تاريخ العصر المملوكي .. (11)
------------------------------------------------------------
🔹️ ما سبق :
أرسل هولاكو إلى قطز رسالة مرعبة ملؤها التهديد و الوعيد و التفاخر بسفك دماء العباد و تخريب البلاد ؛ يطلب منه تسليم مصر للتتار و مما جاء فيها :
《 أسلموا إلينا أمركم، قبل أن ينكف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ،...فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق لمن شكى قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب،...
فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا خلاص، ... فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لاتنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع . 》
فما كان من قطز إلا أن قتل رسل هولاكو و علق رؤوسهم على باب زويلة بالقاهرة ، و شرع في الإستعداد و التجهز للحرب .!
وكانت هذه أول مرة يواجه هولاكو بمثل هذه الجرأة و بمثل هذا التحدي ، على عكس ماكان يتوقع من دولة وليدة تكتنفها الفتن و المؤامرات ، و على عكس ما اعتاد في هجماته على بلدان المسلمين .
---------------‐----------------------------------------------------
🔸️ لقد كان من سوء حظ آسيا الاسلامية انه لم يوجد بها قوة تستطيع مواجهة مثل ذلك الغزو العنيف الذي قاده جنگيزخان واولاده واحفادة .
فالخلافة العباسية سادرة في الإضمحلال ، ودولة السلاجقة في بغداد تبدو كأنها اثر بعد عين ، أما في غرب بغداد ، فتوجد دولة سلاجقة الروم بآسيا الصغرى وهي الأخرى آخذة في الضعف والتدهور ، ثم الدولة المملوكية الناشئة بمصر والشام ولما تبلغ من العمر سوى بضع سنين ، وكيانها لا يزال في كفة الميزان ، واخطار حداثتها لا تزال محدقة بها من كل جانب داخلی و خارجي .
ثم زحف هولاكو حفید چنگیزخان غربا نحو فارس في فبراير سنة 1254م - فقضى على قلاع الشيعة الاسماعيلية الباطنية بها ثم قضى على الخلافة العباسية وجميع ولايات غرب آسیا ، ولم يبق أمامه سوى الدولة المملوكية بمصر والشام .
ويرجع السر في انتصارات المغول الى تفوقهم في الأسلحة والى سرعة إطباقهم على العدو ، ثم الى سرعة الرماية واحكامها ، فأعمالهم الحربية قائمة على السرعة والقدرة في السبق وهي المعبر عنها اليوم بالحرب الخاطفة ، ومعظم اسلحتهم هي النبال ذات الاطراف الفولاذية او العظمية أو القرنية ، ولا تخلو جعبة الجندي المغولي من عدد كبير من أوتار القسى ومعها إبرة وشمع لإصلاحها ، ومبرد لسن أطراف النبال .
ثم كانت سيوف المغول مدببة حادة أصلح للطعن منها للضرب ، ودروعهم ودروع خيولهم من جلد مقسى مطلي ، ويضع المغول اسلحتهم وامتعتهم في جعبات مـن الجلد يمكن نفخها ليستعينوا بها على اجتياز الانهار ..
ويتألف الجيش المغولى من العناصر المغولية الأصلية ثم من عناصر أخرى ملحقة به من الباشقرد والقرغيز والترك والتركمان وغيرهم ، وقوامها جميعا فصائل من الفرسان كل منها عشرة أو مائة او أو عشرة آلاف من الجنود .
وفيه فضلا عن المقاتلة فصائل اضافية من مهندسين واخصائيين في فن قذف المجانيق وآلات الحصار واصلاح مختلف ادوات القتال .
ويقضي النظام التترى بالطاعة التامة ، وينكر أن يهرب واحد من صفوف الجند أو يترك زميلا عاجزا أو اسيرا في يد الأعداء دون أن يقدم على انقاذه .
ونساء المغول يتمتعن بحرية كبيرة ، ويحاربن مثلما يحارب الرجال ، وكثيرا ما كن يحملن اطفالهن حول اعناقهن ..يقول عنهن الرحالة الطنجي ابن بطوطة : والنساء كالرجال سافرات يحضرن مجالس الرجال، وكان سلطان المغول يصدر اوامره باسمه وباسم خواتینه ( زوجاته ) .
وصفوة القول ان الامة المغولية كلها عملت في صفوف الجيش المغولي لتوفر له ما يحتاج اليه من طعام ومعدات .
وتعتبر سنة (656 هـ /1258م ) سنة مشئومة في تاريخ الدولة الإسلامية ، إذ استولى المغول في فبراير منها على بغداد قلعة الإسلام وحاضرة العباسيين ، وأعملوا فيها معاول التخريب والسيف والنار سبعة أيام، وقتلوا الخليفة المستعصم بالله وأفراد أسرته و أکابر دولته ..
واهتز المسلمون فرقا لتلك الكارثة ، لأن الخلافة العباسية ظللت ـ رغم ضعف سلطانها السياسي ـ محتفظة بمركز الزعامة الروحية الى درجة تفوق مركز البابوية في روما ، فلا عجب اذن اذا خيل للمسلمين "أن العالم على وشك الإنحلال وأن الساعة آتية عن قريب ، وصاروا يؤولون كل ظاهرة على أنها تعبير عن سخط الله ، واتخذوها أدلة على ما سيحدث في العالم من انقلاب سيء لخلوه من خليفة" .
