تاريخ الدولة العباسية (6)
-----------‐------‐------------------------------------
🔹️ ملخص ما سبق :
خرج أبو العباس يوم الجمعة (۱۳ ربيع الأول ١٣٢ ه) فصلي بالناس وكان في خطبته بعد حمد الله والثناء عليه أن افتخر بقرابته من رسول الله ، وندد بحكم بني أمية فقال :
{ أيها الناس بنا هدى الله العباد بعد ضلالتهم ، ونصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق، وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وأتم النقيصة،
وثب بنو حرب ومروان، فابتزوها لأنفسهم وتداولوها، فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، ... فأملى الله لهم حيناً، ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾، فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا ...
يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح الهائج، والثائر المبير. } ..
👌 وبسبب هذه الجملة الأخيرة لقب بالسفاح . (*1)
جمع العباسيون السياسة مع الدين فأحاطوا أنفسهم بالعلماء والفقهاء، وارتدوا بردة الرسول صلى الله عليه وسلم كرمز لسلطتهم الدينية، واتخذوا فكرة المهدي شعارر لهم . واعتمدوا على نظرية الإمامة .. وقد أعطت هذه السياسة الدينية، للخلافة العباسية، مسحة من القداسة .
واتبع الخلفاء العباسيون بعض العادات الفارسية مثل : الاستئثار بالسلطة، الاحتجاب عن الناس، كما وجدت طريقة خاصة للتسليم على الخليفة مثل: الانحناء، وتقبيل الأرض أو ذيل الثوب ..
وتأثرت حياة الخلفاء، وأساليبهم في العمل، وطريقتهم في الحكم، بالأساليب الفارسية، وطغت على نظمهم الإدارية تقاليد الديوان الفارسي،
👌 كان معظم الوزراء العباسيين كانوا من أسر فارسية، كالبرامكة، وبني سهل، وبني طاهر ، وبني الفرات، وبني خاقان وغيرهم، .. واتبع الوزراء والكتاب ورجال الدولة
التقاليد الفارسية القديمة في العمل والمراسلات .
وقد انتهجت دولة الخلافة العباسية ، منذ قيامها، سياسة مشرقية واضحة، وتطلعت بوجهها إلى خراسان مهد نشأتها،.
وشکل نقل العاصمة من دمشق إلى بغداد ، تراجعا للنشاط الحربي الكبير الذي شهده العصر الأموي على الجبهة الغربية ونتيجة لهذا التراجع تولت الإمارات الإسلامية في المغرب والأندلس مسؤولية الدفاع عن الحوض الغربي للبحر .
وانصرف العباسيون، بشكل عام، نحو الشرق ؛ونمت البحرية الإسلامية في المحيط الهندي، لتؤدي دورا تجاريا متميزا، و ضعف النفوذ العباسي في المغرب الإسلامي مما أدى إلى انفصال تلك الأطراف الغربية عن السلطة المركزية،. (*2)
... انتهى ملخص الفقرة السابقة ...
------------------------‐--‐------------------‐---------‐-----------
🔸️ كان السفاح إذ ذاك موعوکا فاشتد به الوعك فجلس على المنبر وصعد داود بن على عمه وكان من أفصح بني العباس فخطب خطبة أخرى طويلة و فصيحة جاء فيها: إنا والله ما خرجنا في هذا الأمر نستکثر لجينا ولا عقيانا ولا نحفر نهرا ولا نبنى قصرا، وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقنا ... إلخ
بعد أن تمت الخطبتان والصلاة خرج السفاح إلى القصر وأجلس أخاه أبا جعفر ليأخذ.البيعة على الناس في المسجد، فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ، ثم صلی
بهم المغرب وجنهم الليل فدخل.
ثم خرج أبو العباس إلى المعسكر بحمام أعين واستخلف
على الكوفة عمه داود بن على بعد أن بلغوا هذا المبلغ بقي عليهم أن يقضوا على مروان بن محمد والقوة العظمى التي
بالجزيرة وعلى ابن هبيرة والقوة التي معه بواسط.
