تاريخ الدولة الأموية (8)
حقيقة الخلاف بين أبي ذر ومعاوية رضي الله عنهما
وموقف عثمان رضي الله عنه منهما .
--------------------------------------------------------------------
● إن مبغضي عثمان بن عفان رضي الله عنه كانوا يشنّعون عليه أنه نفى أبا ذر رضي الله عنه إلى الربذة .
● وزعم بعض المؤرخين : أن ابن السوداء عبد الله بن سبأ لقي أبا ذر في الشام، وأوحى إليه بمذهب القناعة، والزهد، ومواساة الفقراء، ووجوب أنفاق المال الزائد عن الحاجة، وجعله يعيب معاوية، فأخذه عبادة بن الصامت إلى معاوية، وقال له: هذا والله الذي بعث إليك أبا ذر فأخرج معاوية أبا ذر من الشام ...(*1)
● وقد حاول أحمد أمين أن يوجد شبهاً بين رأي أبي ذر، ورأي مزدك الفارسي، وقال بأن وجه الشبه جاء من أن ابن سبأ كان في اليمن وطوّف في العراق، وكان الفرس في اليمن، والعراق قبل الإسلام، فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقَّى هذه الفكرة من مزدكية العراق، واعتنقها أبو ذرّ على حسن النية في اعتقادها . ...(*2)
وكلَّ ما قيل في قصَّة أبي ذرّ، ممّا يُشَّنع به على عثمان باطل لا يُبنى على رواية صحيحة .
وكلُّ ما قيل حول اتصال أبي ذر رضي الله عنه بإبن السَّوداء باطل لا محالة . .....(*3)
--------------------------------------------------------------------
● وتقول تلك الروايات الغير صحيحة التي يقصدها المؤلف :
{ و في عهد أمير المؤمنين عثمان ذي النورين رضي الله عنه ؛ كانت بلاد الإسلام قد امتدت و توسعت ؛ و فاضت الخيرات الي بيت المال من كل مكان ؛ فأفاء عثمان منها على عامة المسلمين ؛ و أرخي قليلا على ولاة الأمصار ذلك الوثاق الشديد و ذلك الزهد الشديد الذي كان عليه عمر رضي الله عنه ؛
و كانت الشام من أكثر بلاد الإسلام خصوبة وخيرا وفيضا, و كان عليها معاوية بن أبي سفيان ؛ و كان سخاءا معطاءا
ينفق في كرم ؛ و قد أقام قصرا فخما يحكم منه ولايته ..
لم يعتد أبو ذر ذلك الترف و لا تلك السعة !!
فطاف في الناس يذكرهم بزهد رسول الله و زهد أبي بكر و عمر !!
فلما بلغ الشام وقف يسائل معاوية في غير خوف عما ينفقه وعن قصره الذي أقامه بالشام !!
و كتب معاوية لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يقول له : " إن أبا ذر قد أفسد الناس علينا بالشام"..
ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه إلي المدينة ...
فلما جاءه قال له : يا أبا ذر عليك بالربذة فالزمها
و كانت الربذة فلاة ( صحراء ) بعيدة منقطعة !!!
فما زال بها و حيدا حتي لقي ربه و لم يجد من يدفنه !!
و مر به ابن مسعود و أصحابه في طريق عودتهم من العراق ؛ فوجدوه على تلك الحال ملقي على قارعة الطريق ؛
كان أبو ذر قد أوصي زوجه أم ذر أن تجعل جثمانه على قارعة الطريق ليراه من مر هناك !! } *انظر الويكيبيديا
--------------------------------------------------------------------
والصحيح : أن أبي ذرّ رضي الله عنه نزل في الربذة باختياره، وأنَّ ذلك كان بسبب اجتهاد أبي ذرّ في فهم آية خالف فيه الصَّحابة، وأصرَّ على رأيه، فلم يوافقه أحد عليه، فطلب أن ينزل بالربذة ، التي كان يغدو إليها زمن النبي صلى الله عليه وسلم،
(*الربذة مكانً في الطريق بين العراق ومكة) .
