تاريخ الدولة الأموية (19)
مسألة التحكيم في موقعة صفّين (37ه)
عودة مرة أخرى إلى كتاب الدكتور خالد كبير علال
------------------------------------------------------------------
أولا : موقف أهل العراق من دعوة أهل الشام إلى الصلح
لما طالت حرب صفّين بين الطائفتين المسلمتين(سنة:37ه) ،و اشتد الحال على أهل الشام ،و ترجّحت كفة أهل العراق، اقترح عمرو بن العاص على معاوية –رضي الله عنهما- رفع المصاحف ، فوافقه و أمر جيشه برفعها ، فرفعها أهل الشام و دعوا إلى الاحتكام إلى كتاب الله . (*1)
فما هو موقف الإمام علي رضي الله عنه و أصحابه من دعوة هؤلاء إلى وقف القتال ؟
و ما هو مضمون اتفاق وقف القتال ؟ .
--------------------------------------------------------------------
أ - عن موقف الإمام علي و أصحابه من وقف القتال
تزعم الرواية -الشائعة - التي رواها المؤرخون (*2) عن الإخباري أبي مخنف لوط بن يحي (ت157ه) ، أنه لما رفع أهل الشام المصاحف ، قال علي –رضي الله عنه – لأصحابه :
● إن في الأمر مكيدة و يجب الاستمرار في القتال ، ...
● و أن رؤوس أهل الشام ، كمعاوية ،و عمرو بن العاص ،و ابن أبي معيط ،و حبيب بن مسلمة ،و ابن أبي سرح ،و الضحاك بن قيس ، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ،...
● و أنه قد صحبهم أطفالا و رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال .
● لكن أصحابه لم يوافقوه ، و قالوا له : ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله ، فنأبى أن نقبله .
● ثم تقدمت إليه –أي إلى علي- جماعة من القراء -الخوارج - و طالبوه بالموافقة على وقف القتال ،و هددوه بالقتل أو يدفعونه إلى خصمه إن لم يوافق ، فرضخ لهم و وافقهم بعدما حذّرهم من مغبة فعلهم هذا ، و أمر قادته بوقف القتال .(*3) ؛(*4)
● ثم عندما اختار أهل الشام عمرو بن العاص ممثلا عنهم في التحكيم ، اقترح عليّ على أصحابه أحد الرجلين : ابن عباس أو الأشتر النخعي كممثل عنه ،
● لم يوافقه الأشعث بن قيس و القراء-دعاة وقف القتال- و اختاروا أبا موسى الأشعري ممثلا عن العراقيين ، فلم يقبل علي ، لكن إصرارهم على موقفهم اضطره إلى الموافقة على تعيين أبا موسى الأشعري ممثلا للعراقيين في التحكيم المرتقب عند اجتماع الحكمين .
● ثم كتب الطرفان وثيقة الصلح (صفر 37ه) ،و فيها تم الاتفاق على أن يلتقي الحكمان ببلدة دومة الجندل-على الطريق بين دمشق و المدينة- في رمضان من سنة 37ه ،..
و لهما أن يؤخرا اللقاء إن أرادا ذلك إلى العام المقبل و يكون اللقاء ببلدة أذرح-جنوب بادية الشام بين الأردن و السعودية- ، و عليهما أن يحتكما إلى الكتاب و السنة (*5) .
--------------
ذلك هو موجز الرواية المشهورة عن وقف القتال في صفّين، و اختيار الحكمين و كتابة وثيقة الصلح ، ..
و هي التي سأنقدها اسنادا و متنا لإظهار قيمتها التاريخية من حيث الصحة و البطلان .
ففيما يخص إسنادها فإن من رواتها : أبو مخنف لوط بن يحي(ت157ه) ، قال عنه علماء الجرح و التعديل هو:
● إخباري تالف لا يوثق به ، ● ضعيف ليس بثقة و ليس بشيء ، ● و انه شيعي محترق صاحب أخبارهم .(*6)
فهذا الرجل إذن مطعون فيه ، و غير موضوعي ، و هذا يعني أن روايته مرفوضة من حيث الإسناد.
