تاريخ الدولة البيزنطية (3) سياسة قسطنطين الدينية قد أملتها ضرورات سياسية ، وأنه أدرك بذكائه أن المسيحية سوف تصبح قوة عالمية •

 تاريخ الدولة البيزنطية (3)





🔹️ملخص ماسبق :
إمتدت فترة حكم قسطنطين من 306م إلى 337م. وقد أعاد بناء الإمبراطورية وفصل السلطة المدنية عن السلطة الحربية، وأصدر عملة ذهبية جديدة، "السوليدوس"، تأكد استقرارها بفضل كل ما صادره من ذهب من مخازن المعابد الوثنية وضمها للدولة. وظلت هي العملة السائدة في بيزنطة وأوروبا لأكثر من ألف عام.
وهو أول إمبراطور يسمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم أسوة بمختلف الديانات الموجودة، وذلك بالوثيقة المعروفة باسم "مرسوم ميلانو" الصادر سنة 313م. وكانت الإمبراطورية الرومانية آنذاك تمتد من براري إسكتلندا حتى منابع النيل، ومن المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي..
أصدر مرسوم ميلانو كلا من الإمبراطور قسطنطين والإمبراطور ليكنيوس في إبريل سنة 313م، وكان ليكنيوس حاكما على الجزء الشرقي من الإمبراطورية من نوفمبر 308م الى سبتمبر 324م. ثم تم فرض هذا المرسوم على كافة الإمبراطورية، وبذلك وضع قسطنطين حدا لسريّة ممارسة المسيحية ، كما وضع حدا لكون الوثنية هي ديانة الإمبراطورية. ثم بدأ يأخذ موقفا من الصراعات اللاهوتية الدائرة في الكنيسة وفقا لمصلحته السياسية .
كما أسس قسطنطين مدينة "القسطنطينية" سنة 330م لتنافس روما، عاصمة الغرب، ليجعل منها عاصمة الشرق في أوروبا وليسيطر على حدوده مع الفُرس وشعوب الدانوب.
-------------------------------------------------------------------
🔹ويرى البعض أن سياسة قسطنطين الدينية قد أملتها ضرورات سياسية ، وأنه أدرك بذكائه أن المسيحية سوف تصبح قوة عالمية •
يضاف الى ذلك أن قسطنطين وجد أن الامبراطورية سوف تعتمد بشكل رئيسي في مواردها المالية على ولاياتها في آسيا الصغرى والشام ومصر ، حيث انتشرت المسيحية ، مما رأي معه ضرورة كسب ولاء سكان الولايات الشرقية حفاظا على وحدة الامبراطورية .
وكيفما كان الأمر ، فاعتراف قسطنطين بالمسيحية لم يكن يعنی منحها حق وجود شرعی مماثل للوجود الوثني فحسب ، بل كان يعنی تثبيت دعائمها وتمهيد الأرض لازدهارها ، فقد منح الامبراطور رجال الدين المسيحيين نفس الحقوق والامتيازات التي كان يتمتع بها كهنة الديانة الوثنية، وأعفوا من الضرائب وتأدية الوظائف المدنية حتى يتسنى لهم تأدية واجباتهم الدينية ، وازدادت الكنائس غلى نتيجة ما كان يصل اليها من هدايا وأموال وهبات وأراض وأملاك من الدولة ومن سكان الامبراطورية ، وأعفى المسيحيون من حضور الاحتفالات الوثنية .
