تاريخ العصر المملوكي .. (10)
------------------------------------------------------------
في سبتمبر سنة (1259م/ 657 هـ ) غزا هولاكو بلاد الشام بجيش قوى ، وحاصر إبنه يشموط ميافارقين ، وأدرك الناصر إستحالة الوقوف وحده في وجه التتار ، فقرر أن يطلب من المماليك معونة حربية تسمح له بوقف سيل المغيرين .
وكان سلطان مصر في ذلك الوقت الملك المظفر سيف الدين قطز وهو من الخوارزمية الناقمين على التتر والعارفين بما
يسفكونه من دماء في أي بلد يحلون فيه .
وعلى الرغم من سوء العلاقات بين قطز والناصر ، فان خطورة الموقف جعلت السلطان المملوكي يتناسى الأحقاد ويقبل طلبه الخاص بارسال نجدات عسكرية اليه .
ويظهر دهاء قطز بوضوح في الرسالة التي ارسلها الى الناصر لهذا الغرض ، اذ يخبره فيها بأنه يقبل كل عروضه عن طيب خاطر ، ولا يقتصر على ذلك بل يعتبر الناصر أيضا ـ بصفته سليل صلاح الدین – ملكا على جميع الممالك التي خضعت لسلطان الأيوبيين ومنها مصر .
ثم يضيف بأنه ـ أي قطر - ليس إلا أحد قادته على ضفاف النيل ، وأنه يتعهد أن يعطيه السلطة العليا إذا أراد القدوم الى القاهرة ، كما يعرض عليه ان يرسل له جيشه الى دمشق
ليجنبه عناء القدوم بنفسه إلى القاهرة إذا كان يرتاب في صدق نواياه .
.........
قال قطز في أدب جم :
《 وإن إخترتني خدمتك وإن إخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره 》
.........
وسواء أكانت هذه الوعود آتية من الفزع من هولاكو او آتية من أن قطز يريد ان يخدع أمير دمشق ليأخذ املاكه فيما بعد ، فان المغـول انتهزوا فرصة سكون الناصر وتابعوا السير الى الشام ، فاستولوا على حلب في 24 يناير سنة( 1260م/ صفر 658 هـ) بعد سبعة أيام مروعة من سفك الدماء بها والتخريب .
ثم سقطت ميافارقين بعد ذلك بعدة شهور في يد يشموط
إبن هولاكو ، بعد أن دافعت حاميتها دفاعا باسلا لم يشهد المغول مثله ، واستشهد صاحبها الملك الكامل محمد الأيوبي
وأمام ذلك الخطر الداهم رأى بعض امراء الأيوبيين في الشام أن يخضعوا للغزاة حرصا على كيانهم ، ومن هؤلاء الملك الاشرف موسى سليل أسد الدين شيركوه الذي لم يكن يملك في ذلك الوقت الا قرية تل باشر الصغيرة قرب الرها ، وكافأه هولاكو على ذلك بأن رد إليه إمارة حمص التي كان اخذها منه الناصر يوسف قبل ذلك باثني عشر عامـا ( 646 هـ ) ، وجعله قائده العام في الشام . .
أما الناصر فإنه خرج بجيوشه من دمشق ومعه مماليكه الناصرية والعزيزية وعدة من البحرية وعلى رأسهم الامير
بيبرس البندقداری ، وخيم على برزه على مسافة يسيرة من دمشق شمالا .
غير أن تعدد عناصر جيشه وقديم التنافر بين تلك العناصر فضلا عن اختلاف قلوب أمرائه ، وتآمر مماليكه الناصرية على قتله ، وخوف الأمراء من هولاكو وجنوده ، سرعان ما جعل ذلك الجيش ينفض من حول الناصر ..
عند ذلك قرر الناصر أن يترك دمشق مؤقتا لمصيرها التعس
وأن ينسحب إلى غزة حيث يكون على مقربة من النجدة التي وعده بها سلطان مصر .
وكانت هذه الخطة المتقلبة موافقة إلى أقصى حد لطبيعته فإنه لم يفكر مطلقا في حماية عاصمته وتعريض حياته للخطر بها ، بل أسرع بتركها لوزيره زين الدين الحافظي الذي أسلمها للمغول في مارس سنة(1260م/ ربیع الاول658 هـ) .