كان مروان بحران معه قوة عظيمة ومنها سار حتى أتي الموصل فاختار أبو العباس من أهل بيته عمه عبد الله بن على ليكون قائدا للجنود التي اختيرت لحرب مروان. وكان
ملتقى هذين الجيشين على نهر الزاب الأعلى وهو أحد روافد نهر دجلة يأتيها من الشرق،..
وكانت الواقعة شديدة جدا انتهت بانتصار عبد الله وجنده فهرب مروان واحتوى عبد الله معسكره كله وذلك لإحدى عشرة خلون من جمادى الآخرة (سنة ۱۳۲) وكان مع مروان
من الجنود (۱۲۰ الفا) من نخبة أهل الشام وخيرة جنودها.
إنهزم مروان حتى أتي حران وعاملها ابن أحيه أبان بن يزيد بن محمد فأقام بها نیفا وعشرين يوما، ولما دنا منه عبد الله
رحل عنها بأهله وولده وقدم عبد الله فلقيه أبان متوددا له ودخل في طاعته فأمنه و كل من كان بحران والجزيرة.
مضى مروان حتى أتي قنسرين وعبد الله يتبعه ثم مضى منها إلى حمص، ثم أتي دمشق وعليها الوليد بن معاوية بن مروان، فلما أحس باقتراب عبد الله رحل عنها فجاءها عبد الله ودخلها عنوة معترضا أهلها وقتل الوليد بن معاوية أميرها فيمن قتل .
مر مروان بالأردن وفلسطين ومضى حتى أتى الفسطاط ومنه خرج إلى بوصير وهي قرية من مركز الواسطى بني سويف.
أما عبد الله بن على فجاءه كتاب من أبي العباس يأمره أن يوجه صالح بن علي في.ملاحقة مروان فسار صالح في ذي القعدة (سنة ۱۳۲) وكان على ساحل البحر والسفن حذاء له . حتى وصل إلى مصر ومن هناك سار حتى أتي بوصير وهناك قتل مروان بن محمد لثلاث بقين من ذي الحجة (سنة ۱۳۲) وبقتله انتهت دولة بني أمية من المشرق وتوطدت دعائم الدولة .
وأما يزيد بن عمير بن هبيرة فإنه لما انهزم من جيش خراسان اتی واسطا وتحصن بها،.وكان مستشاروه قد أشاروا عليه بأن يذهب إلى الكوفة فيقاتل حتى يقتل أو يظفر وحذروه من البقاء في واسط كيلا يصير في حصار وليس بعد الحصار إلا القتل، فخالف تلك الشورى وأقام بها ..
فسير أبو سلمة الخلال ؛ الجيوش تحت قيادة الحسن بن قحطبة فكانت بينهم وقائع ثم احتمى ابن هبيرة ومن
معه بحصونهم . ولما طال الأمر أرسل أبو العباس أخاه أبا جعفر على الجيش فاحتدم القتال بين الفريقين وظلوا هكذا أحد عشر شهرا .
ولما علم ابن هبيرة بمقتل مروان بن محمد طلب من معه الصلح وجرت السفراء بينه وبين أبي جعفر حتى جعل له أمانا وكتب به کتابا مکث يشاور العلماء فيه أربعين ليلة حتى رضيه ابن هبيرة ثم أنفذه إلى أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر
إلى السفاح فأمر بإمضائه ؛..
وكان رأى أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه، وكان السفاح لا يقطع أمرا دون أبي مسلم فكتب أبو مسلم إلى السفاح يقول له : إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد لا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة .
ولما تم الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر فدخل عليه وحادثه ساعة وبعد أيام أمر أبو جعفر بقتل ابن هبيرة ومداد الأمان لم يجف وقتل معه عدة من وجوه أصحابه ورثاه
منقذ بن عبد الرحمن الهلالي بقوله :
منع العزاء حرارة الصدر والحزن عقد عزمه الصبر
أفني الحماة الغر أن عرضت دون الوفاء حبائل الغدر
وبقتل ابن هبيرة انطفأ مصباح الدولة الأموية .
