سيرة الصديق أبى بكر رضي الله عنه 🚩 (1-3)
--------------------------------------------------------------------
إسلام أبي بكر الصديق
كان إسلام أبي بكر رضي الله عنه وليد رحلة إيمانية طويلة في البحث عن الدين الحق الذي ينسجم مع الفطرة السليمة ويلبي رغباتها، ويتفق مع العقول الراجحة، والبصائر النافذة،
فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قَطَعَ الفيافي، والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية وتنقل من شمالها إلى جنوبها، وشرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً، بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وكان كثير الإنصات لكلمات النفر الذين حملوا راية التوحيد، راية البحث عن الدين القويم ... ...(19)،
فقد حدّث أبو بكر عن نفسه فقال :
{ كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نُفيْل قاعداً، فمرّ ابن أبي الصَّلْتِ، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير ؟ قال : بخير، قال : وهل وجدت ؟ قال : لا، فقال:
كل دين يوم القيامة إلا
ما مضَى في الحنيفية بُور (*20)
أما إنّ هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم،
قال أبوبكر : ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، قال: فخرجت أريد ورقة بن نوفل -وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصّدر- فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، ....
فقال (ورقة) : نعم يا ابن أخي، إنّا أهل الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً - ولي علم بالنسب - وقومك أوسط العرب نسباً.
قلت: ياعمّ ومايقول النبي؟ قال: يقول ماقيل له؟ إلا إنّه لايظلم، ولايُظلم ولا يُظالم، ...
فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدّقته } ........(*21)،
وكان يسمع مايقوله أمية بن أبي الصلت في مثل قوله :
ألا نبي لنا منا ؟! فيخبرنا
ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
إني أعوذ بمن حج الحجيج له
والرافعون لدين الله أركانا
لقد عايش أبو بكر هذه الفترة، ببصيرة نافذة، وعقل نير، و فكر متألق، وذهن وقاد، وذكاء حاد، وتأمل رزين ملأ عليه أقطار نفسه، ولذلك حفظ الكثير من هذه الأشعار، ومن تلك الأخبار،...
فعندما سأل الرسول الكريم صلى الله عليه أصحابه يوماً -وفيهم أبو بكر الصديق قائلاً :
{من منكم يحفظ كلام - قيس بن ساعدة - في سوق عكاظ؟
فسكت الصحابة، ونطق الصديق قائلا ً :
إني أحفظها يارسول الله،كنت حاضراً يومها في سوق عكاظ، ومن فوق جمله الأورق وقف قيس- يقول :
( أيها الناس : اسمعوا وَعُوا، وإذا وعيتم فانتفعوا إن من عاش مات ومن مات فات، وكل ماهو آتٍ آت، إن في السماء لخبراً، ....
وإنَّ في الأرض لعبراً ، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج !!...
يُقسم قيس، إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه. مالي أرى الناس يذهبون، ولايرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا ؟!)
ثم أنشد قائلا ً :
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصــــائر
لمــــــا رأيت موارداً للموت ليس لهــا مصائر
ورأيت قومي نحوها يسعى الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لامحالـــة حيث صــار القوم صائر .. } ..(*22)
وبهذا الترتيب الممتاز، وبهذه الذاكرة الحديدية، وهي ذاكرة استوعبت هذه المعاني يقص الصديق ماقاله قس بن ساعدة على رسول الله وأصحابه ...(*23).
وقد رأى رؤيا لما كان في الشام فقصّها على بحيرا الراهب . .... (*24)،
فقال له : من أين أنت ؟ قال أبو بكر : من مكة، ..
قال: من أيها؟ قال : من قريش،
قال: فأي شيء أنت ؟ قال: تاجر،
قال : إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر ذلك أبو بكر في نفسه ....... (*25).
لقد كان إسلام الصديق بعد بحث وتنقيب وانتظار وقد ساعده على تلبية دعوة الإسلام معرفته العميقة وصلته القوية بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية،..
فعندما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يدعو الأفراد إلى الله فوقع أول اختياره على الصديق رضي الله عنه
فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه، وكريم سجاياه، كما يعرف أبو بكر النبي بصدقه وأمانته، وأخلاقه التي تمنعه من الكذب على الناس فكيف يكذب على الله .... ... (*26)؟
فعندما فاتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الله وقال له: .. إني رسول الله ونبيه، بعثني إلى الله وحده لاشريك له، ولاتعبد غيره، والموالاة على طاعته ....(*27)،
فأسلم الصديق ولم يتلعثم وتقدم ولم يتأخر، وعاهد رسول الله على نصرته فقام بما تعهد ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين . (*28).
