تاريخ السلاجقة والدانشمند ... (4)
--------------------------------------------------------------------
كان حديثنا عن الدولة البويهية الشيعية والتي كانت تفصل دولة السلاجقة الناشئة عن الخلافة العباسية .
تنتسب الدولة البويهية إلى بويه( أبو شجاع) بن فنّاخسرو الديلمي الفارسي وقد حكمت العراق وفارس لمدة تزيد عن القرن،: 334ﻫ - 447ﻫ .
وكان الخليفة العباسي في بغداد ضعيفاً بإزائهم أكثر مما كان مع الأتراك من قبل .
لم يخف البويهيون تشيعهم، بل شجعوا المذهب الشيعي في بغداد للقيام بالأعمال الاستفزازية ضد أهل السنة، فكانت لا تمر سنة دون شغب واصطدامات تقع بين السنة والشيعة تذهب فيها الأرواح، والممتلكات وتحرق الأسواق،
وجاء في حوادث 351ﻫ :
وكتب الشيعة في بغداد بأمر معز الدولة على المساجد بلعن معاوية والخلفاء الثلاثة والخليفة العباس لا يقدر على منع ذلك ، ....(*1)
وفي سنة 352ﻫ أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء وأن يظهروا النياحة وأن يخرج النساء منتشرات الشعور، مسودات الوجوه، يدرن في البلد بالنوائح ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي – رضي الله عنه – ففعل الناس ذلك ....
ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه لكثرة الشيعة ولأن السلطان معهم ، وهذا أول مانيح عليه . (* يعنى أول سنة لهذه العادة )....... (*2) ؛(*3)
قال الذهبي : وضاع أمر الإسلام بدولة بني بويه وبني عبيد الرافضة، وتركوا الجهاد وهاجت نصارى الروم، وأخذوا المدائن وقتلوا وسبوا ......
وقال : فلقد جرى على الإسلام في المئة الرابعة بلاء شديد بالدولة العبيدية بالمغرب، وبالدولة البُويهية بالمشرق، وبالأعراب القرامطة، فالأمر لله تعالى..
وقال عن عضد الدولة أبو شجاع فنّاخسرو : .. وكان شيعياً جلداً أظهر بالنجف قبراً زعم أنه قبر الإمام علي بنى عليه المشهد، وأقام شعار الرفض ومأتم عاشوراء، ونُقل أنه لما احتُضر ما انطلق لسانه إلا بقوله تعالى : " ما أغنى عنَّي ماليه، هلك عني سلطانيه " ( الحاقة : 28،29) .. .....(*4)
--------------------------------------------------------------------
مناصرة الأمراء البويهيين لحركة التشيع وإثارة التفرقة والنعرات الضيقة
بحلول سنة 334ﻫ / 945م كانت الأوضاع العامة في العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً غاية في السوء وعندما تمكن البويهيون من بغداد زادوا الأمور سوءاً وكشفوا عن تشيعهم وإيمانهم بعقيدتهم معاضدين أبناء الفرق الشيعية العلوية الأخرى والتي كانت منتشرة في بغداد وبعض المراكز الحضرية في العراق آنذاك مثيرين للفتن الطائفية ...
ولم يكن حال الخلفاء خلال هذه الفترة يسمح لهم بمواجهة بني بويه فقد تولى الخلافة خلال العصر البويهي خمسة من الخلفاء تفاوتت مدد خلافتهم وفقاً لموقف الأمير البويهي من كل منهم
وقد لاقى كل من أولئك الخلفاء الكثير من ضروب الإهانة والاستخفاف والعنت من البويهيين ، ومن منطلق اعتقادين بويه بأن سيطرتهم على الخلافة وإضعاف نفوذ الخليفة لن يمكن أهل السنة من التصدي لهم، فقد باشروا خططهم في محاولة نشر التشيع العلوي في المجتمع ومحاربة السنة ..
