سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه 🍂 ... (10)

 سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه



🍂 ... (10)
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً
------------------------------------------------------------------
عندما أمر عمر رضي الله عنه بإجلاء نصارى نجران ويهود خيبر من قلب البلاد العربية إلى العراق والشام وسبب ذلك أن يهود خيبر ونصارى نجران لم يلتزموا بالعهود والشروط التي أبرموها مع رسول الله ﷺ وجددوها مع الصديق، رضي الله عنه ...
فقد كانت مقرات يهود خيبر ونصارى نجران أوكاراً للدسائس والمكر فكان لا بد من إزالة تلك القلاع الشيطانية، وإضعاف قواهم، أما بقية النصارى واليهود، كأفراد فقد عاشوا في المجتمع المدني يتمتعون بكافة حقوقهم،...
روى البيهقي في سننه وعبد الرزاق بن همام الصنعاني في مصنفه عن ابن المسيب وابن شهاب : أن رسول الله ﷺ قال : 《 لا يجتمع دينان في جزيرة العرب》
قال مالك، قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول الله ﷺ أنه قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فأجلى يهود خيبر.
قال مالك : قد أجلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يهود نجران وفدك . .....(*1).
لقد كانت نبوة النبي ﷺ بالنسبة للصحابة يقيناً ولذلك لم يستطع اليهود ولا نصارى نجران أن يلتزموا بعهودهم مع المسلمين لشدة عداوتهم وبغضهم وحسدهم للإسلام والمسلمين، ...
فاليهود في خيبر كان من أسباب إجلائهم ما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: لما فدع(*2) أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً فقال :
" إن رسول الله ﷺ عامل يهود خيبر على أموالهم وقال: نقركم ما أقركم الله،..
وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيره هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم ...
فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحقيق فقال : يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا – محمد ﷺ – وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا ؟
فقال عمر : أظننت أني نسيت قول رسول الله ﷺ :
《كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك(*3)، ليلة بعد ليلة 》؟
فقال (الذمي) : كان ذلك هزيلة من أبي القاسم ..
فقال (عمر) : كذبت ياعدو الله .
فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك . ....(*4)
لقد غدر اليهود ونقضوا عهودهم، فكان طبيعياً أن يخرجوا من جزيرة العرب تنفيذاً لوصية رسول الله فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا، ...
وأما نصارى نجران فلم يلتزموا بالشروط والعهود التي أبرموها مع رسول الله ﷺ وجددوها مع الصديق؛فأخلوا ببعضها وأكلوا الربا وتعاملوا به، فأجلاهم الفاروق من نجران إلى العراق وكتب لهم: أما بعد .. فمن وقع به من أمراء الشام أو العراق فليوسعهم خريب الأرض ...(*5)
وما اعتملوا من شيء فهو لهم لوجه الله وعقب من أرضهم فأتوا العراق فاتخذوا النجرانية وهي قرية بالكوفة ..(*6)
وذكر أبو يوسف أن الفاروق خاف من النصارى على المسلمين ....(*7)،
وبذلك تتجلى سياسة الفاروق فيما فعل من إخراجهم بعد توفر أسباب أخرى إضافة إلى وصية رسول الله ﷺ
ويتجلى فقه الفاروق في توجيه الضربات المركزة إلى مقرات اليهود في خيبر، والنصارى في نجران بعد أن وجد المبررات اللازمة لإخراجهم من جزيرة العرب بدون ظلم أو عسف أو جور، وهكذا منع أوكار الدسائس والمكر من أن تأخذ نفساً طويلاً للتخطيط من أجل القضاء على دولة الإسلام الفتية.
🔸 حق الأمن، وحرمة المسكن، وحرية الملكية
إن أقر الإسلام حق الأمن في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، قال تعالى:
{فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } (البقرة، آية:193).
