نهاية الأندلس و تاريخ المورسكيين (9)
----------------------------------------------------------
🔹️ خلاصة ما سبق :
تدل حوادث التاريخ الأندلسي حتى أواخر القرن الثاني عشر على أن التعصب القومى أو الديني لم يكن دائما ظاهرة بارزة ، في حروب المسلمين والنصاری .
فقد كان الفريقان المتحاربان على وجه العموم يحترم بعضهم بعضا ، وكان التعصب الديني قاصرا على جماعات الفقهاء من ناحية ، وعلى القساوسة والأحبار من جهة أخرى ؛ ويوصف المسلمون في الأناشيد الإسبانية القديمة بأنهم خصوم شرفاء .
يقول العلامة دوزی : « إن الفارس الإسباني في العصور الوسطى لم يكن يحارب من أجل دينه أو وطنه ، بل كان مثل "السيد lord، محارب لكسب عيشه ، سواء في ظل أمير مسلم
أو أمير نصرانی . ولقد كان و السيد نفسه أقرب إلى روح المسلم منه إلى الكاثوليكي".
وفي أحيان كثيرة نرى المرتزقة من الفرسان والجند النصارى يعملون في الجيوش الإسلامية ؛ وفي مواطن عديدة من تاريخ اسبانيا النصرانية ، نرى الملوك والأمراء النصارى خلال الحروب الأهلية بينهم يلوذون بحماية الأمراء المسلمين .
ولما شعرت أسبانيا النصرانية أنها أضحت في مركز التفوق والغلبة؛ بعد الاستيلاء على القواعد الأندلسية الكبيرة ، وتضاؤل المملكة الإسلامية ، لم يكن ثمة ما يدعو لأن تتخذ حرب الإسترداد التي تلت بعد ذلك ، بين اسبانيا النصرانية وبين مملكة غرناطة ، ألوانا دينية أو قومية عميقة .
على أنه ما كاد يبدو تفكك المملكة الإسلامية قويا واضحا ، وما كادت حرب الإسترداد تدخل في طورها الأخير ، حتى بدت النزعة القومية والدينية واضحة قوية ، في جهود اسبانيا النصرانية للقضاء على مملكة غرناطة .
ولما اتحدت اسبانيا النصرانية نهائيا ، في مملكة موحدة بزواج فرناندو ملك أراجون وإيسابيلا ملكة قشتالة ، اتخذت حروب غرناطة الأخيرة لونا صليبيا عميقا ، يذكيها ويزيد في ضرامها حماسة هذه الملكة المتعصبة ، ومن حولها الأحبار المتعصبون ، وأسبغ على فرناندو لقب الكاثوليكي ، وعلى إيسابيلا لقب "الكاثوليكية "
وكان أول عمل قام به الجند القشتاليون حينما دخلوا غرناطة في الثاني من يناير سنة( 1492م) ، أن رفعوا الصليب فوق أبراج الحمراء ، ورفعوا إلى جانب علم قشتالة علم القديس ياقب ، وأقام الرهبان القداس داخل قصر الحمراء ،...
ودفنت الملكة إيسابيلا وزوجها الملك فرناندو في كتدرائية غرناطة التي أقيمت فوق أنقاض المسجد الجامع ،، تنويها بظفرهما على الإسلام ، ...
لقد كانت سياسة أسبانيا النصرانية إزاء الأمة الأندلسية المغلوبة ، منذ إكراهها على التنصير في عصر فرناندو حتى مأساة النفي النهائى في عصر فيليب الثالث ، تقوم على بواعث دينية وصليبية محضة ، يصوغها ويحرض عليها أحبار الكنيسة ، ويدعمها ديوان التحقيق بقضائه الكنسي المروع ووسائله الدموية ..
وعلى الجملة فقد كانت جهود أسبانيا النصرانية في القضاء على الأمة الأندلسية ، تمثل منذ بدايتها إلى نهايتها مأساة من أروع وأشنع مآسي التعصب الديني والقومي التي عرفها التاريخ .
---------------------------------------------------------------------
🔸️ أحوال الممالك الأسبانية في القرنين 11 ; 12 الميلادي
لما انهارت الدولة الإسلامية الكبرى بالأندلس ، في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي ، وانتثرت إلى عدة دول وإمارات صغيرة متنافسة هي دول الطوائف ، كانت اسبانيا النصرانية تمر بحالة مماثلة من تعدد الإمارات والدول ، وإن لم تبلغ
ما بلغته اسبانيا المسلمة من الإنقسام والتفرق .
والحقيقة أن اسبانيا النصرانية كانت قد اتحدت في أوائل القرن الحادي عشر تحت سلطان ملك قوى ، هو سانشو الثالث الملقب بسانشو الكبير (شانجه ) ملك نافار ( نبرة أو بلاد البشكنس) .
وكانت المملكة النصرانية تمتد يومئذ ، من جبال البرنيه شرقاً إلى شانت ياقب غرباً ، ومن خليج بسكونية شمالا إلى نهر دويرة جنوباً .