ونتج عن سقوط بغداد في ايدي التتار آثار ونتائج عديدة في الحياة الاسلامية : فالوحدة السياسية للمسلمين اصبحت من الأمور التي يستحيل تحقيقها .
أضف الى ذلك ان الثقافة الإسلامية منيت على أيدى التـار بخسارة كبيرة حين أتلف المغول آلافا مـن الكتب القيمة والمخطوطات النادرة ، وقتلوا كثيرا من العلماء والأدباء ، وشتتوا شمل من بقي منهم في مختلف البقاع الاسلامية ، وجذبت مصر عددا كبيرا من هؤلاء العلماء، مما أدى إلى انتقال مركز الزعامة الفكرية الى القاهرة التي اضحت بحكم وضعها الجغرافي اقرب من بغداد الى أوروبا ، مما ساعد على اقتراب العالم الغربي من الحضارة الشرقية .
وما يقال بصدد هجرة العلماء والأدباء يقال كذلك على أهل الحرف والصناعات وغيرهم من أهالي بلاد المشرق الإسلامي ، مثال ذلك أن مصر استقبلت إبان الغزو المغولي عددا كبيرا من المشارقة الذين بنوا لأنفسهم بيوتا على ضفاف الخليج وحول بركة الفيل .
وقد جلب أهل الحرف منهم بعض أسالیب بلادهـم الفنية ،
وتأثر المعمار المصري نتيجة ذلك في القرن الثالث عشر الميلادي ، ببعض المؤثرات الفارسية والعراقية ، ومن المحتمل جدا ان تكون خطة بناء مسجد الظاهر بيبرس مأخوذة من رسم مسجد ميافارقين الذي أنشيء في سنـة 1223م .
والواقع أن سقوط بغداد وقيام دولة إيلخانات فارس على عهد هولاكو ، قد فصل أراضي شرق دجلة عن غربه ، ففي الشرق اتسعت دائرة الحضارة الفارسية ، وفي الغرب قامت البقية الباقية من الثقافة العربية ، بعد أن كانت حضارة العالم الوسيط من سمرقند الى إشبيلية قائمة على التعاون الفكري والتبادل العلمي والأدبي بين الفرس والعرب في ظل الخلافة العباسية .
و منذ سقوط بغداد قلت أهمية اللغة العربية بين الفرس وأصبحت قاصرة على البحوث الدينية والفلسفية .
وترتب على سقوط بغداد أيضا إعادة ترتيب العالم السياسي مثـل وجوب تعيين حدود جديدة وعقد محالفات مختلفة ، كما ترتب عليه تغيير سلاطين المماليك في مصر سياستهم نحو الخلافة اذ جعلهم يفكرون في احيائها من جديد ، وفي
الوقت نفسه أعطاهم فرصة قصيرة من الزمن يستعدون فيها لصد هـذا السيل المغولي الجارف المندفع نحوهم .
ومع أن سقوط بغداد بين للمسلمين ضرورة توحيد الجهود ازاء ذلك الخطر العام ، ظل النزاع بين السنة والشيعة قائما مستمرا ، فاستغل المغول مـا هنالك مـن تنافس لصالحهم ، وزحفوا نحو الغرب يعيثون فسادا وتخريبا يساعدهم في ذلك
انقسام كلمة المسلمين . وأيد هولاكو حزب الشيعة واتخذ الاحتياطات التي تكفل سلامة قبر الإمام على بالنجف من التدمير .
ومن الطبيعي أن يتلو ذلك غزو الشام ، وما يليها غربا ، حيث أضحت الإمبراطورية التي أسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي منقسمة إلى قسمين ، وهما مصر التي زال عنها حكم الأيوبيين وصار سلاطينها مـن مماليكهم ، ثم الشام وقد سيطر على مدنها عدد من ملوك بني أيوب على رأسهم الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق ، الذي أوجس خيفة مـن التقدم المغولي ، وقدر أن هولاكو وجنوده سوف يستولون على الشام بين عشية وضحاها ، وان الشام لن يجد من يحميه من ملوك الأيوبيين أو مماليك القاهرة سواء .
---------------‐----------------------------------------------------
في العام 1260م و بعد استسلام دمشق اقتدت بها أنطاكية
في التسليم ولكنها لم تسلم من التخريب ؛ في ذلك الوقت علم هولاكو بموت أخيه الخان الاعظم منجوقان ، فاسند قيادة جيوشه في الشام إلى كتبغانوين ورحل مسرعا إلى القورلتاي - مجمع زعماء التتر ـ في العاصمة قره قورم حيث تجري الانتخابات لاختيار خاقـان المغول الجديد .
وقدر هولاكو انه سوف يعين خاقانا للمغول لأهمية فتوحاته
واتساعهـا ، ولكنه عـلم في تبريز أن الاختيار وقع على أخيـه
قوبیلای ( 1260 - 1294 م ) ، وأن الاختيار تقرر بصفة غير شرعية بوساطة أمراء مغول الشرق الاقصى الذين أرادوا إفساد الإنتخابات قبل مجيء أمراء الغرب ، وكان ذلك منافيا لقواعد الحكم التي قررهـا جنكيز خان ، ولكن هولاكو قبل تلك النتيجة إحتراما لأخيه قوبيلاي .