ويقال أن قسطنطين أمر بتشييد عدد كبير من الكنائس في أنحاء الامبراطورية مثل كنيسة القديس بطرس في روما وكنيسة الصعود على جبل الزيتون وكنيسة المهد في بيت لحم ، وزین قسطنطين فيما بعد عاصمته الجديدة القسطنطينية وما جاورها بعدد من الكنائس ، أشهرها كنيسة الرسل وغيرها ، كما تم في عهد قسطنطين تشييد كنائس في
أماكن أخرى في أنطاكية ونيقوميديا وشمال أفريقية •
ومن الجدير بالذكر أن الامبراطور قسطنطين الكبير رأی - بعد
اعترافه بالمسيحية كديانة من الديانات المعترف بها في الامبراطورية - أن وحدة واحياء الامبراطورية تعتمدان على وحدة الكنيسة، وبالتالي استخدم قوة الامبراطورية وعظمتها في محاولة لربء الصدع في النزاع الذي بدأ يظهر وقتذاك بين رجال الدين .
-------------------------------------------------------------------
🔹 المجمع المسكوني الأول نيقيه ٣٢٥م
وقد تصرف قسطنطين ليس كامبراطور رومانی بل كامبراطور وبابا بيزنطي في آن واحد
(Byzantine Caesaropapism )،
والدليل على ذلك ان الامبراطور قسطنطين عندما عقد في سنة 325م في مدينة نيقيه Nicaea أول مجمع دینی مسکونی (*عالمی) ليبحث رجال الدين في العقيدة وشئون الكنيسة ،وهو الذي بدأ بالدعوة الى هذا المجمع ، ودعا الأساقفة الى نيقيه وجعلهم في ضيافة الدولة ، ورأس جلسات المجمع ووجه قراراته ، وفرض على الأساقفة القرارات اللاهوتية.التي قضاها ، وترك بذلك بصمات واضحة على علاقات الكنيسة بالدولة في الشرق .
ومعنى هذا أن الامبراطور البيزنطى أصبح سيد الكنيسة
والمتحكم في شئونها ، مما كان له أثر كبير في تاريخ الكنيسة
الشرقية •
وكانت أهم القضايا التي بحثها مجمع نيقية المسكونی آراء أحد كهنة مدينة الاسكندرية ويدعى آریوس Arius السكندرى (حوالى250-336م) الذي كان يقول بأن المسيح مخلوق بشر ، وأنه أقل من الأب في الجوهر ، وبالتالي فانه أقل منه مرتبة . وأضاف بأنه لابد أن يكون هناك وقت لم يكن فيه المسيح مخلوقا ، وكان فيه الله الخالق وحده ، فأنكر آريوس ألوهية المسيح ، وأنكر صفة الشبه بين الأب والابن ، وأثار بذلك عاصفة من الاحتجاج والانقسام في العالم المسيحي ، مما جعل الامبراطور قسطنطين يهتم بأمر هذا الانشقاق
ووجه الدعوة الى جميع الأساقفة في الامبراطورية للاجتماع في مجمع مسکوني في نيقية ، ولبى الدعوة ۳۱۸ أسقفا من أساقفة العالم المسيحي منهم أساقفة روما و الاسكندرية وقرطاجنة وأنطاكية و نيقوميديا وغيرهم •
ودامت جلسات المجمع سبعة وتسعين يوما برئاسة
الامبراطور •
ولعب الشماس السكندرى أثناسيوس Athanasius
الذي لم يكن تجاوز - وقتذاك التاسعة والعشرين من عمره دورا هاما في هذا المجمع فقد شرح هذا الشماس السكندرى الذي صار فيما بعد أسقفا لكرسي الإسكندرية ، لممثالي كنائس العالم -شرح- معنی الايمان ، ثم فند آراء آريوس في براعة وإقناع ، ورأي أثناسيوس أن آراء الأريوسيين مصيرها الى الزوال و الفناء ، لأنه : « كما أن الأب أزلي يجب أن يكون الابن أيضا أزليا ، الأب يجب أن يكون بلا جدال في الإبن ، الأب نور والإبن شعاع ونور حقيقي ، الأب آله حق و الإبن إله حق ».
