تاريخ الدولة الأموية (17) الحكم الشرعي في القتال في موقعتي الجمل و صفّين

 تاريخ الدولة الأموية (17)



نكمل رأي الدكتور خالد كبير علال من خلال كتابه( قضية التحكيم في موقعة صفّين بين الحقائق و الأباطيل) ..
ثم نعرض رأي الدكتور راغب السرجاني من كتابه قصة الفتنة.
--------------------------------------------------------------------
🔸الحكم الشرعي في القتال في موقعتي الجمل و صفّين
توجد نصوص قرآنية و حديثية ، يجب استحضارها و تدبرها ،و استخدامها كضوابط شرعية تنير لنا الطريق ، عند دراستنا لحوادث الفتنة و ملابساتها .
منها قوله تعالى : ( و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى ، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ، فإن فاءت فاصلحوا بينهما و اقسطوا إن الله يحب المقسطين ، إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون)-سورة الحجرات/9،10-
فالله عزّ و جل قد سمى المقتتلين مؤمنين ،و جعلهم اخوة رغم ما حدث بينهم من بغي و قتال .
و قد نصت هتان الآيتان على وجود طائفتين مقتتلتين ، و أمرت طائفة ثالثة بالإصلاح بينهما ، فإن أبت إحداهما الصلح و استمرت في القتال ، وجب قتالها حتى تفيء إلى أمر الله .
و هذه الحالة لا تنطبق تمام الانطباق على ما جرى بين أهل العراق و الشام . فالمبادأة بالقتال لم تأت من أهل الشام ، و إنما جاءت من علي رضي الله عنه و أصحابه و أصحابه ..
( ابن تيمية: منهاج السنة ج2ص: 202،204،205 )
فعندما لم يبايعه أهل الشام قرر قتالهم .
و الآية أمرت بقتال الباغي الذي حمل السلاح و أبى أن يضعه ،و لم تأمر بقتال الباغي مطلقا( يعني ليس كل باغ على إطلاق اللفظ وإنما الباغي الذي من حمل السلاح) ...،
👌 لذلك ذهب أكثر العلماء إلى القول بأن قتال البغاة لا يجوز إلا أن يبدءوا الامام بالقتال ...
كما حدث في قتال الإمام علي للخوارج ، فإن قتاله لهم متفق عليه بين العلماء بالأحاديث الصحيحة عن الرسول-عليه الصلاة و السلام –
وهذا بخلاف قتاله في صفين ، فإن أهل الشام لم يبدؤوا بقتاله ، بل امتنعوا عن مبايعته - حتى يقتص من قتلة عثمان-
و كان ( أئمة السنة كمالك و أحمد و غيرهما ، يقولون أن قتاله للخوارج مأمور به ،و أما قتاله في الجمل و صفين فهو قتال فتنة )
( ابن تيمية: المصدر السابق ج4 ص:204) ،
فإذا التزم قوم الإسلام و أقاموا الصلاة ،و آتوا الزكاة ،و امتنعوا عن دفعها للإمام لم يجز له قتلهم عند أكثر العلماء ، كأبي حنيفة و أحمد ،و إنما قاتل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا من دفعها مطلقا .👍
و البغي لا يخرج صاحبه عن الإيمان ،و لا يوجب له النار ،و لا يمنعه الجنان .👍 ..... (*1)
و جاء في صحيح البخاري أن النبي-عليه الصلاة و السلام- قال :
( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ،و الماشي فيها خير من الساعي ، من تشرّف لهل تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به )
( صحيح البخاري ج8 ص: 92 ) .
فالحديث صريح في الحث على اعتزال الفتنة و التحذير من الخوض فيها ، و أن القاعدين عنها أحسن من الخائضين فيها .