أما الناصر يوسف فإنه اتجه بما بقي معه من جنود إلى حدود مصر ملتمسا من قطز مد يد العون له بالجند أو ربما ملتمسا إزاحته عن عرش مصر و الإستقرار بها بعد ضياع الشام من يده ؛ وما كاد يصل الى غزة على رأس جيشه حتى اخذ قطز في اغراء وحدات ذلك الجيش واجتذابها إلى ناحيته .
ونجحت إغراءات قطز حتى ألفي الناصر نفسه وحيدا في
غزة ، فخرج منها في بعض اقاربه وحاشيته وهو لا يدري بالضبط ماذا يفعل ، فاتجه الى قطيا بجنوب فلسطين لعله يجد فيها مأوى او منجاة من المغول من ناحية والمماليك من ناحية اخرى . وبينما هو على تلـك الحال ، افشی اثنان من رجاله الى كتبغا نوین ـ نائب هولاكو بدمشق سر ارتداد الناصر عن الحدود المصرية ، فأرسل القائد المغولي ثلة من الفرسان قبضت على الأمير الايوبي عند بركة زيزاء وحملته الى هولاكو
واختار هولاكو ان ينسى خطاب السب الذي ارسله اليه الناصر ردا على خطابه ، او لعله ــ لان المغول لا ينسون شيئا ـ رأى ان امير دمشق انفع له وللسياسة التي يريد اتباعها مع المسلمين من امير حمص الشاب الملك الاشرف موسى ، ولهذا لقيه لقاء طيبا ، ووعده باحياء الامبراطورية الايوبية الممتدة من أطراف الشام الى النوية ومن برقة الى الفرات .
كما وعده بأنه سوف يجعل له السيادة الفعلية في تلك البلاد كلها بما في ذلك مصر بشرط ان يعترف بسلطان المغول وسيادة الخان الاكبر .
ورأى هولاكو ان تتابع جيوشه زحفها نحو الغرب ، غير مقتصر على الفتوحات الهامة التي تمت له بالاستيلاء على حلب ودمشق ، فأخذ يعد العدة للهجوم على بيت المقدس والتعقيب على ذلك بغزو البلاد المصرية فارسل رسله الى مصر برسالته المشهورة .
وأمام هذا الخطر الداهم عقد السلطان قطز مجلسا من كبار الامراء، واستقر الرأي على مقابلة وعيد التتر بالاستعداد للحرب .
وحوالى ذلك الوقت اخذ كثير من امراء المماليك البحرية ، الذين هربوا من القاهرة ايام ايبك ، أخذوا يفدون الى القاهرة ونسى أولئك المماليك مخاوفهم ، ونسى قطز مخاوفه كذلك ، فرحب بمقدمهم ومنحهم الاقطاعات الجليلة الواسعة ، فصار المماليك بذلك كتلة واحدة متحدة ، وتلك الظاهرة تتكرر كثيرا في صفوف المماليك ابان الازمات التي تعرضت لها دولتهم في تاريخها الطويل .
أتم قطز استعداداته و تعبئة جيشه في وقت قصير نسبيا ، على النحو الذي ذكرناه في الفقرة السابقة ؛ و خرج في ( رمضان 658 هـ / أغسطس 1260م ) من مصر على رأس الجيوش المصرية ومن انضم اليه من الجنود الشامية وغيرهم ، وأمر بيبرس البندقداري أن يتقدم بقطعة من العسكر ليكشف اخبار التتار .
سـار بيبرس حتى لقى حامية وطليعة المغول عند غزة ، وتمكن بيبرس من ان يلحق بطلائع المغول هزيمة كانت الأولى في تاريخ المغول غير أنها لم تكن حاسمة ، وأخذ يببرس يناوش العدو ويراوغه ليخفى عنه تحركات الجيش الرئيسي بقيادة قطز .
ثم تقدم قطز عن طريق الساحل ، فعرج أولا نحو عكا لكي
يتبين نيات الفرنج الذين ارتبطوا مع الناصر سلطان حلب ودمشق بمعاهدة منذ (21 فبراير سنة 1254 م) وتستمر عشرة أعوام ، وقد اندمجت مصر في تلك المعاهدة بعد عقدها في( سنة 1256 م ) .
ويقول بعض المؤرخين في ذلك الصدد ان الفرنج عرضوا وقتذاك على قطز ان يمدوه بقوات من عندهم ، ولكنه اكتفى بأن طلب منهم التزام الحيدة التامة وإلا قاتلهم قبل أن يلقى التتر ...
غير أن أحوال الصليبيين ببلاد الشام لم تكن تسمح لهم بتقديم أية مساعدة للسلطان قطز أو للمغول ، ولم يكن السلطان قطز في الواقع بحاجة إلى خشيتهم أو تهديدهم لأن احوال الشام جميعا ولا سيما في عكا بلغت اقصى درجات السوء ...
حيث قام نزاع بين الجنوية والبنادقة (سنة 1256 م ) وسرعان ما تطور ذلك النزاع الى حرب أهلية دخلت فيها كل العناصر المسيحية ، وامتدت الحرب على طول ساحل الشام برا وبحرا ، فقتل عدد كبير منهم وتلفت كميات هائلة من البضائع ، ولم ينته هذا الصراع إلا بعقد معاهدة بين الطرفين في 9 اكتوبر ( سنة 1258 م ) .
ومن ثم وافي قطز الأمير بيبرس عند عين جالوت .
