شعوب البحر و عام إنهيار الحضارات (2)

 شعوب البحر و عام إنهيار الحضارات (2)

      إنهيار و نهاية العصر البرونزي 1177 ق. م 🔥 

               #The_Late_Bronze_Age_collapse_جواهر 

--------------------------------------------------------------

خلال أواخر العصر البرونزي وأوائل العصر الحديدي ، انهارت الحضارات عبر الشرق الأدنى ، وبحر إيجة ، والأناضول ، وشمال إفريقيا ، والقوقاز ، والبلقان ، وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​واختفت عن الخريطة.


 يعتقد المؤرخون أن هذه الفترة كانت عنيفة ومدمرة ثقافيًا ،  وكانت إيذانا بنهاية الإمبراطورية الحيثية ، الممالك الميسينية ، الكيشيين ، الأوغاريت ، الدول الأمورية ، وتفكك اقتصاد القصر في بحر إيجة.  


وقد نجت بعض الدول من الانهيار (وإن كانت قد شهدت فترة من التراجع) ، والتي تشمل المملكة الجديدة في مصر وآشور وفينيقيا وعيلام .


*(📸 انظر خرائط وصور بالتعليقات)


 يصف المؤرخون هذه الفترة بأنها  "أسوأ كارثة في التاريخ القديم" ، مع نظريات مختلفة وراء الانهيار تشير إلى عوامل بيئية ، وجفاف ، وانهيار عام للأنظمة ، وتغيرات تكنولوجية في الحروب ، واضطراب في التجارة ، وثوران بركاني ، وشعوب البحر المراوغة.  .


 عمليا لا شيء معروف عن شعوب البحر ، والدليل الوحيد على وجودهم يأتي من مصادر معاصرة متفرقة ، على الرغم من أن الأدلة تفسيرية في أحسن الأحوال ، وغالبًا ما تتم مناقشتها في الأوساط العلمية.


 لقد تم اقتراح أن شعب البحر كان اتحادًا بحريًا قد يكون نشأ من غرب آسيا الصغرى أو بحر إيجة أو جزر البحر الأبيض المتوسط ​​أو جنوب أوروبا.


 تم ابتكار مصطلح "peuples de la Mer" التي تعني حرفيًا "شعوب البحر" لأول مرة بواسطة عالم المصريات الفرنسي إيمانويل دي روج أثناء دراسة النقوش البارزة في مدينة هابو ، وأصبح أكثر شيوعًا مع نظرية الهجرة المرتبطة بها في أواخر القرن التاسع عشر.


 السرد التاريخي للتعرف على شعوب البحر ينبع بشكل أساسي من سبعة مصادر مصرية قديمة مع بعض المعلومات من المصادر الحثية ، والتي تذكر تسع ثقافات قديمة ربما تكون مسؤولة عن مصدر شعوب البحر :

 دينين ، وإكويش ، ولوكا ، وبيليسيت ، وشيكليش ، وشيردين ،  Teresh و Tjeker و Weshesh .


تشمل المقترحات الإضافية من الروايات في الحضارات الأخرى الأتروسكان ، وأحصنة طروادة ، والفلستيين ، والميسينيين ، وحتى المينويين .


 يشير أحد هذه المصادر (تمثال تانيس الثاني) إلى حدث في عهد رمسيس الثاني ، حيث هوجمت دلتا النيل من قبل غزاة شيردن.  


و يشير نقش على الشاهد للتمثال : 


"الشيردن الجامح الذي لم يعرف أحد كيف يقاتله ، جاؤوا بجرأة وهم يبحرون بسفنهم الحربية من وسط البحر ، ولم يكن أي منهم قادرًا على الصمود أمامهم".


 كما يسجل سرد من عهد رمسيس الثالث وهو الفرعون الثاني من الأسرة العشرين  موجات الغزوات التي قامت بها الشعوب البحرية ، حيث تم العثور على الرواية الأكثر تفصيلاً في معبده الجنائزي مدينة هابو في طيبة ، حيث تم تصوير رمسيس الثالث بإجبارهم على التراجع.  الغزاة خلال "معركة الدلتا" حوالي 1175 قبل الميلاد.


 و ينص نقش على المعبد الجنائزي مدينة هابو على ما يلي:

 

{ الآن البلدان الشمالية ، التي كانت في جزرهم ، كانت ترتعش في أجسادها.  اخترقوا قنوات أفواه النيل.  لقد توقفت أنفهم (عن العمل ، بحيث) رغبتهم (الأهم) هي أن يتنفسوا النفس.  