و أما متنها فسأنقده من عدة جوانب هي :
الجانب الأول : موقف القراء من وقف القتال و التحكيم ، فهي – على ما ذكره الطبري- ذكرت أن القراء وافقوا على وقف القتال و اجبروا عليا على موافقتهم .
لكن هذه الرواية يوجد ما يدفعها و يناقضها ، فمن ذلك أنه روي أن عليا -رضي الله عنه – عندما رجع من صفين إلى الكوفة انفصلت عنه جماعة من القراء –الخوارج- بمكان يعرف بحروراء ،و خرجت عليه و آذنته بالحرب .
( الطبري: المصدر السابق ج3ص: 105)
و هذا يعني ان هؤلاء لم يكونوا موافقين على وقف القتال و الصلح منذ البداية ، لذلك خرجوا على علي بن أبي طالب .
و قد يقال –دفعا لما ذهبت إليه – انه روي أيضا أن القراء لما اعتزلوا عليا أرسل إليهم ابن عباس ، ثم التحق به و ناظرهم فقالوا له : نحن الآن غير موافقين على وقف القتال و التحكيم ، و أننا قد كفرنا ،و هانحن نعترف بذنوبنا و نتوب ، ثم طالبوه بالتوبة فتاب عما صدر عنه ، فبايعوه و دخلوا معه الكوفة ...
( الطبري:المصدر السابق ج3ص: 105 ) .
و هذا خبر غير صحيح ، لأن هذا الاتفاق المزعوم بين علي و الخوارح ينقضه أمران :
● أولهما ان الطرفين حدثت بينهما معركة النهروان الشهيرة .(*7)
● و ثانيها أن عليا استمر على عهده مع اهل الشام ، و لم ينقضه و أرسل ممثله إلى التحكيم بدومة الجندل..
(الطبري: المصدر السابق ج 3ص: 111) .
و مما يزيد الأمر وضوحا ،و يدل على أن الخوارج كانوا رافضين للصلح ابتداء ،و لم يرفضوه بعد صفّين ، ان هناك روايات ذكرت ذلك :
☆ الرواية الأولى :
أن الذي أجبر عليا على وقف القتال و الصلح هو الأشعث بن قيس ، مع كثير من أهل اليمن، و ليس القراء.. و إنما هم - و على رأسهم عبد الله بن وهب الراسبي - أنكروا على الإمام علي قبوله التحكيم ، و قالوا له : إنك أوصلتنا إلى الفرقة و المعصية و الذل في الدنيا و الآخرة ، ثم دعوه إلى قتال عدوهم ..
( ابن قتيبة: المصدر السابق ج1 ص: 190) .
☆ الرواية الثانية :
فيها أنه لما حمل الأشعث بن قيس كتاب الصلح ليقرأه على الناس ،و مر بطائفة من بني تميم و قرأه عليهم ، قال له رجل يعرف بعروة بن أدية : ( تحكّمون في أمر الله عز و جل الرجال ؟! لا حكم إلا لله ، ..
ثم شد بسيفه و ضرب عجز دابته ضربة خفيفة و اندفعت الدابة ، ..و صاح به أصحابه : أن أملك يدك ، فرجع ) ،
فغضب للأشعث قومه و أناس كثير من اليمن ، و كاد الأمر ان يؤدي إلى فتنة لولا تدخل العقلاء .
(الطبري: المصدر السابق ج3ص: 104 ) .
فهذه الرواية صريحة في أن الرجل الرافض للصلح هو من القراء – الخوارج - لأنه رفع شعارهم : لا حكم إلا لله .
و هذه الحادثة كانت قبل الانتهاء من معركة صفين .
☆ الرواية الثالثة :
مفادها أن عليا لما أراد إرسال ممثله للتحكيم المتفق عليه ،أتاه رجلان من الخوارج ، هما : زرعة بن برج الطائي و حرقوص بن زهير السعدي ، و طالباه بالتوبة عن خطيئته ،
و بالرجوع عن التحكيم ، و الخروج إلى مقاتلة عدوهم ،
فقال لهما : إنكم قد عصيتموني في البداية ، و أنه قد اعطى العهد و لا يستطيع نكثه (*8)
فهذه الرواية تشير إلى أن الخوارج كانوا رافضين للصلح قبل أن يجتمع الحكمان ،.