فلما توفى سانشو في سنة 1035 م ، قسمت مملكته الكبيرة بين أولاده الأربعة ، فاختص ولده فرناندو بقشتالة وغرسية بنافار ؛ وحكم راميرو رقعة ضيقة تمند جنوباً باشرق باسم مملكة أراجون ، فكان هذا مولد هذه المملكة النصرانية التي نمت بسرعة ولعبت فيما بعد أعظم دور في تاريخ النضال بين اسبانيا المسلمة واسبانيا النصرانية .
وحكم ولده الرابع كونثالو ولاية سوبراني في أواسط مقاطعة جبال البربنيه .
وأما مملكة ليون وجليقية في الغرب فكان يحكمها صهره برمودو الثالث . وكانت تقوم ثمة في الشرق على
أن شاطىء البحر إمارة قطلونية المستقلة ويحكمها آل برنجير .
وهكذا انقسمت المملكة النصرانية إلى عدة وحدات متنافسة ، وكان من حسن طالع المسلمين أن يقع هذا الإنقسام ، في الوقت الذي انهارت فيه الدولة الإسلامية الكبرى، وتقاسمت أشلاءها دول الطوائف الضعيفة ، وبذا قام مدى حين نوع من التوازن بين القوتين المتداعيتين.
على أنه بينما استمرت الأندلس فريسة الإضطراب والتفرق ،
إذا باسبانيا النصرانية تسير بخطوات متعاقبة في سبيل الإتحاد والتوطد ، ومع أن هذه الخطوات لم تكن دائما ثابتة الأثر ، فإنها كانت تعمل بمضى الزمن على توحيد قوى الممالك النصرانية لمواجهة العدو المشترك أعنى اسبانيا المسلمة .
وكانت قشتالة تعمل باستمرار لضم مملكة ليون اليها ، وقد نجحت غير مرة في تحقيق مشروعها بالعنف لمدى قصير . وكانت أراجون تتوق إلى ضم إمارة قطلونية التي كانت تحجبها عن البحر ، وكانت المملكتان تعملان معاً للقضاء على مملكة نافار الصغيرة ،
وقد تآمرتا بالفعل على اقتسامها بالعنف ، فاستولت قشتالة على القسم.المحاذي لنهر إيبرو ، واستولت أراجون على القسم الواقع على جبال البرينيه ، وبذلك اختفت مملكة نافار مدى حين ( ١٠٧٦م) .
ولكن هذه المملكة الصغيرة الباسلة عادت فاستردت استقلالها بعد ذلك بنحو ستين عاماً . وذلك أنه حينها توفى ألفونسو المحارب ملك أراجون وتولى الملك مكانه أخوه الراهب راميرو سنة 1134 م ، رفع النافاريون على العرش أميراً من سلالة ملوكهم القدماء هو غرسية راميرس ، وانفصلت نافار بذلك عن أراجون وقشتالة ، واستأنفت حياتها المستقلة حقبة أخرى .
ولكن أراجون وقطلونية أتيح لهما أن يتحدا غير بعيد في
مملكة موحدة ، وذلك أن ريمون برنجبر أمير قطلونية تزوج بترونلا ابنة راميرو ملك أراجون ، ولما توفى راميرو دون عقب تولى ريمون برنجير أيضاً ملك أراجون واتحدت المملكتان تحت تاج واحد ، وقامت مملكة أراجون الكبيرة من ذلك الحين (1137م)
كانت الممالك الإسبانية النصرانية خلال القرن الثاني عشر خمسا ، هي قشتالة وليون وأراجون ونافار والبرتغال ، وكانت البرتغال قبل ذلك ولاية من ولايات جليقية أو إمارة تخضع لها ، ولم تفز باستقلالها إلا في منتصف القرن الثاني عشر ،
في عهد أول ملوكها المستقلين ألفونسو هنريكيز .
وكانت هذه الممالك النصرانية الخمس دائمة الخلاف والتنافس ، هذا فضلا عما كان يعانيه كل منها من الثورات
والحروب الداخلية حول وراثة العرش .
بيد أن هذه الممالك المتنافسة ، كانت تجتمع دائماً تحت علم واحد هو علم النضال ضد اسبانيا المسلمة ، فنرى جيوشها
تجتمع متحدة في موقعة الزلاقة للقاء الجيوش الإسلامية المتحدة(479 هـ/1086م) .
وبالرغم من أن جيوش قشتالة بقيادة ألفونسو الثامن ، لقيت بمفردها جيوش الموحدين بقيادة يعقوب المنصور في موقعة الأرك الشهيرة ( 593 هـ / 1195م) ، وهي التي ظفر الموحدون فيها بالنصر الباهر ، فإنه لم تمض خمسة عشر عاما
أخرى ، حتى عادت أسبانيا النصرانية تشعر كلها بشعور واحد ، هو شعور الخطر المشترك إزاء العدو المشترك .
ومن ثم فإنه لما نشبت موقعة العقاب ( 609 هـ/1212م) وهي ثالثة المواقع العظيمة الحاسمة بين الإسلام والنصرانية في أسبانيا منذ الزلاقة ، اجتمعت جيوش المالك الاسبانية النصرانية كلها . قشتالة وأراجون ونافار - في قواتهم ، ومعهم أمداد كبيرة من ليون ومن البرتغال ، للقاء الجيوش الموحدية بقيادة محمد الناصر ولد يعقوب المنصور ، وفيها أصيب المسلمون بهزيمة مروعة ، كانت بدء الإنحلال العام في قوى الموحدين وقوى الأندلس .
