الدولة الفاطمية العبيدية (7)

  الدولة الفاطمية العبيدية (7)



--------------------------------------------------------------------
تناولنا فيما مضى تاريخ الفاطميين في الشمال الأفريقي و اليوم نبدأ بإذن الله قسما آخر من تاريخهم في مصر و الشام والجزيرة العربية و محاولاتهم السيطرة على الخلافة العباسية في بغداد و أسقاطها.
------------------------------------------‐-------------------------
🔹️ العلاقة مع الخلافة العباسية
بنيت الحركة الإسماعيلية على أسس متعارضة مع العقيدة السنية والتطلعات العباسية السياسية، ونمت على فكرة تدميرها، وكونت من أجل ذلك التنظيم السياسي الديني المعروف بالدعوة الإسماعيلية، فانتشر دعاة الفاطميين في أراضي الدولة العباسية يقومون بنشاط سياسي و مذهبي ليتمكنوا من القضاء على خلافة العباسيين السنيين .
وكان لظهور القرامطة(*إحدى فرق الإسماعيلية) في العراق الجنوبي ، أثر كبير في استقطاب كثير من سكان الولايات العباسية إلى المذهب الإسماعيلي، فصارت بلاد السواد* تموج بأتباع الأئمة الإسماعيليين، كما أضحى لهم أنصار في بغداد نفسها .
و اتخذ عبيد الله المهدي دعاة له في بغداد ،كانوا يزودونه بأخبار العباسيين، واستطاع بفضلهم، وبفضل دعاة بلاد الشام؛ التغلب على الصعوبات التي واجهته وهو في طريقه من سلمية إلى إفريقية.
والواقع أن الدعاة في بغداد قاموا بنشاط ملحوظ في نشر دعوتهم ، فجذبوا عددا من كبار قادة ورجال الدولة العباسية، مثل يوسف بن أبي الساج الذي أفضى إلى كاتبه محمد بن خلف أنه عندما ينتهي من جمع خراج واسط و الكوفة وسقي الفرات عن العام(314ه/ 926م) سوف يشق عصا طاعة الخليفة العباسي، وأنه سيظهر الدعوة لعبيد الله المهدي، ويدعو الناس إلى الدخول فيما دخل فيه .
فكتب محمد بن خلف بذلك إلى نصر الحاجب، فأوصله إلى مسامع الخليفة العباسي، (*هذا على الرغم مما ذكره ابن الأثير، أن محمد بن خلف هو الذي اتهم يوسف بن أبي الساج بذلك طمعا في.اعتلاء منصب الوزارة).
والراجح أن يوسف بن أبي الساج كانت تحدوه مثل هذه الرغبة في الخروج على طاعة الخليفة العباسي، والانتماء إلى عبيد الله المهدي، وإن كانت الفرصة لم تحن بعد لتحقيق ذلك، بدليل أنه بعث برسالة إلى عبيد الله المهدي يعترف فيها
بإمامته، ويعلن استعداده لمعاونته .
إذن، كان من الطبيعي أن ينشأ العداء بين الدولة العباسية السنية والدولة الفاطمية الشيعية، وبخاصة أن الفاطميين بدأوا، بعد أن ركزوا دعائم دولتهم في إفريقية، يتطلعون للتمدد نحو الشرق للقضاء على الخلافة العباسية، إذ كانوا يعتقدون أن العباسيين مغتصبين ولا يحق لهم بالزعامة الروحية والسياسية، بل أضحوا في نظرهم من الخارجين على الدين .!!
وأراد عبيد الله المهدي أن ينتزع زعامة العالم الإسلامي من الخليفة العباسي المقتدر وأبدى عزم الفاطميين ورغبتهم في سحق العباسيين حين قال :
" لنملكن أنا وولدي ولد العباس، ولتدوسن خيولى بطونهما " ،
هذا على الرغم من أنه لم يكن يملك القوة العسكرية الضرورية هذه المغامرة في هذا الوقت المبكر من حياة الدولة.
والواضح أن قيام الدولة الفاطمية في إفريقية أثار مخاوف العباسيين لأن من شأن ذلك أن يمكن الفاطميين، في المستقبل، من بسط نفوذهم على مصر وبلاد الشام وفلسطين والحجاز، فتصبح عندئذ الطريق إلى بغداد مفتوحة أمامهم،
لذلك عمل الخلفاء العباسيون جاهدين للقضاء على محاولات الفاطميين التمدد باتجاه الشرق .