فساندوا بذلك دعاة التشيع من أمثال موسى بن داود الشيرازي والذي اشتهر بلقب المؤيد في الدين وهو من عائلة عريقة في التشيع على المذهب القرمطي وكان أبوه محل احترام الخلفاء العبيديين أيضا،
و كان هو أيضاً محل احترام المرزبان بن عماد الدين أبو كاليجار البويهي وكان إذا كاتبه خاطبه بقوله : لشيخنا وظهيرنا ومعتمدنا المؤيد في الدين عصمة أمير المؤمنين أبي النصر أطال الله بقاءه وأدام عزه وتأييده ....،
وقد كان المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي من المجيدين للغتين العربية والفارسية وله الكثير من المؤلفات التي يعتمد عليها الإسماعيلية إلى يومنا هذا ، ....
وقد لعبت كتبه دوراً كبيراً في نشر الضلال والإنحراف والزيغ وعبرة عن مدى تمسكه بمبادئ الحركة القرمطية، ومن أشهر كتبه كتاب المجالس المؤيدية ويضم ما كان يلقيه في مجالس الدعوة الإسماعيلية بعد أن ترقى في سنة 451ﻫ/1059م إلى مرتبة داعي الدعاة ...
وله أيضاً كتاب الإيضاح والتبصير في فضل يوم الغدير بالإضافة إلى عدة كتب أخرى وديوان شعر منحرف أيضاً ، وهكذا وبدعم امراء بني بويه لا مثال هذا الداعية الشيعي لم يمض وقت طويل حتى بدأت الفتن العارمة التي نجم عنها العديد من المعارك الداخلية وحالات الاقتتال الطائفي تأخذ مداها بين أهل السنة والشيعة .
وأول إشارة إلى الفتن بين الشيعة وأهل السنة خلال العصر البويهي حصلت سنة 338ﻫ /951م وقد كان من نتيجتها أن نهبت الكرخ ، وفي رمضان من سنة 340ﻫ / 951م وقعت فتنة عظيمة بالكرخ بسبب المذهب ،...
وفي السنة نفسها ظهر ببغداد رجل أدعى بأن أرواح الأنبياء والصديقين تنتقل إليه، وقد وجدت في داره كتباً تدينه بالزندقة فتم القبض عليه ...
فلما تحقق أنه هالك أدعى أنه شيعي ليحضر عند معز الدولة بن بويه وقد كان معز الدولة بن بويه يؤيد الرافضة، فلما اشتهر عنه ذلك، لم يتمكن الوزير منه خوفاً على نفسه من معز الدولة وأن تقوم عليه الشيعة، إنا لله وإنا إليه راجعون
وتقدم هذه الحادثة الدليل الواضح على مدى إسناد بني بويه لفرق الشيعة الرافضة الأخرى ومدى تشجيعهم ومناصرتهم لهم، وللمنتسبين لهم حتى ولو كانوا من الزنادقة ...
ويدعم هذا الرأي ما حدث في سنة 341ﻫ / 952م حيث ظفر الوزير المهلبي بقوم من التناسخية وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة رضي الله عنها، انتقلت إليها، وفيهم آخر يزعم أنه جبريل، فضربوا فتعزروا بالانتماء لأهل البيت فأمر معز الدولة بإطلاقهم لتشيع كان فيهم ،
والمشهور عن بني بويه التشيع والرفض ، وهكذا كان لمغالاة بني بويه في التشيع نتائج سيئة الأثر حيث عمت الفوضى والانحرافات العقدية ولم تعد الفوضى قاصرة على بغداد أو مدن العراق الأخرى، بل شملت بعض أنحاء الدولة العباسية الأخرى...
وفي سنة 346ﻫ/957م تجددت الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد بسبب سب الصحابة وكان من نتيجة ذلك أن قتل من الفريقين خلق كثير دون أن تتحرك السلطة لمعالجة الصراع
وفي السنة التالية 347ﻫ /958م انتشرت ظاهرة سب وتكفير الصحابة في كثير من البلدان واشتدت الفتنة الطائفية بين الرافضة والسنة ..
ووقعت في جمادى الأولى سنة 348ﻫ / 959م حرب شديدة بين أتباع مذاهب السلف من أهل بغداد والمتشيعة وقتل فيها جماعة واحترق من البلد كثير ...