و فيها –أيضا – نقض دعوى ان عليا اتفق مع الخوارج ،و أنه تاب عما صدر منه ،و ان الخوارج بايعوه من جديد ،و دخلوا معه إلى الكوفة .
☆ الرواية الرابعة :
إسنادها صحيح ، رواها الإمام أحمد و ابن أبي شيبة ، و مفادها انه لما أرسل أهل الشام مصحفا لأهل العراق ،و وافق علي بن أبي طالب على عرضهم ، جاءته الخوارج – و هم القراء أنذاك - و أنكروا عليه فعلته ، و طالبوه بالنهوض لقتال أهل الشام . (*9)
و الرواية الخامسة :
هي خبر موجز ، ذكره الإمام البخاري ، و يحتاج إلى شرح لفهمه ، و مفاده أن التابعي حبيب بن أبي ثابت قال : أتيت أبا وائل أسأله ، فقال: كنا بصفين ، فقال رجل –أرسله معاوية : ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله ، فقال علي : نعم .
فقال سهل بن حنيف -للقراء : اتهموا أنفسكم ،و في رواية : اتهموا رأيكم ، و ذكّرهم بيوم الحديبية عندما عارضوا الصلح الذي تم بين الرسول- صلى الله عليه و سلم- وبين المشركين ، فأنزل الله سورة الفتح تأييدا لرسوله . (*10)
و قد ساق هذا الصحابي حديث الحديبية ، للقراء عندما رفضوا الصلح و التحكيم و أصروا على مواصلة القتال ، فدعاهم إلى مطاوعة إمامهم علي ،و لا يخالفونه لأنه اعلم بالمصلحة منهم ، و ذكّرهم بما جرى يوم الحديبية بمعارضة الصحابة للصلح ، ثم ظهر لهم أن رسول الله كان على صواب..( محمد أمحزون: المرجع السابق ج2 ص:218 ) .
-------------------
و يتبيّن مما ذكرناه ، أن الخوارج كانوا رافضين لوقف القتال و التحكيم منذ البداية ، وان الرواية الشائعة عنهم من أنهم هم الذين دعوا إلى وقف القتال و الصلح ،و اجبروا عليا على الموافقة ، هي رواية غير صحيحة .
وهذا الرأي قال به بعض الخوارج الإباضيين المعاصرين ، منهم :
● ابو اسحاق اطفيش ● و سليمان بن داود بن يوسف ،
فالأول ذكر أن الخوارج أبوا التحكيم ،و أنكروا على عليّ رضوخه لدعاة وقف القتال و التحكيم ،و على رأسهم الأشعث بن قيس .
( الفرق بين الإباضية و الخوارج ، دم د ت ص : 7، 8 ).
و الثاني أنكر أن يكون الخوارج هم الذين ألزموا عليا على قبول التحكيم ثم تراجعوا عن رأيهم ،و قال إن هذا زعم باطل لا سند له ،و أن الأشعث بن قيس و قومه –من أهل اليمن- هم الذين أرغموا عليا على قبول التحكيم و اختيار أبي موسى الأشعري . (*11)
و يرى الباحث محمد أمحزون أن الزعم بأن القراء يتحملون مسؤولية وقف القتال و التحكيم و تعيين أبي موسى الأشعري حكما ، ما هو إلا :
( فرية تاريخية اخترعها الإخباريون الشيعة الذين كان يزعجهم أن يظهر علي –رضي الله عنه- بمظهر المتعاطف مع معاوية و أهل الشام ،و أن يرغب في الصلح مع أعدائهم التقليديين .و من جهة أخرى يحمّلون المسؤولية أعدائهم الخوارج و يتخلّصون منها ،و يجعلون دعوى الخوارج تناقض نفسها ، فهم الذين أجبروا عليا على قبول التحكيم ، و هم الذين ثاروا عليه بسبب التحكيم ) . (*12)
لكن الملاحظ أن الشيعة و الخوارج لم يعترفوا بالحقيقة ، فلم يعترف أي واحد منهم ان عليا قبل الصلح طواعية و عن اقتناع ، فالشيعة قالوا أن الخوارج أجبروه على ذلك ،و الخوارج قالوا أن الأشعث بن قيس و قومه هم الذين حملوه على قبول الصلح .