........
زين الدين سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني المعروف
بالزين الحافظي . كان أبوه خطيب عقربا من قرى دمشق ، واشتغل هو بالطب حتى مهر فيه ، ولقب بالحافظي لأنه خدم الحافظ نور الدین أرسلان شاه بن العادل أبی بکر بن أیوب صاحب قلعة جعبر ، ثم انتقل إلى خدمة الملك الناصر يوسف بحلب ، فصارت له عنده منزلة رفيعة ، وكثرت امواله، وصار مكينا في دولته ويرسل عنه الى هولاكو ، فمازج التتار واطمعهم في البلاد ، وعاد فهول بهم على الناصر حتى هرب ، فقام هو بأمر دمشق للتتار ودعوه بالملك زين الدين . وبعد هزيمة التتار في عين جالوت فر مع نواب التتار من دمشق خوفا من الملك المظفر قطز . وقد قتل زين الدين الحافظي بيد المغول سنة ٦٦٢ هـ .
راجع ( ابن أبي الفضائل - النهج السديد ص 669 -671)
..........
وحاولت قلعة دمشق الحصينة المقاومة دون جدوري ، واستسلمت الحامية في 3 يونيو من نفس السنة . ونجت دمشق من التخريب بفضل وساطة أعيانها ، واقتدت انطاكية بدمشق في التسليم ولكنها لم تسلم من التخريب .
وفي ذلك الوقت علم هولاكو بموت أخيه الخان الأعظم مونكو خان ، فأسند قيادة جيوشه في الشام إلى كتبغانوين ورحل مسرعا الى القورلتاي - مجمع زعماء التتر ـ في العاصمة قره قورم حيث تجري الإنتخابات لإختيار خاقـان المغول
الجديد .
وقدر هولاكو أنه سوف يعين خاقانا للمغول لأهمية فتوحاته
واتساعهـا ، ولكنه عـلم في تبريز أن الإختيار وقع على أخيـه
قوبیلای (1260 - 1294م) ، وان الاختيار تقرر بصفة غير شرعية بوساطة أمراء مغول الشرق الاقصى الذين ارادوا إفساد الإتنخابات قبل مجيء أمراء الغرب ، وكان ذلك منافيا لقواعد الحكم التي قررهـا جنكيز خان ، ولكن هولاكو قبل تلك النتيجة إحتراما لأخيه قوبيلاي .
أما الناصر فإنه ما كاد يصل إلى غزة على رأس جيشه حتى أخذ قطز في إغراء وحدات ذلك الجيش واجتذابها الى ناحيته ، وذلك لأن قطز لم يكن يخشى شيئا خشيته من وصول أمير أيوبى على رأس قوة حربية إلى حدود مصر .
ونجحت إغراءات قطز حتى ألفي الناصر نفسه وحيدا في
غزة ، فخرج منها في بعض أقاربه وحاشيته وهو لا يدري بالضبط ماذا يفعل ، فاتجه الى قطيا بجنوب فلسطين لعله يجد فيها مأوى او منجاة من المغول من ناحية والمماليك من ناحية اخرى .
وبينما هو على تلـك الحال ، أفشی إثنان من رجاله الى كتبغا نوین ـ نائب هولاكو بدمشق ـ سر ارتداد الناصر عن الحدود المصرية ، فأرسل القائد المغولي ثلة من الفرسان قبضت على الأمير الأيوبي عند بركة زيزاء وحملته الى هولاكو .
واختار هولاكو ان ينسى خطاب السب الذي أرسله إليه الناصر ردا على خطابه ، أو لعله ـ لأن المغول لا ينسون شيئا ــ رأى أن امير دمشق أنفع له وللسياسة التي يريد اتباعها مع المسلمين
من أمير حمص الشاب الملك الأشرف موسى ، ولهذا لقيه لقاء طيبا ، ووعده بإحياء الإمبراطورية الأيوبية الممتدة من أطراف الشام إلى النوية ومن برقة غربا إلى الفرات شرقا ؛ كما
وعده بأنه سوف يجعل له السيادة الفعلية في تلك البلاد كلها بما في ذلك مصر بشرط ان يعترف بسلطان المغول وسيادة الخان الاكبر .
