تاريخ الدولة الأموية (5)
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه . متابعة
--------------------------------------------------------------
إسلام معاوية رضي الله عنه
أسلم معاوية مع أبيه وأخيه يزيد رضي الله عنهم يوم الفتح هذا على المشهور،
ولكن يروى عنه أنه قال :
" أسلمت يوم القضية ـ أي عمرة القضاء سنة 7 هـ ـ ولكن كتمت إسلامي من أبي، ثم علم بذلك، فقال لي: هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه فقلت له: لم آل نفسي جهدا ، ..
ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي، فجئته فرحب بي وكتبت بين يديه " (*الوحي)
، وشهد معاوية ـ رضي الله عنه ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً وأعطاه مائة من الأبل وأربعين أوقية من الذهب .
وقد ذكر العلماء لمعاوية رضي الله عنه فضائل كثيرة من هذه الفضائل:
1 ـ من القرآن الكريم:
فقد اشترك معاوية رضي الله عنه في غزة حنين قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) التوبة ، الآية : 26.
ومعاوية رضي الله عنه من الذين شهدوا غزوة حنين وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أنه ممن وعدهم الله الحسنى:
قال تعالى:
(لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد ، الآية : 10.
ومعاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى، فإنه أنفق في حنين والطائف وقاتل فيهما .
2 ـ من السنة:
☆أ ـ دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعله هادياً ، مهدياً ، واهد به .
وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب .
☆ب ـ ما أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
《قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف الباب،..
قال: فجاء فحطأني حطأةً وقال اذهب وادع لي معاوية،
قال : فجئت فقلت: هو يأكل،
قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية،
قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه 》
قال النووي معلقاً على هذا الحديث:
" وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة دعاء له "
ولذلك قال ابن عساكر عن حديث لا أشبع الله بطنه: أصح ما روي في فضل معاوية.. وبعده حديث.. اللهم علمه الكتاب، وبعده حديث.. اللهم اجلعه هادياً مهدياً .
وعن الحديث نفسه قال الذهبي:
" قلت: لعل أن يقال، هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم من لعنته أو سببته، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة" .
وقال الألباني:
"قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل في لا أشبع الله بطنه: أنها كلمة جرت على عادة العرب نحو قاتله الله ما أكرمه ، ويل أمه وأبيه ما أجوده ، مما لا يراد معناه " ...
☆ جـ ـ ما أخرجه البخاري من طريق أنس بن مالك ، عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت :
" نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما اضحكك؟
قال: أناس من أمتي عرضوا علي، يركبون هذا البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة،
قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجباها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين،
قال أنس : فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فقُرِّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت ".
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله : ناس من أمتي عرضوا على غُزاة.. يشعر بأنه ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة .
☆د ـ ما أخرجه البخاري من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت:
"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ،
قالت : يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا ."
قال المهلب معلقاً على هذا الحديث:
"في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ".
وكان معاوية رضي الله عنه يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زعماء القبائل ،..
وكتابة معاوية الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتاح له لون من القرب الطبيعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة التي أعقبت فتح مكة حتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يستتبع بالضرورة التأثر بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والأخذ المباشر منه .
--------------------------------------------------------------------
رواية معاوية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يعد معاوية رضي الله عنه من الذين نالوا شرف الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرد ذلك إلى ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وكان عمره في فتح مكة حوالي ثماني عشرة سنة ، ...
ولكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاتبه فقد أتيحت له فرصة عظيمة مكنته من الاستفادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
هذا وقد روى معاوية رضي الله عنه مائة وثلاثة وستين حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق له البخاري ومسلم على أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة ، ومن هذه الأحاديث التي رواها معاوية رضي الله عنه :
☆1 ـ دخل معاوية على عبد الله بن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر، ولم يقم ابن الزبير فقال معاوية: مَهْ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يمثل له عباد الله قياماً، فليتبوَّأ مقعده من النار .
☆2 ـ عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين .
☆3 ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم ، قالوا: جلسنا نذكر الله عزل وجل قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إنِّي لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسبم أَقلَّ عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله عز وجل، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ علينا بك، قال: آللهِ ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: أما إنيِّ لم استحلفكم تهمة لكم، وإنَّه أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أنّ الله عز وجل يباهي بكم الملائكة .
☆4 ـ عن معبد الجهني، قال: كان معاوية قلّما يُحدِّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ويقول هؤلاء الكلمات قلَّما يدعهنَّ أو يحدِّثُ بهنَّ في الجمع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإن هذا المال حُلوٌ خضرٌ فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه، وإياكم والتمادح، فإنَّهُ الذبح .
☆5 ـ عن عبد الرحمن بن عبد عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شَرِب الخمر ، فاجلدوه، فإن عاد، فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد الرّبعة، فاقتلوه .
☆6 ـ عن عيسى بن طلحةقال سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤذِّنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة .
☆7 ـ عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصَّر من شعره بمشقص فقلنا لابن عباس: ما بلغنا هذا إلا عن معاوية، فقال: ما كان معاوية على رسول الله متهماً.
☆8 ـ عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنَّه سمع معاوية يخطب بالمدينة يقول:: يا أهل المدينة، أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء ولم يفرض علينا صيامه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم فإني صائم، فصام النَّاس بداية.
☆9 ـ عن الحَكَم بنِ ميناء أن يزيد بن جارية الأنصاري أخبره أنه كان جالساً في نفر من الأنصار، فخرج عليهم معاوية، فسألهم عن حديثهم، فقالوا: كُنَّا في حديث من حديث الأنصار فقال معاوية: ألا أَزِيدكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبَّ الأنصار أحبَّهُ الله عز وجل، ومن أبغض الأنصار، أبغضه الله عز وجل .
☆10 ـ عن أبي صالح عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية .
☆11 ـ قال محمد بن كعب القُرَظي، سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصَّلاة: اللَّهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجَدُّ .
☆12 ـ عن أبي بردة عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفَّر الله عنه به من سيِّئاته .
☆13 ـ وعن معاوية رضي الله عنه قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقِّ لا يرضهم من خالفهم حتي يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس .
☆14 ـ وعن معاوية بن أبي سفيان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نسي شيئاً من صلاته فليسجد سجدتين وهو جالس .
☆15 ـ وعن معاوية بن أبي سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار .
☆16 ـ حدّثنا روح، قال: حدّثنا أبو أميّة عمرو بن يحي بن سعيد قال: سمعت جدِّي يُحَدِّث أن معاوية أخذ الإِداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها واشتكى أبو هريرة فبينما هو يوضيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إليه مرة أو مرتين وهو يتوضأ، فقال: يا معاوية إن وليت أمراً فاتق الله عز وجل واعدل، قال: فما زلت أني مُبتلىً بعملٍ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى ابتُليتُ .
---------------------------------------------------------------------
من الأحاديث الباطلة التي لا تصح في شأن معاوية مدحاً وذماً :
1 ـ من الأحاديث الباطلة التي لا تصح في مدح معاوية :
وقد ساق ابن عساكر في ترجمته لمعاوية أحاديث واهية
وباطلة طوّل بها جداً ، فمن الأباطيل المختلفة
● ـ عن واثلة مرفوعاً: كاد معاويةأن يبعث نبياً من حلمه وائتمانه على كلام ربي .
● ـ وعن أبي موسى: نزل عليه الوحي، فلما سُرِّي عنه، طلب معاوية، فلما كتبها ـ يعني آية الكرسي . قال: غفر الله لك يا معاوية ما تقدم إلى يوم القيامة .
● ـ وعن أنس: هبط جبريل بقلم من ذهب، فقال يا محمد: إن العليَّ الأعلى يقول: قد أهديت هذا القلم من فوق عرشي إلى معاوية، فمره أن يكتب آية الكرسي به ويشكله ويعجمه، فذكر خبراً طويلاً .