لقد خرج جلالته مثل زوبعة ضدهم ، يقاتل في ساحة المعركة مثل عداء.  دخل خوفه ورعبه في أجسادهم.  (هم) انقلبوا وغرقوا في أماكنهم.  انتزعت قلوبهم.  تطير روحهم بعيدا.  أسلحتهم مبعثرة في البحر  } 


 سلطت دراسة حول الإشارات إلى شعوب البحر الضوء على المئات من الإشارات المحتملة في النص التاريخي (انظر "شعوب البحر في المصادر الأولية" بقلم ماثيو ج.  بعبع من العصر البرونزي.  (*1) 

* انظر الصور بالتعليقات لأهميتها 

-------------------------------------------------------------------

في حوالي عام 1477 ق.م، في مدينة "بيرو نفر"  في دلتا النيل في مصر السفلى (*يقصد الوجه البحري)، في موقع قريب للغاية من البحر المتوسط، أمر الفرعون تحتمس الثالث بإقامة قصر كبير، له رسوم وزخارف جصية دقيقة متقنة. 


واستؤجر حرفيون مينويون من جزيرة كريت البعيدة، التي تقع في أقصى الغرب في الجانب الآخر من الأخضر الكبير (كما كان البحر المتوسط يعرف لدى المصريين) لصنع هذه الرسوم والزخارف الجصية. 


فرسموا صورا لم يرها أحد في مصر من قبل مطلقا - مشاهد غريبة لرجال يثبون فوق ثيران - واستعملوا الطلاء مع الجص بينما كان رطبا، بأسلوب الفريسكو، فأصبحت الألوان جزءا من الجدار نفسه و كانوا قد تعلموا هذا الأسلوب، والمشاهد التي رسموها ، في كريت في منطقة إيجه .


 في ذلك الوقت لم تكن المناظر الفريدة التي أبدعت بهذه الطريقة رائجة في مصر وحدها بل أيضا في القصور على طول ساحل المتوسط ، من كنعان في الشمال إلى دلتا مصر، في بقاع تعرف الآن باسم كابري في فلسطين ، وألالاخ في تركيا، وقطنة في سوريا، والضبعة في مصر.


صارت مدينة بيرو نفر في الدلتا تعرف الآن باسمها المعاصر وهو منطقة تل الضبعة... وهو موقع كان الأثري النمساوي مانفريد بيناك وفريقه ينقبون فيه منذ عام 1966م كانت

المدينة قد عرفت أيضا في السابق باسم أواريس، عاصمة الهكسوس ؛ الغزاة المكروهين لمصر الذين حكموا قسما كبيرا من البلاد من حوالي (1720 - 1450 ق.م) تحولت أواريس إلى بيرو نفر، التي كانت مدينة مصرية لها قدرها، بعد أن استولى عليها الفرعون المصري کامس، جد تحتمس، حوالي 1500ق.م.


وفي الكشف عن المدينة التي كانت ثرية فيما مضى والتي كانت مطمورة تحت أمتار من الرمال والأنقاض، أعاد بيتاك، على مدى أربعة عقود، عاصمة الهكسوس إلى الحياة وكذلك

المدينة المصرية العظيمة اللاحقة. واستعاد أيضا الرسوم الجصية التي أبدعها المينويون،.أو ربما حرفيون محليون تدربوا على يد المينويين، والتي يرجع تاريخها إلى أوائل الأسرة.الثامنة عشرة (حوالي 1450 ق.م).


و تشكل هذه الرسوم مثالا جيدا على العالم الدولي الذي

بدأ في التضافر في منطقتي شرق المتوسط وإيجه بعد طرد الهكسوس من مصر.

------------------------------------------

🔹️  نظرة سريعة على الهكسوس


غزا الهكسوس مصر للمرة الأولى في حوالي عام 1720 ق.م قبل مائتين وخمسين سنة من زمن تحتمس الثالث، وبقوا قرابة مائتي سنة، حتى عام 1550ق.م ؛ وفي الوقت الذي اجتاح فيه الهكسوس البلاد، كانت مصر واحدة من القوى الراسخة في منطقة الشرق الأدنى القديمة . 