وحق الحياة يتضمن حماية الإنسان ودمه من أي اعتداء أو تهديد ويجعل هذه الحماية مسؤولية عامة ملقاة على عاتق الناس كافة، لأن الاعتداء بدون حق على أحدهم هو بمثابة الاعتداء عليهم جميعاً ....(*8)،
قال تعالى :
{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } (المائدة،آية:32).
ومن المنطلق القرآني والممارسة النبوية تكفل الفاروق في عهده للأفراد بحق الأمن وحق الحياة وسهر على تأمينهما وصيانتهما من أي عبث أو تطاول ..
وكان الفاروق رضي الله عنه يقول :
《 إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم ويشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم فمن ظلمه عامله بمظلمة فليرفعها إليَّ حتى أقصه منه 》 ....(*9)
وجاء عن عمر أيضاً قوله :
《 ليس الرجل بمأمون على نفسه أن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه 》... ..(*10)
وقوله هذا يدل على عدم جواز الحصول على الإقرار والاعتراف من مشتبه به في جريمة تحت الضغط أو التهديد
● سواء أكانت الوسيلة المستعملة بذلك مادية (كحرمانه من عطائه أو مصادرة أمواله)
● أو معنوية (كاللجوء إلى تهديده أو تخويفه بأي نوع من العقاب)
وجاء في كتابه لأبي موسى الأشعري بصفته قاضيا ً:
《 واجعل للمدعي حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك أنفى للشك 》 ...(*11)
وهذا القول يدل على أن حق الدفاع عن المتهم كان محترماً ومصاناً . ...(*12)
وفيما يتعلق بحرمة المسكن، فإن الله سبحانه حرم دخول البيوت والمساكن بغير موافقة أهلها أو بغير الطريقة المألوفة لدخولها ، فقال سبحانه بهذا الشأن
{ يا أيها الذين ءامنوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ○ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ }
(النور، آية: 27-28).
وقال أيضاً { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } (البقرة: 189)،
وقد كانت حرمة المسكن مكفولة في عهد الفاروق وعصر الخلفاء الراشدين . ...(*13)
وأما حرية الملكية فقد كانت مكفولة ومصانة في عصر الراشدين ضمن أبعد الحدود التي تقرها الشريعة الإسلامية في هذا المجال فحين اضطر عمر رضي الله عنه، لأسباب سياسية وحربية بإجلاء نصارى نجران ويهود خيبر من قلب شبه الجزيرة العربية،
إلى العراق والشام أمر بإعطائهم أرضاً كأرضهم في الأماكن التي انتقلوا إليها احتراماً منه وإقراراً لحق الملكية الفردية الذي يكفله الإسلام لأهل الذمة مثلما يكفله للمسلمين (*14)،
وعندما اضطر عمر إلى نزع ملكية بعض الدور من أجل العمل على توسيع المسجد الحرام في مكة، ولم يكن دفعه للتعويض العادل إلا اعترافاً منه وإقراراً بحق الملكية الفردية التي لا يجوز مصادرتها حتى في حالة الضرورة إلا بعد إنصاف أصحابها ...(*15)
وحرية الملكية لم تكن في عهد الراشدين مطلقة وإنما هي مقيدة بالحدود الشرعية وبمراعاة المصلحة العامة،..
فقد روي أن بلالاً بن الحارث المزني جاء إلى رسول الله ﷺ يطلب منه أن يستقطعه أرضاً، فأقطعه أرضاً طويلة عريضة،
فلما آلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه، قال له : يا بلال، إنك استقطعت رسول الله ﷺ أرضاً طويلة عريضة فقطعها لك، وإن رسول الله ﷺ لم يكن يمنع شيئاً يسأله، وأنت لا تطيق ما في يدك ؛ فقال أجل ؛ ...
