تاريخ الدولة الأموية (10)
نتابع بقية أسباب فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه
------------------------------------------------------------------
تحدثنا في الفقرة السابقة عن الأسباب :
● الرخاء وأثره في المجتمع
● طبيعة التحول الإجتماعيِّ في عهد عثمان رضي الله عنه
● ظهور جيل جديد
● استعداد المجتمع لقبول الشائعات
● مجيء عثمان بعد عمر، رضي الله عنهما
● خروج كبار الصَّحابة من المدينة
● العصبية الجاهلية
وإضافة إلى ماسبق نواصل شرح باقي الأسباب
--------------------------------------------------------------------
● توقُّف الفتوحات بسبب حواجز طبيعية أو بشرية
حيث توقَّفت الفتوح في أواخر عهد عثمان بسبب إما حواجز طبيعية أو بشرية لم تتجاوزها، سواء في جهات فارس، وشمالي بلاد الشَّام، أو في جهة إفريقية،و توقفت الغنائم على أثرها، فتساءل الأعراب :
أين ذهبت الغنائم القديمة؟
وأين ذهبت الأراضي المفتوحة التي يعدونها حقاً من حقوقهم ...(*1)،
وانتشرت الشائعات الباطلة التي اتهمت عثمان رضي الله عنه بأنه تصرف في الأراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه، وأنه أقطع منها لمن شاء من النَّاس،
وقد كان لها أثر، وواقع على الأعراب، وخاصة وأنَّ معظمهم بقي بدون عمل يقضون شطراً من وقتهم في الطعام،والنَّوم والشطر الآخر بالخوض في سياسة الدّولة، والحديث عن تصرُّفات عثمان التي كانت تهوِّلها السبئيَّة،
وقد أدرك أحد عمّال عثمان هذا الأمر، وهو عبد الله بن عامر، فأشار على الخليفة حيث طلب من عماله ـ وهم وزراؤه، ونصحاؤه ـ أن يجتهدوا في آرائهم، ويشيروا عليه، فأشار عليه أن يأمر النَّاس بالجهاد ويجمرهم في المغازي حتَّى لا يتعدَّى همُّ أحدهم قمل فروة رأسه، ودبر دابته ، ...(*2)
وفي ذلك الجو من الحديث، والفكر عند أفراد تعوَّدوا الغزو، ولم يفقهوا من الدِّين شيئاً كثيراً يمكن أن يتوقع كلُّ سوء ويكفي أن يحرّك هؤلاء الأعراب، وأن يُوجَّهوا توجيهاً، فإذا هم يثورون، ويحدثون القلاقل والفتن،
وهذا ما حدث بالفعل، فإنَّ الأعراب ـ بسبب توقف الفتوحات ـ ساهموا في بوادر الفتنة الأولى، وكان سبباً من أسباب اندلاعها .... ..(*3)
-----------------------
● المفهوم الخاطيء للورع بتحريم الحلال
الورع في الشريعة طيِّبٌ، وهو أن يُترك ما لا بأس به، خوفا ممَّا فيه بأس، وهو في الأصل ترفع عن المباحات في الله، ولله،
والورع شيء شخصي يصحُّ للإنسان أن يطالب به نفسه، ولكن لا يصح أن يطالب به الآخرين،
ومن أخطر أنواع الورع : الورع الجاهل الذي يجعل المباح حراماً، أو مفروضاً، وهذا الذي وقع فيه أصحاب الفتنة ،(*4)
فقد استغلَّ أعداء الإسلام يومها مشاعرهم هذه، ونفخوا فيها، فرأوا فيما فعله عثمان من المباحات، أو المصالح خروجاً على الإسلام، وتغييراً لسنَّة من سبقه،
وعظمت هذه المسائل في أعين الجهلة، فاستباحوا أو أعانوا من استباح ـ دم الخليفة الراشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه وفتحوا على المسلمين باب الفتنة إلى اليوم . ..(*5)
------------------------
● ظهور جيل جديد من الطامحين
وجد في الجيل الثاني من أبناء الصحابة رضي الله عنهم من يعتبر نفسه جديراً بالحكم والإدارة، ووجد أمثال هؤلاء أنَّ الطريق أمامهم مغلق، وفي العادة أنه متى وجد الطَّامحون الذين لا يجدون لطموحهم متنفساً، فإنَّهم يدخلون في كل عملية تغيير، ومعالجة أمر هؤلاء في غاية الأهمية ..(*6)
-------------------------
● وجود طائفة موتورة من الحاقدين
لقد دخل في الإسلام منافقون موتورون اجتمع لهم من الحقد، والذكاء والدَّهاء، ما استطاعوا به أن يدركوا نقاط الضَّعف التي يستطيعون من خلالها أن يوجدوا الفتنة، ووجدوا من يستمع إليهم بآذان صاغية، فكان من آثار ذلك ما كان ، ....(*7)
فقد عرفنا سابقاً وجود يهود، ونصارى، وفرس، وهؤلاء جميعاً معروف باعث غيظهم، وحقدهم على الإسلام، والدولة الإسلامّية،
ولكنَّنا هنا نضيف من وقع عليه حدٌ أو تعزير لأمر ارتكبه في وسط الدولة، وعاقبه الخليفة، أو ولاته في بعض الأمصار وبالذّات البصرة، والكوفة، ومصر، والمدينة،