ولما كان الوصول إلى المشرق الإسلامي يمر في مصر الواقعة تحت السيطرة العباسية؛ قرر عبيد الله المهدي ضرب الدولة العباسية في هذا البلد، والاستيلاء عليه كخطوة أولى، وقام بمحاولتين من أجل ذلك.
--------------------
🔹️ الحملة الأولى على مصر 301-302 ه / 914-910م
انطلقت العمليات العسكرية بعد أن عين الخليفة العباسي المقتدر (أبا منصور تکین) عاملا على الفسطاط ، فوجه تکین حملة عسكرية بقيادة نائبه أبي النمر أحمد بن صالح، إلى منطقة برقة للسيطرة عليها، وتمركز في سرت (*ليبيا) استعدادا لمواجهة القائد الفاطمي حباسة بن يوسف الملوسي الكتامي، الذي خرج بدوره من قاعدته في توزر (؟)، وزحف باتجاه برقة أيضا ، لكنه اضطر إلى تغيير وجهة زحفه باتجاه
سرت للتصدي للقوات العباسية .
وحدث في هذه الأثناء، تغيير في القيادة العباسية ، مما سمح لحماسة بالتقدم نحو برقة، وسيطر عليها، وأقام معسكره فيها.
ذلك أن تکین عزل قائده أبا النمر، وعين مكانه خير المنصوري، يساعده عبد العزيز بن کلیب الجراشي، ويبدو أنهما لم يكونا على وفاق، فاصطدم بهما حباسة وانتصر عليهما، وأجبرهما على التراجع إلى الفسطاط .
تواصلت العمليات العسكرية، بعد حملة حماسة الاستطلاعية، من دون أن تؤدي إلى نتيجة حاسمة حتى كان عام (301 ه/ 914م) حين جهز عبید الله المهدي جيشا جرارا، عهد بقيادته إلى ولي عهده أبي القاسم، القائم(*بأمر الله) ، ودفعه باتجاه مصر للسيطرة عليها .
خرج القائم من (رقادة *بتونس) متوجها إلى مصر يوم الخميس (15 ذي الحجة301 ه/ 13تموز 914م)، فمر بقابس، وطرابلس، ولما وصل إلى شرت، كتب إلى حباسة ألا يغادر برقة حتى يأتيه .
ويبدو أن حباسة أراد أن يكون له شرف الاستيلاء على مصر، أو أنه نفر من أن ينتزع القائم منه القيادة ويخضعه لإمرته ، فتعجل السير إلى مصر، ونجح في دخول الإسكندرية في (3 صفر 302ه/ 28 آب914م).
أما القائم، فقد غادر سرت إلى أجدابية ثم برقة، والتحق بحباسة في الإسكندرية في (15 ربيع الآخر/ تشرين الثاني)، ثم خرج منها متوجها إلى الفسطاط، واصطدم بقوات الوالي العباسي، وتوغل في الوجه البحري حتى أصبح على مقربة من الجيزة، غير أنه اضطر إلى التراجع إلى الإسكندرية تحت ضغط القتال الذي جرى في مشتول بالقرب من الجيزة، فوصل الأسكندرية في (5 رجب / 24 كانون الثاني 915م).
وفي الوقت الذي كان فيه القائم يستريح من عناء القتال في الإسكندرية، أرسل الخليفة العباسي المقتدر قوة عسكرية إلى مصر بقيادة مؤنس الخادم.
ومما لا شك فيه أن القائم لم يكن قادرا على مواجهة القائد العباسي الذي وصل إلى الفسطاط في (15 رمضان/7 نیسان) واضطر للعودة إلى إفريقية .
👌 وهكذا فشلت الحملة الفاطمية الأولى في تحقيق الهدف الفاطمي بالاستيلاء على مصر
لقد كانت الظروف السياسية والعسكرية مهيأة للفاطميين للاستيلاء على مصر إلا أنهم فشلوا في ذلك، ويمكن رصد الملاحظات التالية:
▪︎كان بتصرف القائم قوة عسكرية كثيرة العدد تكفي للانتصار على والي مصر (أبي.منصور تكين) بإمكاناته المحدودة .
