تاريخ دولة المرابطين
... (15)
وفاة الأمير يوسف بن تاشفين و️ملخص ماسبق
------------------------------------------------------------------
️رأى المرابطون إن مبايعة الخليفة العبَّاسى واجبة، ولذلك أعطوا بيعتهم له لكونهم سنيين مالكيين، فاعترفوا بالخلافة العباسية واتخذوا السواد شعارًا لهم، ونقشوا اسم الخليفة العبَّاسى على نقودهم منذ منتصف القرن الخامس الهجري،
ونزولاً عند رغبتهم اتصل بالخليفة العبَّاسى أحمد المستظهر بالله (487-512هـ / 1094م- 1118م )وأرسل إليه بعثة وزوَّدها بهدية ثمينة, وبكتاب يذكر فيه ما فتح الله على يده من البلاد فى المغرب والأَنْدَلُس، وما أحرزه من نصر للمسلمين، وعزٍّ للإسلام، ويطلب فى النهاية تقليدًا بولاية البلاد التى بسط نفوذه عليها،
وحرص الخليفة العباسي على أن يرد بنفسه على خطاب ابن تاشفين و أرسل إليه تقليدا بحكم المغرب والأندلس تحت راية الخلافة العباسية ..
------------------------------------------------------------------
علاقة المرابطين مع ملوك الطوائف
مرَّت علاقة المرابطين مع ملوك الطوائف بمراحل متعددة، وهي: المسالمة، التحالف، القتال.
أولاً : مرحلة المسالمة
لمَّا وصلت دولة المرابطين ذروة قوتها وحطت بجيوشها وأساطيلها على سهل البحر المتوسط ارتعد ملوك الطوائف، وأصابهم الخوف وركبهم الهمُّ، وأصبحوا بين قبضتين قويتين:
▪︎قبضة النصارى الذين يمكن مداراتهم بالأموال والتنازل عن بعض الحصون, ..
▪︎قبضة المرابطين الذى عرفوا بجهادهم واستعلائهم على متاع الدنيا، وحبِّهم للشهادة, ورفع المظالم عن العباد، وقد وصلهم ظلم ملوك الأَنْدَلُس، وقد اشتهر جنود المرابطين بصيت عظيم فى تحقيق النصر فى المعارك، وبأس شديد فى القتال ..
وقد أدت هذه الشهرة إلى دخول الرعب فى قلوب ملوك الطوائف، فعقدوا اجتماعًا للتشاور فى أمر الخطر القادم من الجنوب، واستقرَّ رأيهم أن يكتبوا للأمير يوسف يسألونه الإعراض عنهم, وأنَّهم تحت طاعته،...
وهذا نص الكتاب:
«أما بعد, فإنَّك إن أعرضت عنا نسبت إلى كرم, ولم تنسب إلى عجز، وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن، وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبنا فاختر لنفسك أكرم نسبتك، فإنَّك بالمحل الذى لا يجب أن تُسبَق فيه إلى مكرمة، وإن فى استبقائك ذوى البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت والسلام» (*1).
وأرسلوا مع حامل الكتاب هدايا وتحفًا نفيسة.
وبعد أن تشاور الأمير يوسف مع مستشاريه رأى إن يسالمهم ويرضى بما قدَّموا له من طاعة, وردَّ عليهم بهذا الكتاب جاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من سالمكم وسلم عليكم, وحكمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم، وإنَّكم مما فى أيديكم من الملك فى أوسع إباحة مخصوصين منا أكرم إيثار وسماحة، فاستديموا وفاءنا بوفائكم, واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، والله ولى التوفيق لنا ولكم والسلام».
وقد قرن الأمير يوسف الكتاب بالتحف وبدرق اللمط التى لا توجد إلا فى ديار المرابطين، ولما وصل كتابه إلى ملوك الطوائف فرحوا بذلك، وتقوَّت نفوسهم على قتال الإسبان، وأحب أهل الأَنْدَلُس دولة المرابطين حُكَّامهم ومحكوميهم (*2).