فاستغلَّ أولئك الحاقدون من اليهود، والنصارى، والفرس، وأصحاب الجرائم مجموعات من الناس كان معظمهم من الأعراب، ممّن لا يفقهون هذا الدِّين على حقيقته، فتكوَّنت لهؤلاء جميعاً طائفة، وصفت من جميع من قابلهم بأنَّهم أصحاب شرِ،
فقد وُصفُوا: بالغوغاء من أهل الأمصار، ونزَّاع القبائل، وأهل المياه، وعبيد المدينة . (*8)،وبأنهم ذؤبان العرب ... (*9)،
وأنَّهم حثالة النَّاس ومتَّفقون على الشَّرِّ ... (*1)0،
وسفهاء عديمو الفقه (*11)، وأرذال من أوباش القبائل *12، فهم أهل جفاء، وهمج، ورعاع من غوغاء القبائل، وسفلة الأطراف الأراذل (*13) ، وأنَّهم آلة الشيطان (*14)،
وقد تردَّد في المصادر اسم عبد الله بن سبأ الصَّنعاني اليهوديِّ ضمن هؤلاء الموتورين الحاقدين، وأنه كان من اليهود، ثمّ أسلم، ولم يًنقَّب أحد عن نواياه، فتنقَّل بين البلدان الإسلاميَّة باعتباره أحد أفراد المسلمين، ... ....(*15)
وسيأتي الحديث عنه بإذن الله.
------------------------
● التّدبير المحكم لإثارة المآخذ ضدّ عثمان رضي الله عنه
كان المجتمع مهيَّئاً لقبول الأقاويل، والشائعات نتيجة عوامل وأسباب متداخلة، وكانت الأرض مهيَّأةً، ونسيج المجتمع قابلاً لتلقي الخروقات، وأصحاب الفتنة أجمعوا على الطّعن في الأمراء بحجَّة الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، حتى استمالوا النَّاس إلى صفوفهم،
ووصل الطَّعن إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن نفسه باعتباره قائد الدَّولة، وإذا ما حصرنا الدّعاوي التي رُوِّجت ضد الخليفة، وطعنوه بها، فيمكننا تصنيفها إلى مجموعات خمس
- مواقف شخصَّية له قبل توليه الخلافة (تغيبه عن بعض الغزوات، والمواقع.
- سياسته الإدارية النَّافذة توليه أقاربائه، طريقته في التَّولية.
ـ اجتهادات خاصة به، أو بمصلحة الأمَّة (إتمام الصَّلاة بمنى ، جمع القرآن ، الزِّيادة في المسجد .
ـ معاملته لبعض الصًّحابة: عمَّار، أبي ذرّ، ابن مسعود.
وقد حدث تزيُّد في إبراز المطاعن على عثمان رضي الله عنه سواء في عهده، وما واجهوه بها، وردُّه عليها في حينه، أو ما تُقوِّل عليه فيما بعد عند الرُّواة، والكتَّاب، فإنهّا لم تصح، ولم تصل إلى حدِّ أن تكون سبباً في قتله . (*16)
إن المآخذ السَّابق ذكرها والمدوَّنة في تاريخ الطَّبري، وغيره من كتب التاريخ والمرويّة عن طريق المجاهيل، والإخباريين الضُعفاء ـ خاصَّة الشيعة ـ كانت وما تزال بليَّة عظمى على الحقائق في سير الخلفاء والأئمَّة، خاصة في مراحل الاضطرابات والفتن ،
وقد كان مع الأسف لسيرة عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه من ذلك حظِّ وافر،
فرواية الحوادث بطرق غير سوية ؛ووضع الأباطيل على النَّهج الملتوي بعض ما نال تلك السيرة النيرة، من تحريف المنحرفين ، وتشويه الغالين، بغية التأليب عليه، أو التشهير به
وقد أدرك عثمان رضي الله عنه بنفسه ذلك عندما كتب إلى أمرائه :
" أمّا بعد، فإن الرَّعية طعنت في الانتشار ونزعت إلى الشرِّ، أعداها على ذلك ثلاث : دنيا مؤثرة، وأهواء متسرّعة، وضغائن محمولة " ... (*17)
وقال ابن العربي على تلك المآخذ : قالوا متعدِّين متعلِّقين برواية كذَّابين : جاء عثمان في ولايته بمظالم، ومناكير ،... هذا كله باطل سنداً ومتناً . ....(*18)
-----------------------
● استخدام الأساليب والوسائل المهيِّجة للنَّاس
وأهم هذه الأساليب إشاعة الأراجيف، حيث تردّدت كلمة الإشاعة، والإذاعة كثيراً، والتَّحريص، والمناظرة، والمجادلة للخليفة أمام النَّاس، والطَّعن على الولاة،
واستخدام تزوير الكتب ، واختلاقها على لسان الصَّحابة رضي الله عنهم، كعائشة، وعليِّ، وطلحة، والزبير، والإشاعة بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأحق بالخلافة، وأنَّه الوصي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتنظيم فرق في كل من البصرة، والكوفة، ومصر، أربع فرق من كلِّ بلد ممّا يدل على التَّدبير المسبق