وفي سنة 349ﻫ/960م وبسبب الفتنة الطائفية تعطلت صلاة الجمعة في جميع مساجد بغداد ،
وفي سنة 351ﻫ كتب العامة على مساجد بغداد لعن معاوية بن أبي سفيان ولعن من غصب فاطمة فدكاً، ومن أخرج العباس من الشورى ومن نفي أبا ذر الغفاري ومن منع دفن الحسن عند جده ولم يمنع معز الدولة ذلك
وقد ثار أهل السنة من هذا التعريض المباشر بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وخصوصاً الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول وأقدموا خلال ساعات الليل على إزالة الشعارات التي رفعها الرافضة، ...
غير أن الأمير البويهي معز الدولة أصر على ضرورة إعادة تلك الشعارات وإبقائها مرفوعة رغم ما تشكل من تحد سافر لمشاعر عموم المسلمين من إتباع مذاهب السلف وأهل السنة، وقد نصحه وزيره المهلبي بالامتناع عن ذلك مداراة للرأي العام وبأن يكتب مكان ما محى : لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصرحوا بلعنة معاوية فقط .
وقد اتسع نطاق الصراعات الطائفية ولم تعد قاصرةً على بغداد بل إنها شملت البصرة وهمذان وقتل فيها خلق كثير ، مما قدم الدليل على أن أمراء بني بويه وعلى رأسهم معز الدولة قد اسندوا الشيعة الغلاة الذين كانوا يطمعون في تشييع المجتمع ...
ويعتبر العصر البويهي : من أقبح عهود التاريخ الإسلامي وأشدها فقد أحتل البويهيون قسماً كبيراً من شرقي بلاد الخلافة العباسية بما فيها العراق وبغداد وكانوا شيعة غلاة ولم يلغوا الخلافة العباسية لأسباب سياسية فأدى الأمر إلى صراع مرير جداً بين السنة والشيعة وكانت بغداد خاصة مسرح هذا الصراع .
-------------------------------------------------------------------
إنشاء مراكز شيعية متخصصة في التأليف والتعليم في بغداد والنجف والكاظمية
كان لتشيع البويهيين دوره الخطير في تشجيع العلماء الشيعة وتقديم الرعاية لهم .
وقد دفعهم ذلك إلى تأسيس العديد من المراكز الشيعية في العراق والتي خدمت أغراض تعصبهم المذهبي فقد حرصوا على تحويل المجتمع الإسلامي نحو الإيمان بمعتقدهم وهكذا تجدهم يقربون علماء الشيعية ويرعونهم ويشجعونهم على الكتابة في الكثير من التخصصات الفلسفية والمنطقية بالإضافة إلى الرياضيات وعلم الهيئة(*الفلك)....
وشجعوهم بشكل خاص على التأليف في العلوم التي تخدم المذهب الشيعي وهكذا ظهرت العديد من المجاميع الخاصة بهم والتي كرست لوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ومن أمثلة ذلك المحدث الرافضي أبي الفضل الشيباني (ت387ﻫ / 997م).الذي كان يروي غرائب الأحاديث، وكان ممن يضع الأحاديث للرافضة ، وقد التبس أمره على الناس فكتبوا الكثير من مروياته فلما ظهر لهم كذبه مزقوا أحاديثه ،
وقد شهد العصر البويهي عدداً غير قليل من محدثي الشيعة كأبن الجعابي وأبي الطيب الدوري، والمعبدي وابن البقال والنوبختي والكلوذاني وغيرهم ممن عملوا على إسباغ صبغة الاعتزال والتشيع على مروياتهم وكان ذلك بمناصرة ومعاضدة أمراء بني بويه ....
وكان خطر هؤلاء المبتدعة كبيراً على الأمة الإسلامية لما اتصفوا به من انحراف في المعتقد وتزييف للحقائق وافتراء على المشرع ...
ومن أولئك على سبيل المثال أبو القاسم علي أحمد العلوي الكوفي ت (352/963م) وهو من الشيعة الغلاة ومن كتبه الاستغاثة في بدع الثلاثة، ويقصد بالثلاثة الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وقد قال في جملة ما قاله في هذا الكتاب بأن القرآن الذي بين أيدي الناس هو قرآن ناقص ،
ومنهم أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان المعروف بالشيخ المفيَد (ت 413ﻫ- 1022م) وكان ذو مكانة كبيرة لدى إمراء بني بويه ، وكانت له تصانيف كثيرة ..
كتب عنه الخطيب البغدادي :
" شيخ الرافضة والمتعلم على مذاهبهم، صنف كتباً كثيراً في ضلالاتهم والذي عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامة الفقهاء المجتهدين ...
