد مقتل السلطان فرج بن برقوق لمدة ستة أشهر ؛ عين الأمير شيخ المحمودي نائبا للملك في 8 ربيع أول 815 هـ ثم عيّنه شريكا في المُلك ولقّبه بالملك المؤيد ؛ ثم استطاع الملك المؤيد الانفراد بالسلطنة في أوائل عام 815 هـ / 1412م، وأبعد الخليفة العباسي المستعين إلى الإسكندرية وعين أخاه داوود خليفة مكانه في عام 818 هـ.
...........
️ على الرغم من كثرة المناصب التي تولاها العيني، وانشغاله بخدمة الناس قاضيًا ومحتسبًا ومدرسًا فإن ذلك لم يعقه كثيرًا عن مواصلة الدرس والتأليف، فوضع مؤلفات كثيرة وفي موضوعات مختلفة في الفقه والحديث والتاريخ و اللغة العربية، وهي الميادين التي برع فيها العيني، وبعض هذه الكتب من المجلدات ذوات العدد .
🔹️ من أشهر مؤلفاته :
1- 📂 عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
وهو كتاب ضخم، تناول فيه الأحداث التاريخية منذ أول الخلق حتى سنة (850 هـ/1447م) ، ولم يظهر من هذا الكتاب البالغ الضخامة سوى أربعة أجزاء أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب تتناول بعض فترات عصر المماليك البحرية، بتحقيق محمد محمد أمين، وصدر جزء آخر بتحقيق عبد الرازق الطنطاوي نشرته دار الزهراء.
2- 📂 عمدة القاري في شرح صحيح البخاري .في أحد عشر مجلدا
وهو من أجل شروح البخاري، استغرق العيني في تأليفه مدة تزيد عن عشرين عامًا، وقد طبع الكتاب بالآستانة سنة (1308هـ= 1890م) في 11 مجلدًا، ثم طبع في مصر أكثر من مرة.
جاء الإمام بدر الدين العيني إلى القاهرة في أواخر القرن الثامن الهجري فأحسنت استقباله وأكرمت وفادته، وأسبغت عليه ما يستحق من تقدير وإكبار، فتقلد أرفع المناصب العلمية والإدارية في القاهرة كالقضاء والحسبة والتدريس في كبريات المدارس، وتوثقت علاقاته بالسلاطين،
وكان لتمكنه من التركية عون في هذه الصلة، وآثره السلطان برسباي بمودة خاصة، فكان العيني يجلس إليه ساعات من الليل، يفسر له غوامض الفقه والشريعة، ويبين له كثيرًا من أمور دينه، ويسامره بقراءة التاريخ بعد أن يترجمها له مباشرة إلى التركية،
وكان السلطان برسباي غير متمكن من العربية، لا يعرف منها إلا القليل، ولم يكن السلطان يخجل من جلوسه بين يدي شيخه تلميذًا يلتمس المعرفة، بل كان يفخر بذلك ويجهر بتلمذته لمن حوله بقوله: “لولا القاضي العيني ما حسن إسلامنا، ولا عرفنا كيف نسير في المملكة”.
🔹️ المولد والنشأة
في قلعة عينتاب بالقرب من حلب ولد “محمود بن أحمد بن موسى” المعروف ببدر الدين العيني في (26 من رمضان 762هـ /30 من يوليو 1361م)،
ونشأ في بيت علم ودين، وتعهده أبوه وكان قاضيًا بالرعاية والتعليم، ودفع به إلى من يقوم على تعليمه، فحفظ القرآن، وتعلم القراءة والكتابة،
حتى إذا بلغ الثامنة كان قد تهيأ لتلقي العلوم، فتعلم القراءات السبع للقرآن الكريم، ودرس الفقه الحنفي على يد والده وغيره من الشيوخ، وتلقى علوم العربية والتفسير والمنطق على عدد من علماء بلدته،
ثم رحل إلى حلب سنة (783هـ= 1381م) طلبًا للمزيد من العلم، واتصل بعدد من علمائها مثل جمال الدين يوسف بن موسى الملطي، فلازمه وقرأ عليه بعضًا من كتب الفقه الحنفي، ثم عاد إلى بلدته.