ويروى بعض المؤرخين ان رجوع هولاكو بجزء من جيشه إلى فارس قبيل، ذلك الوقت أضعف من قوى المغول أمام المماليك ، بل يقول أبو المحاسن (*ابن تغري بردي) أن بعض أمراء المسلمين الخاضعين للتتر ، نصحوا القائد المغولي كتبغا بالانتظار ريثما يعود هولاكو أو يصل المدد من عنده إلى الشام ليستطيع ملاقاة الجيش المصري .
......
*ونعلق نحن على ذلك بأن التتر لم يكونوا يدخلون المعارك إلا بكامل استعداداتهم واستحكاماتهم وكثير عدتهم ! ولكن انتصار الجيش المملوكي الذي لم يكن متوقعا هو ما جعل المؤرخين يحاولون إيجاد مبررات له ؛ إلا أنهم غفلوا عن أشياء استجدت في الجيش الإسلامي هذه المرة على يد المماليك مثل إحكام التنظيم و التخطيط و جودة التدريبات التي وصلت بالجندي إلى حد الإحتراف، ولا ننسى أن الجيش المصري كان وحده منذ سنوات قليلة و قد تغلب على حملة لويس التاسع المكونة من ٥٠ ألف جندي ويساندها إمارات الشرق الصليبية و أباد معظمها وأسر لويس و كبار قادتها !! فما العجب إذن ؟!
و الأهم فيما تجاهلوه هو عدد الجيش المصري و من انضم إليه في طريقه من فلسطين وبلدان الشام و العراق وغيرهم حتى قدره بعضهم في حدود المائة ألف أو يزيد .. ناهيك عن أنهم موتورون من التتار يرغبون في الثأر و الإنتقام ، و كان الأهم تلك الروح الإسلامية الخالصة و مجهود الدعاة و المشايخ ، التي هيمنت على جيش قطز منذ بداية إعداده .
هذا و يحاول الكتاب العلمانيون اليوم وغيرهم ؛ التقليل من صعوبة و أهمية انتصار المماليك في عين جالوت بتقليل أعداد الجيشين و بحجة أن معظم جيش التتار كان برفقة هولاكو بعيدا ؛ لكن بدورنا سنسألهم لماذا لم يرجع هولاكو للإنتقام لجيش كتبغا الذي أبيد ؛ و لسحق المماليك ومصر إن لم تؤثر في قوته و نفسيته هو - والتتار بشكل عام - تلك الهزيمة الماحقة ؟!.
........
وكيفما كان الأمر فان رجوع هولاكو الى فارس لم يغير من عزم التتر على التقدم لغزو مصر ، كما أنه لم يلق في نفوس المماليك أمنا ولا هدوءا ، بل ظلت قلوبهم مضطربة واجمة
من هؤلاء القوم الذين اجتاحوا آسيا وجزءا من أوروبا دون ان تلحق بهم هزيمة واحدة .
وفي صباح يوم الجمعة الموافق (3 سبتمبر سنة 1260 م / 26 رمضان سنة 658 هـ ) ألتقى الجمعان المغولي والمملوكي في معركة عامة عند عين جالوت .
وليس أدل على تفاصيل تلك المعركة وأسرارها من رواية « صارم الدین ازبك بن عبدالله الأشرفي » الذي وقع اسيرا في يد المغول إبان غزوهم الشام ، وقبل الخدمة في صفوفهم وحارب معهم في تلك الواقعة ، فروايته لها قيمتها لا بصفته شاهد عيان للموقعة فحسب ، بل للدور الذي لعبـه فيها ..
........
* بدأ صارم الدین أزبك حياته مملوكا عند الملك الاشرف موسى صاحب حمص ، وشغل وظائف إدارية في الشام ، وعاش ببلاد المغول مدة من الزمان ، وتوفي في حوالي سن الخمسين ، في يناير أو فبراير( سنة 1281 م/ شوال سنة 679 هـ ) بعد أن أعطانا معلومات دقيقة عن المغول ،وصورا حية عن عاداتهم تضمنها التاريخ الذي كتبه قرطاى العزى الخازنداری ، وهو ايضا موظف مملوکی شغل وظائف أمير دمشق وحاجب حلب ونائب طرابلس وتوفي سنة 1333 م ( 734 هـ ) فوق سن الستين ، والجزء الخاص باخبار صارم الدين أزبك في تاريخ قرطاى العزى مخطوط بمكتبة الفاتيكان ( .726 .ar ) وقد نشره العالم الايطالي G. Levi Della Vida تحت عنوان « غارة التتار على سوريا في سنة 1760 م كما رواها شاهد عیان » هامش العبادي ص١٦٤
..........
كما يتضح من النص حيث يقول فيه :
« ... لما قدمت الشام ، وجدت التتار مجتمعين على نهر الاردن وقد خرجوا قاصدين الديار المصرية ، وقد خرج المسلمون للقائهم . فلما علمت ان التتار لا بد لهم من الديار
المصرية ، بعثت غلاما لي في صفة جاسوس وأمرته ان يجتمع بالملك المظفر قطز ، والأمير بيبرس البندقداري ، وبلبان الرشيدي وسنقر الرومي ، ويعرفهم ان التتار لا شيء فلا تخافوا منهم ، وأن تكون ميسرة المسلمين قوية بالخيل والرجال ، وعرفتهم ان التتار في عسكر قليـل . وأوصيته أن يراعي المسلمون أن يكون الملتقى عند طلوع الشمس ...