و قد كان الصحابي أبو موسى الأشعري(ت44ه) –رضي الله عنه- يجمع الناس بمسجد الكوفة و شوارعها ،و يذكّرهم بهذا الحديث ،و يحثهم على القعود عن الفتنة . ....(*2)
و روى أبو داود عن الرسول ﷺ أنه قال عن الصحابي محمد بن مسلمة (ت43ه)- : ( لا تضرّه الفتنة ) .... ...(*3)
و هو من نجباء الصحابة ، شهد بدرا و المشاهد الأخرى ( الذهبي: السير ج2 ص:266) ،
و اعتزل الفتنة كلية ، لذلك مدحه الرسول –عليه الصلاة و السلام- و دلّ قوله فيه على أن القتال لم يكن واجبا و لا مستحبا ، إذ لو كان كذلك لم يكن ترك هذا الصحابي للقتال ، مما يمدح به ، بل كان فعل الواجب أو المستحب أفضل من تركه .....(*4)
و ثبت عند مسلم أن الرسول –صلى الله عليه وسلم – قال: (( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق )) ،
و رواية أخرى (( أدنى الطائفتين إلى الحق )) .
👌 فالحديث ذكر ثلاث طوائف – على حين فرقة بين المسلمين – اثنتان مسلمتان ،و ثالثة مارقة ،
👌 فالمسلمتان هما أهل العرق و أهل الشام ،و المارقة هم الخوارج الذين مرقوا على الإمام علي –رضي الله عنه-
و دل الحديث -أيضا- على أن لكل من الطائفتين المسلمتين تعلّق بالحق ، لكن طائفة علي ، أقرب إليه من طائفة معاوية ، لأن طائفة علي هي التي قاتلت الخوارج المارقين ...(*5)
-------------
(* نعم هذا صحيح ؛ لكن عليا رضي الله عنه لم يدع طائفة أهل الشام لقتال الخوارج حين قاتلهم ؛؛ و الأمويون وأهل الشام قاتلوا الخوارج أيضا بعد ذلك طوال وجود دولتهم إلى أن سقطت *جواهر )
------------
و روى البخاري و مسلم و غيرهما ، أن النبي –عليه الصلاة و السلام- قال : (( إن عمارا تقتله الفئة الباغية )) ..
و كان عمار-رضي الله عنه – مع أهل العراق ، و قد قتله أهل الشام في صفّين ، فالحديث دلّ على أن الفئة الباغية هي التي تقتل عمارا ، ...
و من المحتمل أن الحديث لا يشمل كل أهل الشام ، وإنما أريد به تلك العصابة- الفئة- التي حملت على عمار حتى قتلته ، ،و هي طائفة من العسكر . ....(*6)
و روي أن معاوية تأوّل الطائفة التي قتلت عمارا بأنها هي الطائفة التي جاءت به ، فردّ عليه علي بقوله : فالمسلمون إذن هم الذين قتلوا حمزة و ليس المشركون .و عند ابن تيمية أن ما ذهب غليه معاوية ضعيف ،و ان ما قاله علي هو الصواب .
( الخلافة و الملك ص: 90 ) .
لكن لا يغيب عن البال أن في الطائفتين بغاة :
● فالذين قتلوا عمارا بغاة و هم من أهل الشام ،
● و الذين قتلوا الخليفة عثمان أعظم بغيا و جرما من هؤلاء ، و هم مع جيش العراق ،
👌 مما يجعل ما ذهب إليه معاوية بن أبي سفيان له وجه من الصحة ، فقتلة عثمان هم السبب في مجيء عمار و غيره .
👌 و في هذا الأمر يرى الباحث محب الدين الخطيب ان قتلة عثمان هم الفئة الباغية ،...
فكل مقتول يوم الجمل و صفين فإثمه عليهم لأنهم هم الذين أججوا نار الفتنة بين المسلمين ، ابتداء بعثمان و انتهاء بعلي ،و مرورا بطلحة و الزبير و عمار رضي الله عنهم . .. .... ..........(*7) .
و يرى ابن تيمية أن من قاتل عليا كان باغيا ، لكن بغيه لا يخرجه من الإيمان ،و لا يوجب له النار ،و لا يمنعه من الجنان ، لأن البغي إذا كان بتأويل فصاحبه مجتهد ، ..