وأوهموا أهل المدينة : أنهم ما جاؤوا إلا بدعوة الصَّحابة، وصعَّدوا الأحداث، حتى وصل الأمر إلى القتل ، (*19)
وإلى جوار هذه الوسائل استخدموا مجموعة من الشعارات منها : التّكبير ومنها : أنَّ جهادهم هذا ضدَّ المظالم، ومنها: أنَّهم لا يقومون إلا بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر،
ومنها: المطالبة باستبدال الولاة، وعزلهم، ثمَّ تطورت المطالبة إلى خلع عثمان
إلى أن تمادوا في جرأتهم وطالبوا، بل سارعوا إلى قتل الخليفة،
وخاصَّة حينما وصلهم الخبر بأنَّ أهل الأمصار قادمون لنصرة الخليفة، فزادهم حماسهم المحموم لتضيق الخناق على الخليفة، والشوُّق إلى قتله بأيِّ وسيلة . .. ..(*20)
---------------------
دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة
في السَّنوات الأخيرة من خلافة عثمان رضي الله عنه بدت في الأفق سمات الاضطراب في المجتمع الإسلامِّي نتيجة عوامل التَّغيير التي ذكرناها، وأخذ بعض اليهود يتحيَّنون فرصة الظهور مستغلِّين عوامل الفتنة، ومتظاهرين بالإسلام، واستعمال التَّقيَّة ( *التستر بالدين)
ومن هؤلاء : عبد الله بن سبأ الملقَّب بابن السَّوداء .
وإذا كان ابن سبأ لا يجوز التَّهويل في شأنه كما فعل بعض المغالين في تضخيم دوره في الفتنة ... (*21)
، فإنه كذلك لا يجوز التَّشكيك فيه، أو الاستهانة بالدَّور الذي لعبه في أحداث الفتنة، كعامل من عواملها،
على أنَّه أبرزها، وأخطرها، إذ أنَّ هناك أجواء للفتنة مهَّدت له، وعوامل أخرى ساعدته، وغاية ما جاء به ابن سبأ آراء، ومعتقدات ادّعاها، واخترعها من قبل نفسه، وافتعلها من يهوديَّته الحاقدة، وجعل يروِّجها لغاية ينشدها، وغرض يستهدفه،
والهدف هو الدس في المجتمع الإسلامي بغية النَّيل من وحدته، وإذكاء نار الفتنة، وغرس بذور الشِّقاق بين أفراده، فكان ذلك من جملة العوامل التي أدَّت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وتفرُّق الأمة شيعاً وأحزاباً (*22).
وخلاصة ما جاء به أن أتى بمقدِّمات صادقة، وبنى عليها مبادئ فاسدة راحت لدى السُّذَّج، والغلاة، وأصحاب الأهواء من النَّاس ،
وقد سلك في ذلك مسالك ملتوية لبَّس فيها على من حوله، حتى اجتمعوا عليه، فطرق باب القرآن بتأوّله على زعمه الفاسد، حيث قال:
" لَعَجبٌ ممَّن يزعم أنَّ عيسى يرجع، ويكذَِب بأن محمَّداً يرجع، وقد قال تعالي:
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) القصص 85
فمحمد أحق بالرجوع من عيسى " (*23)
كما سلك طريق القياس الفاسد من ادِّعاء إثبات الوصَّية لعليٍّ رضي الله عنه بقوله :
" إنَّه كان ألف نبيِّ، ولكل نبيٍّ وصيٌّ، وكان عليُّ وصيَّ محمد، ثمّ قال:
"محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء "
وحينما استقر الأمر في نفوس أتباعه انتقل إلى هدفه المرسوم، وهو خروج النَّاس على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ؛
فصادف ذلك هوىً في نفوس بعض القوم، حيث قال لهم :
" من أظلم ممَّن لم يُجِزْ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمّة ؟! "
ثمَّ قال لهم بعد ذلك :
" إن عثمان أخذها بغير حقٍّ، وهذا وصيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر، فحرَّكوه، وابدؤوا بالطَّعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، تستميلوا النَّاس، وادعوهم إلى هذا الأمر " (*24)
وبثِّ دعاته، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السِّر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك،
ويكتب أهل كلِّ بلد منهم إلى بلد آخر بما يضعون، فيقرأه أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم حتَّى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون ويسُّرون غير ما يبدون،
فيقول أهل كل مصر : إنّا لفي عافية ممَّا ابتلي به هؤلاء، إلا أهل المدينة فإنَّهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنَّا لفي عافية ممّا فيه النَّاس ... ...(*25)
