سيرة الصديق أبى بكر رضي الله عنه 🚩 (1-4)
من صفات الصديق التي تميز بها رضي الله عنه :
☆ الجرأة والشجاعة، فقد كان لايهاب أحداً في الحق، ولاتأخذه لومة لائم في نصرة دين الله والعمل له والدفاع عن رسوله .
فعن عروة بن الزبير قال سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، ....
فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. (*17)
*غافر، آية:28.
وفي رواية أنس رضي الله عنه أنه قال: لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر رضى الله عنه فجعل ينادي ويلكم ! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. (*18).
وفي حديث أسماء : فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقال : أدرك صاحبك. قالت فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟!. فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لايمس شيئاً من غدائره إلا رجع معه ... (* 19)،
وأما في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد قام خطيباً وقال : يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين ....
فقال : أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، ..... (*يعنى أن أبا بكر هو الأشجع)
إنا جعلنا لرسول الله صلى ألله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله ؟ لئلا يهوي عليه أحد من المشركين، فوالله مادنا منه أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لايهوي إليه أحد إلاّ أهوى إليه فهذا أشجع الناس. ..
قال ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش فهذا يُحادُه، وهذا يتلتله ويقولون أنت جعلت الآلهة إلهاً واحداً فوالله مادنا منه أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟!...
ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فبكت القوم، فقال عليّ: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه .....(*20).
(* للأسف بدل الشيعة بعض كلمات هذا الحديث فبدا العكس ...جواهر)
هذه صورة مشرقة تبين طبيعة الصراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، والإيمان والكفر، وتوضح ماتحمله الصديق من الألم والعذاب في سبيل الله تعالى كما تعطي ملامح واضحة عن شخصيته الفذة، وشجاعته النادرة التي شهد له بها الإمام علي رضي الله عنه في خلافته أي بعد عقود من الزمن، ولقد تأثر علي رضي الله عنه حتى بكى وأبكى.
إن الصديق رضي الله عنه أول من أوذي في سبيل الله بعد رسول الله، وأول من دافع عن رسول الله، وأول من دعا الى الله (*21)،
وكان الذراع اليمنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرغ للدعوة وملازمة رسول الله وإعانته على من يدخلون الدعوة في تربيتهم وتعليمهم وإكرامهم، فهذا ابوذر رضي الله عنه يقص لنا حديثه عن إسلامه و أبو بكر هو من أتى بأبى ذر و كان دعاه إلى الإسلام وأقنعه :
( ...فقال أبوبكر : ائذن لي يارسول الله في طعامه الليلة - وأنه أطعمه من زبيب الطائف ) (*22)،
وهكذا كان الصديق في وقوفه مع رسول الله يستهين بالخطر على نفسه، ولا يستهين بخطر يصيب النبي صلى الله عليه وسلم قليلا كان أو كثيرا حيثما رآه واستطاع أن يذود عنه العادين عليه، وانه ليراهم آخذين بتلابيبه فيدخل بينهم وبينه وهو يصيح بهم : ويلكم أتقتلون رجلاً ان يقول ربي الله؟) فينصرفون عن النبي وينحون عليه يضربونه، ويجذبونه من شعره فلا يدعونه إلا وهو صريع .(*23).
--------------------------------------------------------------------
إنفاقه الأموال لتحرير المعذبين في الله
تضاعف اذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه مع انتشار الدعوة في المجتمع المكي الجاهلي حتى وصل الى ذروة العنف وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم، ولتجعلهم عبرة لغيرهم، ولتنفس عن حقدها وغضبها بما تصبه عليهم من العذاب
وقد تعرض بلال رضي الله عنه لعذاب عظيم ولم يكن لبلال ظهر يسنده، ولا عشيرة تحميه، ولا سيوف تذود عنه، ومثل هذا الانسان في المجتمع الجاهلي المكي يعادل رقماً من الأرقام،....
فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع ويباع ويشترى كالسائمة، أما أن يكون له رأي أو يكون صاحب فكر، أو صاحب دعوة أو صاحب قضية، فهذه جريمة شنعاء في المجتمع الجاهلي المكي تهز أركانه، وتزلزل أقدامه،...
ولكن الدعوة الجديدة التي سارع لها الفتيان وهم يتحدون تقاليد وأعراف آبائهم الكبار لامست قلب هذا العبد المرمي المنسي، فأخرجته إنساناً جديد في الحياة .....(*24)،
لقد تفجرت معاني الايمان في إعماقه بعد أن آمن بهذا الدين وانضم الى محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه في موكب الايمان العظيم .....
وعندما علم سيده أمية بن خلف، راح يهدده تارة ويغريه اطوراً فما وجد عند بلال غير العزيمة وعدم الاستعداد للعودة الى الكفر والجاهلية ، فحنق عليه أمية وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً،
فأخرجه الى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين،
ثم قال له : لاتزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى) وأجاب بلال بكل صبر وثبات: أحد أحد. وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة . (*25)،
فقصد الصديق موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقال له : ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى !
قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى،.. فقال أبوبكر : أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال : قد قبلت ؛ فقال: هو لك فأعطاه أبوبكر الصديق غلامه ذلك وأخذه فأعتقه. ........(*26)،
وفي رواية اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً....(*27)،
ما كان أصبر بلال وأصلبه ! فقد كان صادق الاسلام، طاهر القلب، ولذلك صَلُب ولم تلن له قناة أمام التحديات وأمام صنوف العذاب، وكان صبره، وثباته مما يغيظهم ويزيد حنقهم، خاصة أن كان الرجل الوحيد من ضعفاء المسلمين الذي ثبت على الاسلام فلم يوات الكفار فيما يريدون مردداً كلمة التوحيد بتحد صارخ، وهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه ......(*28).
وبعد كل محنة منحة فقد تخلص بلال من العذاب والنكال، وتخلص من أسر العبودية، وعاش مع رسول الله بقية حياته ملازماً له، وتوفي صلى الله عليه وسلم راضياً عنه .
واستمر الصديق في سياسة فك رقاب المسلمين المعذبين واصبح هذا المنهج من ضمن الخطة التي تبنتها القيادة الاسلامية لمقاومة التعذيب الذي نزل بالمستضعفين فدّعم الدعوة بالمال والرجال والأفراد .....
فراح أبو بكر رضي الله عنه يشتري العبيد والإماء المملوكين من المؤمنين والمؤمنات منهم عامر بن فهيرة شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأم عبيس، و زنِّيرة وأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش : ماأذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله ماتضر اللات والعزى وماتنفعان، فرد الله بصرها .... ...(29)،
وأعتق النهدية وبنتها وكانتا لامرأة من بني عبد الدار مرّ بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول : والله لا أعتقكما أبداً !!
فقال ابو بكر رضي الله عنه حِلُّ يا أم فلان ؟!
فقالت : حِلُّ ؛ أنت أفسدتهما فأعتقهما ؛ ..(*30)
قال : فبكم هما ؟ قالت: بكذا وكذا.
قال: قد أخذتهما وهما حرتان ....
ألينها طحينها . (* يعنى دعا لها طحينها تتولاه هي)
قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ؟
قال : وذلك إن شئتما . .....(*31).
وهنا وقفة تأمل ترينا كيف سوى الاسلام بين الصديق والجاريتين حتى خطابتاه باسمه ، لاخطاب المسود للسيد، وتقبل الصديق على شرفه وجلالته في الجاهلية والاسلام - منهما ذلك، ؟!
وكيف صقل الاسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لها طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله الحيوان والطير، ولكنهما ابتا - تفضلاً، إلا أن تفرغا منه، وترداه إليها ..(*32).
رضي الله عن أبي بكر وأرضاه
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
إرسال تعليق