▪︎كان للفاطميين أنصار في مصر فقد استطاعت الدعاية الإسماعيلية، التي كان يقوم بها الداعي أبو علي، استقطاب عدد كبير من المصريين الذين أبدوا استعدادهم لنصرة القائم، بل إن جماعة منهم كاتبوه وحثوه على غزو مصر .
وكان القائم على اطلاع على الوضع السائد في الفسطاط، وأنه يستطيع الاعتمادعلى مساعدة أنصاره في الداخل.
👌 حاول والي مصر (ذکا الأعور)، الذي خلف أبا منصور تكين، أن يضع - حدا لنشاط أنصار الفاطميين، فلاحقهم وسجن كثيرا منهم .
👌 إن الذي دافع عن مصر هم العباسيون، إذ أرسل الخليفة العباسي قائده (مؤنس الخادم) بجيش لا يقل عن أربعين ألف مقاتل مما اضطر القائم إلى الانسحاب والعودة إلى الإسكندرية ومنها إلى إفريقية، كما أشرنا .
▪︎- يبدو أنه حصل تنافس على القيادة بين حباسة والقائم، تطور إلى خلاف، وانعكس سلبا على أوضاع المقاتلين. فقد كان القائم على جفاء مع القائد (حباسة) وأراد أن يستبدله بقائد غيره، فأدرك حباسة ذلك وراح يتصرف من تلقاء نفسه بمعزل عن أوامر القائم، فاستولى على الإسكندرية بمفرده، ورفض مساندة القائم في الفيوم، وتركه أمام القوات العباسية في الجيزة فأحرج موقفه.
ولقد ألقى عبید الله المهدي القبض عليه عند عودته إلى المغرب في منطقة نفزاوة وأمر بقتله .
كانت الحملة الأولى على مصر ذات نتائج هزيلة، وهي أقرب إلى استعراض القوة بهدف إرباك العدو، وإظهار حق الفاطميين في الخلافة، والتعبير عن مطامعهم في الدولة الإسلامية .
----------------------
🔹️ الحملة الثانية على مصر : 306-309 ه 919- 921م
بعد عودة القائم إلى رقادة، ثار أهل برقة على الحكم الفاطمي، وقتلوا الحامية الكتامية المكلفة بالمحافظة على المدينة، وكان من الضروري أن يحافظ عبيد الله المهدي على سيطرته على تلك المدينة القريبة من الحدود المصرية لتنفيذ سياسته
الشرقية، لذلك وجه إليها في عام (303 / 915م) أحد قادته، هو (أبا مديني اللهبي) لقمع الثورة فيها .
واجه هذا القائد مقاومة عنيفة من جانب السكان، وهذا يدل على أنهم يرفضون الخضوع للحكم الفاطمي. ولم يتمكن أبو مديني من إخضاع المدينة إلا بشق النفس، بعد حصار دام ثمانية عشر شهرا .
واضطر سكان (لوبية ومراقية *داخل حدود مصر حاليا)
المجاورتين إلى النزوح إلى الإسكندرية خشية من أن يهاجم الجيش الفاطمي بلادهم، وقد أرسل والي مصر ذکا الأعور إمدادات عسكرية إلى الإسكندرية تحسبا من تعرضها لهجوم فاطمي جديد .
أرسل عبيد الله المهدي، بعد استرداد برقة، ولي عهده القائم إلى مصر للمرة الثانية للاستيلاء عليها، وأمده هذه المرة بقوة بحرية مساندة , خرج القائم من رقادة يوم الاثنين (أول ذي القعدة 306 ه/ نیسان 915م)، وتوجه إلى الإسكندرية على
رأس جيش كبير.
تملك الخوف سكان المدينة وخشوا على أنفسهم مما دفعهم إلى النزوح عنها، ودخلها القائم من دون مقاومة يوم الجمعة (9 صفر 309ه/ 11 تموز 919 م) .
توقف القائم في الإسكندرية قبل متابعة الزحف على الفسطاط، وذلك لتجميع صفوف قواته، وانتظار وصول الأسطول الفاطمي القادم لمساعدته، واكتفي بإرسال طليعة من جيشه بقيادة سليمان بن كافي، استولت على الفيوم والأشمونين .