ويظهر من هذا النَّصِّ الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ، فهو أراد أن يوقع الناس بين اثنين من الصَّحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحقِّ وهو عليُّ، وجعل الثاني مغتصباً وهو عثمان،
ثمّ حاول بعد ذلك أن يحرِّك النَّاس ـ خاصَّة في الكوفة ـ على أمرائهم باسم الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر فجعل هؤلاء يثورون لأصغر الحوادث على ولاتهم،
علماً بأنَّه ركَّز في جملته هذه على الأعراب الذين وجد فيهم مادّة ملائمة لتنفيذ خطّته،
فالقرَّاء منهم استهواهم عن طريق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر،
وأصحاب المطامع منهم هيّج أنفسهم، بالإشاعات المغرضة المفتراة على عثمان، مثل تحيزه لأقاربه، وإغداق الأموال من بيت مال المسلمين عليهم، وأنّه حمى الحمى لنفسه،
ثمّ إنه أخذ يحض اتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفعمة عن مصرهم إلى بقية الأمصار، وهكذا يتخيل النّاس في جميع الأمصار: أ نّ الحال بلغ من السوء ما لا مزيد عليه،
والمستفيد من هذه الحال هم السبئية، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي ، (*26)
هذا وقد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار، وأنّ الأمّة تمخض بشرٍّ، فقال: والله أن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات، ولم يحرّكها ، ...(*27)
على أن المكان الذي رتع فيه أبن سبأ هو مصر،
وهناك أخذ ينظّم حملته ضدّ عثمان رضي الله عنه، ويحثُّ على التوجّه إلى المدينة لإثارة الفتنة بدعوى : أنّ عثمان أخذ الخلافة بغير حقٍّ ، ووثب على وصيِّ رسول الله، يقصد عليَّا ، (*28)
وقد غشهم بكتب أدعّى أنها وردت من كبار الصحابة حتى إذا أتى هؤلاء الأعراب المدينة المنَّورة واجتمعوا بالصحابة ، تبرّؤوا ممّا نسب إليهم من رسائل تؤلّب النَّاس على عثمان ، (*29)
ووجدوا عثمان مقدّراً للحقوق ، بل وناطرهم فيما نسبوا إليه ، وردّ عليهم افتراءهم وفسر لهم صدق أعماله حتى قال أحد هؤلاء الأعراب وهو مالك بن الأشتر النّخعي : لعله مُكر به وبكم *يعني طرف ثالث يمكر بكم وبعثمان.(*30)
ويعتبر الذهبي : أنّ عبد الله بن سبأ المهيِّيج للفتنة بمصر، وباذر بذور الشِّقاق والنَّقمة على ولاية عثمان .(*31)
ولم يكن ابن سبأ وحده وإنَّما كان عمله ضمن شبكة من المتآمرين، وأخطبوطاً من أساليب الخداع، والاحتيال، والمكر، وتجنيد الأعراب، والقرّاء وغيرهم،
ويروي ابن كثير : أنَّ من أسباب تألُّب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ، وذهابه إلى مصر، وإذاعته بين النَّاس كلاماً اخترعه من عند نفسه، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر .(*32)
إنَّ المشاهير من المؤرِّخين والعلماء من سلف الأمَّة وخلفها يتَّفقون على أنَّ ابن سبأ ظهر بين المسلمين بعقائد، وأفكار، وخطط سبئيَّة، ليلفت المسلمين عن دينهم، وطاعة إمامهم، ويوقع بينهم الفرقة، والخلاف، ...
فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكوَّنت به الطائفة السَّبيئيَّة المعروفة التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه.
والذي يظهر من خطط السَّبئيَّة أنّها كانت أكثر تنظيماً، إذ كانت بارعة في توجيه دعايتها، ونشر أفكارها، لامتّلاكها ناصية الدِّعاية، والتَّأثير بين الغوغاء والرُّعاع من النَّاس،
كما كانت نشيطة في تكوين فروع لها سواء في البصرة، أم الكوفة، أم مصر، مستغلة العصبية القبليَّة ومتمكَّنة من إثارة مكامن التَّذمُر عند الأعراب، والعبيد، والموالي، عارفة بالمواضع الحسَّاسة في حياتهم، وبما يريدون .... (*33)
----------------------------
موقف معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في الفتنة
في يوم من أيام سنة 33 ه جلس والي الكوفة سعيد بن العاص في مجلسه العام، وحوله عامَّة النَّاس، وكانوا يتحدَّثون، ويتناقشون فيما بينهم، فتسلَّلَ الخوارج من السَّبئيين إلى المجلس، وعملوا على إفساده، وعلى إشعال نار الفتنة ؛
وجرى كلام وحوار في المجلس بين سعيد بن العاص، وبين أحد الحضور، وهو خًنيس بن حُبيش الأسدي، واختلفا على أمر، ...