....وكان أحد أئمة الضلال هلك به خلف من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه "
وقد أدى اهتمام البويهيين بالعلم والعلماء إلى انتشار خزانات الكتب وإلى جانبها دور للعلم يمكن اعتبارها من المؤسسات المساعدة لمراكز التشيع حيث كان الغرض منها حث علماء الشيعة على الإطلاع والتأليف ...
ومن بينها دار العلم ببغداد وهي دار ابتاعها الوزير أبو نصر سايور بن أردشير 383ﻫ/993 بمحلة الكرخ جدد عمارتها ونقل إليها كتب كثيرة وأوقف عليها أوقافاً كثيرة وسماها دار العلم ،
ومن بينها الدار التي أسسها نقيب العلويين الشريف الرضي المتوفي سنة 406ﻫ/1015م في الكاظمية على الجانب الغربي من دجلة مقابل مقابر قريش وأسماها دار العلم وفتحها لطلبة العلم ووفر لهم كافة ما يحتاجونه ،
ويعتبر أبو عبد الله المرزباني من الأدباء والكتاب الذين جعلوا دورهم مركزاً للتشيع والاعتزال فقد كان المرزباني معتزلياً يتشيع ، ...
ولقد أنشأ البويهيون خلال مدة حكمهم العديد من مراكز التشيع واعتنوا عناية كبيرة بتلك التي كانت موجودة وقائمة قبل وصولهم، ووجدت هذه المراكز في كل من كرخ بغداد والكوفة والنجف وكربلاء والكاظمية والبصرة والحلة ...
وقد لعبت تلك المراكز أدواراً مهمة في تجميع الشيعة وتوحيد صفوفهم ودفعهم إلى نشر أفكارهم ومعتقداتهم خاصة وأنهم وجدوا مناصرة ومعاضدة من المتسلطين على الخلافة العباسية من أمراء بني بويه، وكذلك من وزرائهم الذين نهج معظمهم نفس النهج .
--------------------------------------------------------------------
(*1) أيعيد التاريخ نفسه ص 48.
(*2) الكامل في التاريخ نقلاً عن أيعيد التاريخ نفسه ص 49.
(*3) البداية والنهاية (11/577).
(*4) سير أعلام النبلاء (16/232). (16/252).
-----------------
يتم وضع الأرقام في المتن لاحقا ان شاء الله لضيق الوقت.
(*5) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 60.
(*6) القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام، طه الولي ص 200.
(*7) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 63.
(*8) المصدر نفسه ص 63.
(*9) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 64.
(*10) المصدر نفسه ص 64.
(*11) المصدر نفسه ص 65.
(*12) المصدر نفسه ص 65.
(*13) النجوم الزاهرة (3/307،308).
(*14)الحياة العلمبة في العراق خلال العصر البويهي ص 67.
(*15) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص67.
(*15) يقصدون أبا بكر وكذبوا في ذلك لأن أبابكر نفذ حكم رسول الله في فدك.
(*16) يقصدون عمر في ترشيحه لأهل الشورى حيث كانوا من العشرة المبشرين بالجنة.
(*17) يقصدون عثمان وعثمان لم ينقي أباذر ولكن أباذر أختار ذلك.
(*18) المنتظم (7/7،8).
(*19) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 68.
(*20) تاريخ الخلفاء ص 639.
(*22) الكامل في التاريخ نقلاً عن الحياة العلمية في العصر البويهي ص 68.
(*23) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 69.
(*24) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 90.
(*25) تاريخ بغداد (5/466، 467).
(*26) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 104.
(*27) المصدر نفسه ص 104.
(*28) أعياد الشيعة نقلاً عن الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهيين105.
(*29) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص 106.
(*30) المصدر نفسه ص 106.
(*31) تاريخ بغداد (3/231).
(*32) المنتظم (7/172) الحياة العلمية في العراق ص 110.
(*33) البداية والنهاية نقلاً عن الحياة العلمية ص 111.
(*34) تاريخ بغداد (3/135،136).
(*35)الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ص111.
(*36) المصدر نفسه ص 113.
☆ دولة السلاجقة د. على الصلابي ص37-34
إرسال تعليق