ويبدو أنه أراد تحقيق هدفين : تأمين حاجات جيشه على حساب العدو . وفرض حصار اقتصادي على الفسطاط وحرمانها من الإمدادات الواردة من الجنوب عن طريق النيل".
👌 كان رد الفعل العباسي على هذه الحملة سريعا و قويا. فقد أرسل الخليفة العباسي قوة بحرية بقيادة ثمال الخادم، اصطدمت بالأسطول الفاطمي في سواحل رشید ودمرته في (18شوال 307ه /12 آذار 920م)، ودخل ثمال، على إثر ذلك،الفسطاط.
وقد أثرت هذه الهزيمة على الوضع النفسي للجيش الفاطمي البري الذي كان لا يزال مرابطا في الإسكندرية، مما دفع القائم إلى تمديد إقامته فيها .
وأرسل العباسيون، في غضون ذلك جيشا بريا إلى مصر بقيادة مؤنس الخادم الذي وصل إلى الفسطاط يوم الخميس (3 محرم 308ه/ 20 أيار 920م)، ونزل في الجيزة، وأرسل
قوة عسكرية إلى الأشمونين اصطدمت بالقوات الفاطمية في المخائض وتغلبت.عليها، كما استعاد الفيوم منهم ..
عند هذه المرحلة من التطور العسكري، قرر القائم الرحيل عن الإسكندرية بفعل تناقص المؤونة فيها من جهة، ولخوض المعركة الفاصلة مع مؤنس الخادم من جهة أخرى، وتوجه نحو الصعيد، واستولی مجددا على الفيوم والأشمونين،
وطرد منهما الحامية العباسية بقيادة إبراهيم بن کیغلغ.
تجنب مؤنس الخادم الدخول في معركة سافرة مع خصمه تاركا الوباء الذي بدأ يتفشى في الجيش الفاطمي، والركود، يقضيان عليه، واقتصرت المواجهات العسكرية بينهما على
بعض المناوشات، وعمد مؤنس الخادم إلى قتل الحامية الفاطمية في الإسكندرية بقيادة فتح بن ثعلبة .
تحرج موقف القائم من هذه التطورات السلبية، واضطر للرحيل إلى تهنامت،.ثم الانسحاب إلى برقة، والعودة إلى إفريقية، ووصل إلى المهدية في أوائل رجب 309ه/ تشرين الثاني 921م).
👌 وهكذا فشل القائم للمرة الثانية أمام القائد العباسي نفسه، مؤنس الخادم، الذي استحق عن جدارة لقب المظفر الذي منحه إياه الخليفة العباسي المقتدر.
وقبيل مغادرته مصر، اغتنم القائم الفرصة، مرة أخرى، ليؤكد حق أسرته في الخلافة، كما نظم القصائد دعا فيها المشرقيين إلى الثورة على الحكم العباسي، ومساندة القضية العادلة لذرية فاطمة (*حسبما يدعون أنهم من نسلها-رضي الله عنها)، وكان يأمل في الحصول على النتائج التي فشل في إحرازها بقوة السلاح ..
-------
و على الرغم من هزيمة القائم في حملته الثانية على مصر، إلا أن تأثيرها كان قويا على الأوضاع السياسية والاقتصادية والدينية. فقد ألقت الرعب في قلوب المصريين، واستولى القائم على جزء كبير من خراج مصر، ونهب الموظفون
العباسيون باقي هذا الخراج مما أدى إلى خلل في الوضع الاقتصادي، وانتشر المذهب الإسماعيلي بين بعض المصريين، وسوف يساعد ذلك، إلى حد كبير، الفاطميين للاستيلاء على مصر في المستقبل.
حاول عبيد الله المهدي بسط السيطرة الفاطمية على الحجاز، فقد كتب إلى أهل مكة يدعوهم إلى طاعته ويعدهم بحسن السيرة فيهم، وكان يأمل من وراء ذلك تقوية مركزه في مصر وتعزيز موقفه أمام العباسيين إلا أن أهل مكة رفضوا دعوته آنذاك، وأجابوه أن لهذا البيت رب يحميه، ولن نؤثر على سلطاننا غيره يعن الخليفة الفاطمي .
