سيرة الصديق أبى بكر رضي الله عنه 🚩 (6)

 سيرة الصديق أبى بكر رضي الله عنه



🚩 (6)
إذا فاتك خير فأدركه، وإن أدركك فاسبقه
-------------------------------------------------------------------
🔸 أبو بكر رضي الله عنه في الهجرة النبوية المباركة -------------------------------------------------------------------
إشتد أذى قريش للمسلمين ، ونالت منهم ؛ فمنهم من هاجر الى الحبشة مرة أو مرتين فراراً بدينه..ومنهم من هاجر إلى المدينة بعد بيعتي العقبة ؛ ولم يبق في مكة إلا النبي ﷺ ينتظر الأمر من الله ومعه أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب و القليل من المسلمين ..
وقد تقصّد النبي ﷺ تأخير أبا بكر ليكون صاحبه في السفر، وفي الليلة التي أذن الله بها لنبيه كانت قريش في اجتماع دار الندوة، وقد اتخذوا قرارهم بقتل النبي ﷺ ،
ومن المعلوم أن أبا بكر استأذن النبي ﷺفي الهجرة فقال له : (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً) (*1)
فكان أبوبكر يطمع أن يكون في صحبة النبي ﷺ ...
وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها تحدثنا عن هجرة رسول الله ﷺ وأبيها أبو بكر رضي الله عنه حيث قالت :
{ كان لايخطئ رسول الله ﷺ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله ﷺ في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله ﷺ بالهاجرة (*بعد الظهر)، في ساعة كان لايأتي فيها ...
قالت : فلما رآه أبوبكر، قال: ماجاء رسول الله ﷺ هذه الساعة إلا لأمر حدث.
قالت : فلما دخل، تأخر له أبوبكر عن سريره فجلس رسول الله ﷺ وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله ﷺ أخرج عني من عندك .
فقال: يارسول الله، إنما هما إبنتاي، وماذاك فداك أبي وأمي !
فقال : إنه قد أذن بي في الخروج والهجرة .
قالت : فقال أبوبكر : الصحبة يارسول الله؟ قال: الصحبة.
قالت : فوالله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أحد يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ،...
ثم قال : يانبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا فاستأجرا عبد الله بن أرقط رجلاً من بني الديل بن بكر ، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركاً -يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما .} ...(*2).
وجاء في رواية البخاري عن عائشة في حديث طويل تفاصيل مهمة وفي ذلك الحديث :
{......قالت عائشة : فبينما نحن يوماً جلوساً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله ﷺ متقنعاً (*مغطيا رأسه)، في ساعة لم يكن يأتينا فيها ،....
فقال رسول الله ﷺ لأبي بكر : أخرج من عندك، فقال أبوبكر : إنما هم أهلك.
فقال: فإني قد أذن لي في الخروج ..
فقال أبوبكر : الصحبة بأبي أنت يارسول الله قال رسول الله ﷺ : نعم،....
قال ابوبكر: فخذ بأبي أنت يارسول الله إحدى راحلتي هاتين، .. قال رسول الله ﷺ : بالثمن، (* يعني أشتريها)
قالت عائشة : فجهزناهما أحسن الجهاز، ووضعنا لهم سفرة في جراب، فقطمت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين،...
ثم لحق رسول الله ﷺ وأبوبكر بغار في جبل ثور، فكمنا (*استخفيا) فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف (*ذكي وفطن)، لقن (*حسن التلقى لما يسمعه)، فيدلج (*يسير) من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتادان(*يكاد لهما) به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام،...
ويرعى عليهما حيث تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل - وهو لبن منحهما ورضيفهما (*لبن في حجارة محماة)...
ينعق (*ينادي الغنم ويزجرها) بها عامر بن فهيرة بغلس (*آخر الليل) يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، ....
واستأجر رسول الله ﷺ وأبوبكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد ابن عدي -هادياً خريتا- والخريت الماهر- قد غمس حلفاً (تحالف معهم على الأمن) في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، ....
وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل .}..(*3).
👌 لم يعلم بخروج رسول الله ﷺ أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب، وأبوبكر الصديق، وآل أبي بكر، وجاء وقت الميعاد بين رسول الله ﷺ ابي بكر ﷺ ، فخرجا من خوخة(باب صغير)، لأبي بكر في ظهر بيته، وذلك للإمعان في الاستخفاء حتى لاتتبعهما قريش، وتمنعهما من تلك الرحلة المباركة، ... (*4)
وقد اتعدا مع الليل على أن يلقاهما عبدالله بن أريقط في غار ثور بعد ثلاث ليال (*5)،
وقد دعا النبي ﷺ عند خروجه من مكة الى المدينة، ووقف عند خروجه بالحزورة في سوق مكة وقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله الى الله، ولولا أني أخرجت منك ماخرجت).. ....(*6 ؛*7).
ثم أنطلق رسول الله وأبوبكر والمشركون يحاولون أن يقتفوا آثارهم حتى بلغوا الجبل -جبل ثور- اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرآوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه (*8)،
وهذه من جنود الله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} (سورة المدثر، الآية:31).
وبالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله  فإنه لم يرتكن إليها مطلقاً، وإنما كان كامل الثقة في الله، عظيم الرجاء في نصره وتأييده، دائم الدعاء بالصيغة التي علمه الله إياها ....(*9)
قال تعالى:
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} الاسراء : 80