----------------
*طبعا هذا من وجهة نظر رجال الدين المسيحي أما نحن فنعتقد أن آريوس كان أقرب لعقيدة التوحيد الأصلية التى لم تلق قبولا في مجتمعات ورثت تثليث الآلهة من الوثنيات الواغلة في القدم. ..*جواهر
----------------
وأخيرا رفض المجمع آراء آريوس وقرر أن الإبن أی المسیح
من نفس جوهر الأب Homoousios ، وبالتالي قرر قدسية المسيح وأنه آله حق من آله حق . وهكذا بدأت أسس العقيدة المسيحية تتكون وتأخذ شكلا محددا . وقرر المجمع حرمان آریوس ووضع قانونا عاما.للايمان المسيحي أوله ( نؤمن باله واحد ) أي أن الثالوث واحد.لا ينقسم ، كما وضع قانونا لأصل نظام الكنيسة وانتخاب رعاتها وتأديبهم . وقرر المجمع أيضا منع الزواج الثاني لمن كان متزوجا من رجال الدين المسيحي وماتت زوجته .
هذا التعاون بين الكنيسة والدولة أدى إلى كثير من المشاكل ، اذ أصبحت الدولة منذ ذلك الحين فصاعدا مجبرة على أن تكون طرفا في كل الخلافات والمنازعات الكنسية ، وبالتالي لم تعد الخلافات المذهبية من خصوصيات الكنيسة وحدها، بل كانت تتأثر بالظروف السياسية .
----------------------------------------------------------------
🔹 تأسيس مدينة القسطنطينية
وبعد أن اعترف قسطنطين الكبير بالمسيحية كديانة من ديانات الامبراطورية كان لابد لاكتمال ظهور الدولة البيزنطية أن تشيد مدينة مسيحية الصبغة لتكون عاصمة للدولة بدلا من روما التي ظلت حصنا للوثنية إلى وقت ليس بقصير ، لهذا نقل قسطنطين.عاصمة الإمبراطورية إلى شواطىء البوسفور في الشرق .
ومن المعروف أن بعض أباطرة الرومان حاولوا منذ عهد يوليوس قيصر ( الذي قتل سنة 44 ق.م ) الانتقال بعاصمتهم الى الشرق . فقد فكر يوليوس قیصر في جعل الاسكندرية أو طروادة في آسيا الصغرى عاصمة له ؛ وسبق القول بأن دقلديانوس جعل مقر حكمة مدينة نيقوميديا في آسيا.الصغرى عندما احتفظ لنفسه بالجزء الشرقي من الإمبراطورية .
ولاشك أن نقل مركز الثقل السياسي للامبراطورية من الغرب الى الشرق- أي من مدينة روما إلى مدينة قسطنطين الجديدة كان حدثا هاما . فالشرق كان أغنى بموارده الاقتصادية وأكثر سكانا من الغرب .
وكان نقل العاصمة الى الشرق تخلصا من مشكلات حربية واجهت الإمبراطورية في الغرب، خاصة في الدانوب الأدني ، حيث اشتدت هجمات الجرمان البرابرة ، كما كان لابد من الوقوف في وجه الخطر الفارسي الساساني الذي بدا يزداد - وقتذاك - وادعاءهم الحق في استرداد جميع الأقاليم التي كانت تابعة للامبراطورية الفارسيةالقديمة .
وفي سنة 324 بعد انتصار قسطنطين على شريکه لیکینیوس
وانفراده بحكم الامبراطورية بدأ في بناء عاصمته الجديدة (القسطنطينية) على البوسفور بجوار خرائب مستوطنة بيزنطة اليونانية . و كان قد أقام هذه المستوطنة اليونانية مجموعة من الاغريق سكان مدينة ميجارا : تلك المدينة البحرية التي كانت من أنشط مدن هيلاس ( اليونان ) .
