تاريخ التتار الأول (2)
----------------------------------------------
موطن التتار و المغول
--------------------------------
ويقول د. راغب السرجاني : واسم التتار والمغول يطلق على الأقوام الذين نشأوا في شمال الصين، في صحراء تسمى صحراء جوبي في منغوليا.
فالتتار هم أصل القبائل في هذه المنطقة، ومنهم جاءت قبائل أخرى كثيرة، منها: قبيلة المغول والترك والسلاجقة وغيرها من القبائل، وعندما سيطر جنكيز خان على هذه المنطقة أطلق اسم المغول على هذه القبائل كلها، .....*(1)
أما قبيلتا التتار والمغول، فقد وجدتا في الشمال الغربي من الصين ، ونقل عن ابن كثير عن مواطن المغول قوله: "إنهم كانوا يسكنون جبال طمغاج في أرض الصين".
أما الأويراتية، هي فئة من فئات المغول، فقد كانت غربي بحيرة بايكال،التي قامت إلى جنوبها مملكة تركية هي الكرايت،
وكانت لهم السيطرة والنفوذ على القبائل المغولية، حتى إن ملكهم طغرل قد تغلب على عمه وسيطر على العرش بمساعدة زعيم مغولي يدعى يسوكاي وهو والد جنكيزخان، وكان يحظى برضى أسرة كين في شمال الصين لوقوفه سداً أمام القبائل التترية التي كانت تشكل خطراً على دولتهم.
كماوجدت قبائل في شمال جبال (الطاي)، هي النيمان، وبالقرب منهم وجدت قبائل كرايتً ،
وإلى الشمال من الكرايت وجد المركيت، وكانوا ينزلون على حوض نهر سلنجا الأوسط والأدنى، وتنسب إلى هذه القبيلة والدة جنكيزخان وزوجته.
أما قبيلة البرجقين التي ولد فيها جنكيزخان فقد اتخذت من منابع أنهار تولاوأونون، وكيرولين، من جبال منتاي، حيث الغابات، موطناً لها.
وتباين الصينيون التتار وقبائل المغول بحسب تطورهم في ثلاث مجموعات:
التتار البيض، وسكناهم بالقرب من سور الصين،
والتتار السود ومنازلهم شمال صحراء غوبي،
والتتار المتوحشون تجمعوا فيما وراء بحيرة بايكال في منطقة الغابات، واعتمدوا على الصيد وإليهم ينسب جنكيزخان. ...(*2)
-------------------------
ويعيش التتار الذين يقدر عددهم حالياً بنحو 7 ملايين نسمة، في روسيا – وخاصةً في شبه جزيرة القرم -، وأوزبكستان، وأوكرانيا، وكازاخستان، وتركيا، وطاجيكستان،وقيرغيزستان، وأذربيجان، ورومانيا، وروسيا البيضاء، علماً بأن بعض العوائل المصرية تعود جذورها إلى التتار.
أما المغول – الذين يعتبرهم بعض العلماء شعباً تركيا -، فقد عاشوا حول نهر أونون ما بين روسيا ومنغوليا الحالية، قبل أن يقتربوا من الصين بعد توحيد جنكيز خان للقبائل التركية.
ويعيش المغول الذين يقدر عددهم حالياً بـ 10 ملايين نسمة، في الصين ومنغوليا بشكل رئيسي، فيما تعيش أعداد قليلة منهم في روسيا وكوريا الجنوبية وقيرغيزستان.
وعلى الرغم من اختلافهم، يشترك المغول والتتار في العادات نفسها وأسلوب المعيشة البدوية؛ إذ كانوا يسكنون في أكواخ قابلة للتنقل، واشتُهروا بتربية الماشية ومهارتهم في الفروسية، ..... (*3)
---------------------------------------------------------------------
البيئة وأسلوب الحياة :
-----------------------------------
كان المغول في بداية حياتهم يعتمدون على الرعي والصيد، لواقع سكنهم في مناطق برية واسعة، حيث السهوب والغابات ، هذه الحياة البسيطة بنمطها خلقت شعباً همجياً وجهته الصراع مع قوى الطبيعة ضمن بيئة "السلطة فيها للأقوى".