فقال عمر : فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه، وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين،
فقال (بلال) لا أفعل والله شيئاً أقطعنيه رسول الله ﷺ ،
فقال عمر: والله لتفعلن، فأخذ عمر ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين ......(*16)
وهنا يدل على أن الملكية الفردية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصلحة الجماعة فإن أحسن المالك القيام بما يتطلبه معنى الاستخلاف في الرعاية والاستثمار فليس لأحد أن ينازعه ملكه، وإلا فإن لولي الأمر أن يتصرف بما يحول دون إهماله ... (*17).
أما حرية الرأي
فقد كفل الإسلام للفرد حرية الرأي كفالة تامة، وقد كانت هذه الحرية مؤمنة ومصانة في عهد الخلفاء الراشدين،
فكان عمر رضي الله عنه يترك الناس يبدون آراءهم السديدة ولا يقيدهم ولا يمنعهم من الإفصاح عما تكنه صدورهم(*18)
ويترك لهم فرصة الاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها،
فعن عمر أنه لقي رجلاً فقال : ما صنعت؟
قال : قضى علي وزيد بكذا !
قال عمر : لو كنت أنا لقضيت بكذا،
قال الرجل : فما منعك والأمر إليك ؟
قال عمر : لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه ﷺ لفعلت، ولكني أردك إلى رأي، والرأي مشترك ما قال علي وزيد (*20)،
وهكذا ترك الفاروق الحرية للصحابة يبدون آراءهم في المسائل الاجتهادية ولم يمنعهم من الاجتهاد ولم يحملهم على رأي معين . ...(*21)،
وكان النقد أو النصح للحاكم في عهد الفاروق والخلفاء الراشدين مفتوحاً على مصراعيه،...
فقد قام الفاروق رضي الله عنه يخطب فقال :
《 أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه، فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه 》 ...(*22)
وقد جاء في خطبة عمر لما تولى الخلافة: أعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة ....(*23)
واعتبر الفاروق ممارسة الحرية السياسية البناءة (النصيحة) تعد واجباً على الرعية ومن حق الحاكم أن يطالب بها : أيها الرعية إن لنا عليكم حقا ً النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير ....(*24)
وكان يرى أن من حق أي فرد في الأمة أن يراقبه ويقوم اعوجاجه ولو بحد السيف إن هو حاد عن الطريق، فقال: أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه ...(*25)
وكان يقول: أحب الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي ..(*26)،
وقال أيضاً: إني أخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تهيباً مني ....(*27)
وجاءه يوماً رجل فقال له على رؤوس الأشهاد: اتق الله يا عمر: فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها ...(*28)
ووقف ذات يوم يخطب في الناس فما كاد يقول : أيها الناس اسمعوا وأطيعوا حتى قاطعه أحدهم قائلاً : لا سمع ولا طاعة يا عمر،
فقال عمر بهدوء : لم يا عبد الله ؟
قال : لأن كلاً منا أصابه قميص واحد من القماش لستر عورته. ( وأنت أخذت قطعتين )
فقال له عمر : مكانك، ثم نادى ولده عبد الله بن عمر، فشرح عبد الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش ليكمل به ثوبه،
(و كان عمر طويلا لاتكفيه قطعة واحدة )
فاقتنع الصحابة وقال الرجل في احترام وخشوع : الآن السمع والطاعة يا أمير المؤمنين ...(*29)
وخطب ذات يوم، فقال : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي القصة –يعني يزيد بن الحصين- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال،..
فقالت امرأة معترضة على ذلك : ما ذاك لك !
قال : ولم؟
قالت: لأن الله تعالى قال: { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } (النساء،آية:20).
فقال عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ ...(*30)
وجاء في رواية : أنه قال : اللهم غفراً كل إنسان أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال :
"أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت به نفسه فليفعل" ....(*31)
👌 وليست حرية الرأي مطلقة في نظر الشريعة فليس للإنسان أن يفصح عن كل ما يشاء، بل هي مقيدة بعدم مضرة الآخرين بإبداء الرأي، 👍 سواء كان الضرر عاماً أو خاصاً،
ومما منعه عمر رضي الله عنه وحظره وقيده.