وبعد وفاة والده عاود العيني رحلته طلبًا للعلم استجابة لشغفه العلمي وبحثه عن المزيد، فشد الرحال سنة (785هـ= 1383م) إلى دمشق، ليأخذ بقسط وافر من الحديث، وكانت المدرسة النورية من كبريات دور الحديث، فالتحق بها العيني، ودرس الحديث على عدد من علمائها، ولم تطل فترة إقامته بدمشق فعاوده الحنين إلى حلب، فولى وجهه شطرها.
ولما بلغ الخامسة والعشرين تاقت نفسه لأداء فريضة الحج، فتجهز سنة (786هـ= 1384م) لأدائها، وفي أثناء إقامته بمكة والمدينة التقى بعلمائها وأخذ العلم عنهم، ثم عاد إلى وطنه، وجلس للتدريس، وأقبل عليه الطلاب من المناطق المجاورة، وظل عامين يؤدي رسالته،
ثم رغب في زيارة بيت المقدس بفلسطين، فرحل إليها سنة (788هـ= 1386م)، وشاءت الأقدار أن يلتقي العيني هناك بالشيخ علاء الدين السيرامي ملك العلماء في عصره، فلازمه وتتلمذ على يديه، وقدم معه إلى القاهرة في السنة نفسها.
ولما قدم شيخه “السيرامي” القاهرة ولاه السلطان الظاهر برقوق مشيخة مدرسته الكبرى التي أنشأها، واحتفى به وأكرم وفادته،
وقد ألحق الشيخ السيرامي تلميذه النابه محمود العيني بالمدرسة مساعدًا له،
وانتهز العيني فرصة وجوده بالقاهرة، فجد في تلقي الحديث عن شيوخه الأعلام، فسمع كتب السنة ومسند أحمد وسنن الدارقطني، والدارمي، ومصابيح السنة للبغوي، والسنن الكبرى للنسائي على يد سراج الدين البلقيني، والزين العراقي، وتقي الدين الدجوي وغيرهم،
حتى إذا توفي شيخه السيرامي سنة (790هـ= 1388م) حل بدر الدين العيني محل شيخه في التدريس بالمدرسة الظاهرية، ومكث بها شهرين، عزل بعدهما من المدرسة بسبب بعض الوشايات المغرضة التي وجدت طريقها عند ذوي السلطان فاستجابوا لها دون تحقيق،
ولم يجد العيني بدًا من السفر إلى بلاده لعله يبلغ فيها مأمنه، وأقام هناك فترة من الزمن، ثم عاد إلى القاهرة ليستقبل فيها عهدًا جديدًا.
وبعد استقراره في القاهرة تقلب في وظائف عديدة، فتقلد ولاية الحسبة لأول مرة سنة (801هـ= 1398م) خلفًا للمقريزي، ولم يستقر في هذا المنصب كثيرًا،
فغالبًا ما كان يعزل أو يعزل نفسه بسبب الطامعين في المنصب وتنافسهم في الحصول عليه بأي وسيلة، ولذلك تكررت مرات توليه له حتى ترك ولاية الحسبة نهائيًا سنة (847هـ= 1443م)،
وقد قام العيني في أثناء توليه هذا المنصب بالالتزام بتطبيق الشريعة، وضبط الأسواق وتوفير السلع، والضرب على يد المحتكرين، وكان يلجأ إليه السلاطين لمباشرة هذه الوظيفة حين تضطرب أحوال السوق، وتشح البضائع، وترتفع الأسعار، لما يعلمون من نزاهته وكفاءته.
وتولى منصب ناظر الأحباس، وهو يشبه وزير الأوقاف في عصرنا الحديث، واستمر مباشرًا لها أربعا وثلاثين سنة دون انقطاع منذ سنة (819هـ = 1416م)، كما تولى منصب قاضي قضاة الحنفية في سنة (829هـ= 1426م) في عهد السلطان برسباي.
