تاريخ التتار الأول (29) إمبراطورية جنكيز خان

 تاريخ التتار الأول (29)

إمبراطورية جنكيز خان



------------------------------------
توقفنا في الفقرة السابقة عند خطوات سيف الدين قطز لتوحيد الصف الإسلامي .
كان سيف الدين قطز يدرك تماماً أن بقاء دولته الفتية يتوقف على اجتياز ذلك الامتحان الصعب المتمثل في صد الغزو المغولي للممالك الإسلاميةالذي استشرى خطره ولأجل تحقيق النجاح كان عليه توحيد الصف أولا .
وكانت أولى خطواته أن جمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر وتناقشوا في أمر القيادة التي ستتصدى للمغول ؛ و غير وزير الدولة و قائد الجيش و عين أناسا موثوقا بهم كما قرب العلماء و حرص على تنفيذ آرائهم وفتاويهم بكل دقة .
و كان ثانى خطواته إصدار عفو عام حقيقي عن كل المماليك البحرية الذين تفرقوا في الشام وتركيا لخوفهم ؛ و راسلهم لينضموا إليه ؛ كما راسل القائد الفذ بيبرس البندقداري و استقدمه وولاه قيادة المقدمة و خلع عليه الخلع .
--------------------------------------------------------------------
🔹 خطوته الثالثة نحو توحيد الصف
حرص على التواصل مع الدولة الأيوبية، فقد كانت العلاقة بين المماليك والأيوبية متوترة إلى حد كبير، بل أن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر،
إلا أن سيف الدين قطز سعى لإذابة الخلافات بينه وبين أمراء الشام، وكان يسعى إلى الوحدة مع الشام أو على الأقل تحييد أمراء الشام، ليخلو بينهم وبين التتار دون أن يطعنوه في ظهره،
فتواصل سيف الدين قطز مع الملك الناصر الأيوبي وعرض عليه أن يكون تابعاً للناصر ثم أن قطز ـ رحمه الله ـ علم أن الناصر يوسف قد يتشكك في أمر الوحدة الكاملة أو في أمر القدوم إلى مصر، فعرض عليه إمداده بالمساعدات لحرب التتار،
قال قطز في أدب جم وخلق رفيع :
《 وإن إخترتني خدمتك وإن إخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره 》
لكن الناصر يوسف لم يستجب لهذه النداءات النبيلة من قطز، وآثر التفرق على الوحدة😢
فماذا كانت النتيجة؟
سقوط حلب ودمشق، ووقوع الملك الناصر في الأسر ثم قتله بعد عين جالوت 😢
ولم يكتف قطز بهذه الجهود الدبلوماسية مع الناصر بل راسل بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماه والتحق بعض جيشه بقطز،
وأما المغيث عمر صاحب الكرك بالأردن فقد آثر أن يقف على الحياد، وقد حاول مرتين قبل ذلك أن يحتل مصر، وصده قطز في المرتين 😐
وأما الأشرف الأيوبي صاحب حمص فقد رفض الإستجابة تماماً لقطز، وفضل التعاون المباشر مع التتار، وبالفعل أعطاه هولاكو إمارة الشام كلها ليحكم باسم التتار 😐❗
وأما الأخير وهو الملك السعيد (حسن بن عبد العزيز) صاحب بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل إنضم بجيشه إلى قوات التتار يساعدهم في فتح بلاد المسلمين😐😢
وهكذا استطاع قطز أن يكسب أمير حماه المنصور وانضم إليه جيش الناصر بعد مقتله ، وحيَّد إلى حد كبير المغيث عمر صاحب الكرك، وبذلك يكون قد إنضم الكثير من الجنود الشاميين مع سيف الدين قطز .👍
----------------------
🔹الخطوة الرابعة
أراد الملك سيف الدين قطز قبل الشروع في مواجهة المغول أن يختبر الصليبيين على ساحل بلاد الشام، لمعرفة موقفهم من ذلك الصراع الذي أصبح محاذياً لهم، لتخوفه من إنضمام هؤلاء الصليبيين إلى المغول عند نشوب الحرب، 👍
وبناء عليه توجهت سفارة مصرية إلى عكا تطلب من الصليبين السماح للجيوش الإسلامية بإجتياز بلادهم وشراء ما تحتاجه من المؤن،..