● الآراء الضالة المضلة في الدين واتباع المتشابهات: ومن ذلك قصة النبطي الذي أنكر القدر بالشام ...(*32)
فقد اعترض رجل على عمر –رضي الله عنه- وهو يخطب بالشام حينما قال عمر : ومن يضلل الله فلا هادي له، فاعترض النبطي منكراً للقدر ، قائلاً : إن الله لا يضل أحداً !
فهدده عمر بالقتل إن أظهر مقولته القدرية مرة أخرى ....(*33)
وعن السائب بن يزيد أنه قال :
أتى رجل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين:
{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ○ فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا ○ } (الذاريات،آية:21)
فقال عمر –رضي الله عنه- أنت هو ؟ فقام إليه وحسر(*34)، عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته،
فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه، واحملوه على قِتْب(*35)، ثم اخرجوا حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: إن صبيغاً(*36)،ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك ...(*37).
● و منع الوقوع في أعراض الناس بدعوى الحرية:
وقد حبس عمر –رضي الله عنه- الحطيئة (*38) من أجل هجائه الزبرقان بن بدر ...(*39) بقوله :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي (*40)
لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسين.(*41)
وقد توعد عمر الحطيئة بقطع لسانه إذا تمادى في هجو المسلمين ونهش أعراضهم، وقد استعطفه الحطيئة وهو في سجنه بشعر منه قوله:
ماذا تَقولُ لِأَفراخٍ بِذي مَرَخٍ
حُمرِ الحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ
أَلقَيت َ كاسِبَهُم في قَعرِ مُظلِمَةٍ
فَاِغفِر عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا عُمَرُ
أَنتَ الأَمينُ الَّذي مِن بَعدِ صاحِبِهِ
أَلقَت إِلَيكَ مَقاليدَ النُهى البَشَرُ
فرق له قلب عمر وخلى سبيله، وأخذ عليه ألا يهجو أحداً من المسلمين (*42)،
👌 وقد ورد أن الفاروق اشترى أعراض المسلمين من الحطيئة بمبلغ ثلاثة آلاف درهم حتى قال ذلك الشاعر :
أخذت أطراف الكلام فلم تدع
شتم ا يضر ولا مديحاً ينفع
ومنعتني عرض البخيل فلم يخف
شتمي وأصبح آمنا لا يفزع .(*43)
-------------------------------------------------------------------
🔸 رأي عمر في الزواج بالكتابيات
لما علم عمر رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان تزوج يهودية كتب إليه : خل سبيلها،
فكتب إليه حذيفة : أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟
فقال لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن .
:وفي رواية إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات ...(*44).
قال أبو زهرة :
(يجب أن نقرر هنا أن الأولى للمسلم ألا يتزوج إلا مسلمة لتمام الألفة من كل وجه ولقد كان عمر –رضي الله عنه- ينهى عن الزواج بالكتابيات إلا لغرض سام كارتباط سياسي يقصد به جمع القلوب وتأليفها أو نحو ذلك ...) ....(*45).
لقد بين المولى عز وجل في كتابه بأن الزواج بالمؤمنة ولو كانت أمة أولى من الزواج بالمشركة ولو كانت حرة
قال تعالى :
{ وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } (البقرة،آية:221)
، ففي هذه الآيات الكريمة ينهى الحق سبحانه وتعالى عن الزواج بالمشركات حتى يؤمن بالله ويصدقن نبيه، وحكم بأفضلية الأمة المؤمنة بالله ورسوله -وإن كانت سوداء رقيقة الحال- على المشركة الحرة وإن كانت ذات جمال وحسب ومال، ...