وكان عمر أهرامات الجيزة قد بلغ بالفعل قرابة ألف عام بحلول تلك المرحلة، بعد أن بنيت أثناء حكم الأسرة الرابعة، في فترة المملكة القديمة. عرف مانيتون، الكاهن المصري الذي عاش وكتب أثناء الفترة الهلينستية اللاحقة في القرن الثالث قبل الميلاد ، الهكسوس بأنهم «الملوك الرعاة - وهي ترجمة خاطئة للعبارة المصرية hekau khasut والتي تعني في الواقع زعماء البلاد الأجنبية. وقد كانوا بالفعل أجانب ...


إذ كان الهكسوس ساميين ارتحلوا إلى مصر من منطقة كنعان (أي الدول الحالية: فلسطين ، ولبنان، وسوريا، والأردن).


و نری رسوما تمثل هؤلاء الساميين في مصر منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد ؛ ومن ذلك، مثلا، لوحة جدارية في داخل مقبرة مصرية في منطقة بني حسن، نرى فيها باعة وتجازا ، آسيويين يجلبون بضائعهم إلى البلاد .


أنهى غزو الهكسوس لمصر عهد المملكة الوسطى (حوالي 2134 ق.م - 1720ق.م).


 ومن المحتمل جدا أن نجاحهم في الغزو كان نتيجة لميزة لديهم في تكنولوجيا الأسلحة وقدرتهم على توجيه الضربة الأولى ؛ لأنهم كانوا يمتلكون أقواسا مركبة يمكن أن تطلق سهاما إلى مسافات أبعد من الأقواس التقليدية لذلك الوقت، وكان لديهم أيضا عجلات حربية تجرها الخيول، لم ير لها مثيل من قبل في مصر ..


وبعد فتحهم العسكري، دانت السيطرة للهكسوس على مصر، التي حكموها بالأساس من عاصمتهم أواريس في دلتا النيل، أثناء ما يطلق عليه الفترة الانتقالية الثانية 


و هي فترة (الأسر من الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة) لحوالي مائتي سنة، من (1720 ق.م - 1550 ق.م )  خلال الفترة المعروفة من ( 3000 إلى 1200ق.م ) هي الفترة الوحيدة التي حكمت مصر فيها على يد أجانب.


تسجل قصص ونقوش يرجع تاريخها إلى قرب نهاية هذه الفترة، حوالي (1500 ق.م) ، بعضا من المعارك التي اندلعت بين المصريين والهكسوس. وبالتحديد، لدينا قصة تسجل

خلافا بين حاكمين، والتي تعرف باسم " نزاع أبوفيس وسقنن رع " ...


في هذه الحكاية، التي من المحتمل جدا أن تكون ملفقة، يشتكي ملك الهكسوس أبوفيس من أنه يبقى مستيقظا بالليل جراء الضوضاء الناجمة عن أفراس نهر يحتفظ بها، في بركة ماء، الملك المصری سقنن رع، الذي كان يحكم في نفس الفترة أماكن أخرى في مصر،...


و الشكوى غير معقولة لأن عدة مئات من الأميال كانت تفصل البلاطین الملكيين؛ فواحد كان واقعا في مصر العليا أي صعيد مصر والآخر كان في مصر السفلى؛ !!!


لذا لم يكن من الممكن أن يكون ملك الهكسوس قد سمع أفراس النهر، مهما كان صوت خوارها عاليا. ومع ذلك، فإن مومياء سقنن رع قد اكتشفت بواسطة علماء الآثار ، وواضح من الجروح في رأسه، الناتجة عن فأس حربية أنه مات ميتة عنيفة في معركة....


 فهل كانت المعركة مع الهكسوس؟ لا نعرف يقينا : ومع ذلك، من المحتمل أن يكون أبوقيس وسقنن رع قد تقاتلا ، سواء كان بسبب أفراس النهر أم لا .