👌 و قد اتفق أهل السنة على أنه لا تفسّق أية طائفة من الطائفتين ،و إن كانت إحداهما باغية ، لأنهم متأوّلون مجتهدون ، و المجتهد المخطئ لا يكفّر و لا يفسّق ،و إن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب ، يرفع عقابه بالتوبة و الحسنات الماحية ،و المصائب المكفرة ،و شفاعة الرسول ،و دعاء المؤمنين . ....(*8)
و جاء في صحيح البخاري أن الرسول –عليه الصلاة و السلام- قال عن الحسن بن علي :
( إن ابني هذا سيد و لعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين )..... (صحيح البخاري ج8 ص: 98-99) ،
فأصلح الله به بين أهل العراق و الشام ، و يدل مدح رسول الله للحسن بالإصلاح بين الطائفتين المسلمتين ، على أن الإصلاح هو المحمود ، و لو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يكن تركه محمودا .... (*9)
و أشير هنا إلى أن أئمة أهل السنة ، كمالك و الأوزاعي و أحمد ، لم يصوّبوا القتال في موقعتي الجمل و صفّين ، لأنه كان قتال فتنة ، غير مأمور به ،و تركه خير من فعله .(*10)
فعلي رضي الله عنه لم يكن ملزما بقتال أهل الشام ، لمجرد امتناعهم عن بيعته ، مع كونهم ملتزمين بشعائر الإسلام ،و يطالبون بحق شرعي ، كما أن أهل الشام لم يكن لهم أن يمتنعوا عن بيعته و طاعته ، بل كان عليهم أن يبايعوه و يضعوا يدهم في يده . 👍
👌 و على كل فإن الطائفتين مؤمنتان متأولتان يستغفر لهم كلهم و يترحّم عليهم ، لقوله تعالى:
(( و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ،و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ))- سورة الحشر/10-.
👌 كما أنه لا يخفى علينا أنه لم تتحقق من الفتنة مصلحة للمسلمين ، في دينهم و لا في دنياهم ، بل نقص الخير و ازداد الشر ، و سفكت الدماء و قويت العداوة و البغضاء،و تفرّقت الأمة و لم تجتمع على إمام واحد ، و ضعفت طائفة الإمام علي التي كانت أقرب إلى الحق ،و قويت طائفة أهل الشام ( ابن تيمية : المصدر السابق ج2ص:156،223) .
و معلوم ان الفعل الذي تكون مصلحته راجحة على مفسدته ، يحصل به من الخير اعظم مما يحصل من عدمه ،👍
👌 فترك القتال كان أفضل و أصلح و أخير .
و قد كان علي رضي الله عنه يرى في القتال طريقا إلى الجماعة و الطاعة ، فاجتهد في الدماء كما اجتهد الخليفة عثمان في الأموال ،... (*11)
و أمر الدماء أخطر و أعظم ، فحصل بها من الشر أضعاف ما حصل من إعطاء الأموال .
و يبدو لي أن عليا رضي الله عنه لو اجتهد أكثر لكسب أهل مكة و الشام، ثم وجه سلاحه للاقتصاص من قتلة عثمان ، و تطهير جيشه منهم ، لأمكنه تجنب كثير من المآسي ، و لما انتهى به الأمر إلى نهايته المعروفة .
و يتبيّن مما ذكرناه ، أن النصوص الشرعية قد حذّرت من الفتنة ،و حثّت على اعتزالها ، و صنّفت المسلمين إلى أربع طوائف :
● أولها اعتزلت القتال ، و قد مدحها الرسول –عليه الصلاة و السلام – على موقفها .
● و ثانيها و ثالثها طائفتان مسلمتان اقتتلتا عن اجتهاد ، لكل منها تعلق بالحق ، لكن طائفة العراق كانت أقرب إلى الحق من طائفة أهل الشام .
● و رابعها طائفة مارقة ، جاءت الأحاديث في ذمها و قد قاتلها الإمام علي .
👌 مع العلم أن المعتزلين للفتنة المبايعين لعلي لم يقاتلوا معه ، لأنهم فرّقوا بين صحة إمامته ،و بين وجوب القتال معه ،...