ويمنع في المقابل المؤمنات من الزواج بالمشركين ولو كان المشرك أحسن من المؤمن في جماله وماله وحسبه .(*46)،
وإذا كان الزواج بالمشركة حراماً بنص هذه الآية فإن الزواج بالكتابية جائز بنص آخر وهو قوله تعالى :
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } المائدة:5
وهو نص مخصص للعموم في النص الأول، هذا هو رأي الجمهور ... (*47)،
إلا أنهم قالوا إن الزواج بالمسلمة أفضل، هذا فيما إذا لم تكن هنالك مفاسد تلحق الزوج أو الأبناء أو المجتمع المسلم، أما إن وجدت مفاسد فإن الحكم هو المنع، وهذا ماذهب إليه بعض العلماء المعاصرين . ...(*48)،
وهو رأي سبق إليه عمر بن الخطاب : إذ هو أول من منع الزواج بالكتابيات مستنداً في ذلك إلى حجتين:
● لأنه يؤدي إلى كساد الفتيات المسلمات وتعنيسهن.
● لأن الكتابية تفسد أخلاق الأولاد المسلمين ودينهم وهما حجتان كافيتان في هذا المنع، إلا أنه إذا نظرنا إلى عصرنا فإننا سنجد مفاسد أخرى كثيرة استجدت تجعل هذا المنع أشد ...(*49)،
وقد أورد الأستاذ جميل محمد مبارك مجموعة من هذه المفاسد منها :
▪ قد تكون للزوجة من أهل الكتاب مهمة التجسس على المسلمين.
▪ دخول عادات الكفار إلى بلاد المسلمين.
▪تعرض المسلم للتجنس بجنسية الكفار.
▪ جهل المسلمين المتزوجين بالكتابيات مما يجعلهم عجينة سهلة التشكيل في يد الكتابيات.
▪ شعور المتزوجين بالكتابيات بالنقص وهو أمر أدى إليه الجهل بدين الله ..(*49).
وهي مفاسد كافية للاستدلال على حرمة الزواج بالكتابية في عصرنا.
إن القيود التي وضعها عمر على الزواج بالكتابيات تنسجم مع المصالح الكبرى للدولة والأهداف العظمى للمجتمعات الإسلامية، ...
فقد عرفت الأمم الواعية ما في زواج أبنائها بالأجنبيات من المضار، وما يجلبه هذا الزواج من أخطار تعيب الوطن عفواً أو قصداً، فوضعت لذلك قيوداً وبالذات للذين يمثلونها في المجالات العامة،
وهو احتياط له مبرراته الوجيهة، فالزوجة تعرف الكثير من أسرار زوجها إن لم تكن تعرفها كلها، على قدر ما بينهم من مودة وانسجام،
ولقد كان لهذه الناحية من اهتمام عمر رضي الله عنه مقام الأستاذية الحازمة الحاسبة لكل من جاء بعده كحاكم على مر الزمان،
إن الزواج من الكتابيات فيه مفاسد عظيمة، فإنهن دخيلات علينا ويخالفننا في كل شيء، وأكثرهن يبقين على دينهن، فلا يتذوقن حلاوة الإسلام وما فيه من وفاء وتقدير للزوج،
لقد قدر عمر كل ذلك بفهمه لدينه، وبصائب تقديره، لطبائع البشر، وبحسن معرفته لما ينفع المسلمين وما يضرهم، فأصدر فيه أوامره وعلى الفور وفي حسم ....(*50)
لقد كانت الحرية في العهد الراشدي مصونة ومكفولة ولها حدودها وقيودها ولذلك ازدهر المجتمع وتقدم في مدار الرقي، فالحرية حق أساسي للفرد والمجتمع، يتمتع بها في تحقيق ذاته وإبراز قدراته، وسلب الحرية من المجتمع سلب لأهم مقوماته فهو أشبه بالأموات.
إن الحرية في الإسلام إشعاع داخلي ملأ جنبات النفس الإنسانية بارتباطها بالله، فارتفع الإنسان بهذا الارتباط إلى درجة السمو والرفعة، فأصبحت النفس تواقة لفعل الصالحات والمسارعة في الخيرات ابتغاء رب الأرض والسماوات،
فالحرية في المجتمع الإسلامي دعامة من دعائمه تحققت في المجتمع الراشدي في أبهى صور انعكست أنوارها على صفحات الزمان ......(*51).