ولم يكن نزوله بها نفياً قصرياً، أو إقامة جبرية، ولم يأمره الخليفة بالرّجوع عن رأيه، لأن له وجهاً مقبولاً، لكنَّه لا يجب على المسلمين الأخذ به . ....(*4)
وأصحُّ ما روي في قصة أبي ذرّ رضي الله عنه ما رواه البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب، قال:
{ مررت بالرَّبذة، فإذا أنا بأبي ذرٍّ رضي الله عنه فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشَّام، فاختلفت أنا ومعاوية في يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أليم التوبة 34
قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب، فقلت : نزلت فينا، وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليَّ الناس حتَّى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا عليَّ حبشيّاً، لسمعت وأطعت } . ....(*5)
وقد أشار هذا الأثر إلى أمور مهمة منها :
أ ـ سأله زيد بن وهب، ليتحقَّق ممَّا اشاعه مبغضو عثمان : هل نفاه عثمان أو اختار أبو ذرّ المكان؟
فجاء سياق الكلام : أنه خرج بعد أن كثر النّاس عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشَّام،
وليس في نص الحديث : أنَّ عثمان أمره بالذهاب إلى الربذَّة، بل اختارها بنفسه ،
ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر عن عبد الله بن الصَّامت قال: دخلت على أبي ذرِّ عند عثمان، فحسر رأسه، فقال: والله ما أنا منهم ـ يعني : الخوارج ـ فقال : إنَّما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك، إئذن لي بالرَّبذة .
قال: نعم ......(*6)
ب ـ قوله : كنت بالشَّام : بيَّن السَّبب في سكناه الشَّام، ما أخرجه أبو يعلي عن طريق زيد بن وهب : حدَّثني أبو ذرَّ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بلغ البناء ـ أي المدينة ـ سَلْعَاً، فارتحل إلى الشَّام. فلمَّا بلغ البناء سلعاً، قدمت الشام فسكنت فيها .....(*7)
جـ ـ إنَّ قصة أبي ذرِّ في المال جاء من اجتهاده في فهم الآية الكريمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أليم يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التوبة34 ـ 35.
وروى البخاري عن أبي ذرِّ ما يدل على أنَّه فسرَّ الوعيد (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا..... الآية) وكان يخوِّف النَّاس به،
فعن الأحنف بن قيس، قال:
{جلستُ إلى ملأ من قريش في مسجد المدينة، فجاء رجل خَشِن الشَّعر، والثّياب، والهيئة، حتى قام عليهم، فسلَّم، ثم قال: بشرِّ الكانزين بَرضف (ٍ*الحجارة المحمَّاة ،) يُحمى عليه في نار جهنَّم ثم يوضع على حلمة ثَدْي أحدهم، حتَّى يخرج من نُفضي كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، يتزلزل .
(* نفض : العظم الدقيق الذي على طرف الكتف )
ثمَّ ولّى فجلس في سارية، وتبعته، وجلست إليه، وأنا لا أدري من هو، فقلت له : لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت قال: إنَّهم لا يعقلون شيئاً. }
واستدلَّ أبو ذرّ رضي الله عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أحبُّ أنَّ لي مثل أحد ذهباً، أنفقه كُلَّه إلا ثلاث دنانير .....(*8)
د ـ وقد خالف جمهور الصحابة أبا ذرّ، وحملوا الوعيد على مانعي الزّكاة واستدلوا على ذلك بالحديث، الذي رواه أبو سعيد الخدريُّ، قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس دون خمس ذَوْدٍ صدقة وليس فيما دون خمسة أو ست صدقة . ...(*9)
وقال الحافظ ابن حجر : ومفهوم الحديث : أنَّ ما زاد على الخمس ففيه صدقة، ومقتضاه: أنَّ كلَّ ما أخرجت منه الصَّدقة، فلا وعيد على صاحبه، فلا يسمَّى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزاً ، ...(*10)
أن عثمان رضي الله عنه لم ينف أبا ذرِّ رضي الله عنه ، إنما استأذنه، فأذن له ولكنَّ أعداء عثمان رضي الله عنه كانوا يشيعون عليه بأنَّه نفاه، ولذلك لمَّا سأل غالب القطان، الحسن البصري: عثمان أخرج أبا ذرِّ؟ قال الحسن: لا معاذ الله.(*11)
وكل ما روي في إنه أنَّ عثمان نفاه إلى الربَّذة فإنه ضعيف الإسناد، لا يخلو من علة قادحة، مع ما في متنه من نكارة لمخالفته للمرويَّات الصحيحة والحسنة، التي تبيِّن أن أبا ذرِّ استأذن للخروج إلى الرّبذة، وأنَّ عثمان أذن له .. (*12)
بل إن عثمان أرسل يطلبه من الشام، ليحاوره بالمدينة، فقد قال له عندما قدم من الشام : إنا أرسلنا إليك لخير، لتجاورنا بالمدينة ....(*13)
وقال له أيضا: كن عندي، تغدو عليك، وتروح اللقاح ....(*14)
فهل من يقول ذلك ينفيه ؟!....(*15!!)