ثانيًا : مرحلة التحالف :
وبعد سقوط طُلَيْطِلَة فى يد الإسبان النصارى عام478هـ اضطرَّ ملوك الطوائف أن يطلبوا النجدة من الأمير يوسف الذى لبى نداءهم، وكان سببًا فى إيقاف زحف النصارى على ممالك الأَنْدَلُس، وانتصر على ألفونسو فى معركة الزِّلاقَة المشهورة.
وبعد أن احتك الأمير يوسف بملوك الطوائف, ووقف على خيانتهم وتحالفهم مع النصارى, واتصالهم بأعداء المُسْلِمِين انتقلت العلاقة من التحالف إلى العداوة.
------------------
ثالثًا: مرحلة العداوة :
حيث استعرتْ نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف انتهت بضم كل ممالك الأَنْدَلُس لدولة المرابطين إلا سَرْقُسْطَة التى حكمها أحمد بن هود, والذى كان كالشوكة فى حلق النصارى، فقد قاومهم زمنًا طويلاً،...
وتراجع النصارى أمام صمود بنى هود البطولي، وأظهر بنو هود مقدرة فائقة على قتال النصارى مما جعل المرابطين يحترمونهم،...
وتوطَّدت العلاقة الوديَّة بين الأمير يوسف والأمير أحمد بن هود الذى كان وفيًا فى عهوده, ومخلصًا فى جهاده, وحريصًا على أمَّتِه، ورضى المرابطون ببقاء أحمد بن هود حاكمًا تابعًا لهم,...
وبذلك أصبحت الأَنْدَلُس ولاية تابعة لدولة المرابطين، وتوارت العناصر والزعامات الهزيلة وانهار سلطان العصبيات الطائفية (*3).
------------------------------------------------------------------
علاقة المرابطين مع الإسبان والنصارى
كانت علاقة المرابطين مع نصارى الإسبان عدائية بصورة دائمة إذ لم يتخللها أى اتصال وديٍّ خصوصًا فى زمن الأمير يوسف بن تاشفين، ...
كان الاتصال الوحيد الذى حدث عن طريق الرسائل بين الأمير يوسف وألفونسو أثناء قيام هذا الأخير بحملته العدائية على مملكة المُعْتَمِد، ووصوله إلى مضيق جبل طارق ..
ومن جبل طارق أرسل ألفونسو إلى الأمير يوسف رسالة تفيض تهديدًا ووعيدًا، ويذكر فيها حالة ملوك الطوائف،..
وكان جواب الأمير يوسف مختصرًا: الجواب ما ترى لا ما تسمع- إن شاء الله - تعالى- وأردف:
ولا كتب إلا المشرفية والقنا ولا رسل إلا الخميس العرمرم (*4)
واستمرَّ جهاد المرابطين للنصارى الذين امتنعوا عن دخول الإسلام, ورفضوا دفع الجزية, وحملوا السيف ضد المُسْلِمِين، أمَّا الذين دفعوا الجزية, وعاشوا داخل دولة المرابطين؛ فكانت أَحكام الإسلام فى أهل الذِّمَّة تحفهم وتحفظ حقوقهم.
☆أ - عاملتهم دولة المرابطين معاملة أهل الذمة فكانت عليهم واجبات فى دولة المُسْلِمِين منها :
- التزام الجزية، وإجراء أَحكام أهل الذِّمَّة عليهم.
- وترك ما فيه ضرر على المُسْلِمِين فى أنفسهم وأموالهم؛ كالتعدى على المُسْلِمِين بضرب أو نهب.
-تحاشى ما فيه غضاضة على المُسْلِمِين، كذكر الإسلام أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي.
- تجنُّب ما فيه إظهار منكر، كشرب الخمر فى الأماكن العامة للمُسْلِمِين.
- التميُّز عن المُسْلِمِين بعلامة خاصة يُعرفون بها، كأن تكون فى اللباس أو غيره ... (*5).
☆ أما حقوقهم فى دولة المسلمِين: فهي الكف عنهم والحماية لهم، ليكونوا بالكف آمنين، وبالحماية محروسين (*6).