👌 فلا يلزم لكونه إماما : صحة قتاله لأهل مكة و الشام .
.........(*12)
و أما الآيات و الأحاديث المتعلقة بالفتنة فهي معالم هادية ،و ضوابط شرعية تعصم الإنسان من الانحراف عن الجادة ،و تمنعه من السقوط في مهاوي الرفض و النصب ،و تنير له طريق أهل السنة ، و تمكنه من معرفة حكم الشرع في القتال الذي جرى بين المسلمين في موقعتي الجمل و صفين .
(* الرفض: يعني رفض إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ؛ و النصب : عداء علي وأهل البيت ... *جواهر)
--------------------------------------------------------------------
🔸 والآن ننقل لكم رأي الدكتور راغب السرجاني من كتابه قصة الفتنة .
--------------------------------------------------------------------
يقول بعد أن قدم أدلته من الآيات والأحاديث :
ومن هذه الآيات تظهر لنا بعض الدلالات منها:
● أن القتال بين طائفتين من المؤمنين أمر وارد، كما تذكر الآية، ويكون الحلّ الأول حينئذ الإصلاح [فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَ] .
● أما في حالة تعدّي، وبغْي إحدى الطائفتين على الأخرى [فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي] فيجتمع كل المسلمين لمقاتلة هذه الفئة التي خرجت على الإمام [حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ]
● ويذكر الله عز وجل بعد ذلك [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]
فلم ينزع الله تعالى عنهم صفة الإيمان، ولم ينزع عنهم صفة الأخوة حتى بعد القتال، وبعد أن سمّاهم بغاة.
وكلا الطرفين في هذه المعركة كان يظن أن الطرف الآخر هو الطرف الباغي المخالف للحق، والمتعدي على الحق، ومن ثَمّ يجوز قتاله لردّه إلى الحق، وكلٌّ مجتهد.
☆ فبعض الصحابة اجتهد، فعلم أن الحق مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومع هذا اعتزلوا القتال،
☆ وبعض الصحابة لم يعلم مع أي الطرفين الحق، فاعتزل القتال،
☆ وبعضهم اجتهد، فعلم أن الحق مع علي رضي الله عنه، فقاتل معه،
☆ وبعضهم اجتهد، فعلم أن الحق مع معاوية رضي الله عنه، فقاتل معه.
👌 فكان الأمر من الصعوبة بمكان، وكان فيه اجتهاد كبير،
وكان ممن اعتزل الفتنة، ولم يقاتل مع أحد الطرفين أعلام كبار من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فقد عاصر رضي الله عنه هذه الأحداث، ولم يشارك مع أيٍ من الطرفين،...
وكذلك سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأسامة بن زيد رضي الله عنه، ومحمد بن مسلمة رضي الله عنه، وعمران بن حصين رضي الله عنه، وكان ينهي عن بيع السلاح لأحد الطرفين.
👌 بل إن الفقهاء والعلماء الذين جاءوا بعد ذلك بفترة طويلة، ونظروا للأمور نظرة عامة تحيّروا في هذا الأمر، ولم يكن الأمر واضحًا لهم بشكل كامل.
● الإمام ابن تيمية رحمه الله كان يرى أن الحق مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ...
👌ولكنه كان يقول : إن معاوية لم يكن ممن اختار الحرب ابتداءً، بل كان من أشد الناس حرصًا على ألا يكون هناك قتال، ولولا تحرّك علي بن أبي طالب بالجيش من الكوفة إلى صفين لما حدث قتال.
● أما الفقهاء الأربعة فيرون جميعًا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مجتهدًا مصيبًا فله أجران، وأن معاوية رضي الله عنه كان مجتهدًا مخطئًا، فله أجر، وليس عليه وزر،
● وأضاف الإمام أحمد بن حنبل مع قناعته بكَون علي رضي الله عنه على الحق:
👌 أن القتال قتال فتنة، وأنه كان من الأصوب ألا يتم، وأن القتال في هذا الوقت، ليس بواجب، ولا مستحب.