وهنا تتضح لنا حقيقة لها أهميتها فيما يتعلق بسلامة دولة المماليك في مصر - ألا وهي تواطؤ ملك من ملوك الأيوبين مع المغول في القضاء على الدولة المملوكية الناشئة ؛ وهذه الحقيقة ان دلت على شيء فانما تدل على مدى ما تعرضت له الدولة المملوكية من الأخطار المهددة لكيانها ، كما تدل على
أن قيام دولة المماليك ظل ناقصا ما دامت تلك الأخطار ماثلة .
ورأى هولاكو أن تتابع جيوشه زحفها نحو الغرب ، غير مقتصر على الفتوحات الهامة التي تمت له بالاستيلاء على حلب ودمشق ، فأخذ يعد العدة للهجوم على بيت المقدس والتعقيب على ذلك بغزو البلاد المصرية ..
فأرسل رسله الى مصر بكتاب كله وعيد وتهديد وإنذار بالويل والثبور لسلطان مصر المملوكي إن هو لم يخضع له ويعترف بسلطان المغول ؛ ونص هذا الخطاب يدل على مبلغ إعتداد المغول بأنفسهم ومدى ما أحدثوه في البلاد التي فتحوها من قتل وتخريب ...
🔴 وهذا نص رسالة هولاكو إلى قطز :
《 من ملك الملوك شرقاً وغرباً القان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء....
يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الاقليم يتنعمون بانعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك،...
يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه،..
أسلموا إلينا امركم، قبل أن ينكف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ،...
فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق لمن شكى قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب،...
فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا خلاص، ....
فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لاتنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، ....
فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والإيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان فأبشروا بالمذلة والهوان ...
"فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون"
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ...
فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم مالنا وعليكم ما علينا، وإن خلفتم هلكتم، ....
فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة ، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة ؛ وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة،...
فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير المذلة ما لملوكم علينا من سبيل،....
فلا تطيلو الخطاب، واسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون مناجاها ولا عزاً ولا كافياً ولا حرازاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، ....
فقد انصفناكم إذ راسلناكم، وايقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى.
ألا قل لمصر ها هُلاوُن قد أتى
بحدّ سيوف تُنضى وبواتر
يصير أعز القوم منا أذلة
ويُلحق أطفالاً لهم بالأكبر 》.
وأمام هذا الخطر الداهم عقد السلطان قطز مجلسا من كبار الامراء، واستقر الرأي على مقابلة وعيد التتر بالاستعداد للحرب .
-------------------------------------------------------------------
🔹️ لقد كان سيف الدين قطز يدرك تماماً أن بقاء دولته الفتية يتوقف على اجتياز ذلك الامتحان الصعب المتمثل في صد الغزو المغولي للممالك الإسلاميةالذي استشرى خطره ولأجل تحقيق النجاح كان عليه توحيد الصف أولا .
ولم يكتف قطز بهذه الجهود الدبلوماسية مع الناصر بل راسل بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماه والتحق بعض جيشه بقطز،
وأما المغيث عمر صاحب الكرك بالأردن فقد آثر أن يقف على الحياد، وقد حاول مرتين قبل ذلك أن يحتل مصر، وصده قطز في المرتين
وأما الأشرف الأيوبي صاحب حمص فقد رفض الإستجابة تماماً لقطز، وفضل التعاون المباشر مع التتار، وبالفعل أعطاه هولاكو إمارة الشام كلها ليحكم باسم التتار .
وأما الملك السعيد (حسن بن عبد العزيز) صاحب بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل إنضم بجيشه إلى قوات التتار يساعدهم في فتح بلاد المسلمين .
وهكذا استطاع قطز أن يكسب أمير حماه المنصور وانضم إليه جيش الناصر ، وحيَّد إلى حد كبير المغيث عمر صاحب الكرك، وبذلك يكون قد إنضم الكثير من الجنود الشاميين مع سيف الدين قطز .