والواقع أن الصليبيين لم يخفوا مرارتهم وكراهيتهم وحقدهم للمغول بعد أن قام المغول بمهاجمة مدينة صيدا ونهبها، كما أنه لم تتوافر عندهم الثقة فيهم لما ارتكبوه من المذابح الجماعية، ...
على حين أن الصليبيين اتصلوا بالحضارة الإسلامية وألفوها، بل ونتيجة لذلك أبدوا أول الأمر إستعدادهم لبذل المساعدة العسكرية للسلطان قطز إلا أن السلطان سيف الدين شكرهم حينما عرضوا عليه أن يسيروا معه نجدة واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه ،..
واستطاع السلطان سيف الدين قطز أن يتحصل على موافقة الصليبيين بالسماح لقواته باجتياز الأراضي الساحلية التي تحت أيديهم، وجعلته هذه التفاقية في مأمن من ذلك الجانب، وتجنب خطر إشتباكه في أكثر من جهة في تلك اللحظات الحرجة .👍
--------------------
🔹الخطوة الخامسة: تحكيم الشريعة في أموال الحرب
كانت النفقات للإعداد كبيرة، من تجهيز الجيش، وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار،...
وكانت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد طاحنة، وليس هناك وقت لخطة خمسية أو عشرية، والتتار على الأبواب وقد وصلوا غزة والدولة تحتاج للأموال، 😢
فجمع سيف الدين قطز مجلسه الاستشاري ودعا إليه إلى جانب الأمراء والقادة والعلماء والفقهاء وعلى رأسهم سلطان العلما الشيخ العز بن عبد السلام، وبدأوا يبحثون عن حل لتجهيز كتائب المسلمين،
واقترح سيف الدين قطز، أن تفرض ضرائب لدعم الجيش .
إلا أن الشيخ العز بن عبد السلام تحفظ على هذا المقترج ولم يوافق عليه إلا بشرطين واصدر هذه الفتوى:
《إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كله قتالهم - أي العالم الإسلامي- وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم -أي فوق الزكاة -..
بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج والذهب والفضة والسيوف المحلاة بالذهب، وأن تبيعوا مالكم من ممتلكات والآلات -أي يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون-، ...
ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه وتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات فلا 》.
إذن فقد بين الشيخ العز بن عبد السلام، بأنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات، 👍
ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، فإن لم تكف هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي بتجهيز الجيش ليس أكثر من ذلك . 👍
لقد قبل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام ببساطة وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا أمره، 👍
فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئاً في الباطن، ولما جمعت هذه الأموال وضربت سكاً ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش، ....
ولم تكف هذه الأموال نفقة الجيش، فقرر قطز :
● على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير ديناراً واحداً،
● وأخذ من أجرة الأملاك شهراً واحداً،
● وأخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلاً،
● وأخذ من الترك الأهلية ثلث المال،
● وأخذ من الغيطان والسواقي أجرة شهر واحد،
وبلغ جملة ما جمعه من الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار 👍👍👍
👌 فجمع بذلك الأسلوب الفريد للمال الحلال الذي لا ظلم ولا عدوان فيه .
👌وكان هذا العمل الجليل من أسباب النصر في عين جالوت
قال تعالى : "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" . (*محمد آية : 7)
👌 ونصر الله لا يكون إلا بتطبيق شرعه، والجيش المسلم الذي يبتعد عن شرع الله يكون بعيداً عن نصر الله عز وجل،
👌إن ما قام به سيف الدين قطز في الاستماع لرأي الشيخ العز بن عبد السلام ثم تنفيذه ترتب عليه شحنة معنوية قوية شحذت همم الناس للجهاد وبذل الغالي والنفيس في سبيل الله،👍
إذ يمكن القول أن تلك الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام، في ذلك الوقت الذي كان الشرق الإسلامي بلا خلافة شرعية، أدت الدور نفسه الذي كانت الخلافة ستؤديه فيما لو كانت قائمة، 👍
إذ كانت فتواه تلك بمثابة سلطة روحية ساعدت المظفر في الحصول على استجابة عامة المسلمين بدفع ما قرر عليهم من أموال، مستشعرين بأن ذلك وأجب يفرضه عليهم دينهم الحنيف ،
وكان الشيخ العز بن عبد السلام وعلماء مصر يحثون الناس في سبيل الله تعالى، ووعظ الأمراء والحكام وحرك قلوبهم فتنبه فيها الإيمان، فأخرجوا ما عندهم، ورأى الناس ذلك فتسابقوا إلى بذل الجود، وكثرت الأموال، فأعدوا العدة وجمعوا السلاح،...