ويرجع الفضل في اختيار موقع مستوطنة بيزنطة القديمة إلى القائد البحري بيزاس Byzas الذي سميت بأسمه ، وبقيت مستوطنة بيزنطة ذات مركز تجاري هام ، لأن أوروبا كانت تقف خلفها و آسيا أمامها ، ويحمى الماء، جانبين من جوانبها ، ويحمي الجانب الثالث سور قوي لا تتحكم فيه أية مرتفعات مجاورة ، وكان موقعها الممتاز سببا لتنازع المدن الأيونية من ناحية ، و الفرس من ناحية أخرى للاستيلاء عليها .
ومنذ سنة 47 ق.م ارتبط مصير مستوطنة بيزنطة بمصير مدينة أثينا وظلت وفية لها أثناء الحرب البيلوبونيزية . ثم بدأت علاقة بيزنطة بروما . وفي سنة 196م دمرتها الجيوش الرومانية بقيادة سيميوس سيفيروس لانضمامها إلى منافس له ، وحولها إلى مجرد قرية تابعة لمدينة برنثوس Perinthous المجاورة لها .
وقد اختار قسطنطين هذا الموقع الاستراتيجي الممتاز بجوار خرائب مستوطنة بيزنطة القديمة لتشييد عاصمته ،
وتقص أسطورة من الأساطير أن قسطنطين الكبير سار على قدميه وخلفه حاشيته ، ورسم بحربته حدود المدينة مدعيا بأنه يتبع دليلا خفيا يسير أمامه ليريه حدود مدينته .
وفي يوم 11 مايو سنة 330م احتفل بتدشين العاصمة الجديدة التي أطلق عليها اسم روما الجديدة ، الا أن الرجال آثروا أن يطلقوا عليها اسم القسطنطينية نسبة إلى
مؤسسها قسطنطين . ولهذه المناسبة أمر قسطنطين بسك عملات برونزية صغيرة تخليدا وتذكارا لهذه المناسبة ، وقد تم سك هذه العملات في مدينة روما .
ويرى شارل ديل Charles Diehl وغيره أن يوم 11 مايو سنة 330م ، وهو يوم تدشين القسطنطينية ، هو اليوم الذي تمت فيه ولادة الدولة البيزنطية . كما يؤكد رنسیمان Runciman أن عام 330م هو خير تاريخ يمكن اتخاذه نقطة بداية التاريخ البيزنطی.
والحقيقة أن الامبراطور قسطنطين الكبير شيد مدينة حصينة آمنة أصبحت أعظم مدينة في أوروبا العصور الوسطى لقرون طويلة . وكان موفقا في اختيار موقع العاصمة الجديدة عند نقطة التقاء قارتي آسيا وأوروبا. وتحتل مثلثا من الأرض يحتضنها البوسفور من الشرق ، ويطل عليها القرن الذهبي من الشمال ، وبحر مرمرة Propontis من الجنوب ، ولا يمكن الوصول اليها برا إلا من جهة واحدة ، وهذا جعلها مدينة آمنة من أي غزو برى أو بحری ۰
وتحكمت العاصمة الجديدة في الطريق الموصل بين أوروبا وآسيا ، وبين البحر الأسود وبحر إيجه والبحر المتوسط . وسرعان ما أصبحت القسطنطينية أهم مركز للتجارة الدولية فقد تمتعت المدينة الجديدة بأحسن ميناء طبیعی في عالم العصور الوسطى ، فالقرن الذهبي يحميها من التيارات البحرية
والرياح ، وهو عميق في مياهه لدرجة أن يأوي اليه اعداد كثيرة من السفن .
وأدى موقع القسطنطينية عند ملتقى الماء و الطرق التجارية البرية التي تصل الشرق بالغرب ، والجنوب بالشمال إلى أن أصبحت العاصمة مركزا وسوقا عالميا لتجارة الحرير، الوارد من الصين وتوابل الشرق والقمح المصرى والرقيق من الغرب والفراء من الشمال .