لدينا أيضا نقش ترکه لنا الفرعون کامس، آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة في مصر . في ذلك الوقت، كان كامس يحكم من مقره في طيبة، في صعيد مصر، يقدم الفرعون "کامس"

تفصيلات : المعركة المظفرة الأخيرة في مواجهة الهكسوس، الذين يشير إليهم ب "الآسيويين" ، وكتب ما يلي في حوالي سنة (1550ق.م) : 


{ أبحر شمالا في جبروتي لطرد الآسيويين ... وجيشي المغوار أمامي مثل شعلة نار ... ورماة السهام في أعلى صواري القتال ليدمروا مواقعهم ... أمضي الليل في سفينتي، منشرح الصدر؛ وعندما أبلج الفجر انقضضت عليه كالصقر، وعندما جاء وقت الإفطار، كنت قد أطحت به بعد أن دمرت أسواره وذبحت قومه،.وجعلت زوجته تنزل إلى ضفة النهر، وتصرف جيشي كالأسود عندما تنقض على الفريسة ... فأخذوا العبيد، والماشية، والدهن، والعسل ... وقسموا غنائمهم وقلوبهم فرحة.}


و يخبرنا الفرعون "کامس" أيضا عن مصير مدينة أواريس (عاصمة الهكسوس بمصر) نفسها : 


{ أما أواريس الكائنة على النهرين، فدمرتها وبددت سكانها؛ دمرت بلدانهم وأحرقت بيوتهم حتى صارت كومة أنقاض محمرة للأبد، بسبب الدمار الذي كانوا قد ألحقوه بوسط مصر؛ أولئك الذين كانوا قد سمحوا لأنفسهم بالإصغاء إلى دعوة الآسيويين، الذين تخلوا عن مصر سيدتهم ! }


وبذلك، طرد المصريون الهكسوس من الأرض، فلاذوا بالفرار عائدين إلى رتینو، (أحد الأسماء المصرية القديمة لفلسطين وسوريا الحاليتين، وهي نفس المنطقة العامة التي كان المصريون يعرفونها باسم  "با-کا-نا-ناء" أو كنعان) 


و في نفس تلك الفترة، أسس المصريون الأسرة الثامنة عشرة، التي بدأها أحمس شقيق كامس، التي استهلت ما ندعوه الآن بحقبة.الملكة الحديثة في مصر.


وقد أعيد بناء مدينة أواريس وبقية مصر أثناء هذه الفترة، وتغيرت تسمية أواريس نفسها.


وبحلول زمن حتشبسوت وتحتمس الثالث بعد ذلك ببضعة وستين عاما، حوالي سنة (1500 ق.م) ، كانت قد صارت تلك المدينة مدينة مزدهرة من جديد، وعرقت هذه المرة باسم 

"بیرو نفر" ..


 وضمت قصورا مزخرفة بالرسومات الجصية بأسلوب المينويين الذي يصور الوثب على الثيران ومشاهد أخرى والتي يتضح انتماؤها إلى كريت في منطقة إيجه أكثر

من انتمائها لمصر نفسها.


وقد تكهن أحد الأثريين أنه حتى قد يكون حدث زواج ملكي بين.حاكم مصري وأميرة مينوية. ومن المؤكد أنه يوجد عدد من فراعنة الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة اللاحقتين الذين تزوجوا من أميرات أجنبيات، في المقام الأول لتوطيد

الروابط الدبلوماسية أو لترسيخ معاهدة مع قوة أجنبية، كما سنرى لاحقا،...


 ولكن ليس من الضروري استحضار الزيجات ذات الدوافع السياسية لتفسير ظهور الرسوم الجدارية المينوية في مصر، نظرا لوجود أدلة مستقلة أخرى على وجود صلات بين منطقة شرق المتوسط، ومصر، وفي هذه الحالة، منطقة إيجه.

---------------------------------

🔹️ عودة  إلى الماضي : بلاد الرافدين والمينويون 


من الواضح، من خلال كم وفير من البيانات، بما في ذلك قطع أثرية، وأدلة نصية ورسومية أن المينويين المنتمين إلى كريت كانوا بالفعل على اتصال مع مناطق عديدة في الشرق الأدنى القديم قبل وقت طويل من اتصالاتهم مع فراعنة المملكة الحديثة المصريين ؛


 فمثلا، نعرف المصنوعات المينوية التي كانت قد قلت كل هذه المسافة عبر بحر إيجه ومنطقة شرق المتوسط حتى بلاد الرافدين، الأرض الواقعة بين النهرين دجلة والفرات، بحلول القرن الثامن عشر ق.م، منذ حوالي أربعة آلاف سنة.


يأتي توثيق هذه التجارة القديمة من موقع صاري القديم، على الضفة الغربية لنهر الفرات في سوريا الحالية، حيث نقب الأثريون الفرنسيون، خلال ثلاثينيات القرن العشرين،

عن كنز دفين يحوي أكثر من عشرين ألف لوح طيني منقوش. 