وهكذا كانت اسبانيا النصرانية تبدو إزاء اسبانيا المسلمة ، كلما جد الخطر ، موحدة الرأي والقوى .
على أن الممالك النصرانية كانت تشعر فوق ذلك ، أن هذا الطقس الجغرافي المتعدد يفت في قواها ، ولا يلائم مصالحها القومية .
وكانت قشتالة وجارتها الشرقية أراجون ، هما أقوى الممالك النصرانية وأكبرهما رقعة ، وكانت كلتاهما تطمح إلى التوسع وضم ما يليها من أراضي الممالك الصغرى ، فكانت أراجون تطمح بعد انضمام قطلونية إليها ، إلى انتزاع ولايات نافار المجاورة لها ،.وكانت قشتالة تطمح إلى ضم قرينتها وجارتها القديمة ليون ، وإلى انتزاع ما بقى من ولايات نافار المجاورة لها ، وهي ولايات البشكنس .
وكانت إمارة البرتغال التي عرف مؤسسها الفونسو هنريكيز في الرواية العربية ، بابن الرنق أو ابن الرنك تحريفاً لهنر يكيز أو إنريكي الإسبانية . كانت هذه الإمارة الصغيرة الناشئة تدافع عن كيانها واستقلالها بصعوبة ، خلال هذه الأطماع
المضطرمة .
وقد استطاع ملك قشتالة القوى ألفونسو ريمونديس (ألفونسو السابع : 1117م –1150م) الذي تلقب بالقيصر ، أن يبسط على اسبانيا النصرانية في أواخر حكمه حماية عامة ، على أنه لم يحكم بالفعل سوى قشتالة وليون وجليقية .
وفي أواخر القرن الثاني عشر ، عادت الحرب الأهلية تعصف بالممالك النصرانية، وتضطرم بين نافار وبين قشتالة وأراجون . ونراها تضطرم عقب موقعة الأرك ، بين قشتالة - وبين نافار وليون المتحالفتين على قتالها .
وكانت نافار المملكة الصغيرة الباسلة تدافع عن استقلالها إزاء أطماع جيرانها الأقوياء دفاعاً متواصلا ولاسيما في عهد ملكها سانشو السابع آخر ملوكها الأقوياء ، وكان سانشو ينظر إلى تحالف جارتيه قشتالة وأراجون بعين الجزع ، ويستشعر منه الخطر الداهم على ملكه واستقلال أمته .
ولم يكتف سانشو بالتحالف مع ليون وهي المملكة الصغيرة الأخرى التي تخشى على استقلالها من أطماع قشتالة ، بل حاول أن يستمد عون سلطان خليفة الموحدين الظافر يعقوب المنصور ، وأن يعقد معه محالفة دفاعية ، وسار في بطانته إلى إشبيلية يحاول لقاءه، ولكن الخليفة المنصور كان قد توفى في ذلك الحين .
ولما عاد سانشو ألفى جاريه القويين بيدرو الأول ملك أراجون وألفونسو الثامن ملك قشتالة ، قد انقضا في غيابه على نافار يحاولان اقتسامها ؛ وبالرغم مما أبداه النافاريون من الدفاع الباسل فقد استطاع ألفونسو أن ينتزع ولايات بسكونية وأن يضمها إلى مملكته سنة ( 1200م ) ، واستطاع پیدرو أن ينتزع بعض الأراضي المجاورة لأراجون ، ولم يبق من مملكة ناقار القديمة سوى جزئها الشمالي .
ولم تمض فترة قصيرة أخرى حتى ذهب هذا الجزء إلى حوزة حكام فرنسا الجنوبيين بطريق المصاهرة والوراثة (1234م ).
وبذلك اختفت هذه المملكة الصغيرة الباسلة من بين ممالك اسبانيا النصرانية .
ولم يمض قليل على ذلك حتى اختفت مملكة ليون القديمة ، جارة قشتالة من الغرب ، وذلك أنه لما توفى ألفونسو الثامن ( النبيل ) ملك قشتالة في سنة (1213م) ، خلفه ولده الطفل هنرى ،..
وكانت كبرى بناته الأميرة برنجيريا قد تزوجت بألفونسو التاسع ملك ليون ، ثم طلقت منه بعد أن رزقت بعدة أولاد أكبرهم فرناندو ، وثار في قشتالة مدى حين نزاع على وصاية الملك الطفل هنرى ، ثم توفى قتيلا قبل أن يبلغ رشده في حادث .
وكان ألفونسو النبيل قد قرر في وصيته أنه إذا انقرض عقبه من الذكور ، فإن العرش يؤول عندئذ إلى ابنته الكبرى برنجيريا ثم إلى أعقابها الشرعيين ، وهكذا قدر لفرناندو ولد برنجيريا من ألفونسو التاسع ملك ليون ، أن يرقى عرش قشتالة باسم فرناندو الثالث ، وهو الذي غدا فيما بعد من أعظم ملوك قشتالة .
