تاريخ التتار الأول (7)
إمبراطورية جنكيز خان
---------------------------------------------------------------------
غزو المغول باقي بلاد ما وراء النهر.. و باقي أقاليم الدولة الخوارزمية و أذربيجان و جورجيا .
----------------------------------------------------------------------
نعتذر أن هذه الفقرة طويلة ومؤثرة ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
---------------------------------------------------------------------
5- اجتياح سمرقند 617هـ :
بعد أن دمر التتار مدينة بخارى العظيمة، وأهلكوا أهلها وحرقوا ديارها ومساجدها ومدارسها انتقلوا إلى المدينة المجاورة ((سمرقند)) وهي أيضاً في دولة أوزبكستان الحالية.
واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسرى المسلمين من مدينة بخارى، وكما يقول إبن الأثير :
فساروا بهم على أقبح صورة، فكل من أعيى وعجز عن المشي قتل ،
وكانوا يصطحبون الأسارى معهم لأسباب كثيرة منها :
ـ كانوا يعطون كل عشرة من الأسارى علماً من أعلام التتار يرفعونه، فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أنهم من التتار وبذلك تكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل رهيب، فلا يتخيلون أنهم يحاربونهم، وتبدأ الهزيمة النفسية تدب في قلوب من يواجهونهم .
ـ كانوا يجبرون الأسارى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه .
ـ كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين، فيضعونهم في أول الصفوف كالدروع لهم، ويختبئون خلفهم، ويطلقون من خلفهم السهام والرماح وهم يحتمون بهم .
ـ كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم، وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا التتار.
ـ كانوا يبادلون بهم الاسارى في حال أسر الرجال من التتار في القتال، وهذا قليل لقلة الهزائم في جيش التتار
---------------------
كانت سمرقند من أكبر مدن بلاد ما وراء النهر وأعظمها على الإطلاق، فهي حاضرة هذا الإقليم، وكانت إلى جانب ذلك مركزاً مهماً للتجارة، ولذلك أحيطت بأسوار ضخمة، يعلوها عديد من الأبراج، للدفاع عنها،
وكانت حاميتها عندما فر منها محمد خوارزمشاه ـ غرباً تتألف من خمسين ألف مقاتل من الخوارزمية على ما يذكر ابن الأثير ، ويرى ابن العبري، أنها كانت أربعين ألف فارس،
وكان جنكيز خان على علم بكل هذه الاستعدادات الدفاعية، لذا وضع خطته الأصلية على أساس أنه سيخوض عند أسوارها حرباً شديدة قاسية،
فرتب أموره على أن تلتقي كل قواته ـ والتي بدأ بها غزو بلاد ما وراء النهر عند سمرقند،
واصطحب معه عدداً كبيراً من أسرى بخارى ليستعين بهم في عملية الحصار ،
ولما بلغ مشارف سمرقند وجد أن جنوده من الكثرة بحيث أنه استغنى عن ثلاثين ألف منهم، فعهد إليهم مطاردة الأمير علاء الدين محمد خوارزمشاه ،
ومهد جنكيز خان للاستيلاء على سمرقند بإخضاع جميع المناطق التي كانت تحيط بها إخضاعاً يتعذر معه أن يستفيد خصومه منها أثناء حصاره لها ،
وكان جنكيز يقدر أن حصن المدينة لن يتيسر له فتحه قبل بضعة سنوات ، مستنداً في هذا الاعتقاد إلى ما أبداه قائدا حاميتهما من ضروب الشجاعة، فضلاً عما أنزلاه بقوات المغول من خسائر،
لكنه رأى أن يتولى بنفسه قيادة الهجوم على هذه المدينة ، فحالفه النجاح في الاستيلاء على بعض أبوابها مما ترتب عليه قيام قادة الجيش الخوارزمي بعقد اجتماع لاتخاذ قرار،
فبينما رأت أكثرية الحامية وكانوا من الأتراك ضرورة التسليم، رأى الفريق الآخر ضرورة القتال، وارتدوا إلى القلعة محاربين .