ولم تكن مهمة القاضي محصورة في النظر في قضايا الأحوال الشخصية، بل امتدت إلى النظر في جميع القضايا المرفوعة إليه مدنية كانت أو جنائية، بالإضافة إلى إمامة المسلمين في الصلاة، والإشراف على دار السكة التي تضرب النقود، للتأكد من سلامة النقود ومراعاتها للأوزان.
وعلى الرغم من أعباء تلك الوظائف فإنه لم ينقطع عن التدريس، فدرس الحديث بالمدرسة المؤيدية أول ما افتتحت سنة (818هـ= 1415م)، ودرس الفقه بالمدرسة المحمودية، ودرس إلى جانب ذلك التاريخ والنحو والأدب وغير ذلك.
وتتلمذ على يديه عدد من التلاميذ النابهين صاروا أعلامًا بعد ذلك، مثل: الكمال بن الهمام الفقيه الحنفي الكبير، وابن تغري بردي، والسخاوي، وأبي الفضل العسقلاني.
🔹️ العيني وابن حجر العسقلاني
وكانت الفترة التي أقامها العيني في القاهرة تشهد تنافسًا علميًا بين كبار العلماء، الذين امتلأت بهم مساجد مصر ومدارسها، ولم يكن العيني بعيدًا عن تلك المنافسة، وسجل التاريخ تنافسًا محتدمًا اشتعل بينه وبين ابن حجر العسقلاني؛
فكلاهما إمام وفقيه ومؤرخ، انتهت إليهما زعامة مذهبهما؛ فابن حجر شافعي المذهب والعيني حنفي المذهب، وتقلد كل منهما القضاء، ولكل منهما أنصار وأعوان، وأنهما عمدا إلى صحيح البخاري فوضع كل منهما شرحًا وافيًا له ،
وكان ذلك سببًا في ذروة الخلاف بينهما، حيث اتهم ابن حجر منافسه العيني بالنقل من كتابه “فتح الباري” دون عزو أو إشارة إلى الاطلاع عليه في شرحه على البخاري المسمى بعمدة القاري.
ولا تزال هذه القضية موضع جدل ومناقشة بين الباحثين، وأيًا ما كان الأمر بين الحافظين الكبيرين فقد أفضيا بعملهما إلى ربهما، وبقي علمهما ينتفع به.
على أن روح التنافس بينهما لم تمنع أحدهما من الاستفادة من الآخر، فقد تلقى ابن حجر عن العيني حديثين من صحيح مسلم وآخر من مسند أحمد، وترجم له ضمن شيوخه في كتابيه: المجمع المؤسس في المعجم المفهرس، ورفع الأصر عن قضاة مصر،
وذكر السخاوي في كتابه “الضوء اللامع” أنه رأى العيني يسأل ابن حجر في مرض موته، وقد جاء ليعوده عن مسموعات الزين العراقي .
🔹️ علاقته بحكام عصره
عاصر بدر الدين العيني كثيرًا من سلاطين مصر، وربطته ببعضهم علاقة حب وتقدير، فولاه “المؤيد شيخ” التدريس في مدرسته المؤيدية، وأرسله مبعوثًا عنه إلى بلاد الروم سنة (823هـ= 1420م)، وكان يدخل عليه مجلس حكمه في أي وقت، ويتحدث إليه في كل شيء أربعة أيام من كل أسبوع،
وازدادت علاقته توثقًا بالسلطان برسباي، وقامت بينهما علاقة حميمة، وساعدت إجادة العيني للتركية في زيادة عرى المودة بينهما؛ لأن السلطان كان ضعيف العربية لا يحسن الحديث بها، وقام العيني بتثقيف السلطان وتعليمه كثيرًا من أمور الدين، وقراءة فصول من كتبه التاريخية له بعد ترجمتها إلى التركية التي كان يتقنها السلطان.
وبلغ من إكرام السلطان برسباي لمعلمه بدر الدين العيني أنه كان يطلب منه أن ينوب عنه في استقبال الوفود التي تأتي إليه، وأسند إليه مهمة ترجمة الرسائل التي ترد إليه من الدور المجاورة.