ولما توفى أبوه ألفونسو التاسع ملك ليون وجليقية في سنة ( 1230م )، خلفه أيضاً في ملك ليون باعتباره وارث العرش الشرعي ، وبذلك اتحدت مملكتا قشتالة - وليون تحت تاج واحد ، واختفت مملكة ليون وجليقية القديمة من عداد الممالك الإسبانية النصرانية ..
وأضحت قشتالة بهذا الاتحاد أقوى الممالك الإسبانية وأوسعها رقعة وأغناها موارد ، واستطاع فرناندو الثالث بفضله أن يحرز التفوق على المسلمين ، وأن يفتتح قواعد الأندلس العظيمة قرطبة وجيان وإشبيلية ، وهي التي عجز عن افتتاحها جميع
أسلافه من الملوك النصارى .
وهكذا غدت الممالك الإسبانية النصرانية منذ أوائل القرن الثالث عشر ، ثلاث ، هي قشتالة وأراجون والبرتغال ؛ وبينما قنعت البرتغال بالعمل على توطيد استقلالها وافتتاح الأراضي الإسلامية الواقعة في جنوبها ، وهي التي تعرف بولاية الغرب ، إذا بقشتالة وأراجون تعملان معا للمضى في تحقيق الغاية القومية والدينية الكبرى ، التي تعمل لها أسبانيا النصرانية منذ قرون ، وهي القضاء على الدولة الإسلامية بالأندلس واستخلاص تراث الوطن القديم .
وفي نفس الوقت انهارت دولة الموحدين بالأندلس ، على أثر انهيارها في المغرب ، وملك ابن هود مرسية وشرقى الأندلس ، وغلب ابن الأحمر على بعض القواعد الجنوبية والوسطى ، مثل وادی آش وبسطة وجيان ، وغلب بعض الزعماء على إشبيلية وقواعد ولاية الغرب ، وأخذ هؤلاء الزعماء المسلمون يتربص بعضهم ببعض ويحاول كل منهم أن ينتزع ما في يد الآخر من القواعد والحصون ..
وشعرت مملكة قشتالة المتحدة القوية بأن الفرصة قد سنحت لتسديد ضربتها المميتة إلى الأندلس وبادر ملكها فرناندو الثالث بغزو الأراضي الإسلامية .
وكانت معظم القواعد والحصون المتاخمة لقشتالة دون دفاع يذكر ، فافتتح عدداً من الحصون واستولى على مدينة أبدة في سنة(631 هـ/ 1232م) .
وفى أوائل سنة ( 1233م) سار فرناندو لغزو قرطبة عاصمة الخلافة القديمة ، وكانت أثناء الحرب الأهلية قد انضوت تحت لواء ابن هود و نادت بطاعته ، وهاجم القشتاليون قصبتها الشرقية بشدة ، وضربوا حولها الحصار ..
وكان ابن هود يضع خططه يومئذ لغزو بلنسية وقد وصله عندئذ صريخ أميرها زيان حينما هاجمه خايمي ملك أراجون، فلم يشأ إنجاد المدينة المحصورة قرطبة بالرغم من مسيره إليها ، خصوصاً وقد علم أن النصارى هاجموها بقوات كبيرة ،
فترك قرطبة لمصيرها ، ..
ودافع أهل قرطبة عن مدينتهم أعظم دفاع ، واشتبكوا النصارى خارج المدينة وفي داخلها في عدة معارك دموية شديدة ، ولكن هذه البسالة لم تغن شيئاً ، وسقطت عاصمة الأندلس القديمة ، ودخلها القشتاليون في( 23 شوال سنة 633 هـ / 29 يونيه سنة 1236 م) ورفعوا الصليب في الحال فوق مسجدها الجامع تنويها بظفر النصرانية ، وكان سقوط قرطبة نذيراً بما انتهت إليه الأندلس من بالغ الضعف والفوضى .
ولما اشتدت الحرب الأهلية بين المسلمين في شرق الأندلس ، بعث فرناندو الثالث ولده ألفونسو إلى مرسية ، واستولى عليها صلحا في سنة (640 هـ/1243م) .
ثم التفت إلى إمارة غرناطة الناشئة التي أخذت تنمو ويشتد ساعدها في ظل ابن الأحمر فانتزع منها حصن أرجونة وعدة حصون أخرى ، ووصلت قواته إلى أحواز غرناطة ، ثم أرسل جيشه لمحاصرة جيان في العام التالي ( سنة 1245م) .
وشعر ابن الأحمر أنه عاجز عن صد هذا السيل الجارف ، فاضطر إلى عقد الصلح والانضواء تحت حماية ملك قشتالة حسبما فصلنا من قبل ، وبلغ فرناندو الثالث بذلك ذروة القوة والسلطان ، وأضحت الأندلس الجنوبية كلها تحت حمايته ورهن مشيئته .
وأخذ فرناندو في الوقت نفسه يتأهب لافتتاح إشبيلية أعظم قواعد الأندلس ، وفى سنة ( 644 هـ/ 1247م) بث قواته في أحواز إشبيلية فاستولت على معظم الحصون القريبة منها ، وسير فرناندو في الوقت نفسه أسطولا في مياه نهر الوادي الكبير لكي يحول دون وصول الأمداد والمؤن إلى المدينة من ناحية البحر .