ويبدو أن الحجازيين رفضوا دعوته لأن نشاط الدعاة الإسماعيليين كان ضعيفا،.ولم يكن أهل الحجاز يعرفون شيئا عن الدولة الفاطمية الناشئة لبعد المسافة بينهم وبين المغرب.
وهكذا نرى أن عبيد الله المهدي، منذ أن أسس الدولة الفاطمية بذل جهده للقضاء على العباسيين وتزعم العالم الإسلامي، وكانت خطوته الأ ولى هي الإستيلاء على مصر كوسيلة لتحقيق غايته، وعلى الرغم من فشله إلا أنه خطا أولى خطواته ومهد الطريق لخلفائه الذين سيحققون هذه الرغبة .
---------------------------------
🔹️ وفاة عبيد الله المهدي و تولى إبنه القائم الحكم
توفي عبيد الله المهدي في المهدية ليلة الثلاثاء (15 ربيع الأول عام 322ه/3 آذار عام 934م) إثر مرض قصير، وكان عمره ثلاثة وستون عاما، وبايع الدعاة وكبار رجال الدولة ولي عهده أبا القاسم القائم الذي أخفى خبر الوفاة مدة مائة يوم
حتى تمكن من تثبيت أقدامه في الحكم.
والواضح أن عبيد الله المهدي نجح، بوصفه إماما، في تأسيس دولة الفاطميين، وعرف كيف يواجه بشجاعة أعداء دولته في الشرق والغرب الذين رفضوا الاعتراف برئاسته. وخرجت الدعوة الإسماعيلية في عهده من دور الستر، وشهدت تقدما في اليمن والمغرب.
خلف أبو القاسم محمد، الملقب بالقائم، عبيد الله المهدي. كانت شخصيته قليلة التألق في سلسلة الحكام الفاطميين بإفريقية، ولم يرتبط ذكره بأي عمل باهر، بل يشير إلى سلسلة من الهزائم تعرضت لها الدولة، وحجبته شهرة أبي يزيد مخلد بن.كيداد الذي ثار عليه.
استمر عهدالقائم اثني عشر عاما، والواقع أنه لم يكن دون مستوى الأحداث الجسام التي شهدها عهده ، أو المهام الملقاة على عاتقه، فقد تمرس على شؤون الحكم، واكتسب خبرة في الشؤون الإدارية بعد تعيينه وليا للعهد في عام (۲۹۹ه/ ۹۱۱م)، كما مارس المهام العسكرية من خلال الحملات التي قام بها في مصر والمغرب، وشهد قيام الدولة.الفاطمية.
انتهج القائم سياسة عبيد الله المهدي تجاه العباسيين والأمويين وقد عاش حياته متقشفة ومنعزلا منتظرا ظهور الدجال، حسب رواية الإسماعيليين.
و عكرت ثورة الخوارج الهدوء الذي شهدته الدولة التي ستصبح خلال بضعة أشهر على قاب قوسين أو أدنى من الزوال، وستعاني شمال إفريقية في عهده من ثورات
البربر ومن ويلات الحروب الداخلية .
-------------------
🔹️ أحوال مصر قبل استئناف الفاطميين هجماتهم عليها
في (323-332ه / 935-936م)
لم تحقق المحاولتان الفاطميتان للسيطرة على مصر في عهد عبيد الله المهدي شيئا، بل نبهت الخلافة العباسية إلى أن استمرار هذه المحاولات يتطلب وجودا عسكريا قويا في هذا البلد .
فقد اكتشف مؤنس الخادم، الذي تصدى للفاطميين، أن
لهؤلاء أنصارا في مصر، لذلك عين الخليفة العباسي أبو العباس أحمد الراضي(322-329ه/ 934 - 940م)، محمد بن طغج الأخشيد واليا على مصر، بالإضافة إلى ولايته على الشام، ولم يكن تعيينه في الواقع سوى عودة إلى النظام الطولوني الذي انتهى في عام (292ه /905م) .
أراد محمد بن طغج أن يستفيد من مركزه في مصر، بين الفاطميين الطامعين في الاستيلاء عليه، والعباسيين الضعاف في المشرق، بتأسيس إمارة وراثية له .