فلما وصل غلامی إلى عسكر المسلمين وجدهم خائفين من التتار خوفا عظيما ، فاجتمع ببعض الأمراء الذين عرفته بهم ، وعرفهم ما أوصيتهم به . وكنت قلت في كلامي : قل للامراء ، لا تخافوا ، ها أنا وأصحابي والملك الاشرف ، ننهزم بين
أیدیکم ، والله وكذلك كان ...
فلما سمع الامراء كلام غلامی ، قال بعضهم لبعض - « لا يكون هذا معمولية على المسلمين » .
فلما كان ملتقى الجمعين على عين جالوت ، طلعت الشمس علينا ، وطلعت عساكر الاسلام ، كان أول سنجق سبق أحمر وأبيض ، وكانوا لابسين العدد المليحة ..
وأشرقت الشمس على تلك العدد ، فطلبني كتبغا وقد بهت هو والتتـار الذين معه لكثرة تلك العساكر وحسن ما عليهم وجمالهم وهم ينحدرون من الجبل ، وقال لي «یا صارم ! هذا رنك من ؟ (* رنك : لون بالفارسية - يقصد هذه فرقة من)
«قلت سنقر الرومي» •
.........
*وكان من عادة كل امير مملوكي كبير او صغير ان يكون له رنك يخصه ، والرنك شعار فيه رسوم تدل على الوظيفة التي شغلها الأمير وقت ترقيته إلى مرتبة الإمرة أو على الوظيفة التي يؤثر أن يعرف بها من بين الوظائف التي تقلب فيها ، وهو لا يختلف عن رنوك الاسرة الاقطاعية في أوربا في العصور الوسطى الا من حيث كونها شخصية ومن حيث دلالتها على الوظائف .
وقد جعـل الأمراء هذه الرنوك دهانا على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة اليهم كمطابخ السكر وشون الغلال التابعة لهم والأملاك والمراكب وغير ذلك ، وعلى قماش خيولهم من جوخ ملون مقصوص ثم على قماش جمالهم من خيوط صوف ملونة ، وربما جعلوها على السيوف والاقواس الخاصة بهم وبمماليكهم أيضا. *راجع ( القلقشندي صبح الأعشى ج 1 ص 61- 62 ، والمقريزي - السلوك ـ ج1 ص 673 حاشية رقم 4 .
........
ثم ظهرت سناجق صفر ، قال « هذا رنك من ؟ » ، قلت بلبان الرشيدي •
ثم تتابعت الأطلاب اولا فأولا وانحدروا من سفح الجبل ، ودقت الكوسات والطبلخانات ، وامتلأ الوادي والبر من العياط وغابت الفلاحين وأهل القرى والبلدان من كل جانب .
وكنت غرا بمعرفة رنوك المسلمين (*لا يعرفها جيدا)، فصار كتبغا يسألني « هذا رنك من ؟ » فصرت أي شيء طلع على لساني قلته .
ثم إن التتار انحازوا الى الجبل ، وفتح الله ونصر هذه الملة المحمدية بالمماليك الترك البحرية ، ولم يسلم من التتر من يرد الخبر إلى هلاوون (هولاكو) ، ولكن قتل الجميع ولم يرد خبرهم الا من كان مقيما بدمشق او حلب » •
وتزيد المصادر العربية المعاصرة في تفاصيل هذه الواقعة على رواية صارم الدين ، فتقول بان المغول انقضوا على المصريين في بادىء الأمـر وتمكنوا من تشتيت شمل جناحهم الأيسر ، فأضطرب المصريون وتزلزلوا زلزالا شديدا ، وباتت الكرة عليهم ، وعند ذلك القى السلطان قطز خوذته عن رأسه الى الأرض وصرخ بأعلى صوته « واإسلاماه ! » وقاد الهجوم
بنفسه ، فضرب بذلك مثلا من أمثلة الشجاعة النادرة اذ سرعان ما التفت حوله القوات المصرية وحملوا على المغول حملة صادقة ، فاختل تو ازنهم وارتدوا الى التلال المجاورة بعد ان تركوا قائدهم كتبغا صريعا في الميدان وابنه اسيرا في ايدى المماليك .
ولقد عاد المغول وانتظموا ثانية عند بیسان فاشتبك معهم المصريون في معركة ثانية ، واشتدت وطأة القتال ، وعاد السلطان قطز يصيح صيحة عظيمة سمعها معظم العسكر وهو يقول « واإسلاماه » ثلاث مرات ، « يا الله !! انصر عبدلك قطز على التتار » .
عند ذلك مالت كفة النصر الى جانب الجيوش المصرية ، وانتهى أمر هذه الواقعة الدامية التي اهتز فيها ميزان النصر والهزيمة مرات ، إلـى نصر المماليك وهزيمة المغول لاول مرة في تاريخهم . عند ذلك نزل السلطان قطز عن فرسه ، ومرغ وجهه على الارض وقبلها وصلى ركعتين شكرا لله ، ثم ركب لينظر عاقبة المغول .
هذا ، وقد أورد القلقشندي ( ج7 ص 360 ) رسالة فريدة على لسان الملك المظفر قطز الى الملك المنصور نور الدين سلطـان الدولة الرسولية باليمن يبشره فيها بهزيمة التتار . والرسالة قطعة أدبية في وصف المعركة من انشاء القاضي محيى الدين بن عبد الظاهر. ويعترف القلقشندي بأنه تلقفها من أفواه بعض الناس كان قد عثر عليها في بعض المجاميع فحفظها منه .