● وكثير من أصحاب الإمام أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة قالوا بأن كلا الطرفين كان مجتهدًا مصيبًا، وأن أمر الله تعالى كان قدرًا مقدورًا.
💧 وبصفة عامة لم يختلف أحد في أن عليًا رضي الله عنه كان مصيبًا في اجتهاده بأنه يجب أن يُبايَع من المسلمين جميعًا، قبل قتل قتلة عثمان رضي الله عنه.
ومن خلال هذا كله نستطيع أن نقول:
👌إن الفئة الباغية لم تكن واضحة تمام الوضوح في ذلك الوقت في أعين الصحابة المشاركين في القتال، ولم يكن أحد يعلم يقينًا أي الطائفتين على الحق الكامل.
ربما نرى الأمور الآن واضحة، وأن الحقّ في صف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن غالب الدولة الإسلامية كان معه ضد معاوية رضي الله عنه،
👌 ولكن يجب أيضًا أن ننظر إلى وجهة نظر معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والصحابة الأبرار رضي الله عنهم جميعًا، والتابعين الذين كانوا في جيش معاوية رضي الله عنه،....
فقد كانوا جميعًا معاصرين لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ويعرفون- كالمسلمين جميعًا- مكانته وفضله، وقدره، ومنزلته العالية في الإسلام، وأنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم زوّجه ابنتيه الواحدة تلو الأخرى، ....
فكان من الصعب على معاوية رضي الله عنه، ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، والتابعين، من الصعب على نفوسهم أن يروا هذا الصحابي العظيم، والشيخ الكبير الطاعن في السن أمير المؤمنين يُقتَل هذه القتلة البشعة على أيدي أُناس لا يحفظون حق الله عز وجل، ويريدون إشعال الفتن، وتقويض دعائم الدولة الإسلامية، ....
👌 ومع هذا كله : يرون هؤلاء القتلة الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة يقاتلون في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضدهم،
فكان لهذا الأمر ألمًا كبيرًا، وجرحًا عظيمًا في نفوسهم،
وإن كان عليهم أن يجاهدوا أنفسهم، ويطيعوا أمير المؤمنين، ويبايعوه أولًا ؛ لتهدأ الفتن، ثم يحاكم هؤلاء القتلة بعد أن تستقر له الأمور ، ويمسك بزمام الدولة، ويكون له من القوة والمنعة ما يستطيع به أن يحاسبهم دون أن تثور عليه قبائلهم الكبيرة وأقوامهم الغفيرة.
👌 لكن كانت تلك وجهة نظر معاوية رضي الله عنه، ومن معه، ويجب أن تُؤخذ في الاعتبار، ويُحكم عليهم من خلالها، وإن كان على المسلم- كما ذكرنا- أن يزن المضار والمنافع، فإذا وجد مضرّتين، ولا بد أن يختار إحداهما فعليه أن يختار أخف الضررين، وكان أخفّ الضررين أن يُؤجّل قتل قتلة عثمان رضي الله عنه إلى أن تستقر الدولة، وتهدأ الأمور، ثم يحاكمهم أمير المؤمنين.
وينبغي أن نذكر في هذا المجال أن الصحابة رضي الله عنهم جميعًا لم يكونوا يصدرون آرائهم على عجل، وتسرّع، بل كانوا يجتهدون، ويستشيرون قبل تنفيذ ما يرونه من رأي،..
👌 وإذا نظرنا إلى واقعنا وجدنا أننا نطلق الأحكام دون علم، بل ربما على علم ضال خاصة، في هذه القضية- قضية الفتنة الكبرى- التي التصق بها الكثير من الروايات الشيعية المكذوبة والباطلة، والروايات الأخرى التي روّجها المستشرقون والمستغربون،
وقد درسناها نحن على أنها حقائق ثابتة، وهي في الواقع أباطيل كاذبة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعجب من أناس على عهده ويقول لهم: والله إنكم تقولون رأيًا في أمور كنا نجمع لها أهل بدر.
