الدولة الفاطمية العبيدية (1)

 الدولة الفاطمية العبيدية (1)




-----------------------------------------
تنتسب الدولة العبيدية المسماة بالفاطمية إلى عبيد الله المهدي الذي أسسها في الشمال الأفريقي على المذهب الشيعي الإسماعيلي الباطني واتخذت العواصم : المهديَّة بتونس (909–948م)ثم المنصوريَّة بتونس (948–973م)
ثم القاهرة بمصر (973–1171م) .
🔹 ️والإسماعيلية إحدى فرق الشيعة, وهي تنسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق, ولهم ألقاب كثيرة عرفوا بها غير لقب «الإسماعيلية» منها: الباطنية,
وإنما أطلق عليهم لقب الباطنية لقولهم بأن لكل ظاهر باطنًا, ولكل تنزيل تأويلاً, ويطلق عليهم القرامطة, وقد عرفوا بهذين اللقبين في بلاد العراق, ويطلق عليهم في خراسان «التعليمية والملحدة», وهم لا يحبون أن يعرفوا بهذه الأسماء, وإنما يقولون: نحن الإسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم»(1).
لقد أدخلوا عقائد فاسدة مبنية على الفلسفة القديمة, والأصول الإلحادية, فخدعوا ضعاف العقول,..
وعندما قوت شوكتهم وأقاموا دولة البحرين فعلوا ما تقشعر منه الجلود, وتشيب منه الرؤوس من قتل وسفك ونهب واغتصاب.
بل تجرؤوا على حجيج بيت الله الحرام, ففعل أبو طاهر الجنابي بالحجيج أفاعيل قبيحة, فدفن منهم في بئر زمزم الكثير, ودفن كثيرًا منهم في أماكنهم من الحرم, وفي المسجد الحرام. (2)
وعندما أقاموا دولتهم في الشمال الإفريقي أظهروا عقائدهم الفاسدة, وقتلوا العلماء, وأذلوا أهل السنة...
🔹️عقائد الباطنية عبارة عن مجموعة من أفكار منحرفة من مذاهب متفرقة, كلها تخبط واضطراب واختلاف, وأحيانًا يستدلون بأحاديث موضوعة ويحرفون الآيات عن مدلولها ومرادها.
وترجع عقائدهم إلى عدة نقاط منها:
1- إنكار وجود الله.
2- جحد أسمائه وصفاته.
3- تحريف شرائع النبيين والمرسلين.
4- ويسترشدون في ذلك كله بالتشيع لآل البيت أو بزعمهم التجديد والتقديم ولهم مقدرة عجيبة في وضع الشعارات والأكاذيب. (3)
------------------------
🔹️ أبو عبد الله الشيعي
وقع الاختيار على اليمن لكي تكون مركزًا لدعوة الشيعة الإسماعيلية لبعدها عن أنظار الدولة العباسية, ومن هناك بدؤوا في إعداد القوة العسكرية السرية التي هي عدتهم في المستقبل, ..
وتسلم القيادة في اليمن رجل يدعى رستم بن حوشب الذي استطاع أن يستقطب بعض الفرس المعادين للمسلمين, إلا أن ابن حوشب رأى أن أرض المغرب خصبة للبذور الشيعية, فأرسل من اليمن رجلين من أنصاره هما «سفيان والحلواني» إلى طرابلس وتونس لنشر المذهب الشيعي,
واستطاع الرجلان أن يتوغلا بأفكارهما في قبائل البرانس ذات القوة والشكيمة والعدة والعتاد, والتي تتطلع إلى إقامة دولة في المغرب على نهج الأدارسة في المغرب الأقصى, والأغالبة الذين عاصمتهم تونس.
ومن بين الذين اختارهم ابن حوشب في اليمن: أبو عبد الله الشيعي حسن بن أحمد بن محمد بن زكريا الشيعي من أهل صنعاء, ...
وكان قد وقع اختيار ابن حوشب على هذا الرجل لما لمس فيه من صفات قيادية بارزة من علم وذكاء ومقدرة في التعامل مع الناس,..