كان القائم حريصا على الاستيلاء على مصر والتعويض عن فشله السابق، وقد سنحت له ظروف مناسبة للقيام بمحاولته تمثلت في حدوث اضطرابات في عاصمة الخلافة العباسية، فقد حدث في بغداد أن قتل الخليفة المقتدر في عام (320 ه 932م) وخلفه أبو منصور محمد القاهر(320- 322ه/ 932 - 934م) .
فعادت الأمور إلى ما كانت عليه من الفوضى والإسراف في النفقات من جانب الحاشية والخدم، وتسلط الجند الأتراك.
واستمر شغب الجند، وغدا منصب الخلافة مرة أخرى، هدفا للازدراء .
وحاول مؤنس الخادم الاتفاق مع الوزير ابن مقلة للخروج على حكم الخليفة القاهر، لكن هذا الأخير استطاع أن يتخلص منه، غير أن الأتراك نجحوا أخيرا في القبض عليه، فخلعوه وسملوا عينيه، وبايعوا ألخليفة الراضي الذي بدأ في عهده عصر إمرة (أمير الأمراء) حيث كان الخلفاء مع هؤلاء کالمحجور عليهم .
و بعد أن أدرك الخليفة حقيقة أهداف الإخشيد في مصر أرسل الوزير جعفر بن الفرات إلى مصر ليستطلع أحوالها، ثم شجع أمير الأمراء محمد بن رائق في بلاد الشام ومصر، على الاصطدام بالأخشيد .
ويبدوأن ابن رائق لم يخفي نواياه التوسعية ، وسر بتشجيع الخليفة، فتقدم باتجاه بلاد الشام واستولى على حمص ودمشق، ثم سار إلى الرملة، فالعريش في محاولة لدخول مصر، وهناك اصطدم بالقوات الأخشيدية في عام (328ه 940م)، لكنه هزم، وتمكن من النجاة .
وحدث في مصر أن ثار علی حکم محمد بن طغج الأخشيد كل من علي بن برد قائد الأسطول، و(بجكم) وهو أحد الأمراء، وقائد حامية الإسكندرية أحمد المغربي، فانسحبوا إلى برقة ودخلوا في طاعة القائم الفاطمي وراحوا يحرضونه على غزو مصر فأرسل إليهم خادمه زيدان و أحد قواده ويدعمر المجنون لتعزيز صفوفهم .
في ظل هذه الظروف، وجه القائم في (أواخر عام 323ه/ 930م) جيوشه المتمركزة في قاعدة برقة بقيادة القائدين الكتامیین( یعیش)و (بوتزنيت)، معززة بعناصر قادمة من إفريقية بقيادة زيدان؛ إلى مصر، فاحتلت الإسكندرية في (6
جمادى الأولى 324ه/ أوائل نیسان 936م).
جاء رد فعل محمد بن طغج الأخشيد سريعا، فأرسل أخاه حسن و أحد قادته ، ويدعي صالح بن نافع، فاستعادا المدينة بعد قتال، وقتل (يعيش) في المعركة، ووقع (پوتزنيت) في الأسر، وانسحب الجيش الفاطمي، و(بجكم) إلى برقة .
وعلى الرغم من الظروف الطيبة التي قامت الحملة في ظلها، فقد فشلت في تحقيق الغاية، واضطر الجيش الفاطمي إلى الخروج مرة أخرى من مصر، ويبدو أن مرد ذلك يعود إلى سببين :
▪︎الأول : ظهور محمد بن طغج الأخشيد الذي استبد بأمور مصر، وأبدى صلابة كافية في صد الهجمات الفاطمية .
▪︎الثاني : كثرة الثورات والاضطرابات في شمال إفريقية ضد الحكم الفاطمي، كان منها ثورة ابن طالوت القرشي في طرابلس، وثورة الخوارج بقيادة أبي يزيد.
بعد فشل حملته على مصر، رأي القائم أن من الأفضل لتحقيق أهدافه، أن يعيد النظر بسياسته القائمة على القوة، واستبدالها بسياسة ودية تجاه محمد بن طغج الأخشيد، إذ أن تدهور السلطة في بغداد منذ مقتل الخليفة العباسي المقتدر، قد ساعد على التقارب بين المهدية والفسطاط لا سيما وأن حاكم مصر نجح في عام (327/ 938م) في الاستقلال بحكم مصر وبلاد الشام وأسس الدولة الأخشيدية ،
وأرسل إليه القائم كتابا قرأه على خاصته، وأرفق به رقعة بخطه، ولم يقرأها على أحد من مستشاريه، كأنها رسالة خاصة، دعاه فيها إلى الدخول في طاعته .