وكان سبعة من الخوارج، أصحاب الفتنة جالسين، منهم: جندب الأزديُّ، الذي قتل ابنه السَّارق بسبب تورطه في قضية قتل، ومنهم الأشتر النَّخعيُ، وابن الكوَّاء، وصعصعة بن صحوان،
فاستغل أصحاب الفتنة المناسبة، وقاموا بضرب خُنيس الأسدي في المجلس، ولمَّا قام أبوه يساعده، وينقذه، ضربوه، وحاول سعيد منعهم من الضَّرب، فلم يمتنعوا، وأُغمي على الرَّجل وابنه من شدَّة الضَّرب، وجاء بنو أسد للأخذ بثأر أبنائهم، وكادت الحرب تقع بين الفريقين، ولكنَّ سعيداً تمكَّن من إصلاح الأمر ،.. ... (*34)
ولمّأ علم عثمان بالحادثة، طلب من سعيد بن العاص أن يعالج الموضوع بحكمة، وأن يضيق على الفتنة ما استطاع،
وذهب الخوارج المفتونون إلى بيوتهم، وصاروا ينشرون الإشاعات، ويُذيعون الافتراءات والأكاذيب ضدّ سعيد والي الكوفة، وضدَّ عثمان، وضدَّ أهل الكوفة ، ووجوهها، فاستاء أهل الكوفة منهم، وطلبوا من سعيد أن يعاقبهم، فقال لهم سعيد : إنَّ عثمان قد نهاني عن ذلك، فإذا أردتم ذلك، فأخبروه،
فكتب أشراف أهل الكوفة، وصلحاؤهم إلى عثمان بشأن هؤلاء النَّفر، وطلبوا منه إخراجهم من الكوفة، ونفيهم عنها، فهم مفسدون مخرِّبون فيها، فأمر عثمان واليه سعيد بن العاص بإخراجهم من الكوفة وكانوا بضعة عشر رجلاً، وأرسلهم سعيد إلى معاوية في الشام بأمر عثمان،
وكتب عثمان إلى معاوية بشأن هؤلاء، فقال له:
" إنَّ أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفراً خلقوا للفتنة. فَرُعْهُم، وأخِفْهم، وأدِّبهم، وأقم عليهم، فإن آنست منهم رشداً، فأقبل منهم . .....(*35)
ومن الذين تمَّ نفيهم إلى الشام، الأشتر النَّخعيُّ، وجندب الأزديُّ، وصعصعة بن صوحان، وكميل بن زياد، وعمير بن ضابئ، وابن الكوَّاء " ... (*36)
ولمّا قدموا على معاوية رحب بهم، وأحسن ضيافتهم، وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يُجرى عليهم بالعراق، وجعل لا يزال يتغدَّى، ويتعشَّى معهم.
وقال لهم معاوية يوماً :
" إنكم قوم من العرب لكم أسنان، وألسنة، وقد أدركتم بالإسلام شرفاً، وغلبتم الأمم، وحويتم مراتبهم، ومواريثهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشاً وإنّ قريشاً لو لم تكن، لعدتم أذلة كما كنتم " (*37)
كان عثمان رضي الله عنه يدرك: أنَّ معاوية هو أصلح لحﻻ تلك المعضلة، فله من فصاحته وبلاغته، وله من حلمه، وصبره، وله من ذكائه، ودهائه ما يواجه به الفتن، ومن أجل ذلك ما إن تقع المعضلة حتَّى يرسلها لابن أبي سفيان كي يحلَّها،
وفعلاً بذل معاوية رضي الله عنه ما بوسعه من أجل إقناع هؤلاء النَّفر : أكرمهم أوّلاً، وخالطهم، وجالسهم، وعرف سرائرهم من خلال هذه المجالسة قبل أن يحكم عليهم بما نُقل عنهم ،
وبعد أن أزال الوحشة عنهم، وأزال الكلفة بينه وبينهم، لاحظ أنَّ النَّعرة القبلية هي التي تحرِّكهم، وأنَّ شهوة الحكم والسُّلطة هي التي تثيرهم،
فكان لا بدَّ أن يلج عليهم من زاويتين اثنين:
☆ الأولى : أثر الإسلام في عزَّة العرب.
☆ الثانية : دور قريش في نشر الإسلام وتحمُّل أعبائه،
☆ بعد هذا وضع أمامهم صورة لوضع العرب ، وقد انقلبوا بالإسلام أمَّة واحدة تخضع لإمام واحد وودعوا حياة الفوضى ، وسفك الدِّماء ، والقبليَّة المنتنة ، (*38)
ويتابع معاوية حديثه معهم، فيقول :
" إن أئمَّتكم لكم إلى اليوم جُنَّة (*39) ، فلا تشذوا عن جنَّتكم، وإنَّ أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المؤونة، والله لتنتهنَّ أو ليبتلينَّكم الله بمن يسومكم، ثمَّ لا يحمدكم على الصَّبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرَّعيَّة في حياتكم، وبعد موتكم "
فقال رجل من القوم :
" أمَّا ما ذكرت من قريش، فإنها لم تكن أكثر العرب، ولا أمنعها في الجاهلية، فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجُنَّة، فإن الجُنَّة إذا اخترقت خلص إلينا "
(*يعني لو اخترقت قريش ﻷنها ضعيفة أهلكنا العدو فما الفائدة)
فقال معاوية : عرفتكم الآن !
