تاريخ السلاجقة والدانشمند ... (6)
--------------------------------------------------------------------
بعد انتصارهم على السلطان مسعود الغزنوي في معركة داندنقان استقر السلاجقة على اختيار طغرلبك سلطانا لدولتهم الوليدة .. ثم ما لبث أن رتب أمور دولته من الداخل و بدأ يلتفت إلى السياسة خارجها ..
كان طغرل يود أن يكسب تأييد الخليفة العباسي فأرسل له رسالة جزلة كان مما ورد فيها :
{ نحن معشر آل سلجوق أحطنا دائماً الحضرة النبوية المقدسة وأحببناها من صميم قلوبنا، ولقد اجتهدنا دائماً في غزو الكفار وإعلان الجهاد، ودوامنا على زيارة الكعبة المقدسة .....إلخ
وشكراً لله على ما أفاء علينا من فتح ونصر، فنشرنا عدلنا وإنصافنا على العباد وابتعدنا عن طريق الظلم والجور والفساد ونحُن نرجوا أن نكون في هذا قد نهجنا وفقاً لتعاليم الدين ولأمر أمير المؤمنين }
وما إن وصلت هذه الرسالة إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله حتى سُرَّ بها غاية السرور، وأظهر رغبته في التقرب إليهم وبادر بإيفاد رسول إلى السلطان طغرل بك الذي كان في مدينة الري سنة 435ﻫ
---------------------------------------------------------------------
اتساع رقعة دولة السلاجقة الأول
بعد أن شعر طغرل بك أول سلاطين السلاجقة بالإطمئنان على دولته أثر اعتراف الخليفة العباسي القائم بأمر الله بها، وتوجه كل أمير من أمراء السلاجقة إلى المنطقة المخصصة له، ...شرع طغرل في تنفيذ ما تبقى من خطته الرامية إلى إتمام سيطرة السلاجقة على بلاد فارس، ومن ثم التوجه منها للسيطرة على العراق،
في عام 433ﻫ تحرك طغرل بك على رأس جيش كبير من أجل تحقيق ذلك الهدف، وكان الديالمة يسيطرون آنذاك على معظم أجزاء بلاد فارس والعراق ولكنهم مع ذلك كانوا في نزاع مستمر مما أضعفهم وسهل على السلطان السلجوقي طغرلبك التغلب عليهم وإنهاء حكمهم، ...
وقد كان النصر حليفه في كافة حروبه معهم والتي انتهت بسيطرته على بلاد فارس والعراق حيث دخل حاضرة الخلافة العباسية بغداد ،...
بدأ طغرل بك بالهجوم أولاً على جرجان وطبرستان من أجل القضاء على حكم أنو شروان الزياري الديلمي الذي كان يسيطر على هذين الإقليمين وإدراكاً من هذا الأخير لقوة السلاجقة وإنه لا طاقة له بقتال طغرل بك، قرر أن يخضع له وأعلن تعهده بطاعته وأداء إتاوة سنوية له، وبذلك ضم طغرل بك هذين الإقليمين إلى دولة السلاجقة،
ثم لم يلبث طغرل أن أزال حكم الزياريين الديالمة منها، وعين عليها والياً من قبله فكان هذا إيذاناً بسقوط الدولة الزيارية وانتهاء نفوذها في بلاد فارس ،
وبعد ذلك توجه طغرل بك نحو خوارزم لفتحها وكان ذلك عام 434ﻫ وما أن تم له ذلك حتى سيطر على ما يجاورها من المناطق، فأصبح السلاجقة أكبر قوة في بلاد فارس وما وراء النهر، وكان هذا سبباً في مسارعة حكام الأقاليم إلى إعلان طاعتهم وولائهم لهم وموافقتهم على دفع إتاوة سنوية لهم.
كل هذا أتاح الفرصة لطغرل بك للتوجه إلى وسط بلاد فارس وغزو مدينة الري ، فسار على رأس جيش كبير نحوها في العام نفسه 434ﻫ فدخلها فاتحاً عاصمة له ومقراً لحكومته ،
وكان لهذه الانتصارات التي حققها السلاجقة بزعامة السلطان طغرل بك في بلاد فارس و بلاد ما وراء النهر انعكاساتها على الخليفة العباسي القائم بأمر الله في بغداد، ...