ويعتبر أبو عبد الله الشيعي اليماني الصنعاني المؤسس الفعلي لدولة العبيديين الرافضية الإسماعيلية في المغرب, فأرسله ابن حوشب بعد موت الحلواني وأبي سفيان الداعيتين بالمغرب, وقال له: «إن أرض كتامة في بلاد
المغرب قد حرثها الحلواني وسفيان, وقد ماتا, وليس لك غيرها فبادر فإنها موطأة ممهدة لك»( 4).
وفيما بين 288هـ إلى 289هـ وصل أبو عبد الله الشيعي الرجل الداهية المراوغ الماكر صاحب الحيل العجيبة إلى مكة, وبحث عن وفود المغاربة التي جاءت للحج واستطاع أن يتعرف على حجيج كتامة, وتقرب إليهم بما أظهره لهم من زهد وفقه وعلم,..
وتمكن هذا الداعية من قلوب الشيوخ الكتاميين, ورجع معهم موهمًا إياهم أنه يريد مصر لتعليم الأولاد القرآن, وعرضوا عليه الذهاب معهم إلى المغرب, فأظهر عدم الرغبة, ثم بسياسته الماكرة لبى طلبهم في النهاية ونزل في القيروان ليبحث عن مواطن الضعف في دولة الأغالبة, ويجمع المعلومات لمعرفة أقوى القبائل, وما هي الوسائل النافعة للدخول في بلاد المغرب, ..
وبعد أن أيقن أن أقوى القبائل في المغرب هي الكتامية قرر الذهاب إلى بلدة تسمى «إيكجان» وهي بلدة في جبل وعر, وعرف أنها منازل قبيلة «سكتاتة» التي هي بطن من بطون كتامة (5)..
ونهج في حياته نهج المعلم المؤدب الورع, وسلك سلوك الزهد والعفاف حتى تملك قلوبهم, واشتهر صيته, وأقبلت عليه القبائل البربرية وتصدى لتعليمهم وتفقيههم المذهب الشيعي, ثم دخل في الأمور السياسية ونظام الحكم ودور الإسلام في الحكم بالشورى, وفضل العلويين وأحقيتهم في الحكم.
وبسبب الظلم الذي مارسته دولة الأغالبة على الناس استجابت بعض القبائل للداعية الشيعي الذي رأوا فيه المخلص وبدأ الصدام مع الأغالبة, ..
وانتقل أبو عبد الله الشيعي إلى حصن منيع في جبال الأوراس في بلدة «تازروت» ومن هناك كان يوجه الضربات المتتالية لدولة الأغالبة, واعتمد في ذلك على فضح الأغالبة ونشر ظلمهم, وبيان أن حكمهم خارج عن الإسلام وشريعة الرحمن, ..
و قد أثار الأحقاد القديمة بين الدولة الأغلبية وبعض القبائل, وأعطى عهودًا ومواثيق لرجال وزعماء كتامة أن المستقبل والدولة والتمكن لهم, فخضعت له القبائل وتوالت المدن في السقوط, وغنم غنائم عظيمة واشتد حماس أتباعه ..
وساعده على ذلك انحلال وضعف دولة الأغالبة وانغماسهم في الترف, وتذمر الناس من الأمراء ومن ظلمهم, وأظهر أبو عبد الله من الحزم والشجاعة والمقدرة السياسية والكفاءة العسكرية ما جعله ثقة لمن حوله من القادة والجنود, فأعطاه ذلك شعورًا بأن الوقت حان لكشف دعوته بأن يدعو للرضى من آل البيت النبوي الذي سيظهر عن قريب وتولى أمور الحكم.
واستطاع أبو عبد الله الشيعي أن يستولي على جميع النقط الحربية ما بين حصنه في جبال الأوراس حتى عاصمة الأغالبة.
وفي أوائل جمادى الأولى عام 296هـ/909م سقطت مدينة الأريس في يد قوات أبي عبد الله الشيعي, وهذه المدينة هي مفتاح دخول القيروان العاصمة السياسية للبلاد, فعجل زيادة الله الأخير بالرحيل إلى مصر في جمادى الآخرة عام 296هـ, ودخل أبو عبد الله الشيعي القيروان (6).