● ـ وعن ابن عباس، قال: لما أنزلت آية الكرسي، دعا معاوية فلم يجد قلماً، وذلك أن الله أمر جبريل أن يأخذ الأقلام من دواته، فقام ليجيء بقلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذ القلم من أذنك، فإذا قلم ذهب مكتوب عليه لا إله إلا الله، هدية من الله إلى أمينه معاوية .
● ـ وعن حذيفة مرفوعاً: يبعث معاوية وعليه رداء من نور الإيمان .
● ـ وعن أنس مرفوعاً: لا أفتقد أحداً غير معاوية، لا أراه سبعين عاماً، فإذا كان بعد أقبل على ناقة من المسك، فأقول: أين كنت؟ فيقول في روضة تحت العرش .
● ـ وعن ابن عمر مرفوعاً: يا معاوية، أنت مني وأنا منك، لتزاحمنِّي على باب الجنة .
قال الذهبي بعد ذكر هذه الأحاديث وغيرها: فهذه الأحاديث ظاهرة الوضع والله أعلم . وقد ذكر أكثر هذه الأحاديث الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، وقال ابن كثير بعد أن ذكر حديثاً منها وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة ، والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبِّهُ عليها وعلى نكارتها وضعف حالها .
2 ـ من الأحاديث الباطلة في ذم معاوية:
قال ابن الجوزي: قد تعصب قوم ممن يدعي السنة فوضعوا في فضله أحاديث ليغضبوا الرافضة وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح ومن الأحاديث الواهية في ذمه:
● ـ الحديث المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي فطلع معاوية. وقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخرج ولم يسمع الخطبة، ...
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله القائد والمقود، أي يوم يكون للأمة مع معاوية ذي الإساءة 》
وهذا الحديث لا يصح وهو كذب على رسول الله، وهو من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث التي يرجع إليها في معرفة الحديث، ولا له إسناد معروف ،
ثم من المعلوم من سيرة معاوية أنه كان من أحلم الناس، وأصبرهم على من يؤذيه، وأعظم الناس تأليفاً لمن يعاديه، فكيف ينفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه أعظم الناس مرتبة في الدين والدنيا، وهو محتاج إليه في كل أموره؟!
فكيف لا يصبر على سماع كلامه وهو بعد المُلك يسمع كلام من يسبّه قي وجهه، فلماذا لا يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كاتباً من هذه حالة؟! .
---------------------------------------------------------------------
دور بني أمية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أسلم الكثير من رجال بني أمية منذ بداية الدعوة، وتضحياتهم وهجرتهم إلى الحبشة معروفة، وقد أسلم جميع بني أمية عند فتح مكة، ورحيب الرسول صلى الله عليه وسلم بهم وفرح بإسلامهم،
والاعتماد عليهم في جلائل الأعمال
وقد أفسح لهم مكاناً في دولته لتستفيد بجهودهم ومقدرتهم،واعتمد عليهم في جلائل الأعمال ..
وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم لآبي سفيان ميزة لم يعطها أحد من أهل مكة، حين قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، وهذا شرف كبير حازه أبو سفيان يدل على تقدير الرسول للزعماء وأصحاب الكلمة في قومهم،
واستعمل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان على نجران، واتخذ ابنه معاوية كاتباً له .
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس، أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمره حتى يقاتل الكفار كما كان يقاتل المسلمين، وأن يجعل معاوية كاتباً بين يديه،
فاستجاب له النبي صلى الله عليه وسلم ،
وكان أول وال على مكة بعد فتحها رجل من بني أمية، هو عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس ،
يروى ابن إسحاق عن زيد بن أسلم أنه قال:
" لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهما ً: فقال أيها الناس: أجاع الله كبد من جاع على درهم(*يعني من لم يكفه دهم ليوم ) فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهماً فليست بي حاجة إلى أحد "
كما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية على قرى خيبر ووادي القرى وتيماء وتبوك، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو عليها ،
كما استعمل الحكم بن سعيد بن العاص على سوق مكة ، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء ،
واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على البحرين، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليها ،
كما كان أبان وخالد إبنا سعيد بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان إضافة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهم ـ من كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم .
وخلاصة القول :
فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُعظم رجالات بني أمية على مختلف الأعمال، من الولاية والكتابة، وجباية الأموال، ..
ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر منهم ،
واستعمال النبي صلى الله عليه وسلم لأكثر رجال بني أمية، أكبر دليل على كفاءتهم وأمانتهم .
--------------------------------------------------------------------
لماذا ترددون : من الطلقاء من الطلقاء ؟!
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء ، فهذه الكلمات، جعل بعض الناس منها سبة في جبين بني أمية وحدهم، وجعلوا يعيرونهم بأنهم الطلقاء وأبناء الطلقاء،
ولم يفهموا أن هؤلاء الطلقاء وأبناءهم قد أسلموا وحسن إسلامهم، وكانت لهم مواقف مشهودة في نصرة الإسلام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده في الفتوحات في عهد خلفائه الراشدين ،
ونحب أن نشير إلى عدة نقاط متعلقة بوصف الطلقاء منها:
1 ـ إن هذا الاتهام وليد عصر الخصومة الحزبية الحادة، لما تفجرت الأحقاد ضد بني أمية في أواخر عهد عثمان رضي الله عنه وبعد بروز نجم معاوية بن أبي سفيان وخلافه مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه،..
حيث أصبح ذلك الوصف يعني عندهم أنهم قوم ضعاف الإيمان، دخلوا الإسلام رغبة في غنائمه، أو رهبة من القتل، ليكيدوا لأهله ويفيدوا أنفسهم.
2 ـ أن أبا سفيان بن حرب وابنه معاوية ليسا من الطلقاء بالمعنى الدقيق السابق لهذه الكلمة فقد أسلم أبو سفيان قبيل فتح مكة والرسول وجيشه بمر الظهران خارجها، وقد جاء فور إسلامه يدعو قومه إلى المسالمة والفتح،
أما معاوية ابنه فقد أكدت بعض الروايات أنه أسلم قبل الفتح أيضاً، غير أنه كان يخفي إسلامه، ـ شأن بعض الناس آنذاك ـ لمكانته من أبيه الذي كان يقود القتال ضد المسلمين،
فقد روى أنه أسلم سراً يوم عمرة القضاء، أو عام الحديبية ، وإنما وضعهم المؤرخون في زمرة هؤلاء الطلقاء لقرب وقت إسلام أبي سفيان من الفتح، ولأنه كان زعيم مكة الذي ارتبط إسلامه بإسلامها، كما أن معاوية كان إسلامه سراً لم يشع، ولم يعرف إسلامه إلا مع الطلقاء بعد فتح مكة.
3 ـ إن وصف الطلقاء لا يقتضي الذم ؛ فإن الطلقاء هم مسلمة الفتح الذين أسلموا عام فتح مكة وأطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا نحوا من ألفي رجل، ومنهم من صار من خيار المسلمين ...
كالحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، ويزيد بن أبي سفيان وحكيم بن حزام، وأبي سفيان بن الحارث، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يهجوه ثم حسن إسلامه، وعتاب بن أسيد الذي ولاه النبي مكة لما فتحها، وغير هؤلاء ممن حسن إسلامهم.
4 ـ إن النظرة الإسلامية في هذا الشأن أن الإسلام يجب ما قبله، ويفسح المجال للإفادة من جميع الطاقات والقدرات ويدفع بها نحو تحقيق غاياته الكبرى، وينزل الناس منازلهم، وأن خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا،
ولم يمنع تأخر إسلام خالد وعمرو بن العاص من تبوئهما المكانة العالية عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل عمراً أميراً على ذات السلاسل، وسمّى خالداً سيف الله..
هذا مع حفظ المكانة الأسمى والمنزلة العظمى للسابقين الصادقين في الإسلام، ومن هؤلاء السابقين كان جماعة من بني أمية وغيرهم، كما كان من الطلقاء بني أمية وغيرهم .
---------------------------------------------------------------------
معاوية في عهد أبي بكر و عمر رضي الله عنهم .
تابعوا ----
إرسال تعليق