(*نص الرسالة هنا بآخر الهامش مميز بالعلامة ⚜)
ولقد كانت وقعة عين جالوت الحلقة الأولى في سلسلة الوقائع بين التتار ودولة المماليك ، كما أنها تعتبر تجربة حربية خطيرة بين أسلوبين وفنين من فنون الحرب في العصور الوسطى .
ومن الواضح أن هـذه الواقعة التي انتهت بهزيمة المغول لأول مرة في تاريخهم ، بددت عقدة المناعة الحربية التي كانت سر انتصاراتهم منذ أيام جنگیز خان ، فانقشعت عن العالم خرافة الإعتقاد بأن المغول قوم لا ينهزمون •
على أن الأهمية الكبرى لهذه الواقعة هي انها نصر لجيوش دولة لا زالت في دور التأسيس 🤔 تتلمس الوسائل التي تدعم بها أركانها، فجاء انتصار المماليك في تلك الواقعة خدمة كبرى لهذه الدولة الناشئة ، وعاملا من العوامل المؤسسة لها ، إذ أخذ العالم الاسلامي ينظر الى الدولة المملوكية نظرة كلها إجلال وعطف.
وروايات المؤرخين عن هذه الحملة التي تجاوزت نتائجها الخاطفة کل آمال المسلمين ، تشهد بفضل مصر ودولة المماليك ..
فيروى الخزرجي مثلا ان المظفر نور الدين سلطان دولة بني رسول باليمن ، حج بجيش كبير في العام التالي للموقعة اي في ( سنة 659 هـ /1261 م ) . وهناك في الحجاز طلعت أعلامه الشريفة وأعلام سلطان مصر . فقال له أحد الأمراء : « هلا أطلعت أعلامك يا مولانا السلطان قبل أعلام المصريين؟ »
فقال له سلطان اليمن : « أتراني أؤخر أعلام ملك كسر التتار بالأمس ، وأقدم أعلامي لحضوری ؟! » .
👌 هذا التصريح الجميل يدل على أن دولة المماليك في
مصر قد اكتسبت عطفا ونفوذا في العالم نتيجة لهذا النصر .
ويقول أبو الفداء في هذا المعنى أيضا : « وتضاعف شكر المسلمين لله تعالى على هذا النصر العظيم ، فان القلوب قد يئست من النصرة على التتر ، لاستيلائهم على معظم بلاد الإسلام ، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه ولا عسكرا إلا هزموه » .
ومما تجب ملاحظته كذلك ، ان نصرة عين جالوت كانت قد سبقتها.نصرة سلبية لدولتهم ليس للمماليك أنفسهم فيها فضل، وهي أن المقاومة الأيوبية التي ظلت عارض قيام دولة المماليك ، وتلح في المطالبة بعرش مصر دونها ، قد انهارت
أمام الغزو المغولي ، وبدا على ملوك الايوبيين ضعف وتخاذل في الوقت الذي أبدى فيه المماليك ثباتا وصلاحية للبقاء..
وعلى الرغم من أنه ليس في مقدورنا ان نحكم على مصير مشروع فتح مصر بالنسبة لأوربا المسيحية التي أخذت تبنى آمالا كبيرة على انتصار المغول على المسلمين .. ويشهد بذلك ما قاله اسقف مدينة ونشستر Winchester من أنه يأمل في أن يفني المسلمون والمغول بعضهم بعضا ، وعندئذ يقيم
المسيحيون على أشلائهم كنيسة كاثوليكية عالمية موحدة . *راجع(Browne: A Literary Hist. of Persia, III p. 6.)
فإن بعض المؤرخين الأوربيين ذهبوا في تقدير أهمية عين جالوت إلى أنها لم تنقذ مصر والشام أو بالاحرى دولة المماليك فحسب ، بل انها أنقذت العالم الأوربي والمدنية الأوربية من شر لم يكن لأحد من ملوك أوربا وقتئذ قبل بدفعه .👍
هذا ، ومن المعروف أن طريق الصحراء الغربية هو الطريق الطبيعي المعروف لدى الغزاة والفاتحين الذين قاموا بغزو أوربا من الجنوب في العصور المختلفة ، فلا أقل من أن يسلكه هولاكو بجحافله أيضا كما سلكه غيره .
والواقع أننا اذا قارنا موقعة عين جالوت بالوقائع الحربية الحاسمة في العصور الحديثة مثل واقعة المارن في الحرب العالمية الأولى ، ومعركة العلمين في الحرب العالمية الثانية ، نجد أن عين جالوت كانت اقوى أثـرا في تاريخ البشرية من كل تلك المعارك لأنها لم تكن حربا بين شعوب راقية متحضرة ، بل كانت حربا أحد الطرفين فيها .. وهم المغول - شعب بدائي بربری جبل على التخريب وسفك الدماء في كل مكان حل فيه .
فانتصاره في تلك الواقعة كان معناه القضاء المبرم على الحضارة الشرقية والغربية معا ؛ وكان نصر عين جالوت إشارة لخلاص الشام من أيدي المغول ، إذ أسرع ولاة المغول بالهرب قبل ان يقعوا في ايدي الشاميين الذين هبوا للإنتقام ..