فالمغولي إذاً كان يولد في بيئة صعبة تدفعه بأن يكون على أهبة الاستعداد في أي لحظة لخوض الحرب، أو للقيام بغزوة ما أو للصيد، لتأمين القوت اليومي.
وقد ورد في التاريخ السري للمغول المعروف باسم (اليوان السري) الموضوع من قبل جنكيزخان "بأن رائحة كريهة تنبعث من الملابس السوداوية اللون التي يرتديها المغول" ويبدو أن سبب ذلك يعود لكونهم كانوا يرتدون الجلود والفراء، وأما "الأغنياء بينهم، فيبطنون معاطفهم الشتوية بجلود السمامير والثعالب والقواقيم والسناجب".
وهذه الحياة أيضاً جعلتهم "سريعي الحركة، تصل إليهم أخبار الأمم كافة، ولا تصل أخبارهم إلى تلك الأمم، وقلما ينجح جاسوس من التمكن منهم، لأن الغريب لا يشبههم، وإذا أرادوا وجهة، كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة... نساؤهم يقاتلن.. غالب سلاحهم النشاب، يطعنون بالسيوف أكثر مما يضربون بها".
ويؤكد ذلك ابن الأثير، بقوله: "إن عناصرهم بارعة في استعمال الخناجر والسهام والسيوف، حتى إنهم كان باستطاعتهم إطلاقها من فوق الجياد وهي مسرعة كالسهم، كما تعودوا على شظف العيش، فكانوا يأكلون كل شيء، كلاب، فئران، وقطط، خنازير وغيرها"..
ونظراً للحياة القبلية التي عاشها المغول فقد كان لكل منهم ملك يدعى (خان أو قان)، وبعضهم اعتمد الزعماء (باكي أو بكي) وبسبب الحروب بينهم فإن بعض القبائل كانت تلجأ إلى حماية نفسها، عبر التقارب من قبيلة أكثر قوة، فتشكل بالتالي قوة، تمنع أي قبيلة أخرى من الاعتداء عليها. ...(*4)
---------------------------------------------------------------------
نبذة عن تيموجين أو جنكيز خان
-------------------------------------------
ليس هناك شك في أن جنكيز خان واحد من أقسى الغزاة الذين ابتليت بهم البشرية، وأكثرهم سفكًا للدماء، وأجرؤهم على انتهاك الحرمات وقتل الأبرياء، وحرق المدن والبلاد، وإقامة المذابح لآلاف من النساء والولدان والشيوخ، ...
لكن هذه الصورة السوداء تخفي جانبًا آخر من الصورة، حيث التمتع بصواب الرأي وقوة العزيمة، ونفاذ البصيرة.
فكان يجلّ العلماء ويحترمهم ويلحقهم بحاشيته، وكان له مستشارون من الأمم التي اجتاحها من ذوي الخبرة، وكان لهؤلاء أثر لا يُنكَر في تنظيم الدولة والنهوض بها والارتقاء بنواحيها الإدارية والحضارية.
المولد والنشأة
-----------------------
شهدت منغوليا مولد “تيموجين بن يسوكاي بهادر” في سنة (549هـ = 1155م)،
وكان أبوه رئيسًا لقبيلة مغولية تُدعى “قيات”، وعُرف بالشدة والبأس؛ فكانت تخشاه القبائل الأخرى، وقد سمّى ابنه “تيموجين” بهذا الاسم تيمنًا بمولده في يوم انتصاره على إحدى القبائل التي كان يتنازع معها، وتمكنه من القضاء على زعيمهم الذي كان يحمل هذا الاسم.
ولم تطُل الحياة بأبيه؛ فقد توفِّي في سنة (561 هـ= 1167م)، تاركًا حملا ثقيلا ومسئولية جسيمة لـ”تيموجين” الابن الأكبر الذي كان غض الإهاب لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره،
وما كان تيموجين ليقوى على حمل تبعات قبيلة كبيرة مثل “قيات”، فانفض عنه حلفاء أبيه، وانصرف عنه الأنصار والأتباع، !
واستغلت قبيلته صغر سنه فرفضت الدخول في طاعته، على الرغم من كونه الوريث الشرعي لرئاسة قبيلته، والتفَّت حول زعيم آخر، وفقدت أسرته الجاه والسلطان، وهامت في الأرض تعيش حياة قاسية، وتذوق مرارة الجوع والفقر والحرمان.