وكان يتولى الدفاع عن إشبيلية نفر من الزعماء البواسل . وأبدى المسلمون إصراراً وجلداً في الدفاع عن مدينتهم ، ولكن النصارى أحكموا حصارها ، واستمر الحصار طول الشتاء ، ثم حشد فرناندو في العام التالي حولها قوات جديدة ، وسارع إلى نجدته كثير من المتطوعة النصارى من أراجون والبرتغال ومنهم كثير من الأحبار والرهبان ، واضطر ابن الأحمر صاحب غرناطة إلى معاونة حليفه وحاميه فرناندو ببعض قواته ، وذلك كله حسما فصلناه من قبل .
وفي النهاية اضطرت الحاضرة الإسلامية الكبيرة إلى التسليم ، ودخلها النصارى في أوائل رمضان( سنة 646هـ /23 ديسمبر 1248) ، وفى الحال حولوا مسجدها الجامع إلى كنيسة جرياً على سنتهم .
وبذلك وقعت معظم القواعد الإسلامية الكبرى في يد النصارى ، ولاح شبح الفناء للأندلس واضحا منذراً ، وتوفى فرناندو الثالث في (مايو سنة 1252 م) ، بعد أن حكم قشتالة خمسة وثلاثين عاما ، ودفن في إشبيلية آخر فتوحه ، ..
وقد غدت أشبيلية منذ افتتاحها عاصمة لقشتالة مكان طليطلة ؛ وقد أسبغت عليه فيما بعد صفة القداسة، فسمى بسان فرناندو (القديس فرناندو) وذلك تنويها بما تم على يديه من ظفر عظيم للنصرانية .
وأما مملكة أراجون فقد تخلفت حينا عن قرينتها قشتالة في مناهضة المسلمين ، وكان ملكها بيدرو الثاني ، الذي خلف أباه ألفونسو على العرش في (سنة 1196م )، أميراً وافر الشجاعة والفروسة ، ولكنه شغل بتنظيم شئون مملكته الداخلية ومقاومة سلطان الأشراف ، ثم حج إلى رومة ليتلقى تاجه من يد البابا .
ولما عاد إلى أراجون شغل حينا بمحاربة الألبيين وغيرهم من الملاحدة في جنوب فرنسا ، وتوفى قتيلا في إحدى المعارك ( سنة 1224م ) . فخلفه ولده خايمی ( یعقوب Jaime) طفلا بالرغم من معارضة عميه سانشو وفرناندو ،...
وثارت من جراء ذلك في أراجون حرب أهلية استمرت عدة أعوام ، ولكنها انتهت بفوز خايمي وحزبه على الثوار ، فعاد إلى الجلوس على العرش دون منازع وذلك في (سنة 1227م) .
وما كاد خايمی يستقر في عرشه ، حتى اعتزم أن ينزل ميدان الحرب ضد المسلمين ، وأن يحاول الفوز بنصيبه من الأراضي الأندلسية ، فبدأ بغزو الجزائر الشرقية ( جزائر البليار) القريبة من شواطيء أراجون ، وسير اليها سنة (626 ھ/1229م) حملة بحرية قوية .
وكانت منورقة وباقى الجزائر الشرقية يومئذ تابعة لإمارة بلنسية التي يسيطر عليها الأمير أبو جميل زيان بن مدافع بن مردنيش ، ويحكمها من قبله أبو يحيى بن يحيى أو محمد بن على بن موسى وفق رواية أخرى ، فنزل النصارى إلى الجزيرة ، ولكنهم لقوا داخلها مقاومة عنيفة ، ودافع المسلمون عن جزيرتهم بمنتهى الشدة والبسالة ، ولكنهم اضطروا في النهاية إلى التسليم ( صفر سنة 627 ھ ) .
ومع ذلك فقد استمرت المقاومة في شعب الجزيرة بعد ذلك حينا ، واضطر خايمي أن يعود إليها مرتين حتى أتم إخضاعها
في سنة ١٢٣٣ م ؛ وسلمت منورقة وهي ثانية الجزائر للنصارى بعد ذلك.يبضع سنين .
وماكاد ملك أراجون يستولى على جزيرة منورقة حتى وجه عنايته إلى فتح بلنسية ، وسار إلى غزوها في جيش ضخم في ( رمضان سنة 635 هـ/ 1238م) واستطاع أن ينتزع الحصون الواقعة حولها تباعا .
وكانت بلنسية قد سادها الإضطراب والفوضى من جراء الحرب الأهلية ، ومع ذلك فقد تأهبت بقيادة أميرها أبي جميل زيان لمقاومة النصارى، وطوق النصارى المدينة من البر والبحر ، وبعث الأمير أبو جميل وزيره وكاتبه ابن الأبار القضاعي إلى أمير إفريقية ( تونس ) أبي زكريا الحفصى يستغيث به ، وألقى ابن الأبار بين يديه قصيدته الشهيرة التي مطلعها :
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
إن السبيل إلى منجاتها درسا
وبادر الأمير أبو زكريا بإغاثة بلنسية ، وبعث إليهم بعض الأمداد والمؤن في عدة سفن ، ولكنها لم توفق إلى الاتصال بالمدينة المحصورة ؛ واستمر الحصار أشهراً واشتد الكرب بالمسلمين ، وضاعف النصارى هجماتهم حتى اضطرت
المدينة المحصورة في النهاية إلى التسليم بشرط أن يؤمن أهلها في النفس والمال ، وأن يغادرها من شاء منهم .