-----------------------
🔹️ قامت الدولة العباسية ودخل في حوزتها هذا الملك الطويل العريض الذي وضع أساسه أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاد بنيانه أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب ومكن قواعده وزان جوانبه بنو أمية ..
قامت هذه الدولة باسم الدين ؛ والسلاح الذي استعمل فيها للتأثير في العقول هو إعادة الأمر لآل محمد و انتزاعه من آل مروان الذين وصفهم الداعون بما شاؤوا من صفات النقص والبعد عن الدين ووضعوا في ذمهم أحاديث أسندوها إلى رسول الله و لا يعرفها رجال النقد من المحدثين . !!
كان ذلك السلاح يصل إلى شغاف القلوب فيثيرها من مكمنها.
واختار القوم لغرس دعوتهم بلاد كانت من قبل مهدا للتشيع وحب آل البيت وهي الكوفة و خراسان ؛ فقديما قامت بلاد العراق بنصر على بن أبي طالب وقامت لتثأر بالحسين بن على
وجاهدت في نصرة زيد بن الحسين وابنه يحيى، فلم تترك فرصة لذلك إلا انتهزتها...
ثم اختاروا بلاد خراسان لتكون مشرقا لقوتهم وأذاعوا في ذلك أحاديث كثيرة فأعدوا قلوب أهليها لذلك. وكان الذين دخلوا في الإسلام من الفرس أقرب من غيرهم إلى التأثر بآراء
الشيعة لأنهم لا يفرقون بين خلافة وملك وكان الملك عندهم ينال بالإرث وهو منحة يمنحها الله للأسرة المالكة ؛ فمن عارضها فيه فهو خارج عليها يستحق المقت واللعنة ؛ فإذا ألقى إليهم في التعاليم أن بني أمية غصبوا أهل بيت النبي حقهم سهلت إلى ذلك إجابتهم واعتقدوا أن بني أمية يجب قتالهم وتخليص هذا الحق المقدس منهم، ..
👌 ولهذا كان من الوصايا التي بنيت عليها سياسة الدعوة العباسية:
(إن قدرت ألا تبقي بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل).
وهي وصية لم تلاحظ فيها العواقب البعيدة وإنما لوحظت فيها الفوائد العاجلة .
وفوق ما تقدم كانت أمة الفرس ذات تاريخ عظيم قديم وكانت لها السيادة على أكثر الأمم العربية بالعراق واليمن ثم رأوا دولتهم قد دالت وصاروا موالي للعرب يتحكم العرب
في رقابهم وفي أموالهم ؛ فوجدوا أن هذه فرصة يستردون بها شيئا مما كان لهم من العظمة التاريخية ويذلون هؤلاء العرب الذين سطوا عليهم، فرأوا أنهم بمساعدتهم لهذه الدولة
الجديدة يكونون أصحاب الكلمة المسموعة فيها والسلطان النافذ.
👌 وتأثير هذا السبب في الخاصة أكثر منه في العامة : فهذا النزاع كان في الحقيقة بين العرب والفرس لا بين بني أمية
وبني العباس وحدهم .
استعان القوم بأمر هذه الدعوة على عرب خراسان بما كان بينهم من الخلاف الذي أحيته العصبية الجاهلية، وهذه العصبيات عند العرب لا يمكن إخمادها إلا من طريق الدين ؛ وكان تأثيره قد ضعف إذ ذاك ..
على أن الأمراء كانوا يزيدون من سورته حدة كأنهم رأوا أن
سلطانهم لا يتم إلا إذا اجتمعت الأمة وقد أثبت التاريخ أن الأغبياء من الملوك والأمراء متى رأوا مصلحتهم في إيقاع الخلاف والتفرقة بين أممهم وعملوا بذلك يزول بسرعة
ملكهم ..
👌 استعمل في الوصول إلى إحياء الدولة العباسية عسف شديد جدا، فقد كان من الوصايا التي ألقيت إلى أبي مسلم: (واقتل من شككت فيه) ولا يخفى أن حزم أبي مسلم كان
يسوقه إلى كثرة الشك فيمن دخل تحت لوائه من عرب وعجم فلم يكن يتأخر لحظة في قتل من دخله أقل ريب فيه حتى وصل إلى غرضه، و هذه القاعدة أتت على أكبر رجال هذه الدولة وعلى أبي مسلم أيضا ؛
👌 وقد أحصى من قتله أبو مسلم صبرة فكان ستمائة
ألف.