ولم تنصّ على نفيه إلا رواية رواها ابن سعد، وفيها بريدة بن سفيان الأسلمي الذي قال عنه الحافظ ابن حجر: ليس بالقوي، وفيه رفض. فهل تقبل رواية رافضي تتعارض مع الروايات الصحيحة، والحسنة ؟..... (*المصدرنفسه)
واستغل الرّافضة هذه الحادثة أبشع استغلال، فأشاعوا : أن عثمان رضي الله عنه نفي أبا ذر إلى الربذة، وأن ذلك مما عيب عليه من قبل الخارجين عليه،، أو أنّهم سوّغوا الخروج عليه ...(*15)
وعاب على عثمان رضي الله عنه بذلك ابن المطهّر الحلِّي الشيعي المتوفي سنة 726هـ، بل زاد : أن عثمان رضي الله عنه ضرب أبا ذرٍّ ضرباً وجيعاً
و قد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رداً جامعاً قوياً.(*16)
وكان سلف هذه الأمَّة يعلمون هذه الحقيقة، فإنَّه لما قيل للحسن البصري ِّ: عثمان أخرج أبا ذرِّ؟ قال: لا، معاذ الله.(*17)
وكان ابن سيرين إذا ذُكر له: أنَّ عثمان رضي الله عنه سيَّر (نفى)أبا ذرّ، أخذه أمرٌ عظيم، ويقول: هو خرج من نفسه، ولم يسيِّره عثمان .....(*المصدر نفسه)
وكما تقدم في الرِّواية الصحيحة الإسناد: أنَّ أبا ذرّ رضي الله عنه لمَّا رأى كثرة النَّاس عليه خشي الفتنة، فذكر ذلك لعثمان كأنه يستأذنه في الخروج، فقال له عثمان رضي الله : إن شئت تنحيت ، فكنت قريباً . ...(*18)
كما أن أبا ذرِّ رضي الله عنه لم يتأثر لا من قريب ولا من بعيد بآراء عبد الله بن سبأ اليهوديِّ، وقد أقام بالرَّبذة حتى توفيِّ، ولم يحضر شيئاً مما وقع في الفتن ، ...(*19)
ثمَّ إن أبا ذر قد روى حديثاً من أحاديث النَّهي عن الدخول في الفتنة (*18)، وبعد وفاة أبي ذرِّ رضي الله عنه ضمّ أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه عياله إلى عياله ..(*20)، فرضي الله على جميع الصحابة الأبرار، الطيبين الأطهار
------------------------
اتهام عثمان رضي الله عنه بإعطاء أقاربه من بيت المال
اتُّهم عثمان رضي الله عنه من قبل الغوغاء، والخوارج بإسرافه في بيت المال، وإعطاء أكثره لأقاربه، وقد ساند هذا الاتِِّهام حملة دعائية باطلة قادها أعداء الإسلام ضدَّه، وتسرَّبت في كتب التاريخ، وتعامل معها بعض المفكِّرين، والمؤرخين على كونها حقائق،
وهي باطلة لم تثبت، لأنها مختلقة، والذي ثبت من إعطائه أقاربه أمور تعد مناقبه، لا من المثالب فيه. ..(*21)
إن عثمان رضي الله عنه كان ذا ثروة عظيمة، وكان وصولا للرحم يصلهم بصلات كثيرة وفيرة، فنقم عليه أولئك الأشرار، وقالوا بأنَّه إنما كان يصلهم من بيت المال، ...(*22)
وعثمان قد أجاب عن موقفه هذا بقوله :
{ وقالوا : إني أحبُّ أهل بيتي، وأعطيهم.. فأمّا حبِّي لهم ؛ فإنَّه لم يمل معهم إلى جور ، بل أحمل الحقوق عليهم .. وأما إعطاؤهم، فإني إنّما أعطيهم من مالي ، ولا استحلُّ أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس ،...
وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرَّعية من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر،وعمر،وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي (*يعني صار أسنهم أو أكبر بني أمية عمرا ) ، وفني عمري، وودَّعت الذي لي في أهلي ،قال الملحدون ما قالوا ؟ } ...(*23)
وكان عثمان قد قسم ماله، وأرضه في بني أميه، وجعل ولده كبعض مَنْ يعطي، فبدأ ببني أبي العاص، فأعطى آل الحكم كل رجل عشرة الآف، فأخذوا مئة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص، وفي بني العيص، وفي بني حرب ....(*24)
فهذه النصوص وغيرها وممَّا اشتهر عنه، وما صحَّ من الأحاديث في فضائله الجمّة تدل على أن ما قيل فيه من إسرافه في بيت المال، وإنفاق أكثره على أقاربه، وقصوره حكايات بدون زمام، ولا خطام ....(*25)
إن سيرة عثمان رضي الله عنه في أقاربه تمثِّل جانباً من جوانب الإسلام الكريمة الرحيمة،لقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا الإسراء 26.
كما أنَّها تمثِّل جانباً عملياً من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد رأى عثمان رضي الله عنه من رسول الله وعلم من حاله ما لم ير ،أو يعلم غيره من منتقديه ؛ وعقل من الفقه ما لم يعقله مثله من جمهرة النَّاس،
وكان ممَّا رأى شدَّة حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاربه وبرِّه لهم، وإحسانه إليهم،وقد أعطى عمَّه العَّباس ما لم يعط أحداً عندما ورد عليه مال البحرين ، ...(*26)
ولعثمان ولسائر المؤمنين في رسول الله أعظم القدوة (*27)
وقد ردَّ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ على من اتَّهم عثمان بتفضيله أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال ويقول وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال حتَّى إنَّه دفع إلى أربعمائة نفر من قريش زوَّجهم بناته أربعمائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار (* مليون) .
فالجواب يقال : أين النقل الثابت بهذا؟. نعم كان يعطي أقاربه، ويعطي غير أقاربه أيضاً، وكان يحسن إلى جميع المسلمين، ...
وأمَّا هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت، ثم يقال ثانياً:هذا من الكذب البيِّن، فإنه لا عثمان ولا غيره من الخلفاء الراشدين أعطوا أحداً ما يقارب هذا المبلغ ...(*28)
-------------------------
هل عين عثمان رضي الله عنه أحداً من أقربائه على حساب المسلمين؟
لم يكن عثمان رضي الله عنه عين أحداً من أقاربه على حساب المسلمين ولو أراد أن يجامل أحداً من أقاربه على حساب المسلمين لكان ربيبه محمد بن أبي حذيفة أولى النَّاس بهذه المجاملة،
ولكنَّ الخليفة عثمان أبى أن يوليه شيئاً ليس كفؤاً له بقوله:
{ يابنيَّ لو كنت رضاً ثمّ سألتني العمل، لاستعملتك، ولكن لست هناك} . ....(*29)
ولم يكن ذلك كراهية له، ولا نفوراً منه، وإلا لما جهَّزه من عنده، وحمله، وأعطاه حين أستأذن في الخروج إلى مصر.(*30)
وأمّا استعمال الأحداث فكان لعثمان رضي الله عنه في رسول الله أسوة حسنة فقد جهَّز جيشاً لغزو الرُّوم في آخر حياته واستعمل عليه أسامة بن زيد، رضي الله عنهما (*31)
وعندما توفيِّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم تمسَّك الصديق رضي الله بإنفاذ ذلك الجيش،...