وكان سقوط بلنسية في يد النصارى في ( 17صفر سنة 636 هـ/28 سبتمبر سنة 1238م ) .
وعلى أثر سقوط بلنسية تابع خايمي غزواته لباقى الأراضي الإسلامية المجاورة لها ، واستولى على دانية ولقنت في سنة ( 641 هـ/1244م ) . ثم استولى على شاطبة وأوريولة في سنة ١٢٤٦ م ( آخر سنة 644 هـ /1246م) .
وقرر خايمي أن يجلى جميع السكان المسلمين عن الأراضي التي تم افتتاحها ، فهرعت منهم جموع غفيرة إلى مملكة غرناطة حتى ضاقت بسكانها ، وهاجر الكثير منهم إلى إفريقية .
وأخذت القواعد والثغور الإسلامية القديمة تتحول تباعا إلى مدن نصرانية ، وأخذت الكثرة المسلمة تتحول بسرعة إلى أقلية من المدجنين ، تعيش في ظل الحكم الإسباني في ذلة وخضوع .
وعنى خايمي بعد ذلك بإصلاح الشئون الداخلية ، وتمت في عهده عدة.إصلاحات تشريعية خطيرة . ووضع مشروعا لتقسيم المملكة بعد وفاته بين أولاده الأربعة ، ولكنه لم يتحقق لوفاة أكبر أولاده ألفونسو ، ولما أثاره من اضطراب
في أنحاء المملكة ، وتوفى خايمي بعد حكم طويل حافل في (سنة 1274م) ، وقد أسبغت عليه فتوحاته في الأراضي الإسلامية لقب « الفاتح » .
----------------------------
🔹️ مملكة غرناطة بعد وفاة ابن الأحمر و جهود بني مرين في الدفاع عنها
لما توفى محمد بن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة ، خلفه في الملك ولده وولي عهده أبو عبدالله محمد بن محمد بن يوسف الملقب بالفقيه لعلمه وتقواه . وكان مولده بغرناطة سنة 533 هـ/ 1223م) .
وهو الذي رتب رسوم الملك للدولة النصرية ،ووضع ألقاب خدمتها ، ونظم دواوينها وجبايتها ، وخلع عليها بذلك صفتها الملوكية الزاهية .
وكان يتمتع بكثير من الخلال الحسنة، من قوة العزم ، وبعد الهمة وسعة الأفق ، والبراعة السياسية . وكان عالماً أديبا يقرض الشعر ، ويؤثر مجالس العلماء ، والأدباء (*1).
وفي أول عهده نشط ملك قشتالة ألفونسو العاشر الملقب بالعالم أو الحكيم ؛ إلى محاربة المسلمين ، وكان مثل أبيه فرناندو الثالث ، يرى أن دولة الإسلام بالأندلس قد دنت نهايتها ، ويتربص الفرصة بالمملكة الإسلامية الفتية، ويحاول أن يعمل كأبيه للقضاء عليها قبل استفحال أمرها .
ولم يكن ملك غرناطة بغافل عن الخطر الذي يتهدده من مشاريع قشتالة . وكان محمد بن الأحمر قد أوصى ولده بالحرص على محالفة بنى مرين ، ملوك العدوة والاستنجاد بهم كلما لاح شبح الخطر الداهم . (*2)
وكان بنو مرين وهم الذين استولوا على ملك الموحدين بعد ذهاب دولتهم ، يومئذ في عنفوان قوتهم ، وكانت مملكتهم الفتية ، تشغل في نظر الأندلس ونظر اسبانيا النصرانية، نفس الفراغ الذي تركه ذهاب دولة المرابطين ثم دولة الموحدين ،
وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه الدولة الحديدة في ميدان السياسة والحرب نحو الجزيرة الإسبانية ، نفس الدور الذي أدته المملكتان المغربيتان الذاهبتان .
وبنو مرين بطن من بطون قبيلة زناتة البربرية الشهيرة ، التي ينتمي إليها عدة من القبائل التي لعبت أدواراً بارزة في تاريخ المغرب ، مثل مغراوة ومغيلة ومديونة وجراوة وعبد الواد وغيرهم .
ومع ذلك فإن بني مرين يرجعون نسبتهم إلى العرب المضرية ، وذلك بالانتساب إلى بر بن قيس عيلان بن مضر بن نزار وجدهم الأعلى جرماط بن مرين بن ورتاجي بن ماخوخ (*3) .
وكانت القبائل المرينية في بداية أمرها من العشائر البدوية المتنقلة ، تجول في صحاري المغرب الأوسط وهضابه وتسير نحو المغرب الأقصى أيام الصيف .