و أما الجانب الثاني : في نقدنا لرواية الطبري السابق ذكرها ، فهو يخص ما روته من أن عليا رفض وقف القتال و التحكيم ، و إنما وافق على ذلك مجبرا ،
و هذا الخبر المشهور ينقضه خبر صحيح ، رواه احمد بن حنبل و البخاري و ابن أبي شيبة ، مفاده :
انه لما أرسل أهل الشام بمصحف إلى علي بن أبي طالب ،و دعوه إلى الإحتكام إليه ،و قالوا له : بيننا و بينكم كتاب الله : ( ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب ، يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم و هم معرضون ) آل عمران /23- .
فقال علي : نعم أنا أولى بذلك ، بيننا و بينكم كتاب الله .
فجاءه القراء- الخوارج – و انكروا عليه فعلته . (*13)
فيتبين من هذا أن الإمام علي قبل التحكيم من تلقاء نفسه بعيدا عن أي ضغط ، تماشيا مع ما يوجبه الشرع من الرجوع إلى الكتاب و السنة .
و الجانب الثالث : في نقدنا للرواية المشهورة ، يخص ما روته عن علي من أنه قال عن رؤوس أهل الشام -لما رفعوا المصاحف- : ( فإن معاوية ،و عمرو بن العاص ، و ابن أبي معيط ،و حبيب بن مسلمة ، ابن أبي سرح ، و الضحاك بن قيس ، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال ) ...
( الطبري: المصدر السابق ج3ص:101 ) .
و هذا النص يحمل في طياته دليل بطلانه ، لأنه إذا كان علي بن أبي طالب ولدسنة (18أو20ق ه)، فإنه من الطبيعي جدا أن يصحب في طفولته معاوية (ولدسنة:17ق ه) ،و عمرو بن العاص(ولد سنة:20ق ه) لأنهما من سنه ،
لكن لا يمكن ان يصحب في طفولته حبيب بن مسلمة، و الضحاك بن قيس ،و الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، لأن الأول و لد سنة 2 ق ه ،و الثاني ولد سنة: 8ه أو نحو: 4ق ه ، و الثالث كان صبيا عند فتح مكة (*14) ، و علي كبير متزوّج ! .
و مما يزيد هذه الرواية بطلانا أنها ذكرت من بين رؤوس أهل الشام : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و عقبة بن أبي معيط ،
● فالأول لم يبايع عليا و لا معاوية ،و اعتزل الفتنة ،و التحق بفلسطين إلى أن توفي بها سنة : 36ه قبل معركة صفين .
● و الثاني هو الآخر اعتزل الفتنة و لم ينظم إلى أية طائفة . (*15)
--------------------------------------------------------------------
ب : عن مضمون وثيقة الصلح
روى الطبري –نقلا عن أبي مخنف لوط- أن كتاب التحكيم نص على أن يحتكم الحكمان إلى كتاب الله ، فإن لم يجدا فيه فبالسنة الجامعة غير المفرقة .
و في رواية أخرى أن يحتكما إلى القرآن و يختارا لأمة محمد –عليه الصلاة و السلام-
( الطبري: المصدر السابق ج3 ص: 103، 105) .
و ذكر اليعقوبي و المسعودي أنه على الحكمين أن يحتكما إلى كتاب الله و لا يتجاوزانه ،و لا يحيدان عنه إلى هوى و مداهنة .
( تاريخ اليعقوبي: ج2ص: 135.و مروج الذهب ج2ص: 471-472) .
و سينصب نقدي لهذه الروايات على الإسناد أولا :
● فرواية الطبري الأولى في إسنادها أبو مخنف لوط بن يحي ، و هو اخباري تالف متعصب لا يوثق به.
( الذهبي : ميزان الإعتدال ج3ص:419-420) .