كان السكان المحليون قد استدعاهم إلى الموقع  الذين كانوا قد أماطوا اللثام بالصدفة عما اعتقدوا في أول الأمر أنه جثة رجل بلا رأس؛ والتي تبين بعد ذلك أنها تمثال حجري، واحد من تماثيل كثيرة، من ضمنها تمثال عليه نقش يحدد هويته ويصفه بأنه ملك للمدينة القديمة. 


كان مصدر الألواح، المنقوش عليها نصوص مكتوبة باللغة الأكادية القديمة، أرشيفا لمراسلات ملكية وسجلات أخرى عادية أكثر تخص ملوك مملكة ماري، من ضمنهم ملك يسمي زمري ليم والذي حكم حوالي (1700 ق.م) تسجل الألواح كل صنوف المعلومات المتصلة بإدارة القصر وتنظيم مملكته، بالإضافة إلى جوانب من الحياة اليومية في ذلك الوقت.


أحد الألواح، على سبيل المثال، يتعلق بالثلج الذي كان 

"زمري ليم" يستخدمه في مشروباته الصيفية، التي اشتملت على الخمر، والجعة، والمشروبات المخمرة القائمة على

الشعير إما بنكهة عصير الرمان أو يانسون يشبه العرقسوس  


و نعرف أنه كان قد أمر ببناء مخزن ثلج على ضفة نهر الفرات، وكان يستخدم خيضي للاحتفاظ بالثلج الذي كان جمع من الجبال المكسوة بالثلج أثناء فصل الشتاء حتى الحاجة إليه أثناء شهور فصل الصيف الحارة، وزعم أنه لم يبن ملك قبله قط مخزن ثلج مثل هذا، وربما كان ذلك صحيا، ولكن استخدام الثلج في المشروبات لم يكن جديدا على المنطقة، 


وعثر على نص للملك يذكر ابنه بأن يجعل الخدم ينظفون الثلج قبل وضعه في المشروبات :

 《 اجعلهم يجمعون الثلج ! اجعلهم يغسلونه لينظفوه من الأغصان والروث والوسخ 》


و اشتملت الأرشيفات على سجلات التجارة والاتصال مع مناطق حوض البحر المتوسط والشرق الأدنى الأخرى ، مع إشارة خاصة إلى سلع غير معتادة واردة. 


و نعرف كذلك من هذه الألواح أنه كان يحدث تبادل متكرر للهدايا بين حكام مملكة ماري وحكام المدن والممالك الأخرى، وأن الملوك كانوا يطلبون خدمات الأطباء، والحرفيين، والساج، والموسيقيين، والمغنين ؛ ويتبادلون الطلب  .


كان من ضمن الأغراض الغريبة المستوردة المسجلة في الألواح في مملكة ماري خنجر وأسلحة أخرى مصنوعة من الذهب ومطئمة بحجر اللازورد الكريم، بالإضافة إلى ملابس ومنسوجات مصنوعة بالطريقة "الكفتورية" كان كفتور، أو

 "كبتاروه"  هو الاسم الذي أطلقه شعب بلاد الرافدين والكنعانيون على جزيرة كريت، مثلما دعاها المصريون

لاحقا ، "كفتيو".


 كانت السلع قد سافرت مساقة طويلة من كريت، مكتسبة ما يعرف الآنظباسم قيمة المسافة، بالإضافة إلى القيمة الأصلية التي حازتها بالفعل بسبب الصنعة والمواد التي كانت مصنوعة منها.


لدينا أيضا لوح يسجل موقفا غير اعتيادي، عندما أرسل "زمري ليم"  ملك مملكة ماري، حذاء مينويا صنع كريت هدية إلى الملك حمورابي ملك بابل . 


يقول النص ببساطة:

 { حذاء مصنوع من الجلد على الطريقة الكفتورية، حمله إلى قصر حمورابي ملك بابل - مسئول يسمى "باهد ليم" ولكنه أعيد }  ولا يقدم النص السبب الذي أعيد من أجله الحذاء . ربما ببساطة لم يكن مقاسه مناسبا .


 إن قانون حمورابي، والذي يعد أول قانون يحوي عبارة والعين بالعين، والسن بالسن، والتي اشتهرت بعد ذلك بفضل الكتاب المقدس العبري، لا ينص على أي عقوبة على إعادة سلع كالأحذية.