وفي فاتحة القرن السابع الهجري ، نشبت الحرب بينهم وبين بني عبد الواد ، فتوغلوا في هضاب المغرب ، ونزلوا بوادى
ملوية الواقع بين المغرب والصحراء وأقاموا هنالك حينا . وكانت قوى الموحدين قد تضعضعت منذ موقعة العقاب ( 609 هـ )(*4) ، وسرت إلى دولتهم عوامل التفكك والانحلال.
ولما توفى ملكهم الناصر ، وهو المهزوم في موقعة العقاب ،
سنة 610 هـ ، ولى بعده ولده يوسف المستنصر ، وكان في حدثاً ضعيف الهمة والخلال ، فانكب على لهوه وساءت أمور المملكة وسرت إليها الفوضى .
ففي تلك الآونة التي بدأ فيها ملك الموحدين يهتز في يد القدر ، نفذ بنو مرين إلى المغرب ، وتوغلوا في جنباته ، واشتبكوا مع الموحدين لأول مرة في سنة 613 هـ ، إذ حاول
الملك المستنصر أن يقضى عليهم ، فأرسل جيوشه لقتالهم ولكنها هزمت ، ..
ووصل بنو مرين إلى أحواز فاس؛ وكان أمير بني مرين يومئذ أبو محمد عبد الحق بن خالد ابن محيو ، ولكنه قتل في بعض المواقع في سنة 614هـ ، فخلفه في الإمارة ولده أبو سعيد عثمان ، واستمر يقود قومه في ميدان النضال ضد الموحدين (*5)
وفى سنة( 639 ھ /1241م ) سير الرشيد خليفة الموحدين جيشاً لقتال بني مرين فهزم الموحدون هزيمة شديدة ، واستولى المرينيون على معسكرهم .
وتوفى الرشيد في العام التالي، فخلفه في الملك أخوه أبو الحسن السعيد ، واعتزم أن يضاعف الجهد للقضاء على بني مرين ، فسير لقتالهم في سنة 642 ھ/1244م) جيشاً ضخماً
ونشبت بين الموحدين وبين بني مرين موقعة هائلة ، هزم فيها بنو مرين وقتل أميرهم أبو معرف محمد بن عبدالحق، وكانت ضربة شديدة هدت من عزائمهم مدى حين .
وتولى إمارة بني مرين بعد مقتل أبي معرف ، أخوه أبو بكر بن عبد الحق الملقب بأبي يحيى وفي عهده اشتد ساعد بني مرين واستولوا على مكناسة (643هـ ) ثم زحفوا على فاس واستولوا عليها بعد حصار شديد (648 ھ/1250م) .
وكان سقوط فاس حاضرة المغرب القديمة ، أعظم ضربة أصابت دولة الموحدين، وكان نذير الإنهيار النهائي . ثم استولوا على سجلماسة ودرعة ( 655هـ ) .
ولما توفى أبو يحيى سنة 656ه ، تولى أخوه أبو يوسف يعقوب المريني بن عبد الحق من بعده رياسة بني مرين وجعل مدينة فاس حاضرة ملكه . وفي سنة 657 هـ نشبت الحرب بين بني مرين بزعامة الأمير يغمراسن بن زيان ملك المغرب الأوسط وزعيم بني عبد الواد، فهزم يغمراسن وارتد إلى تلمسان .
وفى العام التالي (658 هـ ) هاجم النصارى ( الإسبان )
في سفنهم ثغر سلا فجأة، وقتلوا وسبوا كثيراً من أهله، فبادر أبو يوسف يعقوب بإنجاده ، وحاصر النصارى بضعة أسابيع حتى جلوا عنه .
ثم كانت الموقعة الحاسمة بين الموحدين وبني مرين ، ففي أواخر سنة (667 هـ/ 1296م) سار الواثق بالله المعروف بأبي دبوس خليفة الموحدين من مراكش لقتال بني مرين ، والتقى الجمعان في وادي غفو بين فاس ومراكش ، فهزم
الموحدون بعد معركة شديدة ، وقتل منهم عدد جم في مقدمتهم الواثق ،..
واستولى أبو يوسف المريني على معسكرهم ومؤنهم وخزائنهم ، ثم سار إلى مراكش فدخلها في التاسع من المحرم سنة 668 هـ ، وتسمى بأمير المسلمين ، وبذلك انتهت دولة الموحدين في المغرب ، كما انتهت في الأندلس ، بعد أن عاشت زهاء قرن وثلث قرن ، وقامت مكانها دولة بني مرين تسيطر على أنحاء المغرب الأقصى كله ، وتستقبل عهداً جديداً من القوة والسلطان .
-----------------
كانت أنظار الأندلس تتجه إلى تلك الدولة الحديدة الفتية ، كلما لاح لها شبح الخطر الداهم . وقد شاء القدر أن تلعب دولة بني مرين وريثة المرابطين والموحدين ، في حوادث الأندلس الداخلية والخارجية أعظم دور .
ولم يفت ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة أهمية التحالف مع بني مرين والاستنصار بهم ، فبعث قبيل وفاته بقليل حسبما رأينا إلى السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور يطلب إليه غوث الأندلس وإنجادها .