--------------------------------------------------------------------
وفاة الأمير يوسف بن تاشفين
بعد عبوره الثالث للأندلس لإزالة حكم ملوك الطوائف منها .. عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب، حيث مرض مرضه الأخير الذى استمرَّ زهاء عامين وشهرين، وانتهى بوفاته عن مائة عام حافلة بالجهاد والدعوة وإعزاز دين الله،...
وكانت سنة وفاته 500 هـ / 2 سبتمبر 1106م وكان ولى العهد يقوم أثناء مرض أبيه بتصريف أمور الحكم نيابة عن أبيه، ونجح نجاحًا كبيرًا فى إدارة دفَّة الحكم لدولة المرابطين,
وكانت آخر وصية من يوسف لابنه فى مستهلِّ سنة 500هـ، أن أوصى ولده وولى عهده بعده أبا الحسن عليًّ بن يوسف بثلاث وصايا
▪︎«ألا يهيج أهل جبل درن ومَن وراءه من المصامدة وأهل القبلة»
▪︎«أن يهادن بنى هود بالأَنْدَلُس, وأن يتركهم حائلين بينه وبين الروم»
▪︎ «يقبل مِمَّن أحسن من أهل قرطبة ويتجاوز عن مسيئهم» ....(*7).
------------------
لقب أمير المسلمين وناصر الدين
لما تولَّى يوسف بن تاشفين زعامة المرابطين منذ 464هـ, ظلَّ يتلقب بالإمارة إلى سقوط أبى بكر ابن عمر شهيدًا فى إحدى المعارك فى سنة 480هـ / 1087م, وعندئذٍ أصبح يوسف الزعيم الأوحد للمرابطين، واجتمع إليه أشياخ قبيلته وعرضوا عليه أن يتلقَّب بأمير المؤمنين، لإن حقََّه أكبر من أن يُلقَّب بأمير الرابطين ..
فرفض ذلك قائلاً: «حاشا أن أسمى بهذا الاسم, إنما يتسمى به خلفاء بنى العبَّاس لكونهم من تلك السلالة الكريمة وأنا رجلهم والقائم بدعوتهم» ...(*8)،
ولكنَّهم قالوا له : إنه لابد له من اسم يمتاز به على سائر الأمراء واقترحوا عليه لقب أمير المُسْلِمِين وناصر الدِّين، وأصبح العمل جاريًا به عند سائر المرابطين،
وقد أرسل كتابا بذلك إلى الولاة والقادة والعلماء جاء فيه :
«بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم تسليمًا: مِن أمير المُسْلِمِين وناصر الدِّين يوسف بن تاشفين....
... رأينا أن نُخصِّص أنفسنا بهذا الاسم لنمتاز به على سائر أمراء القبائل، وهو أمير المُسْلِمِين وناصر الدِّين، فمن خطب الخطبة العلية السامية فليخطبها بهذا الاسم إن شاء الله تعالى, والله وليُّ العدل بمنِّه وكرمه والسلام» ..(*9).
ويرى بعض المؤرخين من أمثال أبى زرع فى «روض القرطاس» إلى أن الأمير يوسف تلقَّب بأمير المُسْلِمِين فى يوم الزِّلاقَة، ولم يكن يُدعى به من قبل، وأن ملوك وأمراء الأَنْدَلُس وكانوا ثلاثة عشر ملكًا بايعوه وسلَّموا عليه باسم أمير المُسْلِمِين وهو أول من سُمى به من ملوك المغرب.
وقد تأثَّر شعب النيجر بشكل خاص بالمرابطين, وأطلق على حُكَّامه لقب أمير المُسْلِمِين, وكانوا مالكيين فى المذهب, ويرجع ذلك إلى أن المرابطين هم الذين نشروا الإسلام فى تلك الربوع النائية (*10).