من المثير للدهشة قليلا أن حمورابي رفض الحذاء الجلدي، بصرف النظر عن كون مقاسه مناسبا أو لا، لأنه من المرجح أنه كان سيكون نادرا وكذلك غير معتاد في بلاده في ذلك

الوقت، نظرا للمسافة الواقعة بين كریت وبلاد الرافدين، أي بين اليونان وسوريا العراق في وقتنا هذا . لم يكن ليستهان برحلة كهذه ومن المرجح أنها كانت تؤخذ على مراحل، مع

تجار أو باعة مختلفين ينقلون السلع لأجزاء منفصلة من الرحلة. 


من ناح8ية أخرى، تقديم هدية كهذه بين ملوك من مرتبة مماثلة كان ممارسة معروفة جدا في الشرق الأدنى القديم

أثناء الألفية الثانية قبل الميلاد. في هذه الحالات، كانت الأغراض المعنية تجلب مباشرة بواسطة مبعوثي الملوك، فيما ندعوه في يومنا هذا بعثة دبلوماسية.


مما سبق، من الواضح أن المينويين من كريت كانوا على اتصال بمناطق عديدة في الشرق الأدنى القديم أثناء العصر البرونزي الوسيط والمتأخر، من (1800 ق.م) وما بعدها على الأقل .


ويوجد حتى ذكر للمينويين في رسائل مملكة ماري، وثمة احتمال أن مترجما مينويا (أو مترجما للمينويين) كان موجودا في موقع مدينة أوغاريت في شمال سوريا أثناء أوائل القرن

الثامن عشر ق.م، حيث كانوا ينلقون القصدير الذي كان يرسل غربا من مملكة ماري ومع ذلك، يبدو أنه كانت لهم علاقة خاصة مع مصر بدأت في القرن الخامس عشر، أثناء زمن حتشبسوت ومن بعدها تحتمس الثالث، ولهذا السبب تبدأ حكايتنا في هذه المرحلة الزمنية.


من المثير للاهتمام ملاحظة أن الحضارة المينوية عرفت بهذا الاسم على يد عالم الآثار البريطاني السير آرثر إيفانز في أوائل القرن العشرين . لا نعرف في الحقيقة الاسم الذي

كانوا يدعون أنفسهم به، مع أننا نعرف أن كلا من المصريين، والكنعانيين، وأهل بلاد الرافدين كانوا يطلقون عليهم اسما مختلفا، فضلا عن ذلك، لا نعرف من أين جاءوا غير أن ظنا يشير إلى الأناضول / تركيا باعتبارها الاحتمال الأرجح.


ما نعرفه حقا هو أنهم أقاموا حضارة على جزيرة كريت أثناء الألفية الثالثة قبل الميلاد استمرت حتى حوالي (1200 ق.م) في غضون هذه الفترة، في حوالي (1700ق.م) ضرب الجزيرة زلزال مدمر استلزم إعادة بناء القصور في مدينة كنوسوس وفي مواضع أخرى على الجزيرة، ومع ذلك تعافي المينويون سرینا وازدهروا باعتبارهم حضارة مستقلة حتى غزا  الميسينيون القادمون من البر الرئيسي لليونان الجزيرة بعد ذلك في الألفية الثانية، والتي استمرت تحت الحكم الميسيني حتى انهار كل شيء في حوالي( 1200ق.م.).


بدأ السير آرثر إيفانز في التنقيب على جزيرة كريت بعد تتبعه لمصدر ما يطلق عليه أحجار الحليب التي وجدها تباع في السوق في أثينا، كانت النساء اليونانيات اللاتي وضعن

أو على وشك الوضع، ترتدين «أحجار الحليب، هذه. كان على الأحجار رموز محفورة لم يكن إيفانز قد رآها من قبل، ولكنه تبين أنها كتابة. فتتبع أثرها حتى موقع مطمور في مدينة كنوسوس (تلة كيفالا) بالقرب من مدينة هيراكليون المعاصرة الكبرى على جزيرة.کریت؛ وهو موقع كان هاینریش شليمان، المنقب عن طروادة، قد حاول شراءه والتنقيب فيه، ولكن دون جدوى،


 رغم ذلك، استطاع إيفانز أن يشتري الأرض وأن يبدأ التنقيب

في شهر مارس من عام ۱۹۰۰، استمر طيلة العقود السبعة التالية، منفقا معظم ثروته الشخصية في المشروع، وفي النهاية نشر اکتشافاته في مؤلف هائل متعدد المجلدات بعنوان

قصر سینوس في كنوسوسه.