وكان السلطان أبو يوسف يعقوب المريني حينها وصله صريخ
ابن الأحمر في سنة 670 هـ يسير إلى غزو تلمسان ، فلما وقف من الرسل على حال الأندلس وما يهددها من الأخطار ، جمع أشياخ القبائل، واتفق الجميع على وجوب إنجاد الأندلس والجهاد في سبيل الله، وأرسل السلطان إلى الأمير يغمراسن صاحب تلمسان يعرض عليه عقد الصلح ، لكي يتمكن من العبور إلى الأندلس ، فأبى ..
واقتتل الفريقان على مقربة من وجدة ، في شهر رجب سنة 670 هـ /1272م) فهزم يغمراسن وفر جريحا(*6) ،
وعاد أبو يوسف مظفراً إلى المغرب ، وهو يعتزم استجابة دعوة الأندلس وإنجادها على أنه مضى أكثر من عامين قبل أن تسنح له الفرصة المرجوة ، ..
فلما تولى محمد الفقيه ملك غرناطة ، أرسل عقب ولايته بقليل وفداً من أكابر الأندلس إلى ملك بني مرين بالمغرب يحمل إليه رسالة استغاثة مؤثرة ، فشرحوا له حال الأندلس من الضعف ونقص الأهبة ، وتكالب العدو القوى عليها ، واستصرخوه للغوث والجهاد .
ومما جاء في رسالة ابن الأحمر إلى أبي يوسف بعد الديباجة :
مرین جنود الله أكبر عصبة فهم في بني أعصارهم كالمواسم،
تطول علينا بمعلوم حدك ومشهود جدك ، قد جعلك الله رحمة تحيى عيشها بجيوشك السريعة ، وخلفك سلما إلى الخير وذريعة ، فقد تطاول العدو النصراني على الإسلام ، واهتضم جناحه كل الإهتضام ، وقد استخلص قواعدها ، ومزق بلدانها ، وقتل رجالها وسبى ذراريها ونساءها ، وغنم أموالها .
وقد جاء بإبراقه وإرعاده، وعدده وإيعاده ، وطلب منا أن نسلم له ما بقى بأيدينا من المنابر والصوامع والمحاريب والجوامع ، ليقيم بها الصلبان ، ويثبت بها الأقسة والرهبان .
وقد وطأ الله لك ملكا عظيما شكرك الله على جهادك في سبيله ، وقيامك بحقه، وإجهادك في نصر دينه وتكميله، ولديك من نية الخير ، فابعث باعث بعثك إلى نصر مناره ، واقتباس نوره ، وعندك من جنود الله من يشترى الجنات بنفسه .
فإن شئت الدنيا فالأندلس قطوفها دانية ، وجناتها عالية ، وإن أردت الآخرة بها جهاد لا يفتر ، وهذه الجنة ادخرها الله لظلال سيوفكم ، واحتمال معروفكم ، ونحن نستعين بالله العظيم
وبملائكته المسومين ، ثم بكم على الكافرين »(*7) .
ثم تتابعت رسل ابن الأحمر وبنى أشقيلولة إلى السلطان أبي يوسف ، ينوهون بالخطر الداهم الذي يهدد الأندلس ، ويلتمسون إليه المبادرة بالإسعاف والإمداد ؛ فاستجاب السلطان أخيراً لدعوتهم ، وكتب إلى ابن الأحمر يطمئنه ، ويعرب عن عزمه على الجواز إلى الأندلس في فاتحة سنة أربع وسبعين ،
ومما جاء في رسالته :
" وإنا لترجو أن نصلكم بنفوس صلح جهرها وسرها ، ونسقى بماء الثلج واليقين غرها ، ونقدم عليكم بما يبسط نفوسكم ويسرها ، ويطلع لها الفرح من المكاره ويذهب عسرها ، فلتطب نفوسكم برحمة الله وعونه ، ولتفرحوا بفضل الله وصونه ، ونحن قادمون عليكم في إثر هذا إنشاء الله ، ووعدنا بوفاء يعين الله على أعدائه » ....(*8)
---------------------------------------------------------------------
(*1) الإحاطة في أخبار غرناطة ( ١٩٥٦ ) ج ١ ص ٥٦٥ .
(*2) الذخيرة السنية ص 163 ؛ و ابن خلدون ج ۷ ص ۱۹۱
(*3) الذخيرة السنية ص 10 و 11 و16
( *4) الذخيرة السنية ص ٥٢ و ٥٣ ؛ والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ج ۲ ص ۳وه
(*5) الذخيرة السنية ص ٩۳ و ٩٤
(*6) الذخيرة السنية ص ١٤٨ ؛ والاستقصاء ج ۲ ص ١٦
(*7) راجع هذه الرسالة بأكملها في الذخيرة السنية ص ١٥٩ - ١٦١ .
(*8) راجع نص رسالة السلطان أبي يوسف بأكمله في الذخيرة السنية ص ١٦٢ و ١٦٣ .
☆Isidro de las Cagigas : Los Mudéjares, P.
☆Dr. Lea: History of the Inquisition .V I
☆ المملكة الموريسكية في أوربا Scott V II.
☆ محمد عبد الله عنان نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين ص 84 - 98
--------------------------------------------------------------------
#نهايةالأندلسجواهر
إرسال تعليق