------------------
استيلاء المرابطين على جزر البليار
كانت جزيرة البليار خاضعة لمُجَاهِد العامرى صاحب دانية, الذى استقل بملكها سنة 405هـ، وولى عليها بعض الولاة، ولما قتل مُجَاهِد فى سنة 436هـ تولَّى ابنه على الذى وقع فى أسر بنى هود عام 468هـ ومات فى سرقسطة سجينًا عام 474هـ،
وكانت جزيرة ميورقة تابعة لجزر البليار وكان بها مبشر بن سليمان الذى أعلن استقلاله بميورقة، وأما مدينة دانية فضمها المقتدر بن هود إلى سرقسطة، ...
ولما ضم المرابطون ممالك الطوائف تركوا مبشر بن سليمان صاحب البليار حرًا تقديرًا لجهوده التى بذلها لصدِّ النصارى، وما اشتهر به من غيرة على مصالح المسلمين، وقدرته الفذة فى حماية ملكه من غارات النصارى المتتابعة فضلاً عن كونه أقرَّ العدل, وأرضى الرعية،...
وهكذا أصبح مبشر يحكم الجزائر الشرقية فى عهد يوسف بن تاشفين، وفى السنوات الأولى من حكم على بن يوسف إلى عام 508هـ.
وعندما تحالف النصارى أمراء فرنسا والبرتغال وإسبانيا وقرروا القضاء على جزر مبشر بن سليمان خرجوا له فى خمسمائة سفينة, وضربوا على جزيرة ميورقة حصارًا عنيفًا,
وراسل مبشر أمير المسلمين على بن يوسف لنجدته ونصرة المسلمين، وتُوفى مبشر بن سليمان أثناء الحصار وقام بعده قريبه الربيع بن سليمان بن ليون, وسقطتْ ميورقة عام 508هـ, وقتل النصارى مِن المسلمين, وسبوا نساء المسلمين, وعاثوا فى الأرض فسادًا ونهبًا وتخريبًا.
وعندما اقترب أسطول المرابطين بقيادة القائد البحرى ابن «تافرطاست» وجد النصارى قد رحلوا وتركوها كأن لم تكن بالأمس, وفى الحال شرع ابن «تافرطاست» فى تعمير الجزيرة, وأعاد إليها الفارين من سكانها، وكان قد لجأ منهم إلى الجبال جموع غفيرة, وبذلك أصبحت تلك الجزر تابعة لدولة المرابطين الفتية.
وكان لأسطول المرابطين الفضل بعد الله فى التصدِّى لأطماع النورمنديين فى مدن الشمال الإفريقي، وكان لأسطول المرابطين جهاد مشكور فى سواحل أوروبا الجنوبية؛ مما عزَّز من هيبة المسلمين فى نفوس النصارى الحاقدين, فأغار على سواحل جليقية وقطلونية وإيطاليا والإمبراطورية البيزنطية (*11).
ومن أشهر قادة الأسطول المرابطى أبو عبد الله بن ميمون, وتوارث أبناؤه من بعده قيادة أساطيل المرابطين, ولعبت أسرة بنى ميمون دورًا رياديًا فى حماية ثغور المسلمين, والذَّود عن حوزتهم وأعراضهم وأموالهم وعقيدتهم.
--------
كان ميناء ألمرية من أكبر موانئ الأسطول المرابطى فى الأَنْدَلُس، وكان به قسم كبير من أسطول المرابطين بقيادة أمير البحر أبى عبد الله مُحَمَّد بن ميمون، وكان بالمرية دار صناعة للسفن، ثم تأتى بعد المرية مدينة دانية التى تعتبر مقر قيادة الأسطول المرابطى فى الأَنْدَلُس.
وكانت موانئ أسطول المرابطين تنتشر على شواطئ سواحل المغرب والأَنْدَلُس، ومن أشهرها طنجة، وبجاية وإشبيلية والجزيرة الخضراء، وجزر البليار (*12).