---------------------
🔹️ قطز و التفاهم مع الإمارات الصليبية بالشام
أراد سيف الدين قطز قبل الشروع في مواجهة المغول أن يختبر الصليبيين على ساحل بلاد الشام، لمعرفة موقفهم من ذلك الصراع الذي أصبح محاذياً لهم، لتخوفه من إنضمام هؤلاء الصليبيين إلى المغول عند نشوب الحرب، 👍
وبناء عليه توجهت سفارة مصرية إلى عكا تطلب من الصليبين السماح للجيوش الإسلامية بإجتياز بلادهم وشراء ما تحتاجه من المؤن،..
والواقع أن الصليبيين لم يخفوا مرارتهم وكراهيتهم وحقدهم للمغول بعد أن قام المغول بمهاجمة مدينة صيدا ونهبها، كما أنه لم تتوافر عندهم الثقة فيهم لما ارتكبوه من المذابح الجماعية، ...
على حين أن الصليبيين اتصلوا بالحضارة الإسلامية وألفوها، بل ونتيجة لذلك أبدوا أول الأمر إستعدادهم لبذل المساعدة العسكرية للسلطان قطز إلا أن السلطان سيف الدين شكرهم حينما عرضوا عليه أن يسيروا معه نجدة واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه ،..
واستطاع السلطان سيف الدين قطز أن يتحصل على موافقة الصليبيين بالسماح لقواته باجتياز الأراضي الساحلية التي تحت أيديهم، وجعلته هذه التفاقية في مأمن من ذلك الجانب، وتجنب خطر إشتباكه في أكثر من جهة في تلك اللحظات الحرجة .👍
--------------------
🔹️قطز و تحكيم الشريعة في أموال الحرب
كانت النفقات للإعداد كبيرة، من تجهيز الجيش، وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار،...
وكانت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد طاحنة، وليس هناك وقت لخطة خمسية أو عشرية، والتتار على الأبواب وقد وصلوا غزة والدولة تحتاج للأموال، 😢
فجمع سيف الدين قطز مجلسه الاستشاري ودعا إليه إلى جانب الأمراء والقادة والعلماء والفقهاء وعلى رأسهم سلطان العلما الشيخ العز بن عبد السلام، وبدأوا يبحثون عن حل لتجهيز كتائب المسلمين،
واقترح سيف الدين قطز، أن تفرض ضرائب لدعم الجيش ،إلا أن الشيخ العز بن عبد السلام تحفظ على هذا المقترج ولم يوافق عليه إلا بشرطين واصدر هذه الفتوى:
《إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كله قتالهم - أي العالم الإسلامي- وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم -أي فوق الزكاة -..
بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج والذهب والفضة والسيوف المحلاة بالذهب، وأن تبيعوا مالكم من ممتلكات والآلات -أي يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون-، ...
ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه وتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات فلا 》.
إذن فقد بين الشيخ العز بن عبد السلام، بأنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات . 👍
ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، فإن لم تكف هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي بتجهيز الجيش ليس أكثر من ذلك .
لقد قبل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام ببساطة وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا أمره، 👍
فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئاً في الباطن، ولما جمعت هذه الأموال وضربت سكاً ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش، ....
ولم تكف هذه الأموال نفقة الجيش، فقرر قطز :
▪︎ على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير ديناراً واحداً،
▪︎ وأخذ من أجرة الأملاك شهراً واحداً،
▪︎ وأخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلاً،
▪︎ وأخذ من الترك الأهلية ثلث المال،
▪︎ وأخذ من الغيطان والسواقي أجرة شهر واحد،
وبلغ جملة ما جمعه من الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار ؛ وجمع المال بذلك الأسلوب الفريد الحلال الذي لا ظلم ولا عدوان فيه، كان من أسباب النصر في عين جالوت .
👌 إن ما قام به سيف الدين قطز في الإستماع لرأي الشيخ العز بن عبد السلام ثم تنفيذه ترتب عليه شحنة معنوية قوية شحذت همم الناس للجهاد وبذل الغالي والنفيس في سبيل الله...