● و أما روايته الثانية ففي إسنادها : عبد الله بن أحمد ،و سليمان بن يزيد ، فالأول غير ثقة ،و الثاني ليس بالقوي لا يحتج به .
( الذهبي: نفس المصدرج2ص:228،390،391) .
● و أما رواية اليعقوبي و المسعودي ، فهما لم يذكرا لما أورداه إسنادا ، و من ثم فلا قيمة لما ذكراه من حيث الإسناد ،
مع العلم أنه يجب علينا اعتبار كل منهما الراوي الوحيد في إسناد روايته ، و بما أنهما مؤرخان شيعيان ، فإنه لا يوثق بهما ، لأن أهل العلم بالنقل اتفقوا على أن الشيعة هم أكذب الطوائف ،و الكذب فيهم قديم ،و حذّروا من الأخذ عنهم ، لأنهم يضعون الحديث و يتخذونه دينا . (*16)
☆ ثانيا :
فإن هذه الروايات لم تتفق على المصدر الذي يحتكم إليه الحكمان :
● فالرواية الأولى نصت على أنهما يحتكمان إلى الكتاب أولا ، ثم السنة ثانيا .
● و الرواية الثانية اكتفت بذكر الكتاب دون ذكر لشيء آخر .
● والثالثة أكدت على ضرورة الاحتكام إلى القرآن الكريم دون غيره ، فلا يتجاوز و لا يحاد عنه .
أفلا يبعث هذا التباين الواضح الغريب على الشك في صحة هذه الروايات ؟ و ألا يدل ذلك على تلاعب الإخباريين بها ؟ .
☆ ثالثا :
أن هذه الروايات قد أشارت إلى المصدر الذي يحتكم إليه الحكمان ، لكنها ضربت صفحا عن الموضوع الذي يناقشانه و يبتان فيه ،
أليس من الغريب جدا أن لا يذكر موضوع النزاع الذي يبحث له الحكمان عن حل ! ؟ .
لكن الرواية الثالثة لمّحت لذلك بطريقة غامضة حين قالت : ( فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن ،و يخفضا ما خفض القرآن ، و أن يختارا لأمة محمد –صلى الله عليه و سلم- ) .(*17)
لكنها لم تقل لنا ماذا يختار الحكمان لأمة محمد !
● فهل يختاران لها حلا لقضية قتلة عثمان التي أوصلت المسلمين إلى الاقتتال ؟
● أم يختاران لها خليفة جديدا يتولى أمر الناس ؟ .
و ليس لتلك الروايات إجابة عن هذا الإشكال ، مما يدل على تلاعب الرواة بها .
لكن هذا الإشكال أزالته رواية أخرى رواها الذهبي حددت موضوع التحكيم صراحة ، و فيها: أن عليا و معاوية –رضي الله عنهما- قد نصا في وثيقة الصلح على ان من ولاه الحكمان الخلافة فهو الخليفة ،و من اتفقا على خلعه خلع .(*18)
لكن هذا الخبر تطعن فيه عدة أمور :
☆ أولها :
أنه يفتقد إلى الإسناد ،
☆ و ثانيها :
أنه تعرّض لقضية الخلافة في وقت كان سبب الخلاف هو قضية الاقتصاص من قتلة عثمان و ليس مسألة الخلافة ،
فجيش الشام لم يكن ينكر أحقية الإمام علي في الخلافة ، و إنما كان يطالب بالاقتصاص من قتلة عثمان كشرط للبيعة .
☆ و ثالثها :
أن أهل الشام لم يكونوا في موقف قوة لكي يشترطوا ذلك الشرط الخطير ، فهم يكفيهم أن يرفع عنهم العراقيون سيوفهم - بعدما ترجّحت كفتهم – لينجوا بأنفسهم ،
كما أن أهل العراق من المستبعد جدا أن يقبلوا بإمكانية تغيير علي بمعاوية و كفة الحرب لصالحهم .
فإقحام موضوع الخلافة في وثيقة الصلح لا ينسجم مع سياق الحوادث و أسباب النزاع في الجمل و صفين ؛ الأمر الذي يؤكد أن هذه الرواية قد تعرّضت للتحريف و التلاعب .