● ويعلّق الإمام ابن تيمية تعليقًا لطيفًا على هذه الأحداث فيقول :
كان أمر الله قدرًا مقدورًا، ووقعت الفتنة، ولا يدري أحد أي خير وراء هذا الأمر، وهناك أمور من الفقه لم نكن لنعلمها لولا وقوع هذه الفتنة.
وربما كانت ستظل علامات استفهام لفترات طويلة أمام العلماء، ولكنها وضحت من خلال تعامل الصحابة رضي الله عنهم مع معطيات الأحداث في تلك الفترة.
● لم نكن لنعرف الفرق بين البغاة، والمحاربين لولا وقوع هذه الأحداث العظيمة،
● ولم يكن هناك فئة حتى هذه اللحظة منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطبق عليهم لفظ البغاة،
ومن ثَمّ لا يعرف أحد ما هو حكم البغاة،
وهذا ما حدث بالفعل في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد اختلفوا فيمن يقاتلونهم، فأوضح لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من كبار الصحابة، كمستشاره الأول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أوضحوا للناس حكم البغاة.
نحن نريد أن نفرق بين البغاة، والمحاربين وذلك؛ لأن البغاة لفظ أخف كثيرًا وأسهل وأيسر من لفظ المحاربين، لأن المحاربين أعداء لله ورسوله، وسنفصل في أمرهم لاحقًا إن شاء الله.
🔹 من هم البغاة؟
1- أنهم خارجون عن طاعة الإمام العادل التي أوجبها الله تعالى على المؤمنين جميعًا لأولياء أمورهم في غير معصية، فلا يطلق اسم البغاة إلا على قوم خرجوا عن طاعة الإمام العادل الذي يحكم بما أنزل الله، وأمرهم بأمر ليس فيه معصية، ...
فإن خرجوا عليه بعد هذا فقد تحقق فيهم أحد شروط البغاة، أما الحاكم الظالم الذي يأمر بالمعصية، فلا يسمى الخارجون عنه بغاة.
وفي أحداث الفتنة كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يرى باجتهاده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد أمرهم بأمر فيه معصية، ولا يجب أن يطيعه في معصية، وهو أمر تأجيل قتل قتلة عثمان رضي الله عنه،...
وكان معاوية رضي الله عنه يرى أن يُؤخذ القصاص من قتلة عثمان في العاجل؛ لأن معاوية هو ولي عثمان رضي الله عنه، وهو ابن عمه، ولم يعف عن القتلة حتى يسقط القصاص، فكان يرى أن عليًا رضي الله عنه قد عطّل حدًا من حدود الله تعالى ومن ثم فلا طاعة له.
2 - أن يكون الخروج من جماعة قوية لها من الشوكة، والقوة ما يحتاج الحاكم معه إلى قوة وعتاد ومال لردّها، وليست مجرد فئة صغيرة ليس لها سلاح، وخرجت تعترض على الحاكم في أمر من الأمور فهؤلاء لا يُسمّون بغاة.
3 - أن يكون لهم تأويلًا سائغًا وحجة واضحة مقبولة في خروجهم على الحاكم، وإن كانت حجّة الإمام أقوى، أما إن كانوا خارجين دون تأويل منازعة للإمام، ورغبة في الإمارة، وحرصًا على الدنيا، ويريدون السيطرة فقط، فهم حينئذ المحاربون.
4- أن يكون لهم أمير مطاع له في الكلمة والرأي ويسمعون له ويطيعون.
فهذه هي الشروط الأربعة التي يجب توافرها في أي فئة حتى يُقال عنهم أنهم بغاة.
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قناعة تامة، وعلى يقين خالص أن معاوية رضي الله عنه، ومن معه فئة باغية يجب محاربتها، وقد استوفت هذه الشروط الأربعة التي ذكرناها آنفًا.