وبذلك كان الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال الأحرار، قال إبراهيم النخعي، وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر: أول من أسلم أبو بكر.
وقال يوسف بن يعقوب الماجشون : أدركت أبي ومشيختنا: محمد بن المنكدر، وربيعة بن عبدالرحمن، وصالح بن كيسان وسعد بن ابراهيم وعثمان بن محمد الأخنس وهم لايشكون أن أول القوم إسلاماً أبو بكر .. ....(*29)،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أول من صلى أبو بكر ثم تمثل بأبيات حسان :
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها ؛ وأعدلها
إلا النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده
وأول الناس صدق الرسلا (*30)
وثاني أثنين في الغار المنيف وقد
طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وعاش حميداً لأمر الله متبعاً
بهدى صاحبه الماضي وما انتقلا
وكان حب رسول الله قد علموا
من البرية لم يعدل به رجلا (*31)
هذا وقد ناقش العلماء قضية إسلام الصديق، وهل كان رضي الله عنه أول من أسلم ؟
فمنهم من جزم بذلك، ومنهم من جزم بأن علياً أول من أسلم، ومنهم من جعل زيد بن حارثة أول من أسلم،
وقد جمع الامام ابن كثير رحمه الله بين الأقوال جمعاً طيباً فقال :
{ والجمع بين الأقوال كلها :
☆ أن خديجة أول من أسلم من النساء - وقيل الرجال أيضا ً
☆ وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة،
☆ وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب - فإنه كان صغيراً دون البلوغ على المشهور -
وهؤلاء كانوا آنذاك أهل بيته صلى الله عليه وسلم ،
☆ وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر الصديق،
وإسلامه كان أنفع من اسلام من تقدم ذكرهم إذ كان صدراً معظماً، ورئيساً في قريش مكرماً، وصاحب المال وداعية الى الاسلام وكان محبباً متآلفاً يبذل المال في طاعة الله ورسوله}
ثم قال ابن كثير :
{ وقد أجاب أبو حنيفة رحمه الله بالجمع بين هذه الأقوال فإن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر ، ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين } ........(*32).
رضي الله عن أبي بكر الصديق
وصلى الله على محمد و آله و صحبه وسلم
--------------------------------------------------------------------
(*1) أشهر مشاهير الاسلام (1/10).
(*2) نهاية الأرب (19/10) نقلاً عن تاريخ الدعوة، يسري محمد ، ص42.
(*3) التهذيب (2/183).
(*4) الإصابة (4/146).
(*5) مسلم رقم 2490؛ الطبراني في الكبير رقم 3582.
(*6) أبوبكر الصديق، علي الطنطاوي، ص66؛ التاريخ الاسلامي، الخلفاء الراشدون، محمد شاكر، ص30.
(*7) السيرة النبوية لابن هشام (1/371).
(*9) البخاري، كتاب مناقب الأنصار رقم 3905.
(*10) الإصابة (4/147).
(*11) تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص48
(*12) سيرة وحياة الصديق، مجدي فتحي ، ص34.
(*13) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص49.
(*14) نفس المصدر، ص49.
(*15) أصحاب الرسول، محمود المصري (1/58)؛ الخلفاء، محمود شاكر، ص31.
(*16) تاريخ الدعوة في عهد الخلفاء الراشدين، ص43
(*17) أشهر مشاهير الاسلام (1/12).
(*18) منهاج السنّة لابن تيمية (4/288،289) نقلاً عن كتاب: "ابوبكر الصديق أفضل الصحابة وأحقهم بالخلافة" محمد عبدالرحمن قاسم، ص18،19
(*19) مواقف الصديق مع النبي بمكة، د.عاطف لماضة، ص6.
(*20) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص52
(*21) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص52
(*22) مواقف الصديق مع النبي بمكة، ص8.
(*23) نفس المصدر ، ص9.
(*24) الخلفاء الراشدون، محمود شاكر، ص34.
(*25) نفس المصدر، ص34.
(*26) تاريخ الدعوة في عهد الخلفاء الراشدين، ص44.
(*27) السيرة النبوية لابن هشام (1/286)؛ السيرة الحلبية (1/440).
(*28) البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي رقم 3661.
(*29) صفة الصفوة (1/237)؛ احمد فضائل الصحابة (3/206).
(*30) ديوان حسان بن ثابت تحقيق وليد عرفات (1/17).
(*31) ديوان حسان (1/17).
(*32) البداية والنهاية (3/26 و28).
--------------------------------------------------------------------
إرسال تعليق