فما كان من الخليفة ألاّ أن بعث رسول من قبله إلى مدينة الري يحمل رسالة منه للسلطان السلجوقي يدعوه فيها لزيارة بغداد ...
وقد أبلغ مبعوث الخليفة السلطان السلجوقي بأن الخليفة قد سُرَّ برسالة السلاجقة إليه كثيراً، وردَّ عليها برد حسن تضمن موافقته على قيام دولة السلاجقة، وأن الخليفة يسره أن يستقبل سلطان السلاجقة في بغداد عاصمة الخلافة كضيف عزيز كريم ، ..
واستقبل السلطان طغرلبك مبعوث الخليفة العباسي أحسن استقبال ورحب بدعوته إياه لزيارة بغداد، ووعد بالقيام بها في الوقت المناسب ومن جهة أخرى فقد بقي مبعوث الخلافة في الري مدة ثلاثة سنوات من أجل مرافقة طغرك بك عند توجهه لزيارة بغداد...
ولكن ذلك المبعوث اضطر إلى الرجوع وحده إلى بغداد، بعد أن أكد له طغرل بك حرصه على هذه الزيارة وإنه سيلبيها بعد فراغه من غزو الأقاليم الغربية والجنوبية من بلاد فارس وقد فرغ السلاجقة من بسط سيطرتهم على الأقاليم الشرقية منها ، ...
وبعد ذلك أخذ طغرل بك ببسط سيطرته على الأقاليم الغربية من بلاد فارس، فتمكن من ذلك دون عناء كبير بسبب ضعف أمراء الديلم هناك، فخضعت له قزوين وابهر وزنجان وهمدان وأذربيجان ، ودان له حكامها بالطاعة والولاء،..
بعدها أرسل جيشاً لفتح كرمان التي خضعت له في شهر محرم من عام 443ﻫ ، وبخضوعها انتهت دولة الديالمة في تلك المنطقة وكان طغرل بك قد حاول استغلال الوقت أثناء حصار جيشه لاصفهان، فأرسل جزءاً منه لفتح إقليم فارس وما جاورها فتمت له بذلك السيطرة التامة على المنطقة الجنوبية من بلاد فارس بأجمعها ،...
بعد ذلك توجه طغرل بك بجيشه لتفقد المناطق الشمالية الغربية من بلاد فارس وتوطيد سيطرة السلاجقة عليها، فسار في عام 446ﻫ إلى إقليم أذربيجان، ودخل عاصمته تبريز وشمل نفوذه جميع أجزاء أذربيجان، فضلاً عن بعض أجزاء من بلاد الروم في آسيا الصغرى ، المتاخمة لأذربيجان، ..
بعدها عاد إلى عاصمته الري عام 447ﻫ، وهكذا شمل نفوذ السلاجقة أكثر أجزاء بلاد فارس، فضلاً عن أجزاء من الدول المجاورة لها، وبهذا أصبح طغرل بك مستعداً لدخول العاصمة بغداد بناء على استدعاء الخليفة ...وبعد ذلك تمت سيطرتهم على معظم أنحاء العراق .
وقد أرسل طغرل بك أخاه من أمه إبراهيم ينال إلى همدان والأجزاء الغربية المجاورة لها من أجل تثبيت نفوذ السلاجقة فيها، فتوجه من كرمان إليها عام 437ﻫ ،
وهناك حدثته نفسه بالتمرد واتخاذها قاعدة له مما أجبر طغرل بك على التوجه نحوه بنفسه وذلك عام 441ﻫ وما أن اقترب منها حتى أرسل إلى أخيه يطلب منه أن يسلم القلاع التي في يده إليه، غير أنه رفض ذلك فهاجمه طغرل بك وانتصر عليه ثم عفا عنه بعد أن استسلم له، ولم يعاقبه على تمرده هذا .