وقرر قسطنطين أن يجعل عاصمته الجديدة مهيأة لتلعب الدور الذي كان لروما القديمة . فأسس بها مجلسا للشيوخ ( السناتو )، وأمر بتشييد الأبنية الفخمة والحمامات والكنائس والقاعات والميادين والحدائق وملاعب السباق Hippodrome • وأمد سكانها بالخبز بدون مقابل، وشجع رعاياه على الاستقرار في عاصمته ..
و يضاف إلى ذلك أن القسطنطينية كانت تتميز، منذ تأسيسها، بالطابع المسيحي الواضح في كل نواحي الحياة فيها ، وعدم الصلة بالماضي الوثنى .
-------------------------------------------------------------------
🔹️ وثنية الإمبراطور جوليان
واذا كان اعتراف قسطنطين الكبير بالمسيحية سنة 313م وتشييده لعاصمة مسيحية جديدة سنة 330م يحددان بداية عصر جدید تم فيه صبغ الدولة البيزنطية. بصبغة مسيحية شرقية ، الا أن هذه الدولة تعرضت لثلاث هزات أو أزمات عنيفة كادت تعصف بها وبمستقبلها ..
وهذه الهزات أو الأزمات هي :
1▪︎حركة الارتداد إلى الوثنية أو بعث الوثنية في عصر
الإمبراطور جولیان
2▪︎ التهديد الجرماني .
3▪︎الخلافات الدينية المذهبية ..
أما عن حركة الإرتداد الى الوثنية فتكمن خطورتها في أن المسيحية انتصرت كما سبق القول - لأن الامبراطور قسطنطين ساندها ووقف بجوارها ، وبالتالي كادت المسيحية أن تصاب بنكسة خطيرة عندما وقف الامبراطور جوليان المرتد الى جانب الوثنية محاولا أعادتها واسترداد مجدها وعظمتها المندثرة ، ولم يكن قد مضى بعد ربع قرن من الزمان على وفاة قسطنطين .
فبعد وفاة قسطنطين الكبير سنة 237 م قسمت الدولة البيزنطية بين أبنائه الثلاثة قسطنطين الثاني وقسطنطیوس وقنسطانز ، وتلقب كل منهم بلقب أغسطس - وشب نزاع بين الأخوة الثلاثة قتل خلاله قسطنطين الثاني سنة 340م
ثم قنسطانز سنة 350م ، واستطاع قسطنطیوس توحيد الامبراطورية في تلك السنة 350م واستمر حكمه حتى
سنة 361م ۰
غير أن المشكلة التي واجهت قسطنطیوس بعد مقتل
أخويه كانت مشكلة وراثة العرش لأنه لم يكن لديه أولاد.. ولم يبق من أسرة قسطنطين سوی جاللوس Gallus وجوليان Julian ولدي عمه.
وعين الامبراطور قسطنطیوس جاللوس قيصرا ، غير أنه أشار ريبة الامبراطور فدبر اغتياله سنة 354م، وعين جوليان في السنة التالية 355م قیصرا ، وزوجه من أخته هيلينا Helena ... وأرسله على رأس جيش الى غاليا(فرنسا) للوقوف في وجه الجرمان .
ونجح جوليان في صد غارات الجرمان عبر نهر الر این ، وحاز حب واعجاب جنوده .. وعندما مات قسطنطيوس سنة 361م نودي بجولیان امبراطورا ، وكان آخر من
حكم الامبراطورية من سلالة قسطنطين الكبير .
وما أن أصبح جولیان امبراطورا حتى أظهر الميول التي كان
يخفيها . فقد كان معجبا بالفن والثقافة والمعرفة التي أوجدتها الحضارتان الوثنيتان اليونانية والرومانية وقد أثار انتباه العلماء والكتاب خاصة أن ما كتبه هو شخصيا يضفي ضوءا على فلسفته وأعماله ، وكان يشعر بعداء شديد للمسيحية ، لهذا أصدر قرارا بفتح .المعابد الوثنية وتقديم القرابين للالهة الوثنية ، ونظم هيئة كهنوت وثنية، على غرار هيئة. الكهنوت المسيحية .