--------------------------------------------------------------------
و ختاما يتبين لنا :
● أن الزعم بأن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-قد أجبر على وقف القتال و قبول الصلح هو زعم باطل ، و الصواب هو أن عليا هو الذي وافق عليه طواعية دون إكراه ، لا من الأشعث بن قيس و قومه ، و لا من الخوارج الذين أصروا على مواصلة القتال لا على وقفه .
● كما أن مضمون وثيقة الصلح يؤكد تعرضها للتحريف و التلاعب .
--------------------------------------------------------------------
(*1) الطبري : المصدر السابق ج 3 ص: 101 . و اليعقوبي : المصدر السابق ج2 ص: 134 .
(*2) منهم : الطبري ،و اليعقوبي ،و المسعودي ،و ابن الأثير ،و ابن الجوزي ،و الذهبي ، و ابن كثير .
(*3) منهم : مسعر بن فذكي التميمي ،و زيد بن حصين الطائي . الطبري: المصدر السابق ج 3ص: 101 .
(*4) انظر : الطبري: نفس المصدر ج3 ص: 101، 102، 103،105،106،107.و المسعودي : المصدر السابق ج2ص: 469 .و اليعقوبي : المصدر السابق ج 2 ص: 134 .و ابن كثير : البداية ج 7 ص: 191 ، 192، 195 ، 291، 295 . و ابن الأثير : الكامل في التاريخ ج3 ص: 193 .و ابن الجوزي ك المنتظم ج5 ص: 121، 122 123. ابن طاهر المقدسي : البدء و التاريخ ج 5 ص:221 220 .و الذهبي : سير أعلام النبلاء ج2 ص: 283، 284 .
(*5) انظر : المصادر السابقة ،و ابن قتيبة: الإمامة و السياسة ، الجزائر ، موفم ، ج1 ص: 196ن 197 .
(*6) الذهبي : ميزان الاعتدال حققه محمد البجاوي ، بيروت دار احياء الكتب العربية ، ج 3 ص: 419-420
(*7) انظر : الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 115 و ما بعدها .
(*8) الطبري : المصدر السابق ج3 ص: 113 .
(*9) ابن كثير : المصدر السابق ج7 ص: 291 . و محمد آمحزون : المرجع السابق ج 2 ص: 216-217 .
(*10) صحيح البخاري كتاب التفسير ، باب : إذ يبايعونك تحت الشجرة و كتاب: الإعتصام بالكتاب و السنة .
(*11) الخوارج هم أنصار الإمام علي ، الجزائر ، دار البعث ص: 104، 105، 106 ن107 .
(*12) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ج2 ص: 215 .
(*13) البخاري : صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب إذ يبايعونك تحت الشجرة .و ابن كثير : البداية ج7 ص: 291 .و محمد أمحزون : المرجع السابق ج2 ص: 216-217 .
(*14) انظر: الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ج 3 ص: 162، 189 .و ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ، دمشق ، دار بن كثير ، ج1 ص:222 .و ابن هشام : مختصر سيرة بن هشام ، الجزائر ، مكتبة النهضة ص: 262 .و ابن كثير: البداية ج8 ص: 643 . أحمد بن حنبل : المسند رقم الحديث : 16426 ج4 ص :32 . البيهقي : سنن البيهقي ج 9ص: 54-55 .
(*15) الذهبي :السير ج 3 ص: 33 ،35 .و الخلفاء ص: 318 .و ابن العماد :شذرات ج 1 ص: 210 .و الطبري: المصدر السابق ج2 ص: 647 . و ابن العربي : العواصم: 96 .و ابن حبان : الثقات ج 3 ص: 430 .
(*16) ابن تيمية : المنهاج ج1 ص: 13 و الذهبي ميزان الاعتدال ج3 ص: 420، 558 ، 559 ج4 ص: 304 .
(*17) الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 105 .
(*18) الذهبي : الخلفاء الراشدون ص: 332
☆ قضية التحكيم في موقعة صفّين-بين الحقائق و الأباطيل-خالد كبير علال ص 29-21
--------------------------------------------------------------------
إرسال تعليق