---------------------
عناصر جيوش المرابطين
☆1- الملثمون أو المرابطون و كانوا هم النواة الأولى , وقد اشتهر وا بقوة بأسهم فى الحرب، والثبات فى المعارك،
☆2- العرب وقد شكَّلوا فرقة مِن أهم فرق الجيش المرابطى وشاركوا فى معارك الأَنْدَلُس، وتنتمى بعض العناصر العربية إلى عرب الأَنْدَلُس.ويرجع البعض الآخر إلى قبائل بنى هلال
يقول ابن الكردبوس: «فجر ابن تاشفين عسكرًا جرارًا من مرابطين وعرب وأَنْدَلُس الشرق والغرب، وقدم عليهم قائده مُحَمَّد بن الحاج، فالتقوا بكنثرة فكانت بينهم جولات وحملات إلى أن زلزل الله أقدام المشركين, وولوا مدبرين...»(*13).
كما شاركوا فى معركة إقليش، فيقول ابن القطان: «واستشهد فى هذه الوقيعة – أى إقليش – الإمام الجزولي، وكان رجل صدق, وجماعة مِن الأعيان والعربان.. »(*14).
☆3 - الحرس الخاص: وكان يتألف مِن أشجع الجند من مختلف الولايات، ويشترط فى قبولهم أن يكونوا من ذوى القوام الحسن والشجاعة الفائقة والقوة والبراعة،
يقول أشباخ : «جمع يوسف بن تاشفين من تجار الرقيق من أقليم غانا، عددًا كبيرًا مِن العبيد واختار منهم أمهرهم وزودهم بالسلاح والخيل, ودربهم على جميع فنون القتال، وأنشأ حرسه الخاص الأسود مِن ألفى رجل،...
وأنشأ على هذا النمط حرسًا خاصًا مِن الأَنْدَلُسيين يتألف من فتيان مِن النصارى المعاهدين، وكان يوسف يحبوهم بعطفه وصلاته، وينعم على مَن امتاز منهم بالإخلاص والشجاعة بمختلف الهبات مِن الخيل والثياب والسلاح والعبيد»(*15).
وبين الدكتور سعدون عبَّاس نصر الله أن النصارى فى جيش المرابطين اعتنقوا الإسلام (*16)،
وأصبح الحرس الخاص ركنًا أساسيًا من أركان الجيش المرابطي، لا سيما أن على بن يوسف ضمَّ إليه الكثير من أسرى الحروب, وشارك هذا الحرس الخاص فى حراسة معاقل المغرب، بل حتى فى حروب الدولة ضد المُوَحِّدِين (*17).
☆4 - الحشم و كانت فرق الحشم من أهم فرق الجيش المرابطي, وكانت تتكون من قبائل زناتة والمصامدة، وكانت هذه الفرق تتقدم عادة الجيوش المرابطية فى القتال (*18).
----------------
فنون القتال لدى المرابطين
لما تولَّى الأمير يوسف مقاليد حكم المرابطين عمد إلى إصلاح نظام تسليح الجيش وطريقة إعداده للقتال،
ففى البدء كانت أسلحتهم يدوية ويعتمدون على الإبل, وهذه الأسلحة تصلح لحرب الصحراء، أمَّا حرب المدن والحصون فإنها تتطلب وسائل وأسلحة تتلاءم مع الوضع الجديد الناشيء عن حرب الحصار؛ ولهذا ابتكر الأمير يوسف الخطة العسكرية المعروفة بالتقري، وخطة التقرى تعتمد على توجيه الجيوش إلى بلاد معينة للقتال مع جيوشها فى معارك فاصلة لا لحصار المدن (*19).
وسلَّح الجيش بكل أنواع الأسلحة المعروفة من مغربية وأَنْدَلُسية ونصرانية, وكان سلاح كل فرقة مِن الجيش يتناسب مع تركيبها ووضعها القتالي: فمشاة الصف الأول يتسلحون بالقنا الطوال وبدروق اللمط.
☆ كان الأمير يوسف أثناء المعارك يرتب جيشه وفق نظام خماسي :
▪︎المقدمة: ويحتلها الجنود المشاة ووحدة الفرسان الخفيفة،
▪︎الجناحان الميمنة والميسرة: وفيهما حملة القسى والنبال وأكثرهم من أهل الثغور،
▪︎القلب يتمركز فيه الفرسان المرابطون المزودون بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، والمؤخرة ويقودها الأمير بنفسه وتتألف من صفوة الجنود والحرس ..