كان محمد بن طغج الأخشيد يخشى أن يخرج على الخلافة العباسية، فقد كان ضعفها يسمح له بأن ينعم بقسط وافر من الاستقلال، وفضلا عن ذلك، فإن من المحتمل أنه كان يكره أن يتخلى عن السنة ويلقي بنفسه في أحضان الدولة الفاطمية .
ولكن عندما لم تنصره الحكومة المركزية في بغداد، في عهد الراضي ، علی ابن رائق أمیر واسط و البصرة، الذي كان يحاول، آنذاك، الاستيلاء على ممتلكاته ؛ دفعه ذلك إلى التفكير في التقرب من الفاطميين، وكان على وشك الدعاء لهم في خطبة الجمعة، وقطع صلته بالخليفة العباسي ودعم هذا التقارب بمشروع زواج ابنته من إسماعيل ابن القائم فأرسل كتابة بهذا المعنى إلى القائم .
قرأ القائم كتاب محمد بن طغج الأخشبد أمام مستشاريه، فأشاروا عليه بإجابة هذا الطلب، ومن ثم بعث برده الإيجابي الى حاكم مصر :
"وصل كتابك وقد قبلنا ما بذلت، وهي وديعة لنا عندك، وقد منحناها مائة ألف دينارمن بيت مالنا ، فتوصل ذلك إليها». ل
لكن محمد بن طغج الأخشيد كان يظن أن القائم سيرسل إليه من الأموال ما يفخر به ، فلما خاب ظنه أوقف مشروع المصاهرة، واتخذ جانب الحياد .
نكمل لاحقا إن شاء الله
--‐‐-----‐---------------------------------------------------------
☆ محمد سهيل طقوش : تاريخ الفاطميين في شمال إفريقية و مصر وبلاد الشام ص 103-110 ؛ ص118-119 ص127-129
--------------
* السواد؛ رستاق العراق وضياعها التي فتحها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب، سمي بذلك لسواده
بالزروع والنخيل والأشجار , الحمري: ج ۳ ص ۲۷۲
* برقة: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وإفريقية. الحموي: ج ۱ ص ۱۳۸۸
*توزر: مدينة في أقصى إفريقية من نواحي الزاب الكبير من أعمال الجريد، بينها وبين نفطة عشرةفراسخ. المصدر نفسه: ج ۲ ص ۵۷.
* اجدابية: بلد بین برقة وطرابلس الغرب، الحموي: ج ۱ ص ۱۰۰.
* أنظر نص الخطاب الذي ألقاء القائم في الإسكندرية والذي يبين فيه حق.الفاطميين في الحكم، عند عماد الدين، إدريس ص ۱۳۲.۱۲۹. وانظر أيضأ ص ۱۳۰.
* لوبية: مدينة بين الإسكندرية وبرقة , الحموي: چه می ۲۰,
مراقية : أول مدينة يلقاها القاصد من الإسكندرية إلى إفريقية .
*. كان جد محمد بن طغج، وهو جق، أحد الضباط الأتراك الذين أكثرت الخلافة العباسية من اقتنائهم. وقد برز والده طغج عندما أشتهر أحمد بن طولون. وأصل هذه العائلة
من فرغانة . ومعنى الأخشبد بلغة أهل فرغائية «ملك الملوك، وقد منحه الخليفة الراضي هذا اللقب في عام (۳۲۷ه/ 1939م).
*استحدث منصب أمير الأمراء في عام(۳۲۹ها/ ۹۳۶م) في عهد الخليفة الراضي حين بذلت محاولة أخرى لإنقاذ الخلافة من الوضع المتدهور الذي باتت فيه. وقد تناول هذا التطور مركز الخلاقة والوزارة ووضع الأتراك، وسبعطر متقلده
على مقاليد الحكم، وامتدت صلاحياته إلى الضرائب والإدارة، وأزال نفوذ الوزراء، وهيمن على الخلافة حتى أضحى الخليقة مجرد رمز، وفقد صلاحياته في ممارسة الحكم.

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list