تاريخ الدولة العثمانية (7) وصية عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية لإبنه أورخان عندما حضرته الوفاة

 تاريخ الدولة العثمانية   (7)

-------------------------------------------------

ما زال الحديث ممتدا عن وصية عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية لإبنه أورخان عندما حضرته الوفاة ...



--------------------------------------------------------------------

ونستطيع أن نستخرج الدعائم والقواعد والأسس التي قامت الدولة العثمانية من خلال تلك الوصية:


🔹1 - يابني اياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين .


🔹2 - إذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين مؤئلاً .


🔹3 - يابني أوصيك بعلماء الأمة، أدم رعايتهم وأكثر من تبجيلهم .


🔹4 - اعلم يابني ، أن نشر الإسلام وهداية الناس إليه وحماية أعراض المسلمين وأموالهم، أمانة في عنقك سيسألك الله عزوجل عنها ).... 


👌 و قد تناولنا بالشرح المستفيض هذه النقاط في الفقرة السابقة و ما قبلها و اليوم نتناول النقطةالخامسة و السادسة   المستخلصة من وصية عثمان لإبنه أورخان .

--------------------------------------------------------------------

 🔹5 - يابني أحط من أطاعك بالإعزاز ، وأنعم على الجنود...... (*1)


إن أمة الاسلام تحتاج لكي تقوم بمهمتها في هداية الناس للخير الى أن تكون صالحة في نفسها، مصلحة لغيرها، فهي الشهيدة على الأمم لأنها أمة الوسط.


قال سبحانه : {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (البقرة 143).


وهناك حقوق متبادلة بين الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم، ومن وصية عثمان -رحمه الله- لابنه يبين له حق الرعية على الحاكم ...


👌ولقد حرص العثمانيون كحكام على تنفيذ حقوق الرعية


 💧ومن أهم هذه الحقوق التي قاموا بها :

----------------------------------------------------

● العمل على الإبقاء على عقيدة الأمة صافية نقية.

● بذل الأسباب المؤدية الى وحدة الأمة.

● العمل على حماية الأمة من أعداء الخارج.

● أن يعمل الولاة على حماية الأمة من المفسدين والمحاربين.


● إعداد الأمة إعداداً جهادياً.

● حفظ ماوضعت الشريعة لاجله.

● تحصيل الصدقات وأموال الزكاة والخراج والفيء وصرفها في مصارفها الشرعية.


● تحري الأمانة في اختيار ارباب المناصب.

● اعطاء حقوق الرعية وما يستحقونه في بيت المال من غير سرف ولا  تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير .

● الإشراف المباشر على سير الأمور بين الرعية في كل النواحي الأدارية التي تتعلق بما يصلح أحوالهم.... (*2).


💧 ومن واجبات الرعية تجاه الحكام:

----------------------------------------------

☆1 - قال تعالى : 

{ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (النساء 59).


وكان المجتمع العثماني شديد السمع والطاعة لحكامه ماداموا ملتزمين بالشريعة؛ لأنهم كانوا على علم بأن طاعة الحكام مقيدة دائماً بطاعة الله ورسوله، كما قال صلى الله عليه وسلم:

 "لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف" ....(*3).


☆2 - النصرة : 

كان المجتمع العثماني دائماً يلتف حول حكامه الشرعيين ويلبي دعوة الجهاد ويبذل الغالي والرخيص ويرى ذلك عبادة لله تعالى قال تعالى : 

{وتعاونوا على البر والتقوى}  المائدة 2).


وكان من مفاهيم المجتمع العثماني السائدة عندهم ؛ من نصرة الحاكم ألا يهان، ومن معاضدته أن يحترم، وأن يكرّم ، فقوامته على الأمة وقيادته لها لإعلاء كلمة الله، تستوجب تبجيله وإجلاله وإكرامه تبجيلاً وإجلالاً وإكراماً لشرع الله سبحانه الذي ينافح ويدافع عنه. 


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

"إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" ...    ...(*4).


☆3 - النصح : 

إن المجمتع العثماني كان يناصح ولاة أمره ويرى ذلك من صميم الدين لقول رسول الله : "الدين النصحية -ثلاثاً- قال الصحابة ك لمن يارسول الله؟ قال : لله -عز وجل- ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".......   ...(*5).


☆4 - التقويم : 

لقد استقر في مفهموم المجتمع العثماني أن بقاء الأمة على الاستقامة رهن استقامة ولاتها، ولذلك نجد في التاريخ العثماني صور مشرفة في تقويم الحكام وأرشادهم ونصحهم ، ...


فهذا المولى علاء الدين علي بن أحمد الجمالي المتوفى سنة 932هـ ، فقد كان عالماً عاملاً يمضي وقته في التلاوة والعبادة والدرس والفتوى، محافظاً على الصلوات الخمس مع الجماعة، ..


وكان كريم النفس ، طيب الاخلاق، عظيم المهابة ، صدّاعاً بالحق، عفيف اللسان لايذكر أحدا بسوء...


 ولعلاء الدين مواقف عظيمة مع السلطان سليم خان المتوفى عام 926هـ ومن ذلك : 


▪أن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين من موظفيه، فلما سمع المولى علاء الدين بالأمر ذهب الى الديوان، ولم تكن عادته الحضور الى السلطان إلا لأمر عظيم، فلم يشعر الوزراء وأهل الديوان إلا بدخول الشيخ المفتي عليهم، ..