لكنَّ بعض الصحابة رغبوا في تغيير أسامة بقائد أحسن منه، فكلَّموا عمر في ذلك ليكلمِّ أبا بكر، فغضب أبو بكر لمَّا سمع هذه المقالة، وقال لعمر: يا عمر استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتأمرني أن أعزله . ...(*32)
ويجيب عثمان بنفسه على هذه المآخذ أمام الملاء من الصحابة بقوله : ولم أستعمل إلا مجتمعاً(*متزوجا)، محتلماً، مرضياً، وهؤلاء أهل عملهم، فسلوهم عنهم، وهؤلاء أهل بلدهم وقد ولىَّ من قبلي أحدث منهم، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا قيل لي في استعماله لأسامة،أكذلك؟ قالوا: نعم يعيبون للنَّاس مالا يفسرون . (*33)
ويقول عليّ رضي الله عنه : "ولا يولِّ أي : عثمان ـ إلا رجلاً سويا، عدلا، وقد ولىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة وهو ابن عشرين سنة "...(*34)
ولم يكن ولاة الأمصار في عهد عثمان رضي الله عنه جاهلين بأمور الشَّرع، ولم يكونوا من المفرِّطين في الدِّين، وإذا كانت لهم ذنوب، فلهم حسنات كثيرة،
ومع ذلك فإن سيئات وذنوب هؤلاء تعود عليهم ولم يكن لها تأثير في المجتمع المسلم، وقد تتبعنا آثار هؤلاء الولاة أيَّام ولايتهم، ووجدناها عظيمة الفائدة للإسلام والمسلمين، وقد اهتدى على يدي ولاة عثمان مئات الألوف إلى الإسلام، وبسبب فتوحاتهم انضمّ إلى ديار الإسلام أقاليم واسعة،
ولو لم يكن عند هؤلاء من الشجاعة، والدّين ما يحثهم على الجهاد، ما قادوا الجيوش إلى الجهاد، وفيه مظنة الهلاك، وفيه ترك الراحة، ومتاع الدنيا ...
وقد تتبعت سيرة هؤلاء الولاة، فوجدت لكل واحد منهم فتحاً، أو فتوحاً في الجهات التي تجاور ولايته، مع مناقب وصفات حسنة تؤهله للقيادة( حقيقة ولاة عثمان رضي الله عنه.) ..(*35)
إن الذي يرجع إلى الصحيح الممحّص من وقائع التاريخ، ويتتبع سيرة الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين ذو النورين ـ رضوان الله عليهم ـ وما كان لجهادهم من جميل الأثر في تاريخ الدعوة الإسلامية، ..
بل ما كان لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء الأمّة، وسعادتها، فإنه لا يستطيع أن يمنع نفسه عن الجهر بالإعجاب، والفخر كلمّا أمعن في دراسة ذلك من أدوار التاريخ الإسلامي . ..(*36)
إن عثمان رضي الله عنه وولاته انشغلوا بمدافعة الأعداء، وجهادهم، وردّهم، ولم يمنعهم ذلك من توسيع رقعة الدولة الإسلامية، ومدّ نفوذها في مناطق جديدة، وقد كان للولاة تأثير مباشر في أحداث الفتنة حيث كانت التهمة موجهة إليهم، وأنّهم اعتدوا على الناس،
ولكنّنا لم نلمس حوادث معينة يتّضح فيها هذا الاعتداء المزعوم، والمشاع، كما اتُّهم عثمان بتولية أقاربه، وقد دحضنا تلك الفرية، وهكذا نرى: أنّ عثمان لم يألُ جهداً في نصح الأمة، وفي تولية من يراه أهلاً للولاية،
ومع هذا لم يسلم عثمان، وولاته من اتهامات وجهت إليهم من قبل أصحاب الفتنة في حينها،
كما أن عثمان رضي الله عنه لم يسلم من كثير من الباحثين في كتاباتهم غير المحقّقة عن عهد عثمان وخصوصاً الباحثين المحدثين الذين يطلقون أحكاماً لا تعتمد على التحقيق، أو على وقائع محددة، يعتمدون فيها على مصادر موثوقة، فقد تورّط الكثير منهم في الرّوايات الضّعيفة، والرافضّية، وبنو أحكاماً باطلة وجائرة في حق الخليفة الرّاشد عثمان بن عفان،
● طه حسين في كتابه : الفتنة الكبرى،
● راضي عبد الرحيم في كتابه : النظام الإداري والحربي،
● صبحيّ الصالح في كتابه : النُّظم الإسلامية،
● مولوي حسين في كتابه : الإدارة العربية،
● صبحي محمصاني في كتابه: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه، والقضاء،
● توفيق اليوزبكي في كتابه : دراسات في النظم العربية والإسلامية،
● محمد الملحم في كتابه: تاريخ البحرين في القرن الأول الهجري،
● بدوي عبد اللطيف في كتابه: الاحزاب السياسية في فجر الإسلام،
● أنور الرِّفاعي في كتابه : النظم الإسلامية،
● محمد الرّيِّس في كتابه : النظريات السياسية،
● علي حسني الخربوطلي في كتابه : الإسلام والخلافة،
● وأبي الأعلى المودودي في كتابه الملك والخلافة
● سيد قطب في كتابه : العدالة الاجتماعية، وغيرهم .