ولم يكن القوم يأنفون من الغدر بمن ائتمنهم وهذا على خلاف ما كانت عليه العرب في.جاهليتهم وفي بدء إسلامهم وفي فتوحهم ، فقد كان الوفاء عندهم من ألزم ما يجب عليهم
ووصايا أمرائهم في ذلك معروفة مشهورة ، فلما دخل بينهم هؤلاء الأغنام سهلوا طريق الغدر بمن إئتمنهم على حياته ...
واستحقوا بذلك ما حلاهم به محمد بن على بن طباطبا في
كتابه المعروف بالفخرى في الآداب السلطانية قال : اعلم أن الدولة العباسية كانت دولة ذات خداع ودهاء وغدر وكان قسم التحيل والمخادعة فيها أوفر من قسم القوة والشدة . (*3)
------------------------------------------------------------------
🔸️ تقسیم تاریخ دولة الخلافة العباسية
حكمت دولة الخلافة العباسية قرابة ٥٢٤ عاما : (۱۳۲ ه - ٦٥٦ ه/ ٧٥٠م - ١٢٥٨ م)، وابتدأت بأبي العباس السفاح وانتهت بوفاة المستعصم، حيث زالت على أيدي المغول
ولم تكن هذه الفترة الزمنية على نمط واحد من حيث قدرات الدولة وقوة الخلافة .
اصطلح المؤرخون علی تقسیم تاریخ دولة الخلافة العباسية إلى أربعة عصور وفقا لقدرات الخلافة، وتطور أوضاعها السياسية وازدهار الحياة الثقافية والفكرية فيها ، وهي :
▪︎ العصر الأول :
هو عصر القوة والتوسع والازدهار
(۱۳۲ه - ۲۳۲ ه/ ۷٥٠م - ۸٤٧ م)
▪︎ العصر الثاني :
هو عصر النفوذ التركي
(۲۳۲ ه - ۳۳٤ ه/ ۸٤٧م - ٩٤٦م)
▪︎العصر الثالث :
هو عصر النفوذ البويهي الفارس
(۳۳٤ ه - ٤٤٧ ه/ ٩٤٦م - ۱٠٥٥ م)
▪︎ العصر الرابع :
النفوذ السلجوقي التركي
(٤٤٧ ه - ٦٥٦ ه/ ۱۰٥٥م - ۱۲٥٨م)
----------------
🚩 العصر العباسي الأول ( ۱۳۲ه - ۲۳۲ ه/ ۷٥٠ م - ۸٤٧ م )
ابتدأ هذا العصر بخلافة أبي العباس السفاح وانتهى بخلافة الواثق، وتميز بقوة الخلافة واستقلالها التام، وتركيز السلطات العليا في الدولة بيد الخلفاء الذين تمتعوا.بقدرات شخصية وسياسية وإدارية فذة، استطاعوا من خلالها المحافظة على وحدة.الدولة، وإخماد الفتن والثورات التي قامت في وجهها .
تمتع الفرس في هذا العصر بمكانة مرموقة في الدولة، وكان لنفوذهم الواسع تأثير كبير في توجيه سياستها، حتى سيطروا أخيرا على الجهازين الإداري والعسكري في بغداد والأقاليم الخاضعة لنفوذها، فأحكموا قبضتهم على قيادة الجيوش
والمناصب الإدارية الكبری کالوزارة والكتابة والولاية على البلدان .
وكان أفراد الجيش عونا للخلافة، وأداة طيعة في يد الخلفاء. وقد ختم هذا.الدور بانتهاء عهد الخلفاء الذين كانوا يقودون الجيوش بأنفسهم، ويخوضون غمرات.الموت ولا يستسلمون لداعي الترف المضني .