فوثبوا يستقبلونه حتى أقعدوه في صدر المجلس وقالوا له : أي شيء دعا المولى الى المجيء الى الديوان العالي؟ قال: أريد أن أدخل على السلطان ولي معه كلام، فأستأذنوا له على السلطان، فأذن له وحده فدخل عليه وجلس، وقال :


《 وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلاً من أرباب الديوان لايجوز قتلهم شرعاً،》


 فغضب السلطان وكان صاحب حدة، وقال له: 

《لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظفيتك،》


 فقال الشيخ:

《 بل أعترض لأمر آخرتك، وإنه من وظيفتي ، ومهما عشت فإنك ميت ومعروض على الله، وواقف بين يديه للحساب، فإن عفوت فلك النجاة، وإلا فإن أمامك جهنم وعليك عقاب عظيم ، ولا يعصمك ملكك ولا ينجيك سلطانك》😢


فما كان من السلطان إلا اﻹذعان والتسليم أمام نداء الحق من هذا المحتسب، وخضع للحق، وعفا عنهم جميعاً ، ثم إن المحتسب لم يكتف بذلك بل طالبه أن يعيد الجميع الى وظائفهم ففعل. 


👌رحم الله المولى علاء الدين الذي كان عظيماً باحتسابه جريئاً في الحق لايخشى فيه لومة لائم 👍


 ولقد تأثر السلطان سليم بهذا العالم وأرسل إليه بعد ذلك وطلب منه أن يكون قاضي العسكر وقال له جمعت لك بين الطرفين لاني تحققت أنك تتكلم بالحق، فكتب إليه وصل اليّ كتابك سلمك الله تعالى وأبقاك وأمرتني بالقضاء وأني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهداً أن لاتصدر عني لفظة حكمت فأحبه السلطان محبة عظيمة.....     ....(*6).


👌وهكذا سار العثمانيون على المنهج الذي وضعه لهم المؤسس الأول.

-------------------------------------------------------------------

🔹6 - ولايغرنك الشيطان بجندك ومالك ..... ..... (*7)


وهذه المعاني يعيشها من فهم القرآن الكريم وتأثر به، وتأمل في سير الانبياء والمرسلين والمصلحين، لأنه يعلم أن التوفيق من الله تعالى وليس بالجند ولا بالمال..


 وهكذا كان موقف يوسف عليه السلام قال تعالى:

 {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} ...( يوسف 110). 


وهكذا يناجي يوسف عليه السلام ربه؛ فيقول أصبحت ممكناً في الأرض تشد الي الرحال، وتنصاع لكلمتي الرجال، ورزقتني الفهم وصواب تأويل الرؤى ، وتفسير الأحاديث ويرجع الفضل الى صاحب المن والفضل اللهعز وجل .


 يقول ابن القيم: 

"جمعت هذه الدعوة الإقرار بالتوحيد والاستسلام للرب وإظهار الافتقار إليه، والبراءة من موالاة غيره سبحانه، وكون الوفاة على الاسلام أجل غايات العبد، وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد، والاعتراف بالمعاد وطلب مرافقة السعداء"..... (*8).


وهذا ذو القرنين عندما تمّ بناء سدِّه العظيم وكان يملك الجنود والمال ويتحكم في الشعوب بالعدل قال: 

{هذا رحمة من ربي}.... (الكهف97).


👌 إنها عبارة جميلة مباركة تشير الى عدة معاني :


1- قال صاحب الظلال : (ونظر ذو القرنين الى العمل العظيم الذي قام به؛ فلم يأخذه البطر والغرور، ولم تسكره نشوة القوة والعلم، ولكنه ذكر الله فشكره، ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه...).....(*9).


إن من أعظم صور الذكر أن يتذكر العبد فضل الله عليه ، فيستشعر أن فضل الله عليه عظيم ؛ فيتواضع ويعدل ويذكر ويشكر.


وهكذا كانت وصية عثمان لابنه يحذره فيه من الشيطان ومسالكه ومداخله ويدعوه الى الاحتراز من كيده.

-------------------------------------------------------------------

(*1) العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص16. 

(*2) انظر: الحاكم والمحكوم في خطاب الوحي (2/315 الى 323). 

(*3) مسلم، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين (3/1480) رقم 1852. 

(*4) ابو داود ، كتاب الادب، باب تنزيل الناس منازلهم رقم الحديث 4822.

(*5) صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة، (1/74) رقم 55. 

(*6) انظر: شذرات الذهب (8/185). 

(*7) انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة ، ص16. 

(*8) الفوائد لابن القيم ، ص21. 

(*9) تفسير : في ظلال القرآن (4/2293). 

☆ الدولة العثمانية عوامل الإزدهار و اسباب السقوط الصلابي ص84-78

☆☆ وانظر الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار  خليل إينالجيك . 

☆☆ وانظر تاريخ الدولة العثمانية يلماز أوزوتونا الجزء الأول

-------------------------------------------------------------------

(واعلم يابني أن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله جل جلاله)

تابعوا

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list