تأسيس الدولة
-----------------------
نجحت أم تيموجين في أن تجمع الأسرة المستضعفة وتلم شعثها، وتحث أبناءها الأربعة على الصبر والكفاح، وتفتح لهم باب الأمل، وتبث فيهم العزم والإصرار، حتى صاروا شبابًا أقوياء، وبخاصة تيموجين الذي ظهرت عليه أمارات القيادة، والنزوع إلى الرئاسة، مع التمتع ببنيان قوي جعله المصارع الأول بين أقرانه.
تمكن تيموجين بشجاعته من المحافظة على مراعي أسرته؛ فتحسنت أحوالها، وبدأ يتوافد عليه بعض القبائل التي توسمت فيه القيادة والزعامة،..
كما تمكن هو من إجبار المنشقين من الأتباع والأقارب على العودة إلى قبيلتهم، ودخل في صراع مع الرافضين للانضواء تحت قيادته، حسمه لصالحه في آخر الأمر، حتى نجح في أن تدين قبيلته “قيات” كلها بالولاء له، وهو دون العشرين من عمره.
وواصل تيموجين خطته في التوسع على حساب جيرانه، فبسط سيطرته على منطقة شاسعة من إقليم منغوليا، تمتد حتى صحراء جوبي، حيث مضارب عدد كبير من قبائل التتار،
ثم دخل في صراع مع حليفه رئيس قبيلة الكراييت، وكانت العلاقات قد ساءت بينهما بسبب الدسائس والوشايات، وتوجس “أونك خان” زعيم الكراييت من تنامي قوة تيموجين وازدياد نفوذه ؛ ...
فانقلب حلفاء الأمس إلى أعداء وخصوم، واحتكما إلى السيف، وكان الظفر في صالح تيموجين سنة (600هـ= 1203م)،
فاستولى على عاصمته “قره قورم” وجعلها قاعدة لملكه، وأصبح تيموجين بعد انتصاره أقوى شخصية مغولية، فنودي به خاقانا، وعُرف باسم “جنكيز خان”؛ أي إمبراطور العالم.
وبعد ذلك قضى ثلاث سنوات عُني فيها بتوطيد سلطانه، والسيطرة على المناطق التي يسكنها المغول، حتى تمكن من توحيد منغوليا بأكملها تحت سلطانه، ودخل في طاعته الأويغوريون. ..... (*6)
وضع الياسا أو الياسكا الجنكيزية ( أو الدستور )
وهو كتاب سري !
---------------------------------------------------------------
بعد أن استتب له الأمر اتجه إلى إصلاح الشئون الداخلية، فأنشأ مجلسًا للحكم يسمّى “قوريلتاي” سنة (603هـ= 1206م) ودعاه للاجتماع،
وفيه تحددت لأول مرة شارات ملكه، ونظم إمبراطوريته، ووضع لشعبه دستورًا محكمًا يسمى “قانون الياسا” لتنظيم الحياة،
وذلك بعد أن رأى أن الآداب والأعراف والتقاليد المغولية لا تفي بمتطلبات الدولة الجديدة، ولم تكن مدونة، فأعاد النظر في بعضها، وقبل بعضها الآخر، ورد ما رآه غير ملائم،
وتناول الدستور أمورًا متعددة لتنظيم الحياة بالدولة الناشئة، وألزم أجهزة الدولة بتطبيق بنودها والعمل بموجبها، وشدد على معاقبة المخطئين.
وأهم ما ورد في هذا القانون الذي أورده القلقشندي:
1 - من وجد عبداً هارباً أو أسيراً قد هرب، ولم يرده إلى صاحبه قتل.
2 - من أطعم أسير قوم أو كساه بغير إذنهم قتل.
3 - من وقع حمله أو قوسه أو شيء من متاعه وهو يكر أو يفر في حالة قتال وكان وراءه شخص فإنه ينزل ويناول صاحبه ما سقط منه، فإن لم ينزل ولم يناوله قتل.
4 - لا يأكل أحد من أحد حتى يأكل منه المناول أولا، ولو كان المناول أميراً، ومن يناوله أسيرا.