👌وهذا بعض السر في استيلاء قطر في عدة أسابيع على البلاد الشامية كلها حيث اقيمت له الخطبة في المساجد حتى مدينة حلب ومدن الفرات وقامت في مدينة دمشق ـ لما وصلتها اخبار عين جالوت ـ مذبحة كبرى في التتر ومن عاونهم على المسلمين من سكانها . ولم يستتب النظام والأمن في هذه.المدينة الا بعد ان دخلها قطر على رأس الجيوش المصرية والشامية الظافرة في ( سبتمبر سنة 1260م / 27 رمضان سنة 658 هـ )
ومن سخرية الحوادث أن قطر أخذ يعمل في جميع المدن الشامية ،على أن يعيد بعض أمراء البيت الأيوبي إلى ممالكهم
الصغيرة في الشام مثل الملك المنصور صاحب حماة ، والملك الاشرف موسى صاحب حمص و غيرهما بعد أخذ المواثيق عليهم بالولاء لدولة المماليك و دفع الخراج إليها .
👌 ماذا بعد عين جالوت ؟ قطز و بيبرس و دولة المماليك و كفاحها المرير ضد المغول و الصليبيين .. انتظرونا بإذن الله
---------------‐----------------------------------------------------
الهامش لم يستكمل بعد فنرجو عدم النسخ و تعريض صفحاتكم للبلاغات من طرفنا #جواهرالأدبوالتاريخ
--------------‐-----------------------------------------------------
[☆] بتصرف د. أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك الأولى طبعة دار النهضة ١٩٨٦ القاهرة ، ص 155 - 170
أهم الإشارات المطلوبة :
*كان المؤرخ المعروف بابي شامة موجودا بدمشق اثناء الاحتلال المغولي لها ، وقد وصف هذا الغزو مفصلا في كتابه «الذيل على الروضتين » ص ٢٠٤ وختمه بقوله « والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا » .
* قره قورم مدينة في منغوليا على نهر ارخون في وسط آسيا ولم يبق منها الآن سوى الانقاض ودیر بودی .
*حلت تبریز منذئذ محل بغداد في الجاه والثراء ، واصبحت العراق تحكم حكما مغوليا من هناك . راجع – ( عبد الفتاح السرنجاوي - النزعات الاستقلالية في الخلافة العباسية ـ ص ٣٠٥ ) .
- (Camb. Med. Hist. vol. IV, p. 64)
- ( Blochet : Hist. des Sultans Mamlouks,p. 380)
-(Camb. Med. Hist. vol. IV, p. 643.)
- المقريزي - السلوك ـ ج١ ص ٤٢٧ - ٤٣٩
-المقريزي ـ السلوك ـ ج1 ص ٤٢٩
- ابو المحاسن - النجوم الزاهرة ـ ج7 ص ۷۸ ۰
- (Ency. of Islam, Art. «Ain Djalut ».
( Wiet : Op cit. t. 4, p. 410. )
- ( Wiet : Hist. de la Nation Egyptienne, t. IV, p.410
& King: The Knights Hospitallers, p. 252.)
-المقريزي - السلوك ـ ج١ ـ ص ٤٣٠ .
(King: Op. cit. pp. 252-255 & Wiet:
Op. cit. p. 410. )
* بليدة شرق دارين بين بيسان ونابلس من اعمال فلسطين ويرجع هذا الاسم الى الاسطورة القائلة بان داود قتل جالوت في هذا المكان وقد سماها الصليبيون مدينة Tubanea راجع ( ياقوت - معجم البلدان -ج3 ص 76 و( Ency. of Islam Art Ain Djalut .
-(Levi Della vida: « L'invasione dei tartari in Syria
-Nel 1260 » Orientalia nova Series vol. IV (Roma 1935 ) p. 354.)
- أبو المحاسن ـ النجوم الزاهرة - ج ۷ ص ۷۸ – ۷۹
*يقال ان هولاكو كان يتأهب للزحف على مصر بحوالي اربعين الف جندی ، واذا بوفاة اخيه منجوقان تضطره الى الرجوع بجزء من جيشه الى فارس بعد ان ترك بالشام قائده كتبغا نوين مع عشرة آلاف من عساكره لتنفيذ مهمة فتح مصر ـ راجع ( الرمزي ـ تلفيق الاخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبلغار وملوك التتار - ج1 ص ٤١٩ ) .
- المقريزي - السلوك ـ ج1 ص ٤٣٠
ـ ابو شامة ـ الذيل على الروضتين ص ۲۰۷
- المقريزي - السلوك - ج ١ص ٤٣١
- المقريزي - السلوك ـ ج١ ص ٤٣١ ، ابو المحاسن -النجوم الزاهرة – ج7 ص ۷۹ ، ابو الفداء - ج3 ص ٣١٤ ، عبدالله بن
ايبك ـ كنز الدرر - ج ۸ ۱ ص ٤٢ – ٤٣ ، ابن اياس - بدائع الزهور ج١ ص ۹۷ ) .
* قال ابو شامة في هذا الصدد غلب التتار على البلاد فجاءهم من مصر ترکی يجود بنفسه بالشام اهلكهم وبدد شملهم ولكل شيء آفة من جنسه . ( ابو شامة ـ الذيل على الروضتين
-(. Med. Hist. Vol. IV ، ص 644.)
- الخزرجي : العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسوليـة
ص 69 ) .
- ابو الفداء : المختصر في تاريخ البشر ج3 ص ٢١٤
-(644–643 ,628 .Camb. Med. Hist. vol IV, pp ).