سرعان ما اكتشف إيفانز، بمعاونة مساعده الاسكتلندي المؤتمن دنكان ماكنزي، ما بدا أنه قصر ملكي. 


زعلى الفور أطلق على الحضارة المكتشفة حديثا اسم المينوية، نسبة إلى الملك مينوس الذي تحكي عنه الأسطورة اليونانية، والذي قيل إنه حكم كريت في الأزمنة القديمة، وكان لديه مينونور (نصف إنسان، ونصف ثور) في ملحق قصره الذي بني على شکل متاهة تحت الأرض. 


وعثر إيفانز على العديد من الألواح الطينية، وأشياء أخرى، عليها كتابة بكل من النظام الخطي A (التي ما زالت رموزه لم تفك) والنظام الخطي B (وهو شكل أقدم اللغة اليونانية ربما يكون الميسينيون هم من أتوا به إلى کریت). 


ومع ذلك، لم يكتشف مطلقا الاسم الحقيقي لهؤلاء الناس، ويبقى اسمهم، كما ذكرت، مجهولا إلى يومنا هذا، رغم أكثر من قرن من التنقيب المستمر، ليس في كنوسوس وحدها وإنما في.العديد من المواقع الأخرى في كريت أيضا. 


کشف إيفانز عن العديد من الواردات من مصر والشرق الأدنى في كنوسوس، ومنها غطاء آنية من المرمر منقوش عليه بالهيروغليفية والإله الطيب، سوسن رع، ابن الشمس،

خیان. خیان هو أحد أشهر ملوك الهكسوس، وحكم أثناء السنوات الأولى من القرن السادس عشر قبل الميلاد.


 وعثر على الأغراض الخاصة به في أنحاء الشرق الأدنى القديم ولكن يظل أمر كيفية وصول هذا الغطاء إلى كريت لغزا. !!


و من الأغراض التي تبعث على مزيد من الاهتمام إناء مصري من المرمر عثر عليه بعد أعوام عدة أثناء تنقيب الأثري آخر في مقبرة في موقع كاتسامبا في جزيرة كريت، وهو أحد الموانئ على الساحل الشمالي المرتبطة بمدينة كنوسوس. منقوش على الإناء الاسم الملكي للفرعون تحتمس الثالث: «الإله الطيب (من خير رع)، ابن الشمس، تحتمس الكامل

في تحولاته. 


وهو واحد من الأغراض النادرة التي عثر عليها في منطقة إيجه وتحمل الأسد ..


و قد زعم المؤرخ اليوناني ثوسيديديس، الذي كان يعيش في القرن الخامس، أن المينويين كانوا يمتلكون أسطولا حربيا وسيطروا على البحار في هذه الفترة : 


{ أول شخص تأكد لدينا أنه أسس أسطولا حربيا هو مينوس. لقد جعل من نفسه سيدا على ما يدعي في وقتنا هذا

البحر الهيليني، (ثوسيديديس : تاريخ الحرب البيلوبونيسية الكتاب الأول، الصفحات۸-۳). 


وعند العلماء القدامي، أصبح هذا معروفا بمسمى Minsan Thalassocracy، أي: السلطة البحرية المينوية، ...


من kratia وتعني: سلطة ؛ و thalas  وتعني: بحر. 


وعلى الرغم من أن هذه السيادة البحرية المينوية المزعومة قد أصبحت الآن موضع شك، فإن «قوارب كفتيوه، قد ورد ذكرها في السجلات المصرية - كان كفتيو، هو المسمى المصري الدال على جزيرة كريت في ذلك الوقت - وليس واضحا ما إذا كانت هذه قوارب من كريت، أم ذاهبة إلى كريت، أو مبنية بطريقة مينوية .


❤ نكمل مع إريك كلاين محاولة اكتشاف من هم شعوب البحر ..لاحقا ان شاء الله .. أطلنا عليكم لكن ترابط الموضوع حكم علينا بإطالة النص .. نرجو عدم نسخ المنشور لأننا مازلنا نصلح بعض الأخطاء فيه و نوضح بعض الغموض .. لاتعرضوا صفحاتكم للبلاغات .. مجموعة  جواهر صفحة : التاريخ 


#ممالكقديمةجواهر   شعوب البحر

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list