5 - لا يختص أحد بأكل شيء وغيره يراه، بل يشركه معه في أكله.
6 - لا يتميز أحد منهم بالشبع على أصحابه، وإن مرّ أحدهم بقوم وهم يأكلون، فله أن ينزل ويأكل معهم وليس لأحد أن يمنعه.
7 - منعهم من غسل ثيابهم، بل يلبسونها حتى تبلى.
8 - منع أن يقال لشيء أنه نجس، فإن جميع الأشياء طاهرة.
9 - ألزمهم ألا يتعصبوا لشيء من المذاهب.
10 - منع من تفخيم الألفاظ وروائع الألقاب، فلا يخاطب الشخص مهما علت مكانته إلا باسمه فقط.
11 - ألزم القائم بعده بعرض العسكر وأسلحتها إذا أراد الخروج إلى القتال، وأن يعرض كل ساقربة (قائد) عسكره، وينظر حتى الإبرة والخيط فمن وجده قد قصر في شيء مما يحتاج إليه عند عرضه إياه، عاقبه.
12 - إلزام نساء العسكر بالقيام بما على الرجال في مدة غيبتهم في القتال.
13 - تنظيم حلقات الصيد، لما لها من أهمية في التدريب على أساليب الحرب،
كما اعتبر أن الزاني يقتل، ومن يعين أحد خصمين على الآخر يقتل، ومن بال في الماء يقتل، ومن أعطى بضاعة فخسر، ثم أعطى ثانية فخسر، ثم أعطى ثالثة فخسر، يقتل ،
وذكر أيضاً أن من ذَبَحَ بطريقةَ المسلمين يقتل.
فقد كان المغول يعمدون إلى لف قوائم الحيوان للذبح وشق جوفه، حيث يدخل أحدهم يده إلى قلبه، فيمرسه في يده حتى يموت. ........(*5)
إخضاع الصين
-------------------------
اصطدم جنكيز خان بإمبراطورية الصين التي كانت تحكمها أسرة “سونج”، وكانت لا تكف عن تحريض القبائل التركية والمغولية ضد بعضها ؛ كي ينشغلوا بأنفسهم وتأمن هي شرهم،
فأراد جنكيز خان أن يضع حدًا لتدخل الصينيين في شئون القبائل المغولية، وفي الوقت نفسه تطلع إلى ثروة الصين وكنوزها،
فاشتبك معها لأول مرة في سنة (608هـ= 1211م)، واستطاع أن يحرز عددًا من الانتصارات على القوات الصينية، ويُخضع البلاد الواقعة في داخل سور الصين العظيم، ويعين عليها حكامًا من قِبله.
ثم كرر غزو الصين مرة ثانية بعد أن حشد لذلك جموعًا هائلة سنة (610هـ = 1213م)، لكنه لم يحرز نصرًا حاسمًا، ثم جرت محاولة للصلح بين الطرفين، لكنها لم تفلح،..
فعاود جنكيز خان القتال، واستدار بجيشه الذي كان عائدًا إلى بلاده، واشتبك مع جحافل الصين التي لم تكن قد استعدت للقتال، وانتصر عليها في معركة فاصلة،...
سقطت على إثرها العاصمة بكين في سنة (612هـ= 1215م) وكان لسقوطها دوي هائل، ونذير للممالك الإسلامية التي آوت الفارين من أعدائه، وأظهرت ما كان يتمتع به الرجل من مواهب عسكرية في ميادين الحرب والقتال.... (*6)
--------------------------------------------------------------------
(*1) التتار من البداية حتي عين جالوت (7/1)
---------------
(*2 ؛ *4 ؛ *5) المغول من الشرذمة إلى قانون الياسا
------------
(*3)
https://arabicpost.net › 2018/03/30
Web results
التتار والمغول ليسا شعباً واحداً.. لكن لماذا نخلط بينهما؟ - عربي بوست
------------------
(*6) موقع أرشيف إسلام أون لاين
جنكيز خان.. الإعصار العاتي - أرشيف إسلام ...
--------------------------------------------------------------------
التاريخ التتري ... أولا : إمبراطورية جنكيز خان
تابعونا #تاريخ_التتار_جواهر (2)
إرسال تعليق