"علمت : أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، وأنت خطيب القوم، ولا أرى لك عقلاً. !!!....
أُعْظِم عليك أمر الإسلام، وأذكِّرك به، وتذكِّرني بالجاهليَّة؟!
وقد وعظتك وتزعم لما يُجنُّك: أنه يخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجُنَّة، ؟!.
أخزى الله أقواماً أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم " .... (*40)
وعرف معاوية أنَّ الإشارة العابرة لن تقنعهم، ولا بد من شرح مسهب لواقع قريش أوَّلاً، فقال:
" افقهوا ـ ولا أظنكم تفقهون ـ أنَّ قريش لم تعزَّ في جاهليةٍ ولا في إسلام إلا بالله، عزَّ وجلَّ ـ، لم تكن أكثر العرب، ولا أشدَّهم، ولكنَّهم كانوا أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأعظمهم أخطاراً، وأكملهم مروءةً،...
ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضاً، إلا بالله الذي لا يُستَذَل من أعزَّ، ولا يوضع من رفع،...
هل تعرفون عرباً، أو عجماً، أو سوداً، أو حمراً إلا قد اصابه الدّهر في بلده، وحرمته بدولة(* غزو وهزيمة)ٍ، إلا ما كان من قريش، فإنَّه لم يردهم أحد بكيد إلا جعل الله خدَّه الأسفل،
حتى أراد الله أن ينقذ من أكرم، واتَّبع دينه من هوان الدٌّنيا، وسوء مردِّ الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثمَّ ارتضى له أصحاباً، فكان خيارهم قريشاً، ثمَّ بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، ولا يصلح ذلك إلا عليهم، فكان الله يحوطهم وهم على دينه،
وقد حاطهم الله في الجاهليَّة من الملوك الذين كانوا يدينونكم ـ أفٍّ لك، ولأصحابك ولو أن متكلماً غيرك تكلَّم، ولكنَّك ابتدأت، فأمَّا أنت يا صعصعة فإنَّ قريتك شرُّ قرىً عربية، أنتنها نبتاً، وأعمقها وادياً، وأعرفها بالشَّرِّ، وألأمها جيراناً، لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سُبَّ بها، وكانت عليه هُجنة.
ثمَّ كانوا أقبح العرب ألقاباً، وألأمها أصهاراً نزّاع الأمم، (*41)؛ وأنتم جيران الخطِّ وفعلة فارس، حتَّى أصابتكم دعوة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ونكبتك دعوته، وأنت نزيع شطير في عمان، (*42)
لم تسكن البحرين، فتشركهم في دعوة النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأنت شرُّ قومك،...
حتى إذا أبرزك الإسلام، وخلطك بالنَّاس، وحملك على الأمم التي كانت عليك، أقبلت تبغي دين الله عوجاً وتنزع إلى اللآمة، والذِّلة، ولا يصنع ذلك قريش، ولن يضرَّهم، ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم،..
إنَّ الشَّيطان عنكم غير غافل، قد عرفكم بالشَّر من بين أمَّتكم ، فأغرى النَّاس، وهو صارعكم، لقد علم: أنَّه لا يستطيع أن يردَّ بكم قضاء الله، ولا أمراً أراد الله، ولا تدركون بالشَّر أمراً إلا فتح الله عليكم شراً منه، وأخزى، ... "
ثم قام وتركهم فتذامروا، فتقاصرت إليهم أنفسهم *43
وبذلك بذل معاوية كلَّ طاقاته الفكريُّة، والثقافية، والسياسية، لإقناعهم:
☆ عرض لهم أولاً أمر قريش في الجاهلية والإسلام .
☆ تناول قبائل هؤلاء النّفر، ووضعها في الجاهلية، حيث كانت تعاني سوء المناخ، ونتن المنبت من الناحية الطبيعية، ثمّ الذلة والتبعية لفارس من الناحية السياسية، إلى أن أكرمها الله بالإسلام فعزت بعد ذلِّ، وارتقت بعد هوانٍ.
☆ تناول معاوية رضي الله عنه صعصعة بن صوحان خطيب القوم، وكيف تلكأّ عن تلبية نداء الرسالة، وقد دخل قومه بها، ثمّ عاد وأنضم إلى الإسلام، ورفعه الإسلام ثانية بعد انحدار.
☆ كشف معاوية رضي الله عنه مخطّطات صعصعة، وأصحابه، وكيف يبغون الفتنة، ويبغون دين الله عوجاً.
☆ وإن الشيطان هو وكر هذه الفتنة، ومحرّك هذا الشّر، وبذلك ربط تاريخ الأمة بالله، ثمّ الإسلام، والعقيدة ثمّ كشف عن زيف هؤلاء النّفر، وفضحهم عن آخرهم، وأبان عن مخطّطاتهم ، وصلتها بدعوى الجاهلية . (*44)
جلسة أخرى :
ثمّ أتاهم الليلة التالية فتحدَّث عنهم طويلاً، ثم قال:
" أيُّها القوم ! ردُّوا عليَّ خيراً، أو اسكتوا، وتفكَّروا، وانظروا فيما ينفعكم، وينفع أهليكم، وينفع عشائركم، وينفع جماعة المسلمين، فاطلبوه، تعيشوا، ونعش بكم "
قال صعصعة: لست بأهل لذلك، ولاكرامة لك أن تطاع في معصية الله.