-(۱) المقريزي - السلوك ـ جا ص ٤٣١ و
-(Lane-Poole Hist. of Eggpt in the Middle ages, p. 262.)
*انظر وصف مذبحة دمشق في ( ابو شامة الذيل على الروضتين ص ۲۰۸ ، المقريزي - السلوك - ج1 ، ص ٤٣٢ ، ابو المحاسن ـ النجوم الزاهرة - ج7 ص ۸۱ ) .
- راجع المقريزي : السلوك ج1 ص ٤٣٣ ـ وانظر كذلك
( Wiet : Op. cit. p. 411. )
( Lane--Poole : A Hist. of Egyptin the Mi-
ddle Ages, p. 262.)
- المقريزي - السلوك ـ ج١ ، ص ٤٢٢ .
-----------------------------
⚜ رسالة قطز إلى سلطان اليمن : قال القلقشندي¹ :
وهذه نسخه کتاب ، کتب بها عن الملك المظفر قطز ـ وصاحب اليمن يومئذ المنصور ـ بالبشارة بهزيمة التتار . وأظنها من انشاء القاضي محيى الدين بن عبد الظاهر² ، وهي : ـ
"أعز الله تعالى أنصار المعز الشريف العالى ، المولوي ، السلطان ، الملكي المنصوري³ ، وأعلا مناره ، وضاعف اقتداره ، تعلمه أنه لما كان النصف من شهر رجب⁴ ، فتح الله بنصر المسلمين على أعداء الدين ... أما النصر الذي شهد الضرب بصحته ، والطعن بنصيحته، فهو أن التتر خذلهم الله تعالى ، استطالوا على الأيام ، وخاضوا بلاد الشام ، واستنجدوا بقبائلهم على الاسلام :
سعى الطمع المردى بهم لحتوفهم
و من يمسك ذيل المطامع يعطب
فأقلعت بهم طرائق الضلال ، وسارت مراكب أمانيهم في بحار الآمال، فتلك آمال خائبة ، ومراكب للظنون عاطبة ... هذا وعساكر المسلمين مستوطنة في مواطنها ، جاذية عقبانها في وكور ظباها ، رابضة آسبادهـا في غيل أقناها ، ما تزلزل لمؤمن قدم الا وقدم ايمانه راسخة ، ولا ثبتت لأحد حجة الا وكانت الجمعة ناسخه ، ولا عقدت برجمـة ناقوس الا وحلها الآذان ، ولا نطق كتاب الا وأخرسه القرآن •
ولم تزل أخبار المسلمين تنتقل الى الكفار ، وأخبار الكفار تنتقل الى المسلمين ، الى ان خلط الصباح فضته بذهب الأصيل ، وصار اليوم كأمس ، ونسخت آية الليل بسورة الشمس ، واكتحلت الاعين بمرود الثبات ، وخاف كل من المسلمين إصدار البيات :
ينـام بأحـدى مقلتيه ويتقي
بأخرى الأعادي ، فهو يقظان نائم !
الى أن تراءت العين بالعين ، واضطرم نار الحرب بين الفريقين
فلم تر الا ضربا يجعل البرق نضوا ، ويترك في بطن كل من المشركين شلوا ، حتى صارت المفاوز دلاسا ، ومراتع الظبا للظبا عراضا ، واقتنصت آساد المسلمين المشركين اقتناصا ، ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مناصا ، فلا روضة الا درع ، ولا جدول الا حسام ، ولا غمامة الا نقع ، ولا وابل الا سهام ، ولا مدام الا دماء ، ولا نغم الا صهيل ، ولا معربد الا قاتل ، ولا سكران الا قتيل ، حتى صار كافور الدين شقيقا ، وتلون الحصباء من الدماء عقيقا ، وضرب النقع في السماء طريقا ، وازدحمت الجنائب في الفضاء فجعلته مضيقا ، وقتل من المشركين كل جبار عنيد ، ذلك بما قدمت أيديهم ، « وما ربك بظلام للعبيد » .
👌 يقول القلقشندي معلقا :
وقلت : وهذه النسخة تلقفتها من أفواه بعض الناس ، ذكر أنه
وجدها في بعض المجاميع فحفظها منه ، وهي في غاية من البلاغة ، الا أنها لا تخلو من تغيير وقع في : أماكنها ، ولعله من الناقل لها ، من حيث انه ليس من أهل هذه الصناعة . ولم يسعنى ترك ايرادها لما فيها من المحاسن ، ولانفرادها باسلوب من الاساليب التي كتب بها الى ملوك اليمن ، فأوردتها على ما هي عليه ، وجزى الله خيرا من ظفر لها بنسخة صحيحة فقابلها عليها وصححها وأصلح ما فيها
.............
¹- القلقشندي : صبح الاعشى ج7 ص ٢٦٠ – ۳۹۳ ۰
²- صاحب ديوان الانشاء ايام قطر وبيبرس و قلاوون والاشرف خليل وتوفي سنة ١٢٩٢ م . وله كتاب تشريف الايام والعصور في سيرة المنصور تحقیق مراد كامل ( القاهرة 1961 ) .
³- لعله الملك المنصور نور الدین عمر بن علی سلطان الدولة الرسولية .
⁴- هذا التاريخ يتعارض مع ما ورد في المراجع العربية الأخرى من ان موقعة عين جالوت حدثت يوم الجمعة 15 رمضان سنة 658 هـ سبتمبر ١٢٦٠ م •
إرسال تعليق