وحكم البغاة في الشرع يختلف كليةً عن حكم المحاربين في الدنيا، والأمر موكول إلى الله تعالى، ويجب أن يكون واضحًا أن من يقاتل معتقدًا أنه يدافع عن حق، ويقيم حدّا من حدود الله تعالى يختلف تمامًا عن من يقاتل رغبة في الدنيا، ومتاعها، وحرصًا على الرئاسة والوجاهة بين الناس....
انتهى د. راغب.... ..... (*13)
--------------------------------------------------------------------
🔸 طبعا الكثير منكم سيسألنا ماهو رأيكم أنتم ؟!
بالطبع قد أشرنا سابقا إلى أننا نضم رأينا لرأي الدكتور خالد علال وبرأينا أن الخلاف بين رأيه ورأي الدكتور راغب يتركز في فقه تحديد الفئة الباغية فالأول حدد البغاة أنهم أهل الفتنة الذين خرجوا على عثمان ثم على علي رضي الله عنهما و الثاني حدد البغاة أنهم أهل الشام ومعاوية رضي الله عنه.
وقد ارتكز الأول د.خالد على شرطين هما عدم الدخول في طاعة الإمام و حملهم السلاح ليكونوا بغاة .
أما الثاني د. راغب فقد اكتفى بعدم الدخول في طاعة الإمام ليكونوا بغاة .وعلل ذلك بأن كثرتهم تستدعي قوة لمواجهتهم.
لكن في هذا الرأي كلام :
أن خروج أهل الشام على طاعة الإمام إن صح التعبير لم يكن لشق عصا الطاعة و الخروج عن جماعة المسلمين ولا لعدم رضاهم به كخليفة و إنما علقوا البيعة لحق مشروع هو القصاص وإخراج القتلة و أهل الفتنة من جيش الإمام .
ثم إن كثرتهم لا تكون أدعى إلى قتالهم بل هي أدعى إلى التفاهم معهم و هو ما حدث فعلا بقبول التحكيم لكن بعد كل ماجرى . فلو كان التحكيم قبل الإقتتال لاختلف الأمر .
ثم إن في الشروط الأربعة التى وضعها .د راغب لتحديد البغاة شرط لا ينطبق على معاوية و أهل الشام وهو الشرط الثالث فلم يكن خروج معاوية لمنازعة الحكم ولا لغرض دنيوي و قد أقر بذلك د. راغب في أماكن أخرى من كتاباته
ثم إن الشرط الأول الذي وضعه قلق بعض الشيء
وهكذا فشروطه تنقض رأيه
هذا والله أعلى و أعلم . *جواهر
--------------------------------------------------------------------
(*1) ابن تيمية: المصدر السابق ج4 ص: 204، 205 .
(*2) الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 26، 28 ، 37، 38 .
(*3) ابن تيمية : المصدر السابق ج1 ص: 144-145 .و (*4)الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ج2 ص: 268 .
(*5) ابن تيمية : نفسه ج1 ص: 145 .
(*6) نفس المصدر ج 2 ص: 220.و ابن كثير : البداية ج 7 ص: 279، 280ن 290 و ما بعدها .و بدر الدين الحنبلي: المصدر السابق ص: 489 . و ابن العربي : العواصم ص : 123 .
(*7) ابن تيمية : الخلافة و الملك ، الجزائر ، دار الشهاب ص: 90 .و بدر الدين الحنبلي:المختصر ص:486 .
(*8) ابن العربي: المصدر السابق هامش ص : 124 .
(*9) ابن تيمية : منهاج السنة ج2 ص: 220 .
نفسه ج2 ص: 220 .
(*10 نفس المصدر ج 1ص:144، ج4ص:281 .
(*11) ابن تيمية : المصدر السابق ج2 ص: 204،223ن ج3ص: 175، 237 .
(*12) محمد آمحزون : المرجع السابق ج 2 ص: 169 .
🔸 قضية التحكيم في موقعة صفّين-بين الحقائق و الأباطيل-الدكتور خالد كبير علال ..ص21-15
🔹(*13) قصة الفتنة د. راغب السرجانى doc ص 115-111
--------------------------------------------------------------------
كل التفاعلات:
٣٦

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list