واستمر طغرل بك في تفقده للأقاليم التابعة لدولة السلاجقة غربي بلاد فارس من أجل إحكام سيطرته عليها، كما استطاع أن يبسط نفوذه على ديار بكر بعد أن وافق حاكمها نصر الدولة بن مروان على ذكر اسمه في الخطبة، وإعلان طاعته وولائه للسلاجقة ،
وفي عام 441ﻫ توجه طغرلبك نحو أصبهان التي كان قد حاصرها عام 438ﻫ، فحاصرها وفيها حاكمها أبو منصور فرامرز بن علاء الدولة وضيق عليه كثيراً لكنه لم يوفق في ذلك ولكن في النهاية تم الصلح بين الطرفين على مال يقدمه فرامرز بن علاء الدولة لطغرل بك، فضلاً عن الخطبة له في اصبهات وأعمالها .
--------------------------------------------------------------------
التوسع نحو الأناضول
في سنة 440ﻫ قام إبراهيم ينال بغزو الروم حيث ظفر بهم وغنم غنائم كثيرة وكان السبب في ذلك أن جموعاً كثيرة من الغز فيما وراء النهر قد جاءوا إليه يريدون الاستقرار في بلادهم، ولكنه رفض ذلك وحاول إفهامهم أن بلاده ومصادرها تعجز عن حاجتهم، ...
ونصحهم بالتوجه إلى غزو الروم والجهاد في سبيل الله فضلاً عن حصولهم على الغنائم، كما أخبرهم أنه سيلحق بهم ويساعدهم فاستجابوا له وساروا أمامه فتبعهم ، فلما وصلوا إلى ملازكرد وارزن الروم قاليقلا وطرابزون لقيهم جيش كبير من الروم والإبخاز،...
و تذكر المصادر أن عدد جيش الروم ثمان وخمسين ألفاً فدار بينهم قتال شديد تبادل فيه الفريقان النصر والهزيمة وكان النصر في النهاية للمسلمين قتلوا عدداً كبيراً من الروم وأسروا العديد منهم بينهم كثير من البطارقة،..
وكان من بين الأسرى قاريط ملك الأبخاز الذي فدا نفسه بثلاثمائة ألف دينار وبهدايا قُدر ثمنها مائة ألف ، ولكن لم يقبل ذلك منه ومع ذلك فقد استمر إبراهيم ينال يغزو تلك البلاد وينهبها ولم يبق بينه وبين القسطنطينية سوى خمسة عشر يوماً، ...
وكان من نتيجة هذه الغارات والغزوات أن غنم المسلمون الكثير، وسبوا ما يزيد على مائة ألف رأس، فضلاً عما لا يحصى من البغال والدواب والأموال حتى قيل أن الغنائم كانت قد حُملت على عشرة آلاف عجلة وأن من جملة الغنائم تسعة عشر ألف درع ....
وكان لهذه الغزوة آثار كبيرة فقد ألحق السلطان طغرل بك بالروم خسائر كبيرة بما قام به من نهب وقتل وأسر وبعد ذلك توجه للري وأقام بها حتى حلول 447ﻫ وعاد بعدها إلى العراق .
--------------------------------------------------------------------
علاقة السلاجقة بالخلافة ودخول العراق والقضاء على الدعوة الشيعية الرافضة الباطنية
أصبح السلاجقة في عام 447ﻫ أكبر قوة في العالم الإسلامي خاصة بعد أن فرضوا سيطرتهم على بلاد فارس وتغلبوا على الغزنويين والبويهيين ، وتوغلوا داخل أراضي الدولة البيزنطية واصطدموا بجيش الروم ....
وبذلك أعطى السلاجقة دفعة قوية للجهاد ضد الروم الذين عاثوا فساداً أيام البويهيين في أراضي الخلافة العباسية لعدم قدرة الخلافة ولعدم اكتراث أمراء البويهيين بالجهاد، ...
وهذا العمل بهذه الصورة أكسب السلاجقة شعبية كبيرة وسمعة حسنة بين جماهير الناس التي كانت في الماضي القريب ترى وتسمع عن تغطرس الروم وتنادي السلطة بضرورة مجابهتهم دون جدوى .
وكانت السلطة البويهية في بغداد تتداعى بسبب الخلافات بين الأمراء البويهيين من جهة وبين رجال الدولة من جهة أخرى، والانشقاق في صفوف الجيش البويهي وخاصة بين فرعية الرئيسين التركي والديلمي،...