(*37)
● خالد محمد خالد في كتابيه رجال حول الرسول ؛ وخلفاء الرسول
ولقد أكثر المؤرخون من الحديث عن محاباة عثمان أقاربه، وسيطرتهم على زمام الحكم في عهده، حتّى أثاروا عليه نقمة كثير من الناس، فثاروا ناقمين عليه إطلاقه يد ذوي قرباه في شئون الدولة ،...(38*)
وأقارب عثمان الذي ولاهم رضي الله عنه :
☆ أوّلهم معاوية بن أبي سفيان،
☆والثاني عبد الله بن أبي السرح،
☆ والثالث الوليد بن عقبة،
☆ والرّابع سعيد بن العاص،
☆ والخامس عبد الله بن عامر،
هؤلاء خمسة ولاهم عثمان، وهم من أقاربه، وهذا في زعمهم مطعن عليه
فلو أخذنا إحصائية لوجدنا : أن عدد الولاة في عهد عثمان ستة وعشرون والياً، ألا يصح أن يكون خمسة من بني أمية يستحقون الولاية وبخاصة إذا علمنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوليّ بني أمية أكثر من غيرهم؟
علماً بأن هؤلاء الولاة لم يكونوا كلّهم في وقت واحد، بل كان عثمان رضي الله عنه ولىّ الوليد بن عقبة، ثمّ عزله، فولى مكانه سعيد بن العاص، فلم يكونوا خمسة في وقت واحد،
ولم يتوفّ عثمان إلا وقد عزل أيضا سعيد بن العاص، فعندما توفي عثمان لم يكن من بني أمية من الولاة ألا ثلاثة وهم معاوية، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وعبد الله بن عامر بن كريز فقط،
لقد عزل عثمان الوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، ولكنّه عزلهما من أين؟
من الكوفة التي عزل منها عمر سعد بن أبي وقاص،
الكوفة التي لم ترض بوالٍ أبداً
وعلى ذلك فإن عزلُ عثمان رضي الله عنه لأولئك الولاة لا يعتبر مطعناً فيهم، بل مطعن في أهل الشغب في المدينة التي وُلُّوا عليها . ...(*39)
إن بني أمية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملهم في حياته، واستعملهم بعده من لا يُتهم بقرابة منهم : أبو بكر، وعمر، رضي الله عنهما،
ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمّال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بني عبد شمس !