وأعلن أبو عبد الله إثر هذا النصر الحاسم على الأغالبة أن الإمام الحقيقي للمسلمين هو عبيد الله المهدي وأنه قريبًا سيصل إلى بلاد المغرب ويظهر العدل والمساواة, فانضم إليه بعض قواد الأغالبة, وأصبح جيشه مائتي ألف مقاتل لكي يدافعوا عن المذهب الشيعي الإسماعيلي والدولة الجديدة,
ومعلوم من دراسة التاريخ أن الانتصارات تستحوذ على عوام الناس ويظنون أن المنتصر على الحق, ومع الإشاعة الشيعية القوية والانتصارات الملموسة وإيمان الناس بالمهدي المنتظر, أصبح الناس قادة وجنودًا لا رأي لهم, ولا عقل, بل مثل الآلات في التنفيذ,
وحاول أبو عبد الله الشيعي أن يعتمد في نشر مذهبه بالدعاية والمناظرة لإقناع علماء السنة والجماعة من أمثال عثمان بن سعيد الحداد, إلا أنه أسقط في يديه عندما أقاموا الحجة عليه وعلى دعاته,...
ولذلك اضطر أخو أبي عبد الله الشيعي «أبو العباس» أن يستخدم القوة لقلع مذهب أهل السنة والجماعة من عاصمة الشمال الإفريقي, فمارس مع علماء أهل السنة أصناف العنف والشدة والتعذيب وضربوا الفقهاء بالسياط وقطعوا ألسنة بعضهم, وضربوا الرقاب, وقطعوا أجزاء الجسم إلى عدة أجزاء, وصلبوا الفقهاء, وصادروا الأموال, وبطحوا الناس على ظهورهم وأمروا عبيدهم بأن يدوسوهم بالأقدام.
واشتد الصراع المذهبي, وهز الدولة الوليدة فتدخل الداهية أبو عبد الله الشيعي ومنع المناظرة والمجادلة حسمًا للصراع وعزل أخاه عن ولاية القيروان.
ونجح أبو عبد الله الشيعي في تثبيت دعائم الحكم في القيروان بواسطة زعماء قبيلة كتامة وخصوصًا سيدهم ومطاعهم «غزوية بن يوسف» وأخاه وبقية قومه, ...
وأرسل إلى عبيد الله المهدي وابنه القاسم للمجئ إلى القيروان, وشد عبيد الله من الشام رحله «من مدينة سلمية» إلى مصر, ثم برقة, ثم طرابلس متخفيًا في ثياب التجار, ولفقت قصص عجيبة في نجاته من ولاة الدولة العباسية, ووقع في أسر بني مدرار أمراء سجلماسة (7).
واستطاع أبو عبد الله الشيعي الصنعاني في 297هـ/910م أن يجهز جيشًا ضخمًا حطم به دولة بني مدرار وخلص عبيد الله المهدي وابنه من السجن, وفي طريق عودته مر الجيش بتاهرت وأزال دولة بني رستم في عام 297هـ/910م وأصبح المغرب الأوسط إلى تلمسان دولة عبيدية.
وتولى عبيد الله المهدي الذي أعلن قيام الدولة الفاطمية التي نسبها إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله × لخداع الناس وتضليلهم.
وبدأت الدولة الفاطمية المزعومة تسعى للقضاء على الخلافة العباسية خصوصًا بعد أن تمكنوا من القضاء على دولة بني مدرار في سجلماسة, ودولة رستم في تاهرت, ودولة الأغالبة في إفريقية «تونس».
وكانت بيعة عبيد الله المهدي في القيروان عام 297هـ/ 910م وانتهت ولاية أبي عبد الله الشيعي بعد أن دامت عشر سنوات على قول بعض المؤرخين (😎.
وكطبيعة الثورات تخلص عبيد الله المهدي من أبي عبد الله الشيعي وأخيه أبي العباس وغزوية بن يوسف بمؤامرات متتالية وكل من كان من أنصارهم.
وهذا ملاحظ أيضًا في دراسة التاريخ القديم والحديث, وهو أن الأصدقاء والرفقاء الذين لا تقوى لهم, وإنما تجمعهم مصالح ومبادئ فاسدة يصفُّون بعضهم بعضًا, وهذا حدث في الثورة الفرنسية 1879م, والثورة الجزائرية, والثورة السورية, والمصرية, والليبية, والعراقية, وهكذا قديمًا وحديثًا.
وظهر لي أن ذلك سنة من سنن الله الجارية في المجتمعات «من أعان ظالمًا سلطه الله عليه» +وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأنعام:129].