وفي هذه الآية الكريمة دعاء يُعلّمه الله عز وجل لنبيه ﷺ ليدعوه به، ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وكيف تتجه إليه؟ دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج، كناية عن صدق الرحلة كلها، بدئها وختامها، أولها وآخرها ومابين الأول والآخر،
وللصدق هنا قيمته بمناسبة ماحاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه ليفترى على الله غيره، وللصدق كذلك ظلاله: ظلال الثبات، والاطمئنان والنظافة الاخلاص : {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قوة وهيبة استعلى بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين،
وكلمة {مِنْ لَدُنْك} تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء الى حماه.
وصاحب الدعوة لايمكن أن يستمد السلطان إلا من الله، ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله ....(*10).
وعندما أحاط المشركون بالغار، أصبح منهم رأي العين طمأن الرسول ﷺ الصديق بمعية الله لهما :
فعن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قلت للنبي ﷺ وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: ماظنك ياأبابكر باثنين الله ثالثهما ... .(*11)؟
وسجل الحق عز وجل ذلك في قوله تعالى:
{إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
سورة التوبة : 40.
وبعد ثلاث ليال من دخول النبي ﷺ في الغار خرج رسول الله وصاحبه من الغار، وقد هدأ الطلب، ويئس المشركون من الوصول الى رسول الله ﷺ ، ...
وقد قلنا أن رسول الله ﷺ وأبا بكر قد استأجرا رجلاً من بني الديل يسمى عبد الله بن أريقط وكان مشركاً وقد أمِناهُ فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما وقد جاءها فعلاً في الموعد المحدد وسلك بهما طريقاً غير معهودة ليخفي أمرهما عمن يلحق بهم من كفار قريش. ...(*12)،
وفي أثناء الطريق الى المدينة مرّ النبي ﷺ بأم معبد(*عاتكة بنت كعب الخزاعية)، في قديد (*وادي قديد يبعد عن الطريق المعبد حوالي ثمانية كيلومترات)، حيث مساكن خزاعة،..
وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثر: (وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضاً) .....(*13).
وقد أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه من يأتي بالنبي ﷺ حياً أو ميتاً فله مائة ناقة وانتشر هذا الخبر عند قبائل العرب الذين في ضواحي مكة وطمع سراقة بن مالك بن جعشم في نيل الكسب الذي أعدته قريش لمن يأتي برسول الله ﷺ فأجهد نفسه لينال ذلك، ولكن الله بقدرته التي لايغلبها غالب، جعله يرجع مدافعاً عن رسول الله ﷺ بعد أن كان جاهداً عليه .... ...(14).
ولما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله  من مكة، كانوا يفدون كل غداة الى الحرة، فينتظرون حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم...
فلما أووا الى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم (حصن) من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله ، وأصحابه مبيضين (*عليهم ثياب بيض)، يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته، يامعشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون،...(*يعنى حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه)
فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله  بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عوف، وذلك يوم الخميس الثاني(*15) من شهر ربيع الأول (*16)، فقام أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله ﷺ عند ذلك ....(*17).
كان يوم وصول الرسول ﷺ وأبي بكر الى المدينة يوم فرح وابتهاج لم تر المدينة يوماً مثله، ولبس الناس أحسن ملابسهم كأنهم في يوم عيد، ولقد كان حقاً يوم عيد، لأنه اليوم الذي انتقل فيه الاسلام من ذلك الحيز الضيق في مكة الى رحابة الانطلاق والانتشار بهذه البقعة المباركة المدينة، ومنها الى سائر بقائع الأرض ...
لقد أحس أهل المدينة بالفضل الذي حباهم الله به، وبالشرف الذي اختصهم الله به، فقد صارت بلدتهم موطناً لإيواء رسول الله وصحابته المهاجرين ثم لنصرة الاسلام كما أصبحت موطناً للنظام الاسلامي العام التفصيلي بكل مقوماته....
ولذلك خرج أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج ويقولون يا رسول الله يا محمد يا رسول الله .... ... (*18)،
وبعد هذا الاستقبال الجماهيري العظيم الذي لم يرد مثله في تاريخ الانسانية سار رسول الله ﷺ حتى نزل في دار أبي أيوب الانصاري رضي الله عنه (*19)، ونزل الصديق على خارجة بن زيد الخزرجي الأنصاري.
وبدأت رحلة المتاعب والمصاعب والتحديات، فتغلب عليها رسول الله  للوصول للمستقبل الباهر للأمة والدولة الاسلامية التي استطاعت أن تصنع حضارة إنسانية رائعة على أسس من الإيمان والتقوى والإحسان والعدل بعد أن تغلبت على اقوى دولتين كانتا تحكمان في العالم، وهما الفرس والروم . ....(*20)،
وكان الصديق رضي الله عنه الساعد الأيمن لرسول الله  منذ بزوغ الدعوة حتى وفاته ﷺ وكان ابوبكر ينهل بصمت وعمق من ينابيع النبوة: حكمة وإيماناً، يقيناً وعزيمة، تقوى وإخلاصاً، ...
فوقف مواقفه المشهودة بعد وفاة رسول الله ﷺ في سقيفة بني ساعدة وغيرها من المواقف وبعث جيش أسامة وحروب الردة، فأصلح مافسد، وبنى ماهُدم، وجمع ماتفرق، وقوّم ما إنحرف .....(*21)-------------------------------------------------------------------



    إرسال تعليق

    Post a Comment (0)

    أحدث أقدم

    التاريخ الاسلامى

    2/recent/post-list