ومثل هذا العصر الزاهي كل من الخلفاء :
أبو العباس، المنصور، المهدي،الهادي ، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم والواثق .
🚩 العصر العباسي الثاني( ۲۳۲ ه - ۳۳٤ ه/ ۸٤٧ - ٩٤٦ م)
ابتدأ هذا العصر بخلافة المتوكل، وانتهى خلال عهد المستكفي، وتميز بضعف الخلافة وسقوط هيبتها شيئا فشيئا، حتى تجرأ أمراء الأطراف بالتخطيط للانفصال عنها . وأحكم الأتراك، في هذا العصر، قبضتهم على أجهزة الدولة. ومنذ عهد.المتوكل، بدأ الانحلال يتسرب إلى جسمها بفعل ازدیاد نفوذهم.
وكان هذا الانقلاب، من الحكم العربي إلى الحكم التركي، مظهرا من مظاهر الثورة التي شعرت بها معظم أجزاء الخلافة وأدت إلى إضعاف سلطة الخليفة ثم تلاشيها في النهاية .
وازداد ضعف الخلفاء في هذا العصر بفعل تفاقم خطر الدول المستقلة التي انفصلت عن جسم الخلافة ؛ فقد قویت شوكة علي بن بویه في فارس . ووقعت الري وأصفهان والجبال في يد أخيه الحسن بن بويه . واستقل الحمدانيون بالموصل ودیار بكر وديار ربيعة و مضر ؛ واستقل محمد بن طغج الأخشید بمصر والشام، واستحوذ أحمد الساماني على خراسان .
تقلصت، نتيجة ذلك، رقعة دولة الخلافة ، ولم يبق في أيدي الخلفاء إلا العراق وبعض مناطق فارس والأهواز ؛ إلا أن هذه الأقاليم التي ذكرت كانت تسودها الاضطرابات والفتن ؛ وآل الأمر إلى أن يتولى بغداد مملوك تركي أو ديلمي يطلق عليه
اسم «أمير الأمراء» له النفوذ التام والسلطان المطلق والولاية العامة وليس للخليفة من الأمر شيء ..
إلا أن الخلافة استعادت في الفترة بين عامي(۲٥٦ ه - ۲۹۰ ه) قدرا كبيرا من سلطتها وتشمل عهود الخلفاء، المعتمد والمعتضد والمكتفي .
وقد أطلق على هذه الفترة اسم فترة «صحوة الخلافة» .
ومثل هذا العصر كل من الخلفاء : المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتمد، المعتضد، المكتفي، المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، والمستكفي الذي ملك بنو بویه في عهده .
🚩 العصر العباسي الثالث(۳۳٤ ه - ٤٤٧ ه/٩٤٦ م - ١٠٥٥ م)
ابتدأ هذا العصر أثناء خلافة المستكفي، وانتهى أثناء خلافة القائم، وتميز بارتباطه بتاريخ البويهيين الذين كانوا أصحاب النفوذ الحقيقي والسلطان الفعلي في العراق. ولم يكن للخليفة إلا الاسم، وأضحى وكأنه موظف عندهم، يتناول منهم ما
يقيم به أوده وليس له حق التصرف في أي أمر من أمور الخلافة دون الرجوع إليهم وأخذ موافقتهم .
لقد فقد الخليفة نفوذه في هذا العصر يؤمر فيأتمر، ويفعل ما يطلب منه وليس له عليهم أي سلطان ديني لمخالفتهم له في المذهب، فقد كانوا شيعة غلاة، وإنما ارتضوا ببقاء منصب الخلافة خدمة لأغراضهم .
وقد وصف البيروني أوضاع العباسيين في أيام بني بويه في هذه العبارة :
" وإن.الدولة والملك قد انتقل في آخر أيام المتقي وأول أيام المستكفي من آل العباس إلى آل بویه، والذي بقي في أيدي الدولة العباسية إنما هو أمر ديني اعتقادي لا ملك دنيوي "
ومثل هذا العصر كل من الخلفاء : المستكفي، المطيع، الطائع، القادر والقائم.