فقال معاوية : أوليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله، وطاعته، وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن تعتصموا بحبله جميعاً، ولا تفرقوا؟
قالوا: بل أمرت بالفرقة، وخلاف ما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم !
قال : إنَّي آمركم الآن، إن كنت فعلت، فأتوب إلى الله، وآمركم بتقواه، وطاعته، وطاعة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ولزوم الجماعة، وكراهة الفرقة، وأن توفِّروا أئمتكم، وتدلوُّهم على كلِّ حسن ما قدرتم، وتعظوهم في لينٍ، ولطف في شيءٍ إن كان معهم،
قال صعصعة : فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإنَّ من المسلمين من هو أحقُّ به منك.
قال معاوية: من هو؟
قالوا : من كان أبوه أحسن قِدْماً من أبيك، وهو بنفسه أحسن قِدْماً منك في الإسلام، .
قال معاوية والله إن لي في الإسلام قِدْماً، ولغيري كان أحسن قِدماً منَّي،، ولكنَّه ليس في زماني أحدُ أقوى على ما أنا فيه منّي، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطَّاب، فلو كان غيري أقوى منَّي، لم يكن لي عند عمر هوادة،
ولم أحدث من الحدث ما ينبغي لي أن أعتزل عملي، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين، وجماعة المسلمين، لكتب بخطِّ يده، فاعتزلت عمله، ولو قضي الله أن يفعل ذلك، لرجوت أن يعزم له على ذلك إلا هو خير .
فمهلاً فإنَّ في ذلك وأشباهه ما يتمنَّى الشيطان، ويأمر، ولعمري لو كانت الأمور تُقضى على رأيكم، وأمانيِّكم ما استقامت الأمور لأهل الإسلام يوماً ولا ليلة، ولكنَّ الله يقضيها، ويدبِّرها وهو بالغ أمره، فعاوِدوا الخير، وقولوه.
قالوا: لست لذلك أهلاً.
قال معاوية : أما والله إنَّ لله سطوات، ونقمات، وإنِّي لخائف عليكم أن تتابعوا في مطاوعة الشَّيطان حتَّى تُحَّلكم مطاوعة الشَّيطان، ومعصية الرّحمن دار الهوان من نقم الله في عاجل الأمر، والخزي الدّائم في الآجل "
فوثبوا عليه، فأخذوا بلحيته، ورأسه
فقال معاوية : مه ! إن هذه ليست بأرض الكوفة، والله لو رأى أهل الشّام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم، فلعمري إنَّ صنيعكم ليشبه بعضه بعضاً
ثم قام من عندهم : فقال : والله لا أدخل عليكم مدخلاً ما بقيت (*45)
هذه المحاولة الأخيرة التي بذل فيها معاوية أمير الشَّام كلَّ جهده واستعمل حلمه، وثقافته، وأعصابه كي يثنيهم عن الفتنة، وإذ بهم يرفعون عقيرتهم قائلين: ليس لك أن تطاع في معصية الله ... .... (*46)
فقالوا: فإنَّا نأمرك أن تعتزل عملك، فإنَّ في المسلمين من هو أحقُّ به منك، وانتبه معاوية انتباهاً مفاجئاً إلى ما يكنُّون، فأحبَّ أنَّ يتعرف جانباً غامضاً عليه لعلَّ في هذا التعرُّف ما يوصله إلى من يحرِّكهم، ويبثًّ في ذهنهم الأراجيف المغرضة، ولكنَّهم أخفوا ما يكنُّون واكتفوا بالإشارة إلى أنَّهم يحبون أن يدع العمل لمن هو أفضل منه، ولمن أبوه أفضل من أبيه،
وهنا نجد لمعاوية جواباً مستفيضاً عن وجهة نظره في الحكم، والإمارة، والقيادة، وقد لخَّص معاوية إجابته في ستِّ نقاط أساسيَّة ومهَّمة:
ـ هي أنَّ له قِدْماً، وسابقة في الإسلام، فهو حامي ثغر الشَّام منذ وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما .
ـ أنَّ هناك في المسلمين من هو أفضل منه، وأكرم، وأحسن سابقة، وأكثر بلاءً وهو يرى أنَّه أقوى من يحمي هذا الثَّغر الإسلاميَّ العظيم ـ الشّام ـ فمنذ أن تولاه تمكن من ضبطه، وسياسته، وفهم نفسيَّات أهله حتَّى أحبُّوه.
ـ إنَّ الميزان الحساس، والمعيار الدِّقيق الذي يقيِّم الولاة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، فلو وجد من معاوية شططاً، أو انحرافاً لما عمل له طيلة خلافته،
كما ولاه من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض عمله، واستخدمه كاتباً بين يديه، وولاه أبو بكر الصَّدَّيق من بعده، ولم يطعن في كفاءته أحد.