وأقيمت معسكرات التدريب في كل مكان واهتزَّت البلد بالهتاف والتكبير، وصار كل مسلم يشتهي الوصول إلى المعركة، وهذا درس مهم في أهمية التكامل بين أمراء المماليك والعلماء في مقاومة التتار .👍
------------------
و يعلق د. راغب على حماس شعب مصر في تلك الفترة :
كان الشعب في مصر في اﻷيام التي صعد فيها قطز رحمه لله إلى كرسي الحكم على الرغم من أزماته اﻹقتصادية، وظروفه الصعبة، وفزعه من أخبار التتار، وفقدانه الثقة في كثير من زعمائه...
كان شعبافاهماواعيا ً لقيمة العلم والعلماء، ومحترمامقدرا ً لقيمة الجهاد في سبيل الله ؛ كوسيلة حتمية لحل الصراع مع الدول التي تغير على بلاد المسلمين..
ويقول عن قطز :
وكان قطز رحمه الله ـ كما رأينا ـ واضعا ً قضية التتار نصب عينيه من أول يوم حكم فيه البلاد، بل كان واضعاً ً هذه القضية نصب عينيه في كل حياته من يوم أن كان طفلا أغار التتار على بلده، وقتلوا أهله،ومروراً ً بكل مراحل حياته الصعبة، وحياة الرق والعبودية، وانتهاء بصعوده إلى أعلى منصب في مصر..
ورأينا كيف خطط قطز رحمه الله لتقوية جيشه، ولتدعيم الصف الداخلي في مصر، ولتحسين العلاقات الخارجية مع اﻷشقاء المسلمين، ولا شك أنه كان يحتاج إلى وقت طويل، لكن المعركة فرضت عليه ولم تمهله كثيرا ؛..
* رغم ذلك حقق في أقل من سنة مالم يحققه كل ملوك المسلمين على مدى عقود .👍
--------------------------------------------------------------------
🔴 رسالة هولاكو إلى سيف الدين قطز
أرسل هولاكو رسالة إلى سلطان مصر كلها تهديد ووعيد قال فيها :
《 من ملك الملوك شرقاً وغرباً القان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء....
يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الاقليم يتنعمون بانعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك،...
يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه،..
أسلموا إلينا امركم، قبل أن ينكف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ،...
فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق لمن شكى قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب،...
فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا خلاص، ....
فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لاتنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، ....
فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والإيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان فأبشروا بالمذلة والهوان ...
"فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون"
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ...
فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم مالنا وعليكم ما علينا، وإن خلفتم هلكتم، ....
فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة ، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة ؛ وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة،...
فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير المذلة ما لملوكم علينا من سبيل،....
فلا تطيلو الخطاب، واسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون مناجاها ولا عزاً ولا كافياً ولا حرازاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، ....
فقد انصفناكم إذ راسلناكم، وايقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى.
ألا قل لمصر ها هُلاوُن قد أتى
بحدّ سيوف تُنضى وبواتر
يصير أعز القوم منا أذلة
ويُلحق أطفالاً لهم بالأكبر 》.
-------------------------------------------------------------------
*السلطان سيف الدين قطز .. على الصلابي ص 71- 67
* التتار من البداية إلى عين جالوت .. راغب السرجانى ص132-128 . doc
-------------------------------------------------------------------
قطز يعقد مجلس شورى حربي
كل التفاعلات:
٦٠

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list