إذ يمكن القول أن تلك الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام، في ذلك الوقت الذي كان الشرق الإسلامي بلا خلافة شرعية، أدت الدور نفسه الذي كانت الخلافة ستؤديه فيما لو كانت قائمة، 👍
إذ كانت فتواه تلك بمثابة سلطة روحية ساعدت المظفر في الحصول على استجابة عامة المسلمين بدفع ما قرر عليهم من أموال، مستشعرين بأن ذلك وأجب يفرضه عليهم دينهم الحنيف ،
وكان الشيخ العز بن عبد السلام وعلماء مصر يحثون الناس في سبيل الله تعالى، ووعظ الأمراء والحكام وحرك قلوبهم فتنبه فيها الإيمان، فأخرجوا ما عندهم، ورأى الناس ذلك فتسابقوا إلى بذل الجود، وكثرت الأموال، فأعدوا العدة وجمعوا السلاح،...
وأقيمت معسكرات التدريب في كل مكان واهتزَّت البلد بالهتاف والتكبير، وصار كل مسلم يشتهي الوصول إلى المعركة، وهذا درس مهم في أهمية التكامل بين أمراء المماليك والعلماء في مقاومة التتار .👍
------------------
و يعلق د. راغب على حماس شعب مصر في تلك الفترة :
كان الشعب في مصر في اﻷيام التي صعد فيها قطز رحمه لله إلى كرسي الحكم على الرغم من أزماته اﻹقتصادية، وظروفه الصعبة، وفزعه من أخبار التتار، وفقدانه الثقة في كثير من زعمائه...
كان شعبافاهماواعيا ً لقيمة العلم والعلماء، ومحترمامقدرا ً لقيمة الجهاد في سبيل الله ؛ كوسيلة حتمية لحل الصراع مع الدول التي تغير على بلاد المسلمين..
ويقول عن قطز :
وكان قطز رحمه الله ـ كما رأينا ـ واضعا ً قضية التتار نصب عينيه من أول يوم حكم فيه البلاد، بل كان واضعاً ً هذه القضية نصب عينيه في كل حياته من يوم أن كان طفلا أغار التتار على بلده، وقتلوا أهله،ومروراً ً بكل مراحل حياته الصعبة، وحياة الرق والعبودية، وانتهاء بصعوده إلى أعلى منصب في مصر..
ورأينا كيف خطط قطز رحمه الله لتقوية جيشه، ولتدعيم الصف الداخلي في مصر، ولتحسين العلاقات الخارجية مع اﻷشقاء المسلمين، ولا شك أنه كان يحتاج إلى وقت طويل، لكن المعركة فرضت عليه ولم تمهله كثيرا ؛..
* رغم ذلك حقق في أقل من سنة مالم يحققه كل ملوك المسلمين على مدى عقود .👍
---------------‐----------------------------------------------------
الهامش لم يستكمل بعد فنرجو عدم النسخ و تعريض صفحاتكم للبلاغات من طرفنا #جواهرالأدبوالتاريخ
--------------‐-----------------------------------------------------
[☆1] د. أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك الأولى طبعة دار النهضة ١٩٨٦ القاهرة ، ص 151 - 158
[☆2] د.علي محمد الصلابي ، السلطان سيف الدين قطز ص 71- 67
[☆3] التتار من البداية إلى عين جالوت - السرجانى ص132-128 . doc
-----------
إضافات
-ابن واصل، مفرج الكروب ج٢ ص٣٩٤
- أبو الفداء ، المختصر في أخبار البشر ج٣ ص٧٤ ، ص٢٠٨
- أبو شامة المقدسي الذيل على الروضتين ص٢٠٥
-عبد الفتاح السرنجاوي ، النزعة الإستقلالية في الدولة العباسية ص٣٥٠
-ابن ابي الفضائل النهج السديد ص٣٧٥
- ابن كثير ؛ البداية ج١٣ص٢٢١ -٢٢٢
- العيني عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان: ج۱ ، ص٤٢٩
-المقريزي السلوك لمعرفة دول الملوك : ج ١، ص٤١٩ -٤٣٣
- ابن تغري بردي النجوم الزاهرة : ج٧، ص ٧٤.
-النويري نهاية الأرب : ج ۲٩، ص٤٧٦-٤٧٧
إرسال تعليق