وذكر المؤرخون أن الخلاف وقع بين عبيد الله المهدي, وأبي عبد الله الشيعي على الأموال التي استأثر بها النزق الكاذب عبيد الله المهدي, وبعضهم يرى أن أبا عبد الله الشيعي شك في عبيد الله المهدي بأنه ليس المهدي المنتظر.
وصاحب موسوعة المغرب العربي الدكتور عبد الفتاح مقلد الغنيمي ذكر السببين ولم يرجح, ثم إنه دافع عن نسب العبيديين وأنه في رأيه يرجع إلى فاطمة الزهراء, وشن حملة على من طعن في نسب العبيديين ونسبهم إلى اليهود, أو إلى المجوس, واتهمهم أنهم موالون للخلافة العباسية في بغداد أو الأموية في الأندلس وأن الخلافتين شنتا حملة شعواء على النسب العبيدي. (9)
وأقول : إن ابن كثير -رحمه الله- الذي نقل أقوال العلماء في البداية والنهاية في الطعن في النسب العبيدي أقوى حجة, وأمتن سندًا, وأعرف بحقائق الدول ومؤسسيها, وعرف بالصدق والأمانة المتناهية, وكلامه واضح في البداية والنهاية,..
وأما ابن الأثير فلم يجزم ومال إلى إثبات النسب بدون تصريح, وذلك في «الكامل في التاريخ» (10) وهو معروف بميوله الشيعية, ..
وابن تيمية في الفتاوى يؤكد ويصرح على عدم ثبات النسب الفاطمي,..
وإليك شهادة المؤرخ القدير ابن خلكان حيث قال: «والمحققون ينكرون دعواه في النسب, وينصون على أن هؤلاء المنتسبين بالفاطميين أدعياء, وأنهم من أصل يهودي من سلمية بالشام, وأن والده لقب بالقداح, لأنه كان كحالاً يقدح العيون, وقد هلك عبيد الله سنة 322هـ, وتمكن حفيده المعز من الاستيلاء على مصر, واستمر ملك العبيديين نحو قرنين من الزمان إلى أن قضى عليهم بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي في سنة 564هـ, وأزال منها كل آثار العبيديين, وقطع شرورهم عن الناس وأراح الله العباد منهم»(11).
وعلى كل حال فأعمالهم وعقائدهم تدل على أن أبناء المسلمين من السلالة النبوية الشريفة وعلماءهم الأبرار الأطهار وفقهاءهم الأخيار برآء من هذه الأقوال الشنيعة, والأفعال القبيحة, ..
و يبدو أن أبا عبد الله الشيعي اتضح له أن عبيد الله المهدي رجل طامع في الملك والجاه, ومستبد ويسعى لمجده, وشعر أبو عبد الله ببعده عن مكانته فعمل على الخلاص منه, عندما حاول إقناع من حوله بأنه ليس المهدي الذي يحدثهم عنه,..
إلا أن عبيد الله المهدي كان أسرع منه فتخلص الأخير من خصومه, وأما عن نسبه فالحق الواضح البين أن عبيد الله المهدي دعي في نسبه, ولا صلة له بأهل البيت, وهذا ما سنبرهن عليه في ترجمته إن شاء الله.
--------------------------------------------------------------------
(1) الفرق بين الفرق عبد القاهر البغدادي ص 62.
(2) الفرق بين الفرق ص (382) وانظر البداية والنهاية (ج11/160).وكشف أسرار الباطنية ص (39), سير أعلام النبلاء (15/321).
(3) انظر: فضائح الباطنية ص (18-20 ؛ 38), وبيان مذهب الباطنية وبطلانه ص (19).وانظر: فرق معاصرة للعواجي, (ج1/280). و البداية والنهاية (ج11/61).
(4) انظر: موسوعة المغرب العربي (ج2/57) للدكتور عبد الفتاح الغنيمي.
(5) موسوعة المغرب العربي (ج2/56).
(6) موسوعة المغرب العربي (ج2/60).
(7) موسوعة المغرب العربي (ج2/65).
(😎 المرجع السابق ص (70).
(9) انظر: موسوعة المغرب العربي ص (70).
(10) انظر: الكامل في التاريخ (ج5/11) وما بعدها.
(11) فرق معاصرة (ج1/289).
☆ الدولة الفاطمية د. علي الصلابي ص30-37
--------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list