وكان لكل قسم من هذه الأقسام قائده الخاص، ويجتمع قادة الوحدات قبيل المعركة على شكل مجلس حربى لتلقى الأوامر والتعليمات مِن القائد الأعلى يوسف (*20).
☆ وقد تطوَّرَت فنون القتال عند المرابطين
1- ضرورة حفر الخنادق حول المدن لحمايتها من أى خطر خارجي.
2- ضرورة تعبئة الجيوش وتنظيمها قبل المعركة بوقت كاف لكى تدخل هذه الجيوش إلى المعركة، وهى على أهبة الاستعداد، وحتى لا يأخذها العدو على غرة.
3- ضرورة وضع أقوى الفرق العسكرية فى جناحى الجيش، وفى المقدمة، بينما يقود القائد العام للجيش المعركة من قلب جنده.
4- ضرورة نصب الكمائن خلف خطوط العدو.
5- عدم القتال وظهورهم إلى الماء، لأن فى ذلك هلكة لجيوشهم.
6- ضرورة إحداث عنصر المفاجأة فى بداية المعركة، عن طريق الصدام مع العدو، مع ضرورة التقدم وعدم التقهقر.
☆ وقد أتقن المرابطون فنَّ ضرب الحصار، فقد تفوَّقوا أيضًا فى فنِّ التخلص مِن الحصار، كما حدث فى تخلصهم مِن الحصار الذى ضربه الموحدون على مراكش عام 524هـ، ودام ما يقرب من أربعين يومًا، ثم تمكَّنوا وأوقعوا بالمُوَحِّدِين هزيمة منكرة عند البحيرة (*21).
☆ ومع توسُّع المرابطين فى المغرب الأقصى شعر الأمير يوسف بأهمية الأسطول البحرى لما وصلت دولته إلى شواطئ البحر الأبيض، وبعد القضاء على دولة برغواطة صاحبة الأسطول البحرى بدأ يهتم بتطوير أسطوله، واستفاد من خبرات أهل الأَنْدَلُس فى ذلك،
وأصبح أسطول المرابطين بفضل الله تعالى، ثم قادته الكبار -وعلى رأسهم أبو عبد الله بن ميمون- قوة ضاربة هددت النصارى فى جنوب البحر المتوسط, ونفَّس الله به كربات مسلمى الشمال الإفريقي، وحقق أسطول المرابطين انتصارات تجاوزت كل تقدير وحسبان (*22).
-------------------------------------------------------------------
(*1) دولة المرابطين للصلابي , ص (159). وانظر كتاب دولة المرابطين لسعدون عباس ..
(*2) دولة المرابطين, ص (160).
(*3) انظر : الأندلس فى عصر المرابطين، ص (112).
(*4) دولة المرابطين, ص (66).
(*5) انظر المغني: لابن قدامة، (ج10/606-618).
(*6) الأحكام السلطانية للماوردي, ص (143).
(*7) ابن أبي زرع, ص (103).
(*8) دولة المرابطين, ص (162).
(*9) دولة المرابطين، ص (162-163).
(*10) المرابطين, ص (162-163).
(*11) تاريخ المغرب والأندلس، ص (311).
(*12) المصدر السابق (112).
(*13) الاكتفاء، ص (107، 108).
(*14) نظم الجمان، ص (9-10)، انظر: الثغر الأعلى، الأندلس، ص (129).
(*15) تاريخ الأندلس، لأشباخ، ص (479 ،480).
(*16) دولة المرابطين، ص (170).
(*17) تاريخ المغرب فى عصر المرابطين، ص (298).
(*18) المصدر السابق نفسه.
(*19) دولة المرابطين، ص (44).
(*20) دولة المرابطين, ص (172).
(*21) تاريخ المغرب والأندلس، ص (311).
(*22) المصدر السابق نفسه، ص (311).
☆ فقه التمكين في دولة المرابطين ..الصلابي ص111-141
-------------------------------------------------------------------
تابعوا
إرسال تعليق