🔹️ كتب أخرى للعيني :
📂 مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار مجلدان، في مصطلح الحديث ورجاله،
📂 العلم الهيب في شرح الكلم الطيب لابن تيمية
📂 تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر
📂 مباني الأخبار في شرح معاني الآثار
📂 نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار ثماني مجلدات،
📂 البناية في شرح الهداية -ست مجلدات، في فقه الحنفية،
جعله شرحًا لكتاب الهداية للإمام المرغيناني المتوفى سنة (593هـ= 1169م)، وجاء في عشرة مجلدات، وقد استغرق العيني في تأليفه ثلاثة عشر عامًا، وقد طبع الكتاب عدة مرات.
📂 رمز الحقائق - شرح الكنز، فقه
📂 الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة - فقه،
📂 المسائل البدرية - خ) فقه،
📂 السيف المهند في سيرة الملك المؤيد
طبع بالقاهرة بتحقيق فهيم شلتوت سنة (1386هـ= 1966م).
📂 منحة السلوك في شرح تحفة الملوك - فقه،
📂 المقاصد النحوية - في شرح شواهد شروح الألفية، يعرف بالشواهد الكبرى، وقد طبع الكتاب بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة (1299هـ= 1882م) على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي.
📂 فرائد القلائد - مختصر شرح شواهد الألفية، ويعرف بالشواهد الصغرى،
📂 طبقات الشعراء 📂 معجم شيوخه 📂 رجال الطحاوي
📂 سيرة الملك الأشرف
📂 الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر (ططر)
📂 الجوهرة السنية في تاريخ الدولة المؤيدية
📂 المقدمة السوادنية في الأحكام الدينية -
📂 شرح سنن أبي داود - خ مجلدان منه.
📂 تاريخ الأكاسرة ألفه باللغة التركية
وإلى جانب هذا له عشرات الكتب التي لا تزال مخطوطة حبيسة دور الكتب تحتاج إلى من يمد إليها يده فيخرجها مطبوعة إلى النور.
🔹️ أيامه الأخيرة
أقام العيني مدرسة لنفسه قريبًا من الجامع الأزهر سنة (814هـ= 1411م)، كانت قريبة من سكنه، يؤمها طلابه الذين يقصدونه لتلقي الفقه والحديث على يديه، وأوقف عليها كتبه لطلبة العلم، وبعد ثلاث وتسعين سنة قضى معظمها العيني ملازمًا التصنيف والتدريس لقـي الله في (4 من ذي الحجة 855هـ= 28 من ديسمبر 1451م)، ودفن بمدرسته التي صارت الآن مسجدًا.
-------------------------------------------------------------------
مصادر الترجمة
- الأعلام 7: 163
- التبر المسبوك 375
- خطط مبارك 6: 10
- الجواهر المضية 2: 165
- أعلام النبلاء 5: 255 و 145
- برنستون ومعجم المطبوعات 1402
- بروك 2: 64 - 66 (52 - 53) اس 2: 50.
- الفهرس التمهيدي 401 و 434
- آداب اللغة 3: 196 ودار الكتب 1: 127 ثم 5: 267
- مخطوطات الظاهرية 316 وهادي المسترشدين إلى اتصال المسندين 446
- بدر الدين العيني: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان– تحقيق عبد الرازق الطنطاوي– الزهراء للإعلام والنشر– القاهرة– (1409هـ= 1989م).
- السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع– دار الجيل– بيروت– (1412هـ= 1992م).10: 131 - 135
ابن العماد: شذرات الذهب– دار الكتب العلمية– بيروت– (1410هـ= 1990م). 7: 286
- صالح يوسف معتوق: بدر الدين العيني وأثره في علم الحديث– دار البشائر الإسلامية– بيروت– (1407هـ=1987م).
- شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون- دار العلم للملايين- 1993م.
☆ أحمد تمام و مصادر أخرى
#الأعلاموالتراجمجواهر
إرسال تعليق