🌺 رضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب 🌺
🌺 وصلى الله على محمد و آله وصحبه وسلم 🌺
-----------------------------------------------------------------
(*1) السنن الكبرى للبيهقي (9/ 208)، مصنف عبد الرزاق (6/ 53).
(*2) فدع: زوال المفصل.
(*3) قلوصك: الناقة الصابرة على السير.
(*4) البخاري، ك الشروط، رقم 2730.
(*5) أي يقطعهم من الأرض التي لا زرع فيها ولا شجر.
(*6) الأموال لأبي عبيد ص245.
(*7) الخراج لأبي يوسف ص79.
(*8) نظام الحكم في عهد الراشدين ص163.
(*9) نظام الحكم في عهد الراشدين ص164.
(*10) نفس المصدر ص165.
(*11) القضاء ونظامه في الكتاب والسنة د. عبد الرحمن الحميض ص 48.
(*12) نظام الحكم في عهد الراشدين ص 165.
(*13) نفس المصدر ص 168.
(*14) نفس المصدر ص 189.
(*15) نفس المصدر ص 190.
(*16) المغني (5/579)، نظام الأرض. محمد أبو يحيى ص 207.
(*17) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين. حمد الصمد ص 192.
(*18) السلطة التنفيذية للدهلوي (2/735).
(*19) إعلام الموقعين (1/65)
(*20) السلطة التنفيذية للدهلوي (2/738).
(*21) أخبار عمر ص 331، 332، نقلاً عن الرياض النضرة.
(*22) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص 197.
(*23) نفس المصدر ص197.
(*24) نفس المصدر ص197.
(*25) نفس المصدر ص 198 الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البلاذري ص 231.
(*26) نفس المصدر ص198.
(*27) نفس المصدر ص 200.
(*28) عيون الأخبار (1/55) نقلاً عن محض الصواب (2/579).
(*29) تفسير ابن كثير (2/213) عزاه للزبير بن بكار وفيه انقطاع، أخرجه أبو حاتم في مسنده والبيهقي في السنن وقال مرسل جيد.
(*30) قال أبو يعلى إسناده جيد، مجمع الزوائد (4/283).
(*31) هو قسطنطين الجاثليق بطريق الشام.
(*32) الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها د.ناصر العقل ص223.
(*33) حسر عن ذراعيه: أي أخرجهما من كميه.
(*34) القتب: إكاف البعير.
(*35) هو صبيغ بن عسيل الحنظلي، سأل عمر عن متشابه القرآن واتهمه عمر برأي الخوارج.
(*36) شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي (30/ 634، 635).
(*37) الحطيئة: هو جرول بن مالك بن جرول لقب بالحطيئة لقصره.
(*38) الزبرقان بن بدر التميمي صحابي ولاه رسول الله صدقات قومه.
(*39) السلطة التنفيذية (2/745).
(*40) تفسير القرطبي (12/173، 174).
(*41) الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/327)، عمر بن الخطاب د. أحمد أبو النصر ص 223.
(*42) أصحاب الرسول (1/110) محمود المصري، محض الصواب (1/376).
(*43) إسناده صحيح، تفسير ابن كثير (1/265).
(*44) الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص104.
(*45) فقه الأولويات دراسة في الضوابط، محمد الوكيلي ص77.
(*46) الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزائري (5/ 76،77).
(*47) فقه الأولويات، محمد الوكيلي ص77.
(*48) فقه الأولويات، محمد الوكيلي ص78.
(*49) شهيد المحراب، عمر التلمساني ص214.
(*50) شهيد المحراب التلمساني ص214.
(*51) المجتمع الإسلامي د. محمد أبو عجوة ص245
☆ فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب د.علي الصلابي ص158-146
------------------------------------------------------------------


إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list