ـ إنَّ اعتزال العمل يجب أن يستند لأسباب موجبة للاعتزال، فما هي الحجَّة التي يقدِّمها دعاة الفتنة، ليتمَّ الاعتزال على أساسها؟
ـ إنَّ الذي يقرِّر العزل عن العمل، أو البقاء في الإمارة ليس هؤلاء الأدعياء، إنَّ ذلك من من حقَّ أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وهو الذي له الحقُّ في تعيين الولاة، وعزلهم.
ـ إنَّ أمير المؤمنين عثمان يوم يقرِّر عزل معاوية، فهو واثق، أنَّ أمره خير كلَّهُ، ولا غضاضه في ذلك فهو أمير مأمور، وهو أمر خليفة المسلمين. (*47)
كان ختام الجلسة مؤسفاً أشدَّ الأسف، مؤلماً أشدَّ الألم، لقد حذَّرهم نقمة الله، وغضبه، وحذَّرهم الانقياد إلى أهوائهم وغرورهم، فماذا كان منهم مقابل ذلك؟
وثبوا عليه وأخذوا برأسه ولحيته، وعندئذ زجرهم، وقمعهم، ووجَّه لهم كلاماً قاسياً مبطَّناً بالتهديد، وعرف: أنَّ هؤلاء يستحيل أن ينصاعوا للحقِّ، فلا بدَّ من إبلاغ أمرهم لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وكشف هويَّاتهم، وخطرهم، ليرى فيهم أمير المؤمنين رأياً آخر ... ...(*48)
--------------------------------------------------------------------
(*1) تحقيق مواقف الصحابة (1/344) .
(*2) تاريخ الطبري (2/340) .
(*3)اريخ الطبري (2/340) .
(*4) تحقيق موقف الصّحابة في الفتنة (1/353) .
(*5) الأساس في السنة (4/1676) .
(*6) أحداث وأحاديث فتنة الهرج صـ 517 .
(*7) الأساس في السنة (4/1676) .
(*8) المصدر نفسه (4/1676) .
(*9) دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة صـ 392 .
(*10) المصدر السابق صـ 392 .
(*11) الطبقات (3/71) هذا وصف ابن سعد .
(*12) دراسات في عهد النبوة صـ 392 .
(*13) شذرات الذهب (1/40) هذا وصف ابن العماد .
(*14) شرح صحيح مسلم (15/148 ، 149) .
(*15) تاريخ الطبري (5/327) .
(*16) دراسة في عهد النبوة صـ 394 .
(*17)دراسات في عهد النبوة، والخلافة الراشدة صـ 400 .
(*18) التمهيد والبيان صـ 64 .
(*19) العواصم من القواصم صـ 61 ـ 63 .
(*20) دراسات في عهد النبوة صـ 401 .
(*21)المصدر نفسه صـ 402 .
(*22) مثال سعيد الأفغاني في كتابه عائشة والسياسة .
(*23) تحقيق مواقف الصحابة (1/327) .
(*24) تاريخ الطبري (5/247)
(*25) المصدر نفسه (5/348) .
(*26) المصدر السَّابق نفسه (5/348) .
(*26) الدولة الأموية يوسف العش صـ 68 ، تحقيق مواقف الصحابة (1/330) .
(*27) تاريخ الطبري (5/350) .
(*28) تحقيق مواقف الصحابة (1/330) تاريخ الطبري (5/348) .
(*29) تحقيق مواقف الصحابة (1/330) تاريخ الطبري (5/365) .
(*30) المصدر نفسه (1/331) .
(*31) تحقيق مواقف الصحابة (1/338) .
(*32)البداية والنهاية (7/167 ، 168) .
(*33) تحقيق مواقف الصحابة (1/339) .
(*34) تاريخ الطبري (5/323) .
(*35) المصدر السابق (5/324) .
(*36) الخلفاء الرّاشدون صـ 131 .
(*37) تاريخ الطبري (5/324) .
(*38) معاوية بن أبي سفيان ، لمنير الغضبان صـ 101 .
(*39) جنة : وقاية .
(*40) تاريخ الطبري (5/324) .
(*41) النزاع : جمع نزيع وهو الغريب .
(*42) الشطير : الغريب .
(*43) تاريخ الطبري (5/326) .
(*44) معاوية بن أبي سفيان، للغضبان صـ 111.
(*45) تاريخ الطبري (5/330 ، 331) .
(*46) المصدر السابق نفسه (5/330) .
(*47) معاوية بن أبي سفيان ، صحابي كبير ، وملك مجاهد صـ 114 إلى 117 .
(*48) معاوية بن أبي سفيان للغضبان صـ 117 ، 118 .
☆☆ الدولة اﻷموية - د.على الصلابي ص70-61
--------------------------------------------------------------------
كتاب معاوية إلى عثمان رضي الله عنهما بشأن أهل الفتنة من الكوفة.التالي
إرسال تعليق