ووصل عداء جوليان للمسيحية الى درجة أنه عزل المسيحيين من الوظائف المدنية والعسكرية ، وعين
أشخاصا يدينون بالوثنية ، ورفع الصلبان والرموز
المسيحية التي كانت ترسم أو تنقش على أعلام الجيش ودروع الجنود وأبدلها بشارات وثنية . ومنع جوليان أيضا تعیین مدرسین من المسيحيين وقصر وظائف التدريس على الوثنيين حتى ينشأ الجيل الجديد على مبادىء الوثنية لا المسيحية .
أما العوامل التي دفعت جوليان الى هذا الاتجاه الوثني ،
فمن المعروف أن السنوات الأولى من حياته كانت بالنسبة له سنوات قلق وخوف ، فقد ماتت أمه " بعد ولادته ببضعة شهور ، وفقد والده وسنه ست سنوات ، وكان موضع
مراقبة واضطهاد من الامبراطور قسطنطيوس الذي دبر أمر اغتيال بعض أفراد أسرته .
وأجبره قسطنطیوس على الاقامة في قبادوقيا حيث تأثر بأستاذه ماردونیوس وهو عالم يوناني برع في الأدب و الفلسفة ، عرف جوليان بأمهات كتب الآداب القديمة ، في نفس الوقت الذي تلقى فيه جولیان تعلیما دينيا من عالم مسیحی ، من المحتمل أن يكون يوسيبيوس
ولهذا تلقى جولیان نوعين مختلفين من التعليم لم يتلاقيا .
وأمره الامبراطور قسطنطیوس بعد ذلك بالانتقال الى نيقوميديا لمتابعة دراساته وقراءاته ، وكان يقوم بالتدريس في نيقوميديا في ذلك الوقت الفيلسوف ليبانيوس Libanius أعظم علماء البلاغة في عصره .
وأظهر جولیان میلا واضحا نحو الآراء والمعتقدات الوثنية متأثرا بأراء ليبانيوسن الذي كان يظهر فضائل الوثنية الهللينية ومساويء المسيحية .
وأكمل جولیان صلته بالأفكار والتعاليم الوثنبة حين أمره قسطنطیوس بالانتقال إلى مدينة أثينا بعد مقتل أخيه جاللوس . وكانت أثينا حاضرة العالم اليوناني القديم ومعقل الفلسفة الوثنية ..
وعبر جوليان في رسائله عن اعجابه الشديد بأثينا موطن سقراط وحدائقها وضواحيها وإلى هذه الفترة من حياة جوليان يعزو الباحثون تخلي جوليان النهائي عن المسيحية واعتناقه الوثنية .
وتجدر الاشارة الى أن "جوليان أخفى ميوله الوثنية خوفا من الإمبراطور قسطنطيوس ، وما أن أصبح جولیان إمبراطورا حتى وجد الفرصة المناسبة للقيام بحركة ارتداد
عن المسيحية الى الوثنية .
غير أن جوليان لم يحكم سوى مدة قصيرة ( 361-363م ) مما أنقذ الدولة البيزنطية من حركة الردة الى الوثنية .
------------------------------------------------------------------
☆أهم الإشارات المطلوبة:
-فاسيليف ، الإمبراطورية البيزنطية ، 1 ، ص 45 - 46 ؛
، ص 52 - 53
-فريونيس ، بيزنطة. ص 25 - 26: هاسي. بيزنطية
العالمية. ص. 12
- انظر رسائل اثناسيوس الرسولي عن الروح القدس ، تعريب القس مرقس داود ، الرسالة الثانية ، ص٨٦-٨٨
- ميشيل جرجس الكنيسة المصرية ص٧٠-٧١
☆المصدر :
* دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية د. حسنين محمد ربيعة ص ٢٧-٣٨ب

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم

التاريخ الاسلامى

2/recent/post-list