🚩 العصر العباسي الرابع( ٤٤٧ ه - ٦٥٦ ه/ ۱۰٥٥ م - ۱۲٥٨م )
ابتدأ هذا العصر أثناء خلافة القائم، وانتهى بوفاة المستعصم، وتميز بانتقال السلطان الفعلي إلى أيدي السلاجقة الأتراك الذين أقاموا في بلاد الجبل.
كانت أوضاع الخلافة مع هؤلاء السلاجقة ، أفضل منها مع بني بويه، لأنهم احترموا الخلفاء تدينا باعتبارهم على مذهب أهل السنة وأبدوا لهم من مظاهر التعظيم والإجلال ما يقضي به منصبهم الديني .
لم يكن الخلفاء، خلال هذا العصر، على نمط واحد من القدرة والتصرف ؛ فإنهم منذ عهد المسترشد شرعوا يستردون بعض نفوذهم الفعلي ؛ واستقلوا بحكم بغداد والأعمال التابعة لها منذ عهد المقتفي، واستعادوا نفوذهم منذ عهد الناصر،
واستقلوا بحكم العراق ...
ومكثوا ستة وستين عاما لم يخضعوا فيها لأي سلطان إلى أن قام المغول بتحركهم الواسع منطلقين نحو الغرب يحتلون الممالك ويدمرون المدن حتى وصلوا إلى بغداد فاحتلوها وأسقطوا الخلافة العباسية .
ومثل هذا العصر كل من الخلفاء :
القائم، المقتدي، المستظهر، المسترشد، الراشد، المقتفي ، المستنجد، المستضيء، الناصر ، الظاهر، المستنصر والمستعصم .
--------------------
🔹️ و من أوجه الاختلاف بين العصر الأول والعصور الأخرى من حياة دولة الخلافة العباسية، ظهور عنصر جديد هو العنصر التركي، وانتقال الخلافة من المركزية إلى اللامركزية في نظام الحكم، نتيجة قيام دول منفصلة إما انفصالا تاما كاملا، أو ذاتية مع الاعتراف بسلطة الخليفة .
وكان الفرس قد نقلوا نشاطهم إلى الشرق بعدما تغلب نفوذ الأتراك ونجحوا في إقامة دول انفصالية في بعض أقاليم الدولة العباسية .
▪︎ فقامت الدولة الطاهرية في خراسان (۲۰٥ ه - ۲٥٩ ه/ ۸۲۰ م - ۸۷۳ م)،
▪︎ وأسس يعقوب بن الليث الصفار الدولة الصفارية على أنقاض الدولة الطاهرية (۲٥٤ ه - ۲۹۸ ه/ ۸٦٧ م - ۹۱۱ م)،
▪︎ وأسس السامانیون دولتهم على أنقاض الدولة الصفارية (۲٦١ ه - ۳۸۹ ه/ ۸۷٤ م - ۹۹۹ م)، وسقطوا في أواخر القرن الرابع الهجري، أي العاشر الميلادي.
▪︎ وحل محلهم الغزنويون وأقاموا الدولة الغزنوية (۳٥١ ه - ٥٨٢ ه/ ۹٦٢ - ۱۱۳٦ م)،
▪︎ وسيطر البويهيون على فارس والعراق والأهواز و کرمان وأقاموا الدولة البويهية (۳۳٤ ه ۔ ٤٤٧ ه/ ٩٤٦ م - ۱۰٥٥ م)،
▪︎وقضى الأتراك السلاجقة على الدولة البويهية في العراق،
ودخل طغرلبك السلجوقي مدينة بغداد و استقل بها وأسس سلطانه على أنقاض سلطان البويهيين. (*4)
-------------------------‐--‐------------------‐---------‐----------
(*1) انظر الدولة العباسية للشيخ محمد الخضري ص20-28 .
(*2)انظر الدولة العباسي لمحمد سهيل طقوش ص30-32
----------
(*3) الخضري المرجع السابق ص28- 33
(*4) محمد سهيل المرجع السابق ص32 - 36
-------------------------‐--‐------------------‐---------‐----------
#تاريخالدولةالعباسية_جواهر (6)
إرسال تعليق