ويبدو أن الدعوة وجهت للسلاجقة لاحتلال بغداد ليس من قبل الخليفة العباسي فقط بل من قبل الوزير رئيس الرؤساء والذي كان على خلاف شديد مع قائد الجيش التركي أبو الحارث البساسيري والذي اعتنق مذهب الفاطميين العبيديين وخطب لهم ...
لقد كان الوضع السياسي في العراق مشجعاً لطغرل بك على دخول بغداد، وهذا ما قام به فعلاً في محرم من سنة 447ﻫ وكان طغرل بك قد أظهر أنه يريد الحج وإصلاح طريق مكة والمسير إلى الشام ومصر والقضاء على حكم المستنصر بالله الفاطمي هناك، ...
فسار إلى همدان وأمر اتباعه بإعداد الأقوات والمؤن ، وأرسل إلى الخليفة العباسي يخبره بأنه يدين له بالطاعة ويستأذنه في دخول بغداد – وهو في طريقه إلى مكه – فأذن له، ودخل العراق عن طريق حلوان من السنة نفسها ....
لقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد ونصروا مذهبها السنّي بعد أن أوشكت على الانهيار بي النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق، والنفوذ العبيدي " الفاطمي" في مصر والشام، فقضى السلاجقة على النفوذ البويهي تماماً وتصدوا للخلافة العبيدية " الفاطمية " ،
وقد استطاع طغرل بك الزعيم السلجوقي أن يسقط الدولة البويهية في عام 447ﻫ في بغداد وأن يقضي على الفتن وأزال من على أبواب المساجد سب الصحابة، وقتل شيخ الروافض أبي عبد الله الجلاب لغلوه في الرفض .
كان النفوذ البويهي الشيعي مسيطراً على بغداد والخليفة العباسي، فبعد أن أزال السلاجقة الدولة البويهية من بغداد ودخل سلطانهم طغرل بك إلى عاصمة الخلافة العباسية بغداد ..
فاستقبله الخليفة العباسي القائم بأمر الله استقبالاً عظيماً وخلع عليه خلعة سنية وأجلسه إلى جواره، وأغدق عليه ألقاب التعظيم، ....
ومن جملتها أنه لقب بالسلطان ركن الدين طغرل بك، كما أصدر الخليفة العباسي أمره بأن ينقش اسم السلطان طغرل بك على العملة، ويذكر اسمه في الخطبة في مساجد بغداد وغيرها، مما زاد من شأن السلاجقة، ...
ومنُذ ذلك الجيل حل السلاجقة محل البويهيين في السيطرة على الأمر في بغداد، وتسيير الخليفة العباسي حسب إرادتهم .
--------------------------------------------------------------------
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 134.
الكامل في التاريخ نقلاً عن الدولة السلجوقية ص 134.
المصدر نفسه ص 134
المنتظم لابن الجوزي (8/10).
الدولة السلجوقية مُنذ قيامها ص 135.
إيران والعراق، حسنين ص 43، الدولة السلجوقية ص135.
دولة آل سلجوق ص 11-67.
راحة الصدور ص 105 الدولة السلجوقية ص 135.
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 135.
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 136.
البداية والنهاية نقلاً عن الدولة السلجوقية ص 136.
الكامل في التاريخ نقلاً عن الدولة السلجوقية ص 136.
الدولة السلجوقية منُذ قيامهاص 136.
الكامل في التاريخ نقلاً عن الدولة السلجوقية ص 137.
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 137.
الكامل في التاريخ نقلاً عن الدولة السلجوقية ص 137.
المنتظم لابن الجوزي نقلاً عن الدولة السلجوقية ص 137.
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 139.
الكامل في التاريخ نقلا عن الدولة السلجوقية ص 141.
نهاية الأرب (26/287) الدولة السلجوقية ص141.
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 141.
الخلافة العباسية السقوط والإنهيار (2/164).
المصدر نفسه (2/165).
الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 145 نقلاً عن الكامل في التاريخ.
قيام الدولة السلجوقية منُذ قيامها ص 145.
السلاطين في الشرق العربي، د. عصام محمد شبارو ص 171.
أيعيد التاريخ نفسه ؟، محمد العبده ص 67.
قيام الدولة العثمانية ص
☆ دولة السلاجقة الصلابي ص 48-43
إرسال تعليق