لأنهم كانوا كثيرين وكان فيهم شرف وسؤددّ، فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم :
☆ عتّاب بن أسيد بن أبي العاص على مكة،
☆ وأبا سفيان بن حرب على نجران،
☆ وخالد بن سعيد على صدقات بني مدحج،
☆ وأبان بن سعيد على بعض السّرايا ثمّ على البحرين
فعثمان رضي الله عنه، لم يستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جنسهم، وقبيلتهم،
وكذلك أبو بكر وعمر بعده فقد ولى أبو بكر :
☆ يزيد بن أبي سفيان في فتوح الشام، وأقرّه عمر، ثمّ ولىّ عمر بعده أخاه معاوية . ...(*40)
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ثبت هؤلاء كفاءتهم أم لا؟
والحقيقة العلمية أن ولاة عثمان أثبتوا كفاءتهم، فالولاة الذين ولاهم عثمان رضي الله عنه من أقاربه قد أثبتوا الكفاءة والمقدرة في إدارة شؤون ولاياتهم، وفتح الله على أيديهم الكثير من البلدان وساروا في الرعية سيرة العدل والإحسان ، ...(*41)
فمثلاً معاوية رضي الله عنه كانت سيرته مع الرعية في ولايته من خير سير الولاة ممّا جعل النّاس يحبونه،
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خيار أئمتكم ـ حكامكم ـ الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلون عليهم ـ تدعون لهم ـ ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم "..(*42)
وقد بين القاضي ابن عربي وأثبت أن رسول الله استكتب معاوية للوحي، وأن سند ولايته الأعمال في الدولة الإسلامية ما لم يكن لأحد قبله، ولم يكن لأحد بعده، حيث أجتمع على توليته : رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده خلفاؤه الثلاثة، ثم صالحه وأقرّ له بالخلافة الحسن بن علي بن أبي طالب . (*43)
--------------------------------------------------------------------
(*1)المدينة المنوّرة فجر الإسلام (2/ 216 ، 217) .
(*2)فجر الإسلام صـ 110 .
(*3) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/217) .
(*4) المدينة المنورة ، فجر الإسلام (2/217) .
(*5) البخاري ، ك الزكاة رقم 1406 .
(*6) فتح الباري بشرح صحيح البخارى(3/274) .
(*7) المدينة المنورة فجر الإسلام (2/219) .
(*8) البخاري : ك الزكاة رقم 1407 .
(*9)البخاري رقم 1405 .
(*10) فتح الباري (3/272) .
(*11)تاريخ المدينة ، ابن شبَّة صـ 1037 ، إسناده صحيح .
(*12)فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه (1/110) .
(*13) تاريخ المدينة صـ 1036 ـ 1037 إسناده حسن .
(*14) الطبقات، لابن سعد (4/ 226 ـ 227 )
(*15) فتنة مقتل عثمان ( 1 / 111 ) .
(*16)منهاج السنة لابن تيمية (6/183) .
(*17)تاريخ المدينة (1037) إسناده صحيح .
(* 18)البخاري ، ك : الزَّكاة رقم 1406 .
(*19؛20) أحداث الفتنة الأولى بين الصحابة في ضوء قواعد الجرح والتعديل ص174.. المصدر نفسه ص174
(*21)تاريخ الطبري (5/314)
(*22)عثمان بن عفان للصَّلاَّبي ص148
(*23)فصل الخطاب في مواقف الأصحاب ص82
(*24 تاريخ الطبري(5/356) .
(*25) فصل الخطاب في مواقف الأصحاب صـ83 .
(*26)البخاري،ك الجزية .
(*27)البداية والنهاية(7/201) .
(*28)منهاج السنة (3/190) .
(*29 ؛*30 ) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (1/247) .
المصدر السابق (1/247)تاريخ الطبري (5/416) .
(*31) تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (1/247)والطبري (5/416)
(*32؛33)تاريخ الطبري (5/416) . ؛ (5/355) .
(*34)البداية والنهاية(7/178) .
(*35)عثمان بن عفان للصّلاّبي صـ 294 .
(*36)حاشة المنتقى من منهاج الاعتدال صـ 390
(*37)الولاية على البلدان (1/222 إلى 232) .
(*38) الدولة الأموية المفترى عليها صـ 159 .
(*39) حقبة من التاريخ صـ 75
(*40)منهاج السنة (3/175،176) .
(*41)تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة (1/417) .
(*42) مسلم، كتاب الإمارة رقم 65 .
(*43) العواصم من القواصم صـ 82 .
** الدولة الأموية عوامل الازدهار ...د.على الصلابي ص57-51 وانظر كتاب قصة الفتنة راغب السرجانى
--------------------------------------------------------------------
أسباب فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه التالى بإذن الله.
تابعوا #الدولة_الأموية_جواهر [8]
إرسال تعليق