ووافق جنكيز خان على فكرة التسليم، ووعد هؤلاء الأتراك بأنه سيدخلهم في جيشه، لذا خرجوا إليه مع عائلاتهم، وانضموا إلى عسكر المغول،
وأراد جنكيز خان أن يؤكد ـ عملياً ـ وعوده، فأمر بحلق شعورهم على عادة المغول ـ خداعاً وتمويهاً ـ غير أنهم ما كاد المساء يقبل حتى قتلوا منهم ثلاثين ألفاً من أبرزهم أمراؤهم ،
وكان أكثر من ذلك ! : أن أيقن أهل المدينة ومن بقي من أفراد حاميتها بالهلاك فأوفدوا في اليوم الرابع قاضي المدينة وبعض علمائها، يعرضون على جنكيز خان التسليم، مشترطين أن يأمنهم على حياتهم، فأجابهم الخان إلى ما طلبوا،
وحينئذ فتحت الأبواب على أن المغول لم يرعوا عهدهم إذ أمروا السكان بالخروج من المدينة، ثم وضعوا السيف فيمن لم يخرج، واستولوا على قلعتها، ونهبوا البلد، وأحرقوا الجوامع،
كان ذلك في المحرم سنة 617هـ/1220م
وأرغم جنكيز خان القادرين من أهل سمرقند على حمل السلاح كجنود في صفوف المغول،
وبعث مهرة البستانيين من أهلها إلى ((قراقورم))، لتزيينها بمنتزهات على نحو حدائق سمرقند ،
كما ألحق مهرة الصناع وبخاصة نساجو الحرير والقطن بخدمة زوجات جنكيز خان وأقربائه كرقيق، وسير بعضهم مع الخان إلى خراسان ،
وسمح لخمسين ألفاً من السكان بالعودة إلى المدينة بعد أن دفعوا مائة ألف قطعة ذهبية ، وقد قدر ابن العبري هذه الفدية بمائتي ألف دينار، قام بجمعها اثنان من كبار رجال سمرقند،
ووصف ابن الأثير ما أحدثه المغول في المدينة فقال:
" فلما كان اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم ومن تأخر قتلوه فخرج جميع الرجال والنساء والصبيان، ففعلوا مع أهل سمرقند مثل فعلهم مع أهل بخارى من النهب والقتل والسبي والفساد،
ودخلوا البلد فنهبوا ما فيه وأحرقوا الجامع…، وافتضوا الأبكار، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال وقتلوا ما لم يصلح للسبي ،
ورغم ما حدث من تخريب في هذه المدينة فقد فرض جنكيز خان على أهلها جزية سنوية قدرها ثلاثمائة ألف دينار ،
ولكي ندرك ما حل بحاضرة بلاد ما وراء النهر إثر الغزو المغولي نورد ما ذكره شانج شون، وهو أسقف صيني صحب جنكيز خان في غزواته وكتب مؤلفاً بالصينية عن هذه الرحلة،
فقد ذكر أن مدينة سمرقند كانت قبل اكتساح الدولة الخوارزمية تضم أكثر من مائة ألف أسرة، ولكن بعد استيلاء المغول على هذه المدينة لم يبق فيها سوى ربع عدد سكانها، وذكر أن كثيرين من العمال الصينيين انتشروا في هذه المدينة،
ورغم أن الممتلكات ظلت في أيدي المسلمين فإن إدارتها كانت تحت إشراف جيش الاحتلال المغولي .
وبعد سقوط عاصمة السلطان محمد، سمرقند، وهروب الشاه الخوارزمي من وجه القوات المغولية، أصبحت أراضي الأسرة الخوارزمية مفتوحة على مصراعيها دون حامٍ ضد قوات جنكيز خان التي أصبحت حرة تسير عبرها طولاً وعرضاً دون أن تجد معارضاً لها،
لذلك فلا عجب أن نجد المدن والمقاطعات تتساقط واحدة تلو الأخرى، في أيدي القوات المغولية المنتصرة الزاحفة وما أن قارب فصل ربيع ذلك العام حتى أكمل المغول فتحهم لجميع أراضي السلطان محمد في إقليم ما وراء النهر، من مدينة جند في الشمال إلى بخارى وسمرقند في الجنوب، فبناكت وخنجد في الوسط .
وهكذا بانهيار جميع بلاد ما وراء النهر انهارت خطوط الدفاع التي اعتمد الجيش الإسلامي عليها، وتيسر للمغول بعد ذلك الاستيلاء على أقاليم شرق الدولة الإسلامية الباقية من غير عناء .
---------------------------------------------------------------------
ثانيا ـ اجتياح الأقاليم الغربية من الدولة الخوارزمية ووفاة علاء الدين محمد خوارزمشاه :
يبدو أن الضربات التي أنزلها المغول ببعض أجزاء الدولة الخوارزمية، وانتهت بسقوط حصون ومدن أترار وبجند وبنكت وخجندة وبخارى، وغيرها، كان لها تأثير بالغ في نفس علاء الدين محمد خوارزمشاه
فعوَّل بعد وصوله إلى سمرقند من بخارى على الرحيل إلى مكان آمن يجير فيه أمره أو يبحث عن إمكانية التصدي لهذا العدو الغاشم،
لذا عقد في سمرقند مجلساً ضم وزراءه وكبار قواده للبحث فيما يمكن عمله لمقاومة المغول، وظهر في هذا الاجتماع اتجاهان:
أولهما يرى عدم جدوى الدفاع عن بلاد ما وراء النهر، وأن يركز الخوارزميون اهتمامهم على حماية الأقاليم التي تقوم غربي نهر جيحون،
وثانيها يفضل الإنسحاب جنوباً إلى غزنة ،
وقد استصوب خوارزمشاه الرأي الأخير، وتوجه نحو غزنة، وبينما هو سائر إليها قدم عليه وهو بمدينة بلخ وزير ابنه ركن الدين قد وجهه إلى أبيه لينتفع بخبرته في ظاهر الأمر وللتخلص من حكمه واستبداده في الحقيقة،
فلما اكتشف الوزير ما يراد به احتال ليرجع إلى العراق العجمي موطنه الأصلي، لذا استغل ثقة علاء الدين محمد خوارزمشاه فيه، وعرض عليه المسير إلى العراق العجمي حيث سيجد فيه المال والرجال والدرع الواقي من المغول،
فقبل الأمير الخوارزمي علاء الدين مشورته وسار إلى نيسابور إحدى مدن خراسان، غيرأنه لم يقم بها إلا فترة قصيرة، إذ بلغه أن المغول قد عبروا نهر جيحون، وأصبحوا على مقربة منه، وأنهم يجدون في البحث عنه،
فلم يكن في وسعه حينئذ إلا أن يغادر نيسابور ويأخذ طريقه شطر العراق العجمي .
وكانت قوات المغول تتعقب علاء الدين محمد خوارزمشاه الذي فر هارباً من سمرقند إلى خراسان، فلما وصلت هذه القوات إلى نيسابور وجدوه قد غادرها فأخذوا يتبعون أثره،
واستطاع المغول على مقربة من مدينة الري أن يوقعوا بجيش خوارزمشاه الرئيسي، الأمر الذي جعل الأمير الخوارزمي يفكر في الإلتجاء إلى خليفة بغداد رغم ما بينهما من عداء،
فسار حتى نزل ((بمرج دولة آباد)) من أعمال همذان، ووصل معه من جيشه زهاء عشرين ألف فارس، فواجه زحف القوات المغولية ،
مما اضطره إلى الاتجاه إلى إقليم مازندرات جنوبي بحر قزوين، ووصل إلى مرسى على البحر يعرف ((باب سكون))،
يقول النسوي :
"وظل في إحدى قرى هذا الميناء يصلي بالناس في المسجد وينذر لله لئن كتبت له السلامة وأعيد له ملكه ليقيمن العدل، إلى أن انكشف أمره، وهاجم التتار موضعه،
وعندئذ ركب البحر إلى قلعة أمينة في إحدى جرز بحر الخزر (قزوين)، تدعى جزيرة ((أوغر تشالي))، أو( جيركن) الحالية،
، وقد رمى المغول زورقه بالسهام، فلمأ أخطأته تحمس بعضهم فسبح خلفه حرصاً على أخذه فغرقوا"
ووصل علاء الدين خوارزمشاه لمأمنه عليلاً، وما لبث أن فارق الحياة في تلك الجزيرة في الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة 617هـ/1220م .
وقد وصف النسوي حالة علاء الدين في أيامه الأخيرة فقال:
"حدثني غير واحد ممن كانوا مع السلطان في المركب، قالوا: كنا نسوق المركب وبالسلطان من علة ذات الجنب ما آيسه من الحياة، وهو يظهر الاكتئاب ضجيراً ويقول:
{ لم يبق لنا مما ملكناه من الأرض قدر ذراعين نحفر فنقبر،
فما الدنيا لساكنها بدار لا ركون إليها إلا سوى انخداع واغترار، ما هي إلا رباط يدخل من باب ويخرج من باب، فاعتبروا يا أولى الألباب، }
وقد وصل علاء الدين أخيراً إلى إحدى الجزر الصغيرة طلباً للأمان، وأقام في إحدى الخيام، على أن الأهالي الذين يقيمون على شاطئ مازندران كانوا يأتونه بما يلزمه من مأكل وما يحتاجه من ضرورات الحياة،
وفي نظير ذلك كان السلطان يوصي بإقطاعهم الإقطاعات، ولما إستعاد جلال الدين منكبرتي أملاك أبيه بعد بضعة سنين أقر هذه الإقطاعات لأصحابها،
ونلاحظ أن كل من كان معه علامة من علاء الدين كان جلال الدين منكبرتي يقطعه إقطاعاً،
ولما أحس علاء الدين أن المرض يشتد عليه يوماً بعد يوم وأن أمه تركان خاتون قد وقعت أسيرة في أيدي المغول، استدعى أبناءه جلال الدين منكبرتي وأزلاغ شاه ، وآق شاه، ووكل أمور دولته إلى ابنه جلال الدين، بعد أن أعلن أنه الوحيد الذي يستطيع حماية الدولة الخوارزمية ،
ومما قاله لأبنائه، هذه العبارة التي ذكرها النسوي :
" إن عري السلطنة قد انفصمت والدولة قد وهنت قواعدها، وتهدمت وهذا العدو قد تأكدت أنيابه وتشبثت بالملك أظفاره، وتعلقت أنيابه، وليس يأخذ بثأري منه إلا ولدي منكبرتي، وها أنا موليه العهد، فعليكما بطاعته ،"
وبعد أن قضى علاء الدين في هذه الجزيرة شهراً، قضى نحبه ودفن فيها،
ومما يؤسف له أن أتباعه عجزوا عن إيجاد كفن يكفنونه به حتى أن شمس الدين محمود وكان من المقربين إليه خلع قميصه وكفنه به،
ويروى السيوطي أنه كفن بشاش فراش كان معه ،، وقد وصف ابن الوردي حالة السلطان علاء الدين خوارزمشاه في أواخر أيامه فقال:
وفارق المسكين أوطانه
وملكه : ممتحنا ً بالمرض
وكم حوى من جوهر مثمن
فما فدى الجوهر هذا العرض
وقد ذكر النسوي الذي عاصر هذه الحوادث، وخدم في بيوتات الخوارزميين بعض أبيات تصور حال علاء الدين في أيام سطوته الأولى وحاله بعد أن مالت به الأيام أبدع تصوير:
أذل الملوك وصاد القروم
و صير كل عزيز ذليلا
وحف الملوك به خاضعين
وزفوا إليه رعيلا رعيلا
فما تمكن من أمره
وصارت له الأرض إلا قليلا
وأوهمه العز أن الزمان
إذا رامه ارتد عنه كليلا
أتته المنية : مغتاظة
وسلت عليه حساما صقيلا
فلم تغن عنه حماة الرجال
ولم يجد قيل عليه وقيلا
كذلك يفعل بالشامتين!
ويفنيهم الدهر جيلا فجيلا
كان هدف المغول القبض على علاء الدين محمد خوارزمشاه، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق هذه الأمنية، ومع ذلك فإنهم استولوا على كثير من المدن والبلدان التي صادفتهم وهم يطاردونه،
ومن أبرزها ((مازندران)) ذات القلاع التي اشتهرت بمناعتها وحصانتها ولم يلاقوا في الاستيلاء عليها سنة 617هـ/1220م مقاومة تذكر ،
كذلك اتجهت بعض القوات المغولية إلى الري فوصلتها على حين غفلة من أهلها، وما لبثت أن استولت عليها وعاثت فيها نهباً وسلباً ،
ولم يقم المغول في الري بعد استيلائهم عليها بل مضوا مسرعين في أثر خوارزمشاه ينهبون كل مدينة أو قرية يمرون عليها، ويضعون السيف في رقاب أهلها، ولا يبقون على شئ فيها،
فلما وصلوا ظاهر همذان التقى بهم رئيسها يعرض عليهم الصلح، ويقدم إليهم الأموال والثياب والدواب وغير ذلك من الهدايا الثمينة، فوافقوا على منح أهلها الأمن
ومالوا عنها إلى زنجان فاكتسحوها، ثم اتجهوا إلى مدينة قزوين فتصدى لهم أهلها وأخذوا يذودون عنها في قتال عنيد انتهى بهزيمتهم ودخولها في حوزة المغول ،
ثم اتجه المغول إلى إقليم أذربيجان، وقبل أن يصلوا إلى عاصمة الإقليم مروا بمدينة سنجار فنهبوها وقتلوا كثيراً من أهلها
ثم ساروا إلى قوس فامتنع أهلها عنهم، ولم يزالوا يحاصرونها حتى تمكنوا من الاستيلاء عليها ،
ولما وصلوا إلى مدينة ((تبريز))صانعهم صاحبها أوزبك بن البهلوان، وقدم لهم كثيراً من الهدايا، متمثلة في المال والثياب والدواب، وأعلن تبعية بلاده لهم ،
على أن المغول ما لبثوا أن اضطروا بسبب برد الشتاء القارس إلى الرحيل عن تبريز واتجهوا عبر سهول موقان إلى السواحل الغربية لبحر قزوين طلباً للدفء،
وإذ هم يقيمون في هذه السواحل عقد حكام جورجيا معاهدة دفاعية مع أتابكية أذربيجان ومع الملك الأشرف موسى بن الملك العادل صاحب بلاد الجزيرة الفراتية وخلاط ؛ للانقضاض على المغول،
وحددوا بدء الهجوم بفصل الربيع، غيرأن المغول فطنوا إلى ما يدبر ضدهم، وعمدوا إلى القيام بهجوم على هذه القرى، فشتتوا شملها، واستولوا على حصون جورجيا وخربوها، كما توغلوا في أراضيها حتى وصلوا إلى حاضرتها (تفليس)
وكان ذلك في ذي القعدة سنة 617هـ/1220م ، ولما تم للمغول الاستيلاء على إقليم جورجيا عادوا ثانية إلى إقليم أذربيجان الذي انتفض عليهم،
وما كادوا يصلون إلى ((تبريز)) حاضرة هذا الاقليم حتى أعلن أهلها الاستسلام، وتعهدوا بدفع جزية كبيرة،
ثم اتجهت قوات المغول صوب مراغة إحدى أمهات هذا الإقليم، وكانت تحكمها أميرة اتخذت إحدى القلاع حصناً لها، وشرعت تقاوم هجوم المغول الذين ضربوا على هذه المدينة حصاراً محكماً، استخدموا فيه مجانيقهم، وما لبثت المدينة أن سقطت في أيديهم رابع صفر سنة 618هـ/1221م،
يقول ابن الأثير :
"ووضعوا السيف في أهلها، فقتل منهم ما يخرج عن الحد والإحصاء، ونهبوا كل ما صلح لهم وما لا يصلح لهم أحرقوه "
وكي يتأكد المغول من فناء جميع أهلها أمروا بعض الأسرى المسلمين أن ينادوا في شوارعها بأن المغول قد رحلوا، فلما اطمأن من اختفى من أهلها في الدروب والآجام وخرجوا من مخابئهم قبض المغول عليهم وقتلوهم عن آخرهم ،
لقد تعرض شرق الدولة الإسلامية لهذا الغزو المغولي، على هذه الصورة المروعة، ومع ذلك فإن خليفة بغداد الناصر لدين الله لم تبد منه أية محاولة لصده،
كما لم يستمع إلى الرسل الذين قدموا إليه من البلاد التي نكبها المغول،
وقد حمل موقف الخليفة السلبي من هذه البلاد، وعدم الإسهام في نجدتها بعض المؤرخين على اتهامه بالاتصال بالمغول، وتحريضهم على غزو الدولة الخوارزمية
على أن الخليفة الناصر بدأ يشعر بخطر الزحف المغولي عندما رحل المغول عن مدينة مراغة، وقصدوا مدينة إربل، فثار بعض أمراء المسلمين الخاضعين له،
وقد عبر ابن الأثير عما انتاب أهل الموصل من الخوف حين شرع المغول في الزحف على مدينة أربل بقوله:
ووصل الخبر إلينا بذلك فى الموصل، فخفنا حتى إن بعض الناس هم بالجلاء خوفاً من السيف ، وانزعج الخليفة الناصر حين علم بزحف المغول على مدينة إربل،
وكان يلي إمارتها حينئذ مظفر الدين كوكبري من قبل خليفة بغداد، فقد خشي الناصر أن يتجه قواد المغول إلى العراق العربي عن طريق دقوقا بدلاً من إربل، بعد أن يكتشفوا وعورة مسالكها، وصعوبة الوصول إليها،
لذا بعث برسل تحمل أوامره إلى كل كل من مظفر الدين كوكبري صاحب إربل، وبدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، والملك الأشرف موسى صاحب بلاد الجزيرة، .....
فماذا كانت تلك الأوامر ؟! و ماذا أعد الخليفة العباسي للتصدي للمغول بعد طويل سبات و قبيح غفلة ؟!
--------------------------------------------------------------------
* التتار من البداية إلى عين جالوت .. راغب السرجاني.
التتار بين الإنتشار و الإنكسار( ص96-- ص102)علي الصلابي .
--------------------------------------------------------------------
لا